رئيس هيئة الأركان العامة السابق في الجيش الاسرائيلي، والأمل على الصعيد السياسي، بيني غانتس، يعني الكثير للعديد من الناس. بالنسبة لمؤيديه، يُنظر إليه غالباً باعتباره “غير سياسي” أو “مناهض للسياسة،” شخص من خارج النظام، بلا خلفية سياسية لتشويه صورته النزيهة وعدم التزامه الأخلاقي لأي جماعة أو حزب. وبالفعل، فقد رفض باستمرار محاولات مواءمته مع حزبٍ معين، مؤسساً حزبه الخاص، حزب مناعة إسرائيل، في ديسمبر 2018.
وبتجنبه، كما قال، تجسيد خصائص اليمين أو اليسار، ظل محافظاً على صمتٍ مطبق طوال أشهر، حيث لم يجذب فحسب المصلحة العامة، بل أيضاً دعم الجمهور. ومع الانتخابات العامة المقررة في أبريل 2019، ظهر باعتباره المرشح الوحيد الذي يمتلك فرصةً حقيقية للإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وعلى الرغم من كونه دخيلاً على الوسط السياسي، إلا أن غانتس شخصية مألوفة في السياسة الإسرائيلية. فقد ولد وترعرع، وهو أيضاً ابن ناجيةٍ من الهولوكوست في أوروبا الشرقية، في مزرعةٍ تعاونية جنوب اسرائيل. التحق بالجيش وارتقى من خلال الرتب إلى منصب ضابط. كان صعوده العسكري ثابتاً ولكن سريعاً، حيث بدا وكأنه على وشك التعثر قبل ظفره بالمنصب الأهم، رئيس هيئة الأركان، ليتمكن في النهاية من استعادة الزخم عندما تم اختياره كخيارٍ توافقي في عام 2011 بعد اقتتالٍ سياسي وعسكري.
واليوم، بعد أن أصبح غانتس سياسياً، أصبح مشواره العسكري تحت مراقبةٍ شديدة من خصومه السياسيين. في الواقع، كان يعتبر بشكلٍ عام قائداً متأنٍ وحذر نسبياً، الذي عارض، على سبيل المثال، اقتراح نتنياهو بمهاجمة إيران، و”رجل نبيل وضابط” هادىء ومنطقي، كما وصفه نتنياهو ذات مرة. الانتقاد الرئيسي الذي وجهه إليه العديد من الأحزاب اليمينية هو أنه “يساري.”
يتوقع معظم المعلقين أنه سيجذب أصواتاً من اليسار الوسط، في حال لم يتم تدميره. لا يمكن فهم هذا التوقع إلا إذا ما اعتبر المرء حزب العمل حزباً يسارياً، وليس واحداً من الأحزاب الوسطية العديدة الذي بات عليه في السنوات الأخيرة.
وقبل أيامٍ فحسب من إطلاق حزب مناعة إسرائيل عبر التلفزيون في 29 يناير، نشر غانتس فيديو يوضح المواقف التي سيقدمها قريباً. الفيديو، الذي كان القصد منه الرد على تهم الحزب باليسارية، كان ملخصاً مصوراً لـ”إنجازاته” كرئيسٍ لهيئة الأركان الذي قاد تدمير غزة عام 2014 وكان له دورٌ أساسي في اغتيال أحد قادة حماس. فهو يعتقد أن هذه السيرة الذاتية الصريحة والقاسية هي المفتاح لقلوب الناخبين، وهو الأمر الذي تجلى في أول خطابٍ له. وكما لخصت إحدى الصحف الأمر، فقد ظهر “أكثر قساوةً ولكن أكثر طُهراً من [نتنياهو].”
ومن دون الإشارة صراحةً إلى حل الدولتين أو احتلال الأراضي الفلسطينية، تحدث عن الاستعداد للسعي إلى السلام، ولكن في حال فشل ذلك، فإنه “سيشكل حقيقة جديدة” لإسرائيل “كدولةٍ قوية يهودية وديمقراطية.” ويمكن قراءة ذلك على أنه تنازلٌ إقليمي محتمل لأسباب ديموغرافية. وبالمثل، فإن ذكره للجدار الفاصل ربما كان بمثابة تلميحٍ إلى حدودٍ مستقبلية.
وفي الوقت نفسه، أعلن بكل صراحة عن ولائه لأفكار “القدس الموحدة” كعاصمة أبدية لإسرائيل، ووادي الأردن كحدود شرقية آمنة لإسرائيل والسيطرة الإسرائيلية على الأمن في “أرض إسرائيل” بأكملها (المواقف التي كانت عقبات في طريق التوصل إلى اتفاق سلام مع الأردن في الماضي ومع الفلسطينيين حتى يومنا هذا)، والسيطرة الدائمة على مرتفعات الجولان وتعزيز الكتل الاستيطانية.
كان هذا مصحوباً بتهديداتٍ صريحة لقادة إيران والجماعات المتشددة، حزب الله وحماس، بأفعال وليس مجرد كلام، حيث حذر حماس بقوله “لا تختبروني مجدداً.” وفي حال لم تكن رسالته واضحة، فقد قدّم رجله الثاني، يوشيه يعلون، وزير الدفاع السابق. فقد صرّح يعلون رفضه لإقامة دولةٍ فلسطينية، إذ يؤمن أنه لا توجد فرصةٌ للسلام مع الفلسطينيين، ويدعم الاستيطان اليهودي في جميع أرجاء اسرائيل.
قضى غانتس الكثير من الوقت في خطابه الأول منتقداً فساد نتنياهو وخيانته للأمانة وتعزيزه الانقسام، لكن كل الأحزاب الأخرى تفعل ذلك على أساسٍ منتظم. إذاً، ما هو سر استمالة غانتس لليسار وتهديده المفترض لليسار الوسط؟ وهو المرشح الوحيد الذي يتمتع بفرصة هزيمة نتنياهو، إذ يواجه الأخير حالياً لائحة اتهامٍ محتمل في ثلاث قضايا رشوة.
بالنسبة للعديد من الناخبين، يعدّ هذا سبباً كافياً لدعمهم غانتس. وعلاوةً على ذلك، يمثل انتخاب غانتس خطوة أولى نحو عكس اتجاه انجراف البلاد إلى اليمين، تاركاً وضع السياسات والخطط للائتلاف الحكومي الوسطي الجديد.