وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد في السعودية

الاقتصاد في السعودية
ميناء نفط في رأس تنورة في الخمسينات/ Photo HH

المقدمة

المملكة العربية السعودية لديها اقتصاد قائم على النفط مع سيطرة الحكومة القوية على الأنشطة الاقتصادية الرئيسية. وتمتلك حوالي 16% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتصنف السعودية كأكبر مصدر للنفط، وتلعب دورا قياديا في أوبك. ويمثل قطاع البترول حوالي 87% من إيرادات ميزانية المملكة، و42% من الناتج المحلي الإجمالي، و90% من عائدات التصدير، وفقًا لكتاب حقائق العالم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

تشجع المملكة العربية السعودية نمو القطاع الخاص من أجل تنويع اقتصادها وتوظيف المزيد من المواطنين السعوديين. يلعب حوالي 6 ملايين عامل أجنبي دورًا مهمًا في الاقتصاد السعودي، خاصة في قطاعي النفط والخدمات؛ ولكن في الوقت نفسه، تكافح الرياض من أجل تخفيض البطالة بين مواطنيها.

في عام 2017، تكبدت المملكة العربية السعودية عجزًا في الميزانية يقدر بـ 8.3% من إجمالي الناتج المحلي، والذي تم تمويله من خلال مبيعات السندات وسحب الاحتياطيات. على الرغم من أن المملكة يمكن أن تمول عجزًا كبيرًا لعدة سنوات من خلال تخفيض أصولها الأجنبية الكبيرة أو عن طريق الاقتراض، فقد خفضت الإنفاق الرأسمالي والإعانات على الكهرباء والمياه والمنتجات البترولية، وفرضت مؤخراً ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.

وكان أعلن ولي العهد ونائب رئيس الوزراء محمد بن سلمان، في يناير 2016، أن المملكة العربية السعودية تعتزم إدراج أسهم شركة البترول المملوكة للدولة، أرامكو – وهي خطوة أخرى لزيادة الإيرادات والاستثمار الخارجي. كما نظرت الحكومة في الخصخصة وتنويع الاقتصاد عن كثب في أعقاب تقلص سوق النفط. تاريخياً، وركزت المملكة العربية السعودية جهود التنويع على توليد الطاقة، والاتصالات، واستكشاف الغاز الطبيعي، والبتروكيماويات.

الناتج المحلي الإجمالي

تعافى الاقتصاد السعودي في عام 2018 من انكماش طفيف في عام 2017، ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى ارتفاع إنتاج النفط وزيادة إنفاق المستهلكين. فقد وصل إنتاج النفط السعودي إلى 10.4 مليون برميل يوميا في يونيو/حزيران 2018، وهو أعلى مستوى له منذ ديسمبر/كانون الأول 2016 قبيل اتفاق منظمة أوبك والبلدان المنتجة من خارجها على تقييد الإنتاج.

وإنفاق المستهلكين آخذ في الارتفاع، إذ ارتفعت معاملات نقاط البيع في يونيو/حزيران عام 2018 بنسبة 6.8% عما كانت عليه قبل عام. وسجَّلت الصادرات غير النفطية أيضاً زيادة ملحوظة نسبتها 26% في أبريل/نيسان 2018 بالمقارنة بمستواها قبل عام وفقاً لإحصاءات أقرتها مجموعة البنك الدولي.

وقد توقعت المجموعة أن ينمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية بنحو 2% في 2018-2019 بفضل ارتفاع إنتاج النفط بعد انقضاء اتفاق منظمة أوبك والمنتجين من خارجها على تقييد الإنتاج، وزيادة الصادرات غير النفطية، وقوة الطلب المحلي.

وقد ساعد انتعاش أسعار النفط على تحقيق مزيد من التخفيض لعجز الموازنة العامة في 2018 إلى 4.1% من إجمالي الناتج المحلي، ثم مرة أخرى إلى 1.9% في عام 2019.

الاقتصاد في السعودية
المصدر: International Monetary Fund (IMF), World CIA Factbook, World Bank Data and World Trade Organization (WTO). @Fanack
المؤشراتالمقياس20162017التغير ±
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 2010 مليار دولار690.069684.158-5.911
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي %1.7-0.9-1.16
الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالأسعار الثابتة 2010دولار21,38020,771-609
الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحالية مليار دولار654.270686.73933.469

المصدر: البنك الدولي.

الموقع في السوق العالمية

تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثلاثين في العالم والمرتبة الثالثة في المنطقة على مؤشر التنافسية العالمي لعام 2017/2018. وقد تحسنت بيئة الاقتصاد الكلي بشكل طفيف منذ صدمة أسعار النفط في عام 2015، ولكن كفاءتها في السوق المالية (56) عانت من تباطؤ نمو الائتمان وزيادة أسعار الفائدة في عام 2016. وإدخال ضريبة القيمة المضافة اعتبارًا من 1 يناير 2018 (مع الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية هي أول دولة في دول مجلس التعاون الخليجي تقدم ضريبة القيمة المضافة) ستساهم في زيادة تأمين المالية العامة وتنويعها من عائدات النفط. تمتلك البلاد مؤسسات مستقرة (26)، بنية تحتية جيدة النوعية (29)، وأكبر سوق في العالم العربي (الخامس عشر عالمياً).

ويرى المسؤولون التنفيذيون السعوديون أن لوائح العمل التقييدية هي العامل الأكثر إشكالية في ممارسة الأعمال التجارية: فسوق العمل مقسم بين فئات سكانية مختلفة، وبقيت النساء مستبعدات إلى حد كبير. كما أن هناك شاغل آخر يتمثل في الافتقار إلى العمال المتعلمين تعليماً مناسباً، فبالرغم من أن معدل الالتحاق بالتعليم العالي في السعودية قوي بنسبة 63 في المائة، إلا أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتحسين نوعية التعليم ومواءمتها مع الاحتياجات الاقتصادية، كما ينصح المحللون.

فعلى مدى السنوات العشر الماضية، أحرزت المملكة الغنية بالنفط، تقدماً على خلفية الزيادة في حجم سوقها (وهي واحدة من نقاط قوتها اليوم من الناحية النسبية) وتحسينات إضافية في الاستعداد التكنولوجي والبنية التحتية. ولقد تدهورت البيئة الاقتصادية الكلية في حين توقفت كفاءة سوق العمل لديها؛ جنبا إلى جنب مع الابتكار وتطوير السوق المالية، فأصبح هذا واحدة من نقاط الضعف الثلاث الأولى.

المؤشرالمرتبة من 138 دولة عام 2016-2017المرتبة من 137 دولة عام 2017-2018التغير في المرتبة ±
المؤسسات2426-2
البنية التحتية31292
بيئة الاقتصاد الكلي58580
الصحة والتعليم الابتدائي51510
التعليم العالي والتدريب46433
كفاءة سوق السلع4142-1
كفاءة سوق العمل6580-15
تطور السوق المالية4756-9
الاستعداد التكنولوجي4144-3
حجم السوق1415-1
تطور بيئة الأعمال3134-3
الابتكار42402
مؤشر التنافسية العالمية2930-1

المصدر: مؤشر التنافسية العالمية 2016/2017، و2017/2018

التنمية

ازدهر الاقتصاد خلال فترة السبعينات والثمانينات بسبب العائدات الضخمة لصادرات النفط. وخلافاً لمعظم البلدان النامية، كان رأس المال وافراً في المملكة العربية السعودية، فانتشرت المشاريع التنموية ممّا حول هذه البلاد، التي كانت يوماً غير نامية، إلى دولة حديثة. وبسبب عدم تنوّع الاقتصاد والتخلف المتناقض بشدة للقطاعات غير النفطية خلال العقود القليلة الأولى من إنتاج النفط، استخدم نموذج اقتصاد موجّه، بدلاً من طرق مبدأ عدم التدخل، لتحقيق التنمية الاقتصادية. خلال تلك الفترة المبكرة، لم يكن هناك بطالة (بين العدد القليل من السكان الأصليين) – تم استيراد العديد من العمال الأجانب للقيام بالأعمال الأكثر وضاعة والمهام ذات التقنية العالية – وكان نصيب الفرد من الدخل وإجمالي الناتج المحلي من بين أعلى المعدلات في العالم غير الغربي.

تمّ توجيه التنمية الاقتصادية بعيدة المدى من خلال سلسلة من الخطط الخمسية. خلال الخطتين الخمسيتين الأولتين (1970-1975 و 1975-1980) تم إنشاء معظم مرافق النقل والاتصالات الأساسية في البلاد. كما سعت الخطط اللاحقة إلى تنويع الاقتصاد وزيادة المنتجات الغذائية وتحسين التعليم والتدريب المهني والخدمات الصحية، وتحسين طرق الاتصالات بين مختلف المناطق في البلاد. ولكن الازدهار الاقتصادي لم يكن دون ثمن.

إذ أن بعد ركود أسعار النفط العالمية في فترة الثمانينات والتسعينات، أدّت سياسات الحكومة في تشجيع الإنجاب إلى زيادة كبيرة في عدد السكان، مما سبّب انخفاض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلّي، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة ونقص العمالة بين الشباب المثقف للمرة الأولى في المملكة. وبدأ انخفاض أسعار النفط بشكل كبير في أواخر التسعينات يرهق التراصّ الاجتماعي بفوائد اقتصادية شاملة حملت معها القليل من المساءلة الديمقراطية. كما اقترضت الحكومة السعودية للحفاظ على الإنفاق.

وقد تغير اتجاه الريح بعد ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى، ويعود ذلك جزئياً إلى الجهود السعودية لتقييد الإنتاج. وبالإضافة إلى ذلك، تم توجيه الخطط الخمسية نحو زيادة حصّة القطاع الخاص في الاقتصاد في محاولة للابتعاد عن الاعتماد على صادرات النفط وتوليد فرص العمل. وفي أواخر التسعينات، بدأت خصخصة أقسام من قطاعي الكهرباء والاتصالات.

من البداوة إلى اقتصاد النفط والغاز

حوّل النّفط اقتصاد المملكة العربية السعودية من اقتصاد يعتمد على الزراعة والتجارة الأساسية إلى اقتصاد يعتمد بقوّة على النّفط. ومنذ العصور القديمة حتّى الثلاثينات، كان سكان المملكة من البدو الذين يعتمدون على الثروة الحيوانية من أجل البقاء أو على المزارعين والتجار الذين يقيمون في عدد قليل من القرى، مع بعض الصيادين، وفي وقت لاحق أصبح اعتمادهم على غواصي اللؤلؤ على طول الساحل. وحتى الحرب العالمية الأولى، خضع معظم شبه الجويرة العربية للسلطة الهشة للإمبراطورية العثمانية، إضافةً إلى خليط من الحكام المحليين.

حتى عام 1902، لم تكن الدولة السعودية الحديثة قد تأسست بعد، كما كانت الدولة الأولى تتألف فقط من داخل منطقة نجد مع عدد قليل من السكان واقتصاد ضعيف غير متطوّر. وكانت منطقة ساحل البحر الأحمر، لما يُعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، تسمى مملكة الحجاز التي تشكّل منطقة هامّة للحج بالنسبة للآلاف من المسلمين الذين يقصدون المدن المقدسة كمكّة المكرمة والمدينة المنوّرة خلال شهر الحجّ. وكانت هاتان المدينتان المصدر الرئيسي لدخل الحكومة، وخصوصاً بعد احتلالها من قبل القوات السعودية خلال فترة العشرينات (عندما تم إنشاء حدود المملكة العربية السعودية)، وأصبحت هذه العائدات الدّعامة الأساسية لهذا البلد الجديد.

أنجزت الإمبراطورية العثمانية قسماً رئيسياً من البنى التحتية الاقتصادية عام 1908: فتح خط السكك الحديدية من دمشق إلى المدينة المنوّرة؛ ولكن معظم ما تبقى من مناطق شبه العربية الداخلية كانت غير مطروقة وغير متطورة. وبالإضافة إلى ذلك، كان عدد السكان قليلاً جداً في النصف الأول من القرن العشرين: حتى عام 1950، لم يكن عدد السكان في المملكة العربية السعودية يتجاوز 3,1 مليون نسمة في أراضٍ أكبر من مساحة المكسيك بقليل وثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.

بقي معظم السكان من البدو حتّى فترة الستينات. ونظراً لطبيعة الأرض القاحلة وعدم خصوبتها، فإنّها غير قادرة على تلبية سوى عدد قليل من السّكان دون استيراد كميات غذائية ضخمة ومحطّات لتحلية المياه وزراعة مدعومة تستهلك الطاقة، والتي تتميز بها البلاد اليوم.

عام 1933، منح الملك عبد العزيز آل سعود (يشار إليه في الغرب بابن سعود) امتيازاً لشركة Standard Oil Company of California (SoCal) للتّنقيب عن النّفط في محافظة الإحساء، بعد اكتشاف النفط في البحرين قبل عام. في البداية، لم تنجح الشركة (في العشرينات، كانت جهود الاستكشاف والتمويل قليلة). عام 1938، اكتشف الأمريكيون النّفط قرب الدمام. وبعد ذلك بوقت قصير، كان هناك عدّة اكتشافات أخرى في المنطقة، وأدركت الشركة والحكومة السعودية أن احتياطات النفط الخام كانت ضخمة جداً. تم تصدير النفط الخام بحلول عام 1939، وبلغ الإنتاج 15,000 برميل يومياً عام 1940. عام 1944، تغير اسم الفرع المحلي لشركة سوكال من شركة California-Arabian Standard Oil Company (CASOC) إلى شركة النفط العربية الأمريكية (أرامكو).

بطّأت الحرب العالمية الثانية عملية تطوير هذا القطاع، ولكنّه عاد ليتوسع بسرعة في بداية عام 1945. وفي ذلك العام، تم بناء مصفاة حديثة في رأس تنورة، وبحلول عام 1949 أصبحت المملكة العربية السعودية منتجاً رئيسياً للنفط، وذلك بإنتاج 500,000 برميل يومياً. ولأن أسعار النفط العالمية كانت معتدلة حتى فترة السبعينات، ارتفعت الإيرادات بخطى ثابتة تماشياً مع زيادة الإنتاج. وبدأت أنابيب التابلاين بتصدير النفط إلى البحر الأبيض المتوسط عام 1951، وبلغ الإنتاج 1 مليون برميل يومياً بحلول عام 1954. وتم اكتشاف أكبر حقل نفط (حقل الغوار) عام 1957.

تعتبر المملكة العربية السعودية عضواً مؤسساً لمنظمة أوبك (1960)؛ في البداية، لم تمارس المنظمة سوى القليل من الضغط على أسعار النفط العالمية. وواصل الإنتاج بالتزايد بعد تطوير الحقول البحرية؛ وبحلول عام 1965 بلغ الإنتاج 2 مليون برميل يومياً. وفي الوقت ذاته، ازدادت مشاركة السعودية في إدارة أرامكو. كما وتم بناء بنية تحتية ضّخمة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات لتحميل ناقلات النفط العملاقة من الحقول البحرية وإنتاج الغاز الطبيعي المسال (NGL) وإنتاج الحقول البحرية وتكرير المزيد من النفط.

قامت الحكومة السعودية بشراء حصة 25% في شركة أرامكو عام 1973، بعد تصميم البلاد على السيطرة على مواردها. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، قررت الدول العربية الأعضاء في منظمة أوبك رفع الأسعار بشكل كبير ومن ثم حظر صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا (بسبب دعمها لإسرائيل في حرب 1973) وخفض الإنتاج بنسبة 5% لزيادة الأسعار العالمية. ارتفعت الأسعار أربعة أضعاف بسرعة كبيرة، كما ازدهرت عائدات التصدير.

وعلى الرغم من انتهاء الحظر في آذار/مارس عام 1974، واصلت الأسعار ارتفاعها طوال العقد، حتى أنها ارتفعت أكثر مع الأزمة الإيرانية عام 1979. لكن هذا الوضع شجع الإنتاج خارج أوبك، كما المبادرات الأخرى المتّخذة للتعامل مع ارتفاع الأسعار. كما زادت المملكة العربية السعودية إنتاجها لاستعادة حصّتها في السوق. عام 1982، انهارت أسعار النفط العالمية. ورغم ارتفاع الأسعار في وقت لاحق، بما في ذلك في السنوات الأخيرة، إلا أن النمو الكبير لسكان المملكة يعني أنّ نصيب الفرد من عائدات النّفط لم يرتفع مطلقاً كما في فترة السبعينات وأوائل الثمانينات.

على الأقل بشكل جماعي، لم تعد شركة أوبك تستخدم النفط كوسيلة للضغط على الدول المستهلكة بشأن قضايا سياسية لا علاقة لها بالموضوع. ومنذ الثمانينات، أصبحت المملكة العربية السعودية من الأعضاء الأقل عدوانيةَ في الأوبك فيما يتعلق بأسعار النفط العالمية (ما يسمى بـ “حمامة” أسعار)، وتعديل الإنتاج لضمان عائدات كافية لتحقيق الاستقرار السياسي في المملكة ولكن ليس إلى حد تشجيع الإنتاج البديل أو ذي التكلفة العالية في أماكن أخرى على نحو غير ملائم. كما أثرت المخاوف الأمنية – في البداية من الإتحاد السوفييتي، ولاحقاً من العراق (في عهد صدام حسين) وإيران (منذ الثورة الإيرانية) – والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة على السياسة السعودية لإنتاج النفط.

وفي الوقت ذاته، حافظت الحكومة السعودية على السيطرة الكاملة على شركة أرامكو منذ عام 1980 (تم تغيير اسم الشركة عام 1980 إلى شركة النفط العربية السعودية أرامكو أو شركة أرامكو السعودية). وكونها من كبرى الدول المصدّرة للنفط في العالم على مدى عقود، بلغت عائدات النّفط المستحقة تريليونات الدولارات.

هناك قابلية كبيرة للتغيير من سنة إلى أخرى، يرافقها سنوات ذات إيرادات منخفضة تتسبب بضغوطات على اقتصاد المملكة ونظامها السياسي. لكن لا تتأثّر طول الفترة فقط بأسعار النفط: فالزيادة السكانية وزيادة الاستهلاك المحلي للنفط تحتّمان ارتفاع أسعار الصادرات و/أو (إذا كان ذلك ممكناً) زيادة الإنتاج للحفاظ على نصيب الفرد من العائدات. (كما تأخذ القرارات بشأن الإنتاج في عين الاعتبار تفضيل الحكومة أن تنتج الحقول لفترة طويلة، حتى ولو كانت النتيجة عم تحقق الإنتاج الأقصى من الحقول في الوقت المحدد). وقد يقلل الاقتصاد السعودي من اعتماد البلاد على النفط عن طريق تنويع الاقتصاد؛ وهذه السياسة كانت هدفاً هاماً للحكومة السعودية.

الطاقة

للحصول على نظرة عامة متعمقة على قطاع الطاقة في السعودية، أنقر الزر أدناه.

قطاع الخدمات

في النصف الثاني من القرن العشرين، نما قطاع الخدمات بشكل كبير بسبب إيرادات مبيعات النفط وارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي. فنحو 70% من القوة العاملة تعمل في قطاع الخدمات، بما في ذلك الإدارة المدنية والدفاع والبناء ومبيعات الجملة والمفرّق والضيافة والسياحة. ونتيجة لطبيعة رأسمالهما الكثيفة، يساهم إنتاج النفط والغاز في التوظيف المباشر بشكل أقل من حصصهما الاقتصادية، مما يجعل من قطاع الخدمات الأساس لتوفيّر الفرص الكافية للعمل.

وبما أن الاقتصاد السعودي أصبح متقدماً وأكثر تعقيداً، ازداد الطلب على الخدمات المهنية: المصرفية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والقانون والرعاية الصحية والتسويق. وفي الاقتصادات المتقدمة، عادة ما يمثل قطاع الخدمات (المعروف أيضاً باسم القطاع الثالث) أكثر من 50% من القوة العاملة. كما ازداد الطلب على الخدمات ذات المهارات المتدنية في أواخر القرن العشرين مع نمو متوسط الدخل السعودي في بعض المجالات، مثل المبيعات بالمفرّق والخدم والمربيات والأعمال اليدوية، لا سيما في قطاع البناء.

مثّلت كلا المهارات العالية والمتدنية في القطاع الثالث تحدّيات في المملكة العربية السعودية: الأولى بسبب عدم كفاية رأس المال البشري الناجمة في بعض الأحيان عن العجز في التعليم والتدريب والخبرة؛ والثانية بسبب مسائل ثقافية واجتماعية تتعلق بالأجور المنخفضة نسبياً للأعمال اليدوية والدور المناسب للمرأة.

ففي مجتمع أصبح غنيّاً، حيث تحتفظ فيه العائلات الممتدة بالمسؤولية المالية لأعضاء آخرين، غالباً ما يُعتبر من غير الملائم للرجل السعودي العمل كعامل يدوي لأن آفاق التطور الوظيفي تكون قليلة، رغم حصوله على بعض التعليّم. وبالتالي، يتم استيراد الكثير من العمّال الذكور دون مهارات من جنوب آسيا. كما تواجه المرأة قيوداً في الأساس، حتى في مجال العمل المهني (رغم إحراز بعض التقدم في العقدين الماضيين)، ولكن غالباً ما تعارض الأسر المحافظة عمل المرأة خارج المنزل.

منذ السبعينات، كان هناك توسعاً كبيراً في الوظائف الحكومية، ويعود ذلك جزئياً إلى نمو الدولة. كما أنّ للدولة السعودية خدمات أكثر شمولية وتطوراً مما كانت عليه في أوائل فترة السبعينات. وقد حلّت البيروقراطية الحديثة إلى حد كبير مكان الهياكل الحكومية والقضائية التقليدية التي كانت تتواجد بين البدو.

كما وفر النمو السكاني السريع زخماً متواصلاً لنمو الدولة. كما كان سبب بعض هذا النمو الحاجة إلى توفير فرص العمل للسعوديين غير المؤهلين أو غير الراغبين في القيام بأنواع معينة من الأعمال في القطاع الخاص، ولا سيما قطاع الخدمات.

وهذا يعني أنّ نسبة كبيرة من الميزانية مخصّصة لدفع الأجور الحكومية – أكثر من 30%، وحتّى أنّها تصل إلى 40%. يعمل حوالي 80% من الموظفين السعوديين في الحكومة (قد يشمل هذا الرقم الشركات التي تملكها الدولة أيضاً). ويبدو هذان الاتجاهان غير مستدامين على المدى الطويل.

القطاع المصرفي

تأسست مؤسسة النقد العربي السعودي (SAMA) عام 1952 بمثابة بنك مركزي للمملكة العربية السعودية. وفي السابق، كانت المملكة تعتمد على البنك الهولندي للقيام بمهام الأعمال المصرفية المركزية، فيما كان لا يزال يعرف وقتئذ بالاقتصاد المتخلّف إلى حدّ ما مع سياسة نقدية سيئة التنسيق.

وتم تكليف مؤسسة النقد العربي السعودي بعدة وظائف: إصدار عملة وطنية؛ العمل كمصرف للحكومة؛ الإشراف على المصارف التجارية وتنظيمها؛ إدارة احتياطيات المملكة من القطع الأجنبي؛ تنفيذ سياسة نقدية لتعزيز استقرار الأسعار وأسعار الصرف؛ تعزيز النمو الاقتصادي؛ تشغيل نظم مالية إلكترونية للعمليات المصرفية؛ وضمان سلامة النظام المالي. مع أن مؤسسة النقد العربي السعودي استغرقت عدة سنوات لتطوير القدرة على إدارة النظام النقدي، فقد أصبح منذ ذلك الحين إحدى البنوك المركزية العالمية الأكثر كفاءة.

كما أنّ العملة السعودية، الريال، مرتبطة بالدولار الأمريكي، مع أنّ مؤسسة النقد العربي السعودي جعلته يعوم لفترة وجيزة عام 2007، لأن انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أثار مخاوف بانخفاض سعر الريال أكثر من المرغوب به.

كما يجبر ربط العملة مؤسسة النقد العربي السعودي على تقليد سياسات معدّلات الفائدة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بغية عدم وضع الريال تحت ضغط. ولكن هذا لا يناسب دائماً ظروف السعودية الاقتصادية، فعندما يحافظ الاحتياطي الفيدرالي مثلاً على أسعار فائدة منخفضة كرد فعل على تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، قد يكون هناك طفرة في أسعار النفط السعودي، مما يمكنه التسبّب بتضخّم في الاقتصاد السعودي.

ولكن الفائدة من وراء ذلك هي أنه يمنع ارتفاع قيمة الريال عند الطفرات النفطية، مما يؤثر سلباً على صادرات المملكة غير النفطية (على سبيل المثال، ما يسمى بـ ‘المرض الهولندي’).

يتميز القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية ببيئة عمل لطيفة، ومستويات منخفضة من القروض المتعثرة (من أدنى المعدلات في العالم)، وقدرة قوية على امتصاص الخسارة، ويرتكز على رؤوس أموال وقائية مرتفعة وربحية مستقرّة، وقاعدة ودائع بتكلفة منخفضة، وسيولة وافرة. لكن هناك قروض مرتفعة وتركزات ودائع، وغالبا ما يكون هناك نقص في الشفافية في الأعمال التجارية المدينة للقطاع.

هناك أقل من 20 بنك تجاري رئيسي في المملكة العربية السعودية، والوضع يتمثّل باحتكار القلة، حيث تسيطر البنوك الأربعة الكبرى على نحو 60% من الأصول. وهذه البنوك الأربعة، هي: البنك الأهلي التجاري؛ ومصرف الراجحي؛ ومجموعة سامبا المالية؛ وبنك الرياض. ولبعض البنوك الأجنبية فروع مشتركة في المملكة.

حقّقت الودائع على نطاق الصناعة رقماً قياسياً جديداً في نهاية الربع الثاني من عام 2012، حيث بلغت 0,3 تريليون دولار. وفق بيانات صحفية أولية، رفعت المصارف السعودية مستويات الدخل الصافي بنسبة 12,4% (تتغير من سنة لأخرى) لتصل إلى 10,4 مليار دولار، نتيجة الرسوم المصرفية المرتفعة والرصد المتدنّي للمخصصات. وتماشياً مع النمو الاقتصادي الجيّد بشكل عام وزيادة الإنفاق الحكومي، يُتوقّع أن ترتفع القروض بنسبة 15,9% عام 2012. وقد دفعت زيادة الإقراض من قبل المصارف السعودية بنسبة القروض إلى الودائع إلى أعلى مستويات لها خلال ثلاث سنوات تقريباً، بما يعادل 83,2% في نهاية شهر آب/أغسطس عام 2012.

ارتفع معدل الفائدة بين بنوك المملكة العربية السعودية (SAIBOR)، أي معدل منح البنوك القروض لبعضها البعض، من 60 نقطة أساسية في أواخر شهر أيلول/سبتمبر إلى 97 في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2012. لكن السوق بين البنوك لا يزال تحت السيطرة نتيجة سياسة الأسعار المنخفضة لمؤسسة النقد العربي السعودي.

سوق الأوراق المالية
هناك 156 شركة في سوق الأوراق المالية السعودية، المعروفة بـ “تداول“. وأصبح التبادل رسميّا في الثمانينات، ومنذ عام 2003 تم تنظيمها من قبل هيئة السوق المالية السعودية (CMA). وأصبح التبادل بحدّ ذاته شركة مساهمة عام 2007. وفي نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2012، سجّل مؤشر الأسهم ارتفاعا بنحو 5,8% (373 نقطة). وكان أعلى مستوى إغلاق للمؤشر 6896 في 10 شباط/فبراير 2012. وبلغ إجمالي قيمة سوق رأس الأموال 366,8 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2012، أي بزيادة قدرها 0,17% خلال إغلاق الشهر السابق. كما بلغت القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة 24 مليار دولار خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2012.

الزراعة

أعطت الخطط التنموية في المملكة اهتماماً خاصاً للإنتاج الغذائي، في محاولة لتوفير بعض الأمن الغذائي. كما وفرت الحكومة الإعانات والحوافز السخية لقطاع الزراعة. ويساهم قطاع الزراعة الآن فقط بجزء صغير من إجمالي الناتج المحلي السعودي، ويوظّف نسبة مماثلة من القوى العاملة، ولكن دون الدعم الحكومي، قد يكون القطاع أصغر حتى. جعل جفاف البلاد وقلة الأراضي الصّالحة للزراعة (1,5% منها فقط صالح للزراعة) على نطاق واسع من قطاع الزراعة غير قادر على منافسة المواد الغذائية المستوردة دون الإعانات الضخمة وغيرها من الفوائد. تستهلك الزراعة أكثر من 80% من مياه المملكة العربية السعودية العذبة.

تاريخياً، اقتصرت الزراعة في المملكة العربية السعودية على الزراعة الموسمية وإنتاج الخضروات على نطاق صغير في القرى والواحات المنتشرة على نطاق واسع. وكان الإنتاج يلبّي حاجات المجتمعات القروية المحلية؛ وكانت بعض الخضروات تباع للقوافل العابرة. وكانت المجتمعات البدوية بشكل عام تعتمد على الثروة الحيوانية. وفي محاولة لتأمين سيطرة أفضل على البلاد، بدأت الحكومة في أواخر الستينات بإصدار قوانين من شأنها تقييد حركة البدو الرّحّل ورعي مواشيهم. وبدأت الحكومة ببرامج تمنح الأراضي للمواطنين الذين يثبتون استخدامها للتنمية الزراعية في فترة محددة.

في أوائل السبعينات، ومع ارتفاع عائدات النفط، أطلقت الحكومة برنامجاً واسع النطاق لتعزيز الزراعة الحديثة وشق الطّرق في المناطق الريفية وتقنيات الري، وتشجيع البحوث والتقنيات الزراعية. وبشكل خاص، تم تطوير استراتيجيات للنهوض بالاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح والشعير عن طريق إعانات كبيرة وقروض دون فوائد ودعم الأسعار بالنسبة للأفراد والمشاريع والمنظمات. أعقب ذلك نمو في إنتاج المواد الغذائية الأساسية الأخرى.

تُعتبَر المياه التّحدي الرّئيسي في الزراعة، كون البلاد لا تتلقى أكثر من حوالي 106 ملم من الأمطار سنويّاً. تم بناء شبكة من السدود لجمع واستخدام الأمطار الموسمية الثمينة.

وحفرت الآبار للاستفادة من الموارد المائية الجوفية، وتنتج محطات تحلية المياه ما يكفي لتلبية الاحتياجات الزراعية. ساعدت هذه الجهود على تحويل مساحات شاسعة (ملايين الهكتارات) من الأراضي الصحراوية إلى أراضٍ زراعية خصبة، إلّا أنّها شكّلت استنزافاً كبيراً لميزانية الحكومة، الأمر الذي تسبب بضغوط مالية في فترة الثمانينات. ومع ازدهار الإنتاج، بدأت المملكة العربية السعودية بتصدير القمح بكميات كبيرة في الثمانينات، حتى تم حظر هذه الممارسة عام 1986. كما ازداد إنتاج الشعير والسرغوم بشكل كبير.

عام 2008، قررت الحكومة السعودية عدم جدوى هذه الإعانات والاستنزاف الحاد للموارد المائية (يذهب 40% من المياه إلى الزراعة) لإنتاج القمح، وأنّ على البلاد استيراده بدلاً من إنتاجه. كما سيتم تخفيض الإعانات أكثر. وانخفض إنتاج القمح من 2,55 مليون طن عام 2007 إلى 1,3 مليون طن عام 2010. كما سيتم استيراد أعلاف الحيوانات التي تستهلك الكثير من المياه، مثل البرسيم، على نحو متزايد من خلال تقديم الإعانات لمربي الماشية. وحالياً، تركّز الزراعة على زيادة غلال الفواكه والخضروات في البيوت البلاستيكية التي تصرف القليل من المياه وعلى الثروة الحيوانية (بما في ذلك الألبان والبيض)، بالإضافة إلى التمور التي تتكيف مع المناخ.

تشكّل التّمور ثاني أكبر المحاصيل في المملكة العربية السعودية، حيث بلغت 1,07 مليون طن عام 2010. وتعتبر التمور والطماطم (البندورة) ثالث أكبر المحاصيل في المملكة العربية السعودية، 0,49 مليون طن. ويوظّف القطاع الزراعي ما يزيد قليلاً عن نصف مليون شخص في المملكة العربية السعودية.

الصناعة

يعتمد الاقتصاد السعودي وبشكل كبير على النفط، حيث يشكل (72%) من الإيرادات الحكومية، وتشكل الصادرات النفطية (75%) من إجمالي الصادرات، كما يساهم القطاع بنسبة (43%) من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا الاعتماد الكبير الطاقة، دعت المملكة للتفكير في تعزيز دور القطاعات الأخرى المولدة للدخل، وعلى رأسها القطاع الصناعي الذي يتمتع بإمكانات كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل بفضل تشابكاته الاقتصادية مع معظم الأنشطة الاقتصادية.

وقد نما حجم القطاع الصناعي في المملكة من مستوى 32 مليار ريال (9 مليار دولار) عام 1974م إلى حوالي 312 مليار ريال (83.2 مليار دولار) في عام 2017م.

وفقًا لصندوق التنمية السعودي، وشهد القطاع تحولً هيكليا واضحًا خلال هذه الفترة، حيث تطورت مساهمة الصناعات التحويلية (غير التكريرية) في الناتج الصناعي وبشكل متزايد من (32%) عام 1974م لتشكل حوالي (69%) من حجم الناتج الصناعي في 2017م، وبلغ معدل النمو السنوي لهذه الصناعات طوال هذه الفترة حوالي (8.4%)، وهو يعد من أعلى معدلات النمو بين كافة الأنشطة الاقتصادية.

كما بلغ معدل النمو السنوي للصادرات الصناعية غير النفطية (15%) خال الفترة من 1984 إلى 2016م، وزادت مساهمتها إلى إجمالي الصادرات من (1.4%) إلى حوالي (21%) خلال نفس الفترة، وذلك رغم النمو الكبير في حجم الصادرات النفطية. وتحتل المملكة اليوم المرتبة 37 عالميًا في مؤشر التنافسية الصناعية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، اليونيدو، والمرتبة الثامنة ضمن الاقتصادات الصناعية الناشئة؛ لكن هذه التطورات رغم أهميتها لا تزال دون مستوى الطموحات، ودون مستوى الإمكانات المتاحة لنمو القطاع الصناعي في المملكة، حسب صندوق التنمية السعودي.

وما دفع المملكة العربية السعودية للتركيز على قطاعات أخرى غير النفط، هو التقلبات الكبيرة في أسعار النفط التي أدت إلى التفاوت في إيرادات الدولة، والرغبة في تحقيق التنمية المستدامة. حيث تحتاج المملكة إلى الطاقة المستدامة وإلى استكشاف قطاعات جديدة لتحقيق النمو في المستقبل، والذي يتوقع أن يعتمد على الطلب على المعدات الصناعية والدفاعية والطاقة المتجددة والبنية التحتية لصناعة التعدين. بالإضافة إلى ذلك فإن المملكة بحاجة إلى توفير الكثير من فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل، ولأولئك الذين هم على وشك الدخول لهذه السوق. لذا فإن الأنشطة التنموية كالصناعة تعتبر مطلبًا أساسيًا لتحقيق الازدهار الاقتصادي.

وتشكل الصناعة حاليًا ما يقارب (12%) من الناتج المحلي الإجمالي، وتقضى توجهات رؤية 2030 برفع مساهمتها إلى مستويات أعلى مع التركيز على التحول نحو الصناعات عالية التقنية وصولً إلى مستوى الثورة الصناعية الرابعة. لذا تحتاج المشاريع القائمة والجديدة إلى رفع كفاءتها وفعاليتها باستمرار من خال استخدام الآلات والتقنيات الحديثة والعمل على تطويرها، وهذا بدوره سيؤدي إلى تنمية القاعدة الصناعية في المملكة وإلى تمكين الصناعة من لعب دورها المحوري في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

وشكل العاملون في القطاع الصناعي السعودي في عاما 2018 نحو 24.43% من إجمالي عدد المشتغلين، مقارنة بـ 24.49%، و24.46 في عامي 2016 و2017 على التوالي، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

السياحة

تترتكز السياحة في المملكة العربية السعودية على موسم الحج السنوي إلى مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة وغيرها من مواسم الحجّ ذات الصلة في أوقات أخرى من السنة. يجذب موسم الحج 2,5 مليون شخص إلى مكة المكرّمة والمدينة المنورة، ويبلغ العدد الإجمالي للسياح الزائرين لمنطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة كل عام حوالي 12 مليون سائح. ونظراً لأنّ الحجّ هو فرض ديني للمسلمين الملتزمين لمن استطاع إليه سبيلاً، فإن إمكانات النمو هائلة.

واستثمرت الحكومة السعودية في البنية التحتية والفنادق (مشروع سكة قطار الحرمين عالي السرعة ومجمع أبراج البيت بقيمة 3 مليار دولار) لاستيعاب عدد الحجاج الهائل. عام 2010، بلغ إجمالي الإيرادات من السياحة 17,6 مليار دولار، أتت جميعها تقريباً من السياحة الدينية.

لم تتغاضى الحكومة السعودية عن السياحة الدولية غير الدينية، وإنما شجعتها فقط. عام 2000، تمّ تشكيل الهيئة العامة للسياحة والآثار. القيود الشديدة المفروضة على الملابس وحرية المرأة في التنقل والكحول والمظاهر الطبيعية للأعياد الدينية بالنسبة للغربيين تعني أنّ البلاد سوف تبقى سوقاً متخصصة في كل الأحوال.

ويبقى الحصول على تأشيرات فردية صعب للسياح غير الدينيين، مما يبرز عقبة أخرى في تطوير هذا القطاع الفرعي. وتدرك الحكومة السعودية أنّ تطوير القطاع الفرعي للسياحة غير الدينية يمكن أن يكون مصدراً هاماً للعمالة والدخل والتنوع في المملكة، مع أنّ السوق الواسعة للسياحة الدولية التي تم تطويرها في دبي المجاورة لا تزال غير ممكنة في المملكة العربية السعودية بسبب القيود الثقافية الكبيرة.

لتطوير السوق المحلية آثار إيجابية على العمالة والتنويع (مقارنة بالإنفاق على السلع المستوردة أو قضاء عطلة في الخارج). نمت السوق المحلية بشكل كبير، كما تحسّنت المرافق في السنوات العشر الماضية. في المملكة العربية السعودية عدد من المناطق الطبيعية الجميلة، فضلاً عن المواقع التاريخية المثيرة للاهتمام.

البنية التحتية

أسهبت المملكة العربية السعودية في بناء نظام خطوط الأنابيب وغيرها من البنى التحتية الأساسية لحمايتها من أي خلل قد ينتج عن هجمات أو حوادث. في حال تم إغلاق الخليج الفارسي أمام حركة ناقلات النفط، عندها يمكن نقل كميات كبيرة من النفط من المنطقة الشرقية إلى ينبع لتصديره عبر البحر الأحمر. تظهر مخططات “المدن الاقتصادية“، المذكورة أعلاه، أنّ البنية التحتية في البلاد ستستمرّ بالنّمو أكثر. ويجري توسيع السكك الحديدية، التي تعمل حالياً فقط بين الدمام والرياض، في ثلاثة مشاريع كبيرة:

مشروع الجسر البري السعودي (7 مليار دولار)، وهو خط للشحن بين جدة والرياض؛ السكك الحديدية الجنوبية والشمالية، الجاهزة تقريباً، لربط الحدود الشمالية لمدينة الحديثة والجلاميد بمدينة رأس الخير الاقتصادية الجديدة على الخليج؛ ومشروع قطار الحرمين عالي السرعة الذي سيربط المدينة المنورة ومكة المكرمة عبر مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ورابغ وجدة ومطار الملك عبد العزيز الدولي.

كما ذكرنا أعلاه، لا يزال النشاط الاقتصادي يتركّز في ثلاث مناطق، ولا تزال المناطق الأخرى بحاجة كبيرة للاستثمار في البنية التحتية لإيصالها إلى نفس مستوى المناطق الأكثر تطوراً. كما أن هناك بعض التباين في المنطقة الشرقية الواسعة جداً، حيث تشكو مجتمعات الأقليات الشيعية على وجه الخصوص من البنية التحتية السيّئة (والخدمات).

تحتل المملكة العربية السعودية المركز السابع في العالم من حيث النفقات العسكرية، وإحدى أعلى المراكز من الإنفاق على القطاع العسكري. وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، عام 2010 بلغ مجموع النفقات 48,2 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 8,7 % من إجمالي الناتج المحلّي. وهي أعلى نسبة من إجمالي الناتج المحلّي التي تُنفق على الدفاع من بين الدول الـ 15 الأكثر إنفاقاً على الدّفاع. كما يوفّر الإنفاق على الدفاع فرصاً كبيرة للعمل: أكثر من 200,000 عسكري؛ ولكنّ العديد من أنظمة الأسلحة يتمّ استيرادها من الولايات المتّحدة على وجه الخصوص. عام 2010، وافقت المملكة العربية السعودية على صفقة أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 60,5 مليار دولار.

القطاع الغير رسمي

بسبب عدم فرض ضرائب على الأعمال في المملكة العربية السعودية، ليس هناك قطاع غير رسمي للتّهرّب من دفع الضرائب. وكون الاقتصاد متطوراً بدرجة عالية – مع القليل من النشاط الاقتصادي خارج المنزل – لهو دليل على وجود قطاع غير رسمي صغير نسبياً. كما تحفز تعقيدات أو تباطؤ إجراءات تسجيل الأعمال أو الرغبة في تجنب القيود على توظيف غير المواطنين القيام ببعض الأنشطة غير الرسمية بين بعض الشركات الصغيرة.

ويشكّل العدد الكبير من عمال المنازل، ولا سيما الأجانب غير المسجلين حسب الأصول، جزءً كبيراً من القطاع غير الرسمي. ولا يتم احتساب العاملين في القطاع غير الرسمي في إحصاءات القوة العاملة الرسمية. ووفق دراسة أجراها البنك الدولي حول عدّة دول عام 2000، شكّل القطاع غير الرسمي في المملكة 18,4% من الاقتصاد، وهذه النسبة نموذجية في الاقتصاد المتقدّم للمنظّمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وبطبيعة الحال، قد تكون نسبة الاقتصاد غير الهيدروكربوني أعلى من ذلك بكثير.

القوى العاملة

يبلغ معدّل البطالة الرّسمي في السّعودية حوالي 10,5% (أيلول/سبتمبر 2012)، ولكنّ للمملكة العربية السعودية تعريف محدد للقوى العاملة، مثل معدّل مشاركة القوى العاملة حوالي 36% فقط. هذا يعود جزئياً إلى القيود الاجتماعية والقانونية المتعلقة بالمرأة العاملة لكنه يشير إلى أن نسبة البطالة الحقيقية بمعنى أوسع هي أعلى من 10,5%. عام 2011، بعد إدخال إعانات البطالة (جزء من حزمة 110 مليار دولار لتهدئة الاستياء السياسي)، تقدم 3,5 مليون سعودي بطلبات، أكثر بكثير مما توقعته الحكومة: 500,000.

لم يتم قبول بعض هذه الطّلبات، نظراً لأنّ على صاحب الطلب إثبات أنه يسعى بنشاط للبحث عن عمل أو يتبع تدريباً مهنياً؛ ولكن حاليّا يتلقّى أكثر من مليون سعودي إعانات. والذين يفشلون في مجال التدريب أو غير قادرين على تأمين عمل بعد عدة محاولات، يمكنهم الحصول على “إعانات العجز”، وهي أقل بكثير من إعانات البطالة.

يبلغ معدّل البطالة بين الشباب حوالي 30%، وهي أعلى بين الشابات. يعني انخفاض معدّلات الولادات في الآونة الأخيرة أن أعداداً متزايدة من الشباب يدخلون سوق العمل كل عام، مما يشكل تحدياً اقتصادياً. وفق وزارة العمل، يحتاج الاقتصاد إلى توفير 3 ملايين وظيفة جديدة للمواطنين السعوديين بحلول عام 2015.

يعمل نحو 80% من الموظفين السعوديين في الحكومة، ولكن من الضروري أن تكون نسبة حوالي 80% من اليد العاملة في القطاع الخاص من غير المواطنين. ومن أصل 1,2 مليون وظيفة التي أضافها القطاع الخاص بين عامي 2004 و 2009، ذهب منها 280,000 وظيفة فقط إلى السعوديين. ويعود ذلك جزئياً إلى التفاوت في الأجور: متوسط أجور السعوديين أكثر بـ 3,6 ضعفاً من أجور العمال الأجانب. نتج عن الأعداد الضّخمة من العمال الأجانب – معظمهم من البلدان الأكثر فقراً في جنوب وجنوب شرق آسيا – انخفاض الأجور حتّى للسعوديين. ومع ارتفاع تكاليف السكن، سبب ذلك ضغوطا اقتصادية في المملكة رغم إزدهار عائدات النفط.

في نهاية عام 2011، تم إدخال برنامج “نطاقات” لإجبار أرباب العمل في القطاع الخاص على توظيف السعوديين، ويبدو أنّه أكثر فعالية من البرامج التي سبقته (أول برنامج من هذا القبيل كان عام 1994). ساهم هذا البرنامج في توظيف 380,000 سعودي في القطاع الخاص خلال شهر أيلول/سبتمبر 2012. واشتكى بعض أرباب العمل في القطاع الخاص من صعبوية العثور على عمال مؤهلين لشواغر تتطلب مهارات عالية. كما ستقوم الحكومة بتحديد عقود عمل الأجانب بست سنوات. والتحدّي الأساسي للحكومة هو تعزيز المهارات والدوافع ومرونة العمال السعوديين حتى يتمكنوا من ملء الشواغر في سوق العمل.

في جميع الأحوال، سيستمرّ إصدار العديد من تأشيرات العمل. كما أنّ المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر مصدر للتحويلات المالية في العالم: حوالي 27 مليار دولار سنوياً. ويبلغ مجموع عدد العمال الأجانب في المملكة العربية السعودية حوالي 8 ملايين: 6 ملايين في القطاع الخاص. يتقاضى بعض الخبراء أجوراً مرتفعة، معظمهم من الدول المتقدمة، ولكن الغالبية العظمى من العمال الأجانب يقومون بالأعمال ذات المهارة المتدنية، ويشكو البعض من تفشّي سوء المعاملة في ظلّ حماية قانونية أو اجتماعية محدودة.

الدين

مع استمرار ارتفاع أسعار النفط، كان هناك فائض في الحساب الجاري للمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة: التقدير الأولي لعام 2011 هو 26,5% من إجمالي الناتج المحلّي. الحكومة هي المقرض الصافي (عام 2010) لما يعادل 13% من إجمالي الناتج المحلّي (78,6 مليار دولار). وباستثناء العائدات النفطية، كانت الحكومة ستكون المقترض الصافي لما يعادل 33,2% من إجمالي الناتج المحلّي. كانت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي للمملكة) تملك صافي أصول أجنبية بما يعادل 536 مليار دولار في نهاية عام 2011، وبلغت الديون الخارجية 94 مليار دولار.

وبالتالي، تجد المملكة نفسها في وضع مالي قوي، مع أنّها لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على العائدات النفطية. وعلى المدى البعيد، في حال انخفضت العائدات النفطية بشكل ملحوظ، فيمكن للقاعدة الضريبية المتبقية أن تكون صغيرة جداً للحفاظ على المستويات الحالية للإنفاق. ويمكن أن يقوض فرض ضريبة الدخل، حتى بطريقة متقدّمة جداً، العقد الاجتماعي السعودي. كما تمّ التعويض جزئياً عن زيادة الاستهلاك المحلّي الذي يحدّ من قدرة تصدير النفط عن طريق زيادة سلسلة القيمة.

الصادرات والواردات

رغم ارتفاع قيمة الواردات من 97,6 مليار دولار عام 2010 إلى 120,2 مليار دولار عام 2011، إلّا أنّ قيمة الصادرات قد ارتفعت بسبب ارتفاع متوسّط أسعار النفط من 251,5 مليار دولار إلى 365 مليار دولار. بلغت الصادرات النفطية (بما في ذلك المنتجات المكررة) 87% من قيمة جميع الصادرات. يعني الاقتصاد المفتوح والغني وغير المتنوّع نسبياً أن الزيادات في الدّخل خلال سنوات الطفرة النفطية مرتبطة بارتفاع الميل الحدي للاستيراد. وازدادت الواردات بنحو 23% عام 2011، رغم زيادة إجمالي الناتج المحلّي الحقيقي بنسبة 7,1 % فقط (كانت نسبة التضخم 5٪).

عام 2011، كان شركاء التصدير الرّئيسيون للمملكة العربية السعودية: اليابان (13,9 %) والصين (13,7%) والولايات المتحدة (13,4%) وكوريا الجنوبية (10,2 %) والهند (7,2%) وسنغافورة (4,9 %)، أمّا شركاء الاستيراد الرّئيسيون: الصين (12,8 %) والولايات المتحدة (11,9 %) وألمانيا (7,1 %) وكوريا الجنوبية (6%) واليابان (5,6 %) والهند (5,3 %) وإيطاليا (4,1 %). وكانت واردات المملكة العربية السعودية تتلخّص بالآلات والمعدّات والمواد الغذائية والمواد الكيميائية والسيارات والمنسوجات.

المساعدات التنموية

منذ منتصف السبعينات، كانت السعودية دولة مانحة رائدة من حيث المساعدات التنموية ما وراء البحار (ODA) ونسبة المساعدات التنموية الرسمية إلى الناتج القومي الإجمالي: بلغت المنصرفات 49 مليار دولار من عام 1976 حتى عام 2006، أي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، ومتوسط المساعدة الإنمائية الرسمية إلى الناتج القومي الإجمالي 4,2% خلال هذه الفترة، الأعلى بكثير بين البلدان الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية (DAC) في منظمة التعاون والتنمية (OECD)، (يبلغ متوسط لجنة المساعدة الإنمائية 0,35%)

. تقدّم المملكة العربية السعودية المساعدات عبر قنوات مختلفة، خاصة الصندوق السعودي للتنمية (SFD) الذي يعمل كقناة رسمية لمساعدات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبشكل عام، المساعدات السعودية غير مشروطة وسريعة الدفع وميسّرة للغاية. عام 2010، صرف الصندوق السعودي للتنمية 659,2 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم المملكة العربية السعودية في الصناديق الإنمائية المتعددة الأطراف والإقليمية والدولية، كالبنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق الأوبك للتنمية الدولية.

يتم توزيع المساعدات الخارجية من خلال قروض ميسّرة وهبات ومساعدات إنسانية وإغاثة وتخفيف أعباء الديون (التي بموجبها تم إلغاء 6 مليارات دولار من ديون البلدان الفقيرة). خصصت الحكومة السعودية مبلغ 189,1 مليون دولار للمساعدات الخارجية لعام 2011. وبالإضافة إلى ذلك، تعهّدت الحكومة بتخصيص 17,9 مليون دولار للمساعدات الإقليمية ابتداءً من شهر كانون الثاني/يناير 2011 حتّى شهر حزيران/يونيو 2012، إلّا أنّها لم تصرف سوى 3,7 مليون دولار.

وتشمل بعض الخلافات المرتبطة بجهود المساعدات السعودية: تركيزها على دول ذات غالبية مسلمة؛ الترويج للمذهب السنّي المتشدد للغاية (الوهابي) كالذي يمارس في المملكة العربية السعودية؛ والمساعدات غير الرسمية من قبل الجمعيات الخيرية السعودية المرتبطة أحياناً بمجموعات مسلحة.

أحدث المقالات

فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “الاقتصاد” و “المملكة العربية السعودية”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت:

Advertisement
Fanack Water Palestine