توسعت مشاركة المرأة في القوى العاملة في المملكة العربية السعودية بشكلٍ سريع في السنوات الأخيرة، توجهتها، جزئياً، التغييرات القانونية التي تتطلب توظيف النساء السعوديات في العديد من القطاعات التي كانت تزخر في السابق بالرجال من العمالة الأجنبية.
كما حظي توظيف النساء بدعمٍ من رجال الأعمال أمثال خالد الخضير، 34 عاماً، الذي ترك منصباً مربحاً في شركة الخدمات المهنية كيه بي إم جي (KPMG) لإنشاء شركة جلوورك، المتخصصة في جلب المرأة إلى سوق العمل. فقد نمت الشركة التي تأسست عام 2011، من ثلاثة موظفين إلى أكثر من 150 موظفاً، وساعدت أكثر من 33 ألف إمرأة في ايجاد وظائف، معظمها في قطاعيّ التجزئة والخدمات.
وكمقياسٍ لنجاح جلوورك، استثمرت شركة البرمجيات السعودية SAS Holding في عام 2013، مبلغ 16 مليون دولار في الشركة التجارية الجديدة، مقابل حصة نسبتها 51%. وقال الخضير، الذي تلقى تعليمه في كندا والمملكة المتحدة، أن قرار التركيز على توظيف المرأة كان مستوحى، إلى حدٍ كبير، من معاناة شقيقته في العثور على وظيفة. وقال لـFanack “كان هذا السبب الرئيسي، حقاً، لأنها سيدة ذكية وتخرجت من [الكلية] ولم تستطع إيجاد وظيفة، ولم يكن هذا منطقياً.”
ولم تكن تجربة شقيقته استثنائية. فعلى الرغم من نمو نسب توظيف الإناث، مع وجود ما نسبته 16% من النساء السعوديات العاملات في عام 2013 مقارنةً بـ12,5% في عام 2006، فإن عدد الوظائف المتاحة لم يواكب أعداد النساء اللواتي يبحثنّ عن عمل، وفقاً لتقريرٍ صدر في عام 2015 عن جامعة هارفارد لصالح وزارة العمل السعودية. وأشار التقرير إلى أنه في عام 2013، وصلت البطالة بين النساء إلى ما يقرب الـ35%، مع وجود 78,3% من العاطلات عن العمل يحملنّ درجة البكالوريوس، مقارنةً بما نسبته 14,9% من الرجال العاطلين عن العمل. ونتيجةً لذلك، تُفضل النساء الموهبات العمل في الدول المجاورة، سيما دبي، وذلك وفقاً للباحثة والصحفية نجاح العصيمي.
وكتبت العصيمي في منشورٍ على مدونة مركز الدبلوماسية العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا: “إن العواقب المترتبة على الاقتصاد السعودي وخيمة، لأن المليارات التي تنفق على تعليم المرأة تشكل مكسباً لبلدٍ آخر.” وأضافت: “يتميز الوضع الراهن لحقوق المرأة بالوضع القائم، ورغم أن هناك بعض الخطوات بالتفكير المستقبلي لصالح النساء في المملكة العربية السعودية، إلا أن هذه الخطوات غير كافية لتلبية تطلعات جيل جديد من النساء من ناحية التنمية المهنية وتكافؤ الفرص في المناصب القيادية.”
وبعد فترةٍ وجيزة من تأسيسها، نصحت شركة جلوورك أحد عملائها بتوظيف النساء كأمناء صناديق في سلسلة متاجر محلية. أثار القرار ردود فعلٍ عنيفة من المحافظين، الذين دعوا إلى مقاطعة سلسلة المتاجر. وقال الخضير، “تسبب الأمر بجدلٍ كبير هنا لأن الناس لم يتقبلوا حقيقة أن [الوظائف] كانت عامة إلى هذا الحد.” وأضاف “في البداية، واجهنا الكثير من المعارضة، ليس من الحكومة، بل من المجتمع.”
وبعد سنواتٍ قليلة فحسب، اعتاد الناس على رؤية النساء يعملنّ في المجال العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى التغيير في القانون الذي فتح أبواب المزيد من المناصب أمام المرأة السعودية في قطاعيّ الخدمات والتجزئة. وفي عام 2011، فرضت الحكومة على متاجر الملابس الداخلية النسائية توظيف النساء فقط. أعقب ذلك تعميم القرار على متاجر مستحضرات التجميل وبيع العباءات. وقال الخضير، أنه في السابق كانت غالبية هذه الوظائف يشغلها عمّال أجانب من الرجال.
كما تغير الوضع في المتاجر الكبرى، حيث توظف اليوم “أقسام العائلات” النساء. وقال الخضير، الذي تم التعاقد معه منذ ذلك الحين من قبل وزارة العمل للحد من البطالة بين النساء، وبالتالي خفض إعانات البطالة، التي تكلف الحكومة حالياً حوالي 10,6 مليار دولار سنوياً، أن الأنظمة الجديدة “أدت إلى تغييرٍ كامل في طريفة التفكير والفكر.”
وبصرف النظر عن العمل مباشرةً مع أرباب العمل لتشجيعهم على توظيف النساء، ومع النساء لإعدادهن للعمل، دفعت جلوورك إلى سنّ تشريعاتٍ إضافية تسهل على المرأة دخول القوى العاملة، مثل إجازة الأمومة الإلزامية ودور الحضانة في الشركات التي توظف 50 امرأة أو أكثر. ومع ذلك، لا تزال هناك عقباتٌ تعترض عمل المرأة، بما في ذلك الحظر المستمر على قيادة المرأة للسيارة. ويُشير تقرير جامعة هارفارد إلى أن الحظر يمثل تكاليف وعقبات إضافية على النساء السعوديات الراغبات في العمل، نظراً لأن نظام النقل العام المحدود يعني أنه يجب عليها إما استئجار سائق أو العثور على أحد أفراد الأسرة الذكور لنقلها للعمل.
وقال التقرير “أن التحدي المتمثل في تأمين النقل يمكن أن يساهم أيضاً في عزوف أصحاب العمل عن توظيف النساء.” وأضاف التقرير “وعلاوةً على ذلك، مع حصول أكثر من 70% من النساء السعوديات العاملات في القطاع الخاص على الحد الأدنى للأجور [800 دولار]، فإن تكلفة تأمين الموظفات لمثل هذا النقل قد تكون باهظة أو تقتطع نسبة كبيرة جداً من رواتبهنّ، مما يجعلها لا تستحق الجهد.” فقد سُجن النشطاء في حقوق المرأة بسبب خرقهم لحظر قيادة المرأة، مما أدى إلى احتجاج جماعات حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أنّ الخضير يعترف بوجود معوقات، إلا أنه يقول أن بلاده حققت المزيد من التقدم في مجال حقوق المرأة مما يتم الاعتراف به. وفي عام 2016، عيّنت السعودية أول أمينة صندوق في البورصة السعودية، كما شغلت أول امرأة منصب الرئيس التنفيذي في بنكٍ تجاري. وأشار أيضاً إلى بطء وتيرة التقدم في بعض البلدان الغربية، حيث يتخلف اندماج المرأة في القوى العاملة كثيراً عن دخولها في النظام التعليمي. ففي هولندا، على سبيل المثال، كان يُطلب من المرأة المتزوجة، قانونياً، الحصول على إذن زوجها للعمل حتى عام 1956.
وقال الخضير “فيما يتعلق بأين كانت البلاد وما فعلناه في العامين الماضيين، أعتقد أننا تفوقنا على أي دولةٍ أخرى.” وتابع، “أحرزنا تقدماً أسرع بكثير في التغيير الاجتماعي من أي بلدٍ آخر في العالم… أعتقد أن العائق الوحيد هو الوقت.”