وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أحمد منصور: صحفي ذائع الصيت ومثير للجدل

أحمد منصور. Photo Corbis

مما لا شك فيه بأن عملية إحتجاز الاعلامي المصري أحمد منصور في مطار برلين منتصف شهر يونيو 2015 قد شكلت فارقة مهمة على صعيده الشخصي، فقد اصبح من اشهر الاعلاميين العرب من ناحية ومن ناحية اخرى زاد الخلاف بشأنه ما بين مؤيد ومعارض لاسلوبه الاعلامي.

من هو أحمد منصور؟ شخصية أحمد منصور، الاعلامي لدى قناة الجزيرة القطرية، الذي يتسم بإبتسامة دائمة على وجهه، و صاحب الميول الاسلامية، معروف لدى المشاهد العربي بأسئلته التي تتخطى في بعض الاحيان المهنية وتصل الى حد الإستفزازية. هذه الشخصية ليست بالشخصية المبهمة التي خرجت للتو على الصعيد الاعلامي، إذ ذاع صيته بشكل قوي لدى المشاهد العربي منذ اكثر من عشرة أعوام بتغطيته لمعركة الفلوجة عام 2004 إبان دخول القوات الامريكية العراق. علاوة على ذلك تعرف عليه المشاهد العربي كمقدم برامج اسبوعية في قناة الجزيرة القطرية.

ينحدر أحمد منصور من مدينة سمنود بالدقهلية، ولقد تجاوز عمره العقد الخامس من الزمن، وحاصل على بكالوريوس في الآداب من جامعة المنصورة. بدأ حياته المهنية كمراسل أخبار بتغطيته الحرب في أفغانسان بين عامي 1987 لغاية عام 1990، والحرب في البوسنة والهرسك عام 1994، بالاضافة إلى تغطيته للحرب الأمريكية على العراق عام 2004. وبلا ادنى شك، قد ساهم عمله الميداني في بلورة شخصيته المحورية في إعداد وتقديم برامج ذات نكهة خاصة في قناة الجزيرة القطرية. فلقد حظي برنامجيّ “بلا حدود” و “شاهد على العصر” بنسبة متابعة عالية تقدر بالملايين ولقيا نجاحاً باهراً لدى المشاهد العربي، حيث استطاع الاعلامي منصور بخبرته الولوج الى أسئلة في العمق مع ضيوفه، والحصول على معلومات تنشر لأول مرة، وخاصة في برنامج “بلا حدود”، مما أوجد إهتمام بالغ للمشاهد العربي وأرتفعت نسبة المشاهدة لهذان البرنامجان بعشرات الملايين.

لا يستطيع أحد أن ينكر بأن مقدرته الاعلامية باستضافة شخصيات ذات ثِقل أو مثيرة للجدل جعلت منه أحد الاعلاميين المشهوريين ذو الصيت العالي، ولكن ما يميز احمد منصور عن غيره من الاعلاميين المشهورين، الذين يلتزمون الصمت حيال ميولهم السياسي، مواقفه الاعلامية الأخيرة في الشأن السياسي. فالمعروف أن احمد منصور من المدافعين عن حركة الإخوان المسلمين، إن لم يكن أحد اعضائها كما يتم تصنيفه من قبل الاعلام المصري الرسمي. فقد هاجم منصور نظام السيسي بقوة وأنتقد الدول الحليفة للنظام مثل الامارات العربية، وعمل جاهداً منذ سقوط حكومة محمد مرسي، العضو في جماعة الإخوان المسلمين، في إظهار الحكومة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي بالدكتاتورية.

هذه المواقف ليست بالشيء المستهجن حيث يرى بعض الاعلاميين بأن النظام المصري الحالي قد اطاح بمرسي، الرئيس المنتخب، بدون وجه حق وبأسلوب تآمري من الجيش والسلطة القضائية والإعلام.

لكن الملفت للنظر هو الموقف السياسي الجديد لمنصور المتمثل في مقالتين ضد قيادة الأخوان المسلمين. انتقد الاعلامي منصور في مقالة له بداية العام بتاريخ 7 يناير 2015 ما وصفه بـ “استبداد وتسلط” قيادات جماعة الأخوان المسلمين، داعياً الى إجراء تغييرات في صفوف القيادة التي أتهمها بأنها ساهمت في وصول الجماعة إلى وضع ترهل وتكلس، ويرجع السبب في ذلك الى اللوائح الإدارية البالية التى مر عليها عشرات السنين دون تعديل والتي لا تهتم بمحاسبة القائد عند الخطأ. وفي مقالة آخرى له بتاريخ 22 مارس 2015 هاجم منصور التنظيم الدولي للأخوان المسلمين وأتهمه بالإختراق وطالب بحله أو تجميده، لاسيما وأنه لا توجد له أي إنجازات ملموسة منذ تأسيسه قبل حوالي ثلاثين عاما. وكرر مرة آخرى بأن غياب المحاسبة والشفافية وغلبة السياسة الأبوية وإحسان الظن أصبحت معول هدم داخل الجماعة.

هاتان المقالتان ذات الموقف اللاذع ضد حركة الاخوان المسلمين لم يكن ليتجرأ أحد على التلفظ بها لولا شعور بعض قيادات الصف الثاني والثالث في حركة الأخوان المسلمين بأنه قد بلغ السيل الزبي وقد حان وقت التغيير. حقيقة مواقف منصور الإعلامية تدل على فرضيتين لا ثالث لهما: إما أن يكون مطلع بشكل كبير على حركة الأخوان من الداخل، وإما أن يكون أحد اعضاء تنظيم الأخوان من الصفوف المتقدمة. الفرضية الثانية أقرب للصواب كون حركة الأخوان المسلمين هي حركة تتسم بالسرية في كثير من أمورها الداخلية ولا يطلع على أسرارها الا القليل واصحاب الشأن من أبناء الحركة.

الاعلامي أحمد منصور برز بقوة مرة أخرى على الواجهة وواجه انتقاد شديد من قبل الاعلام المجتمعي عندما استضاف أمير جبهة النصرة، فرع القاعدة في الشام، أبو محمد الجولانى الذي يصنف من غالبية دول العالم بقيادة تنظيم ارهابي كبير في احدى مناطق شمال سوريا. الملفت للنظر بأن منصور قدم الجولاني وكأنه مناضل من أجل الحرية في سوريا وأراد بأسئلته تقديمه وكأنه يبرر افعاله في القتال الدائر في سوريا. والمعروف بأن تنظيم جبهة النصرة اقل تطرفاً من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام المعروف بـ”داعش”، ولكن تبرير قتالها والتقليل من رديكاليتها لا يعتبر بالشيء الهين لدى الجمهور العام العربي وبالتالي كان هناك انتقاد شديد له ولاستضافته للجولاني التي تعتبر بحق وبوجهة نظر غالبية المجتمعات العربية بالارهابية والتكفيرية.

فضلاً عن ذلك، فقد أجرى أحمد منصور مقابلة أخرى مثيرة للجدل مع احد الاسرى الطيارين السوريين لدى جبهة النصرة. السؤال الذي طرح نفسه بإستمرار هو كيف يمكن لإسير أن يجري مقابلة مع الاعلام بحرية؟ بعض الاسئلة الموجهه من قبل الاعلامي منصور للاسير كانت ذات صبغة تجرمه على تبعيته للنظام السوري ولأصله العلوي. المتابع للمقابلة يجد أن غالبية الاسئلة ذات خلفية امنية أيضاُ، مثل انواع الاسلحة وطبيعة المهام الملقاة على الطياريين.

هنا كان التساؤل من قبل المشاهد العربي على صفحات التواصل الاجتماعي الى أي مدى يعتبر منصور اعلامي مهني؟
هنا يبرز السؤال مرة أخرى: من هو أحمد منصور؟ هل هو صوت الاعلام الحاد أمام غطرسة السياسة لدى النظام المصري والنظام السوري؟ أم أنه سياسي أكثر من كونه مجرد صحفي مستقل؟

لقد سبب إحتجاز احمد منصور في مطار تيغيل في برلين منتصف يونيو 2015 وإعتقاله على ذمة التحقيق لثلاث أيام إثر مذكرة إعتقال صادرة من قبل النيابة المصرية ومحولة الى الأنتربول الدولي التي رفضها بدوره، حالة من الاهتمام الاعلامي غير المسبوق في المانيا وأوروبا وأمريكا بالإضافة للاعلام العربي. الوضع القانوني لمنصور أوجد نوع من الحرج للحكومة الألمانية التي اتسقت مع نظام مصري أقل ما يقال عنه بأنه لم يستقر بعد ويعاني الكثير من الاضطرابات السياسية والامنية. النائب العام الألماني حسم أمره بعد أقل من ثلاثة أيام وأفرج عن منصور بعد هياج قانوني وسياسي وإعلامي. وخلال الساعات الأولى لاحتجاز منصور خرجت التصريحات المنددة بالاحتجاز من قبل نقابة الصحفيين الألمانية والبريطانية ومن الاتحاد الدولي للصحفيين. الجانب السياسي اهتم ايضا لأمر اعتقاله على ذمه التحقيق، حيث بادر الرئيس التركي اردوغان و أعضاء بارزين من قبل الاحزاب الألمانية الحاكمة (الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي) بالإضافة إلى المعارضة التي استنكرت إحتجاز منصور وأعتبرته إهانة للديمقراطية الألمانية.

بفعل حادثة الإعتقال في المانيا والافراج عنه اصبح منصور من أشهر الاعلاميين العرب في العالم. ترتب على هذه الحادثة أثرين سلبيين سيبقيان لفترة من الزمن. أولاهما هي مصداقية الحكومة المصرية التي اصبحت على المحك في سياسة تلفيق التهم الجنائية لأي معارض سياسي أو إعلامي. أما الأثر السلبي الثاني متعلق بالقضاء الألماني، فعملية إحتجاز صحفي بهذا الاسلوب المهين على خلفية معلومات من قبل حكومة لا تصنف بالديمقراطية من وجهة نظر ألمانية تعتبر فضيحة للقضاء الألماني بكل المعايير، إذ أن الإعلام الألماني بدأ بالفعل ينتقد دولة القانون الألمانية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles