وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قناة السويس الجديدة- رؤية طموحة في طور الاعداد

The Suez Canal near Port Said / Photo Corbis
قناة السويس بالقرب من بورسعيد / Photo Corbis

بعد شهرين من توليه كرسي الرئاسة، أعلن عبدالفتاح السيسي عن مشروعٍ ضخم أطلق عليه “قناة السويس الجديدة”، واعداً بدفع عجلة الاقتصاد المتعطّل عبر تدفق إيرادات ضخمة للخزينة المصرية، مما حذا بالإعلام المصري إلى تشبيهه بالزعيم البطل جمال عبدالناصر عندما قرر بناء السد العالي في أسوان قبل أكثر من أربعين عاماً.

يهدف المشروع إلى تطوير وتوسعة قناة السويس، أحد أهم الطرق التجارية التي تربط أوروبا بآسيا، وأحد أكبر مصادر العملات الأجنبية لمصر والمنطقة والمُدن المحيطة بها. ينطوي المشروع على تعميق أجزاء من القنّاة الأصلية وشق قناة موازية بطول 72 كيلومتر تسمح بعبور السفن في اتجاهين في ذات الوقت. وفي المرحلة الثانية، سيتم حفر 6 أنفاق جديدة أسفل القناة للربط بين البر الرئيسي في مصر وشبه جزيرة سيناء فضلاً عن تطوير منطقة الميناء وما حولها.

وباعتباره أول مشروع من عدة “مشاريع وطنية” واعدة، حثّ السيسي المصريين على توحيد الصفوف بشكلٍ تام ودعم رؤيته والمشروع، والابتعادعن الاستثمار والتمويل الأجنبي. بدلاً من ذلك، اقتصر تمويل المشروع على المصريين فقط (في داخل البلاد وخارجها)، من خلال عرض الشهادات الأولية للإكتتاب العام في سوق الأسهم.

بعد دعوته هذه، هرع ملايين المصريين لشراء شهادات الإستثمار في المشروع، الذي قدّم عائد ثابت مغرٍ نسبة 12% حال استحقاقها بعد 5 سنوات من شرائها، وذلك لتوفير ما قيمته 8,4 مليار دولار اللازمة لتوسيع القناة وإنشاء ستة أنفاق جديدة ووادي التكنولوجيا في مدينة الاسماعيلية. ووفقاً للمركز المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة”، سحب أكثر من نصف هؤولاء المستثمرين ودائعهم في البنوك وتم تحويلها لشهادات قناة السويس.

بدأ الناس بالمقارنة بين السيسي، الجنرال الذي نزع بزته العسكرية ليصبح رئيس الجمهورية، وجمال عبدالناصر- الزعيم المصري المحبوب الذي، بعد سلوكه مساراً مماثلاً نحو كرسي الرئاسة، عمد إلى تأميم قناة السويس، عندما كان يبلغ آنذاك 38 عاماً، متحدياً بذلك سيطرة الدول الغربية على الممر المائي. بعد هذا القرار، التف الشعب بأكمله دعماً للزعيم جمال عبدالناصر ووعودِه بازدهارالاقتصاد مجدداً من عائدات قناة السويس، وخصوصاً بعد انتصاره ضد العدوان الثلاثي الفاشل على مصر من قِبل كل من انجلترا وفرنسا واسرائيل. يتبّع السيسي نهجاً مماثلاً بالتركيز على الإعتزاز بالقومية وعلى وجه الخصوص بعد أن فنّد مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي حول الإنقلاب الذي أوصله إلى السلطة. كما شنّ كلاهما، عبدالناصر والسيسي، حملةً وطنية لمحاربة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

وعدّ السيسي بأنّ مشروع قناة السويس الجديدة سيعمل على دفع عجلة الإقتصاد في البلاد التي تعاني في الأصل اكتظاظاً سكانياً وتهاوي اقتصادها. وكما هو مأمول، يتوقع أنّ يوفر المشروع مليون فرصة عمل جديدة للمصريين، الذين عانوا طويلاً من ارتفاع معدلات البطالة.

وعدّ مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، أنّ إيرادات المشروع ستكون أكثر من ضعف الإيرادات الحالية للممر المائي، أي ستقفز من 5 مليار دولار إلى 13,5 مليار دولار أمريكي، بحلول عام 2023. سيتحقق ذلك من خلال الممر المزدوج وتقليص فترة انتظار السفن، مما يسمح بعبور 87 سفينة يومياً بدلاً من الحدّ الأعلى الحالي البالغ 49 سفينة.

مع ذلك، لا يعني توسيع القناة بالضرورة زيادة حجم التجارة من السفن العابرة، إذ سيعتمد هذا على حجم التجارة العالمية. فضلاً عن ذلك، يتم أيضاً تطوير قناة بنما، التي تعتبر أيضاً طريقاً تجارياً غاية في الأهمية بين آسيا والأمريكيتيين، لاستيعاب المزيد من الحركة.

قيود الوتيرة المتسارعة لعمليات الحفر

قناة السويس / Photo Corbis
قناة السويس / Photo Corbis

عندما أعلن مميش بدايةً عن المشروع، كانت الخطة تقتضي الإنتهاء من عمليات حفر القناة الجديدة في غضون ثلاثة سنوات. ولكن، خلال المؤتمر الصحفي، أكدّ السيسي أنه ينبغي الإنتهاء من حفر القناة الجديدة في غضون عامٍ واحد فقط. إنّ حفر القناة الجديدة وتوسعة أجزاء من القناة القديمة جزء من عملية معقدة، حيث أثار بعض المشككين المخاوف من أنّ تقليص الجدول الزمني من 36 شهراً إلى 12 شهر لا يمت للواقع بصلة.

لأسبابٍ أمنية، تم إيلاء مهمة الإشراف على المشروع بأكمله إلى الجيش. وبالرغم من مشاركة العديد من الشركات في المشروع، إلا أنها جميعاً خاضعة لإشراف الجيش. تمت إحالة عملية الحفر الفعلي لمشروع قناة السويس الجديدة على تحالف “دار الهندسة”، الشركة بحرينية الأصل، التي تعتبرالهيئة الهندسية للقوات المسلحة شريكاً لها.

وحالما تم الإعلان عن المشروع، بدأت محطات التلفزة ببث مشاهد لجرافات تحفر على مدار الساعة في مساعيهم لبلوغ الهدف المرجو. ومع ذلك، المهلة الزمنية الضيقة التي وعدّ بها السيسي أجبرت الجيش على التعاقد مع شركات أجنبية للمساعدة في الحفر، خلافاً للخطة الأصلية التي تعتمد حصرياً على شركات مصرية، وبخاصة مع بدء أول تحديات المشروع المتمثلة في المشاكل الفنية والتحوّل من الحفر الجاف إلى الحفر تحت المياه (التجريف) بسبب ظهور المياه في موقع الحفر.

يعتبر الحفر تحت المياه- إزالة الطين والرمال تحت الماء- أكثر صعوبةً وتكلفةً من الحفر الجاف. في الأصل، كان من المخطط أنّ تكون الحفريات في التربة الجافة، ولكن بدأت المياه بالتسرب إلى القناة الجديدة من الممر المائي القديم مع بدء الجرافات نقل الأتربة. وبحسب ما ورد، توجب على الشركات المتعاقدة نقل أكثر من مليون متر مكعب من الأتربة تحت الماء يومياً. تسبب هذا بإضافة نفقات غير متوقعة إلى المشروع، وزيادة نفقات القناة الجديدة أضعافاً مضاعفة.

أثار هذا المخاوف حول نوعية الدراسات التي يتم إجراؤها قبل الشروع بمثل هذه المشاريع الضخمة، أو حتى فيما إذا تم بالفعل إجراء أي نوعٍ من الدراسات. وبالإضافة إلى النفقات غير المتوقعة للحفر تحت المياه، أثيرت العديد من المخاوف البيئية من قِبل العلماء حول هذا المشروع الضخم. في أواخر شهر نوفمبر 2014، نشرت ورقة بحثية في بيولوجيكال إنفيجنز واصفين عملية التوسيع ونقص الإشراف البيئي “بما لا يحمد عقباه” حيث وثق العلماء بالفعل انتقال أكثر من 350 كائن حي غير أصلي عبر قناة السويس القديمة من البحر الأحمر وتكوينها مجموعات في البحر المتوسط. والآن، يخاطر المشروع الجديد بمضاعفة هذا العدد، مما يعني إنهاك النظام البيئي في البحر الأبيض المتوسط.

مشروع قناة السويس الجديدة، كحال المشاريع الأخرى التي أعلن عنها السيسي، مشاريع ضخمة وواعدة. ويُحذر المشككون من أنّ كلا رئيسي مصر، مبارك والسيسي، لديهما تاريخ بالإعلان عن مشاريع ضخمة لم يتم تحقيق المراد منها قط، تماماً مثل مشروع توشكي في عهد حسني مبارك، الذي كان يهدف إلى استصلاح ملايين الفدادين الصحراوية للزراعة والذي مُنيّ بفشلٍ ذريع.

تداعب هذه المشاريع الكبيرة مخيلة المصريين، الذين يملكون باعاً طويلاً في دعم الحركات القومية والتأييد الكامل للجيش. ولكن في ظل الدعم المطلق الذي يحظى به السيسي من قِبل وسائل الإعلام والغالبية العُظمى من المواطنين، قد لا يكون عُرضة للمساءلة في حال فشلت مشاريعه الضخمة في ملامسة الطموحات التي وعد بها.