تبلغ مساحة الجزائر ما يقارب الـ2,38 مليون كيلومتر مكعب، وهو ما يجعلها أكبر دولة إفريقية والعاشرة عالميا من حيث المساحة. تمثل الصحراء منها ما يقارب 80% من المساحة الإجمالية. علاوةً على ذلك، تمتلك البلاد إمكانات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية، إذ أن إشراق الشمس في الأراضي الجزائرية يتجاوز2000 ساعة سنوياً ليصل إلى 3000 ساعة سنوياً، مما يجعلها خزاناً هائلاً للطاقة الشمسية، فهي تمثل أكبر حقل للطاقة الشمسية في حوض البحر الأبيض المتوسط. وإذا ما تم استغلالها، سيمكنها من إنتاج ما يفوق 169400 تيراواط/ساعة، أي ما يعادل 5000 مرة من الاستهلاك السنوي الوطني للكهرباء.
في السنوات الأخيرة، أظهرت الحكومة الجزائرية طموحاً في استخدام هذا المورد الطبيعي كبديلٍ حقيقي للوقود الأحفوري، ويمكن القول أن تفكير الجزائر في استغلال الطاقة الشمسية ليس وليد اليوم وإنما يرجع إلى الأزمة التي عاشتها الجزائر سنة 1980 نتيجة تهاوي أسعار النفط، إذ قامت بإنشاء المحافظة السامية للطاقات المتجددة سنة 1982. كانت هذه المحافظة مسؤولةً عن إدارة خمسة مراكز بحثية ومحطة تجريبية للأجهزة الشمسية، إلا أن عدم امتلاك الجزائر للتكنولوجيا اللازمة التي تمكنها من استغلال هذا النوع من الطاقات حال دون تقدمها في في هذا المجال.
وفي حديث للدكتورة بوقراص رقية، المختصة في العلاقات الاقتصادية الدولية، نشر لها على موقع سي إن إن بالعربية في شهر مايو 2016، أرجعت تأخر الجزائر في استغلال الطاقة الشمسية مقارنة بدولٍ مجاورة إلى امتلاكها لبدائل الطاقة التقليدية (البترول والغاز) وغياب الإرادة السياسية.
وذهب الدكتور شكيب خليل، وزير الطاقة الجزائري الأسبق والخبير الدولي في الشؤون العامة، في حديثٍ له ليومية الحوار تداوله موقعها الالكتروني بتاريخ 12 مايو 2017 ، إلى أن فشل الجزائر في استغلال الطاقة الشمسية راجع إلى التكلفة الباهظة لاقتناء وتركيب الألواح الشمسية المستعملة في استقبال أشعة الشمس، بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة مقارنة باستعمال الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء.
إن هذا التأخر في استغلال الطاقة الشمسية يرجع كذلك إلى سوء استغلال الفرص التي أتيحت للسلطات الجزائرية في هذا المجال، ولعل أبرز مثال على ذلك هو مشروع ديزيرتيك لاستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. المشروع الذي تشرف عليه المؤسسة الألمانية ديزيرتيك، أطلق سنة 2009 من طرف مجموعة من البنوك والمؤسسات الألمانية لإنتاج ما يقارب 20 % من احتياجات الطاقة للسوق الأوروبية لترتفع مع حلول 2025 إلى حوالي 50 % لكل من المنطقة الأوربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب تقديرات المركز الفضائي الألماني.
كان المشروع مبرمجاً في البداية ليتم تنفيذه في صحاري عدة دول بالمنطقة، لكن في الأخير تم توجيه الأنظار نحو الجزائر لإقامة هذا المشروع الضخم. إلا أن المفاوضات التي جمعت الجزائر بألمانيا لم تكلل بالنجاح، والسبب في ذلك هو العقبات الكثيرة التي فرضها الطرف الجزائري ومرد ذلك حسب عديد الخبراء والمحللين الاقتصاديين هو البحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي جعل المشروع لا يدخل ضمن أولى اهتماماتها في ذلك الوقت مما ساهم بقسط كبير في ضياعه منها
الأمر لم يتوقف عند مشروع ديزيرتيك، حيث حاولت الجزائر تدارك ما فاتها من خلال وضع برنامج وطني لاستغلال الطاقات المتجددة، يمتد هذا البرنامج من سنة 2011 وإلى غاية سنة 2030، وهو ما يعني وجود إستراتيجية طويلة المدى وواضحة المعالم لترقية إنتاج واستغلال الطاقات المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية. يهدف هذا البرنامج إلى تلبية احتياجات السوق الوطنية من الطاقة الكهربائية بما يعادل 22000 ميغاواط، وهو ما يمثل نسبة 27 % من الاستهلاك السنوي الوطني للكهرباء، منها 13575 ميغاواط سيتم إنتاجها باستغلال الطاقة الشمسية، أما البقية فيتم الاعتماد في إنتاجها على طاقة الرياح، والطاقة الحرارية، والطاقة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية والتوليد المشترك للطاقة. تبلغ تكلفة هذا البرنامج الطموح ما قيمته 120 مليار دولار، يتم تمويله اعتماداً على مصادر تمويلية خارجية ومن ممولين محليين خواص، حيث شرعت سوناطراك، المؤسسة الجزائرية المختصة في مجال الطاقة، في البحث عن شركاء أجانب لبدء تنفيذ الجزء الأول من هذا البرنامج، والمتمثل في بناء محطة لإنتاج 4000 ميغاوات من الطاقات المتجددة.
قامت شركة سوناطراك الجزائرية وشركة إيني ENI الايطالية بالتوقيع على اتفاق استراتيجي في نوفمبر من سنة 2016، ويتعلق الأمر بتطوير مشاريع الطاقات المتجددة، وخاصة الشمسية منها، وهذا من أجل الوصول إلى تغطية الطلب المحلي بنسبة 40% من الطاقات البديلة. وبعد الإعلان عن المشاريع المقترحة في إطار الشراكة بين الشركتين، قدمت 34 شركة، منها مؤسسات فرنسية وايطالية متخصصة في مشاريع الطاقة الشمسية، رغبتها للترشح لانجاز المشاريع. من جهتها، أعلنت مؤسسة كوندور الرائدة في مجال الإلكترونيك في الجزائر عن إنتاجها للصفائح المستعملة في محطات الطاقة الشمسية، وقد تم تصميمها بأحجام مختلفة لتلائم محطات الطاقة الشمسية، والمنازل، والكهرباء الريفية، وإنارة الشوارع والري الزراعي.
وبغية تحقيق الهدف المنشود من البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، قامت الجزائر بتشييد العديد من محطات الطاقة الشمسية عبر كامل ربوع الوطن، وتعد محطة الجلفة، التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 350 كلم، وتعتبر بوابة للصحراء الجزائرية، بمنطقة عين الابل الأكبر وطنياً من حيث قدرة إنتاجها، إذ تضم 190000 لوحة شمسية، بلغت تكلفة انجازها ما يزيد 11 مليار دينار جزائري (93 مليون دولار).
وخلال ملتقى حول الموضوع نظم تحت الرعاية السامية للوزير الأول السابق السيد عبد المالك سلال سنة 2016 بعنوان “التحول الطاقوي بين التحديات الاقتصادية والرهانات البيئية،” تم من خلاله عرض واقع الطاقات المتجددة في الجزائر ومن بينها الطاقة الشمسية، والتي تعرف تنافساً دولياً. فقد صرح الخبير الفرنسي جيل بونافي أن الجزائر لا تستغل سوى 0.003 % من طاقتها الشمسية لإنتاج الكهرباء، وهذا رغم المؤهلات الكبيرة التي تتمتع بها الصحراء الجزائرية الشاسعة والمترامية الأطرف. ووفقاً لإحدى التقديرات، إن ما مساحته 254 كيلو متر مربع في الصحراء قد يكون كافياً لتوفير مجمل الاستهلاك العالمي للطاقة، أي ما يعادل نحو 37 ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في العام.
وبحسب صحيفة الحوار، فقد كانت الجزائر سباقة لإنشاء أول محطة طاقة هجينة، تجمع ما بين الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، تقع بمنطقة حاسي رمل وبطاقة إنتاج قدرها 150 ميغاواط. وفي تقريرٍ لشبكة سكاي نيوز عربية صادر على موقعها الالكتروني بتاريخ 29 يناير 2019، عنونت هذه الأخيرة أن الجزائر تتوجه نحو استعمال الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء، إذ تخطط في هذا الإطار لإطلاق عدد من المشاريع الخاصة بالطاقات المتجددة هذا العام، في ظل سعيها لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء ومن أجل توفير الغاز للتصدير تدعيماً لخزينة الدولة من العملة الصعبة. ووفقاً لذات التقرير، فإن الجزائر ستطلق قريباً مشروعاً أمام المؤسسات المحلية والأجنبية من أجل بناء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 150 ميغاوات.
وذكر التقرير كذلك أن متوسط نمو الطلب على الكهرباء محلياً بلغ نسبة 6.91 سنوياً، وهو ما يبرز التحديات التي تواجه الجزائر مستقبلاً من ناحية إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتنامي.
وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر تنتج 98% من الكهرباء حالياً باستعمال الغاز الطبيعي. ويؤكد الخبراء أن الطاقة الشمسية التي تزخر بها الصحراء الجزائرية ستشكل مستقبل التنمية فيها ومن المنتظر أن تلقى إقبالاً استثمارياً كبيراً، بالنظر لزيادة الطلب عليها، كما أن السلطات الجزائرية تتوجه لدعم الطاقات المتجددة بمختلف أشكالها. يرجع ذلك لما للمشاريع المتعلقة بالطاقة الشمسية من أهمية بالغة على مستوى المناطق التي تنجز فيها، إذ أنها تسهم في توفير الطاقة الكهربائية محلياً، إضافة لخلق الثروة واستحداث مناصب الشغل.
وتحاول الجزائر في الآونة الأخير استدراك ما فاتها من وقتٍ من خلال تكثيف الجهود في مجال فتح المجال للاستثمار في الطاقات المتجددة ومنها الطاقة الشمسية حيث كان مؤخرا لقاء جمع وزيرة البيئة والطاقات المتجددة السيدة فاطمة الزهراء زرواطي مع سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر، جون أورورك ، في 27 يماير 2019، إذ تطرق الطرفان إلى المشاريع المستقبلية المتعلقة بالطاقات المتجددة، وكذا سبل دعمها وترقيتها خاصة في المناطق الجنوبية المعزولة عن شبكة التوصيل بالكهرباء.