وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد في السعودية

منذ تعيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في منصبه عام 2017، طرأت على السياسات الاقتصادية السعودية تحولات كبيرة. كما مثّلت رؤية 2030 التي أُقرّت في العام نفسه البوصلة الأساسية التي قادت خطط المملكة التنموية والاقتصادية. ولهذا السبب، يمكن ملاحظة العديد من التحولات التي طرأت على سوق العمل وبنية الاقتصاد المحلي خلال السنوات الممتدة بين 2017 و2023.

اقتصاد المملكة العربية السعودية
أشخاص يرتادون حفلاً خلال مهرجان بلد بيست الموسيقي الذي أٌقيم في حي البلد، أقدم أحياء جدة، في 18 يناير 2024. وإلى جانب الفعاليات المماثلة التي تُقام في الحي الذي تبلغ مساحته 2.5 كيلومتر مربع، فإنه يشهد تحولاً يتمثل في فتح عدد كبير من المقاهي والمتاحف ومساحات الأداء وورش العمل للفنانين وممارسي الحرف اليدوية. لكن سكان جدة يشعرون بقلق من التغيرات الطارئة على الحي الذي لطالما كان مرتبطاً بموسم الحج وأسواق رمضان التقليدية. STR / AFP

كتبه: علي نور الدين
حرره: إريك برينس

مقدمة

منذ العام 2017، تكامل الانفتاح الثقافي والاجتماعي الذي تبنّاه بن سلمان مع بعض السياسات الاقتصادية التي دفع باتجاهها، مثل تحويل المملكة إلى وجهة سياحية إقليمية، ومنافسة الإمارات العربية المتحدة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والمراكز الإقليمية للشركات الدولية، بالإضافة إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل. وفي الوقت نفسه، وضعت الخطط الاقتصادية السعودية أهدافاً ترتبط بتنويع الاقتصاد المحلي وتقليص الاعتماد على النفط والتأسيس لاقتصاد منتج.

ومع ذلك، من المبكر جداً القول بأنّ قيادة المملكة اقتربت بالفعل من تحقيق هذه الأهداف، وإن حققت تقدماً ملموساً على هذا المستوى. فمراجعة معدلات النمو الاقتصادي وحجم الناتج المحلي بين عامي 2017 و2023، بالإضافة إلى وضعية الميزانية العامة وحجم العجز المالي ومستوى الدين العام، سرعان ما يبيّن أن أسعار النفط ما زالت المحدد الأساسي للتوازنات الاقتصادية والمالية في المملكة.

وفقاً لأرقام منظمة أوبك، تُعد المملكة العربية السعودية صاحبة ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بنسبة تقارب 21.5% من إجمالي الاحتياطات العالمية المؤكد، وبكمية إجمالية تناهز 267 مليار برميل. وخلال العام 2024، بلغت حصة المملكة من إنتاج تحالف أوبك + ما يقارب 10.478 مليون برميل يومياً، وهو ما يوازي 10.25% من الإنتاج العالمي، ونحو ربع الطاقة الإنتاجية للتحالف مجتمعاً. ولهذا السبب، ظلت المملكة لاعباً رئيسياً يسهم في صياغة السياسة المؤثرة في أسعار النفط العالمية بالتنسيق والتعاون مع روسيا، حليفها المؤثر في أوبك بلس.

التخلي عن الاعتماد على النفط

خلال السنوات الماضية، تمكنت خطط تنويع الاقتصاد من رفع مساهمة أنشطة القطاع الخاص غير النفطي إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحلول نهاية العام 2023، وفقاً لتحليلات وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية، وهو أعلى مستوى تصل إليه هذه النسبة على الإطلاق، إذ لم تتجاوز هذه النسبة 37.6% قبل عقد واحد من الزمن، سنة 2013.

وهذا ما حقق أحد أبرز مستهدفات رؤية 2030 التي طمحت إلى رفع حصة الأنشطة غير النفطية إلى نصف الناتج المحلي، مقارنةً بنحو 40% قبل عقد واحد من الزمن. وتتناسب تلك الأرقام مع تقديرات وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي الذي أشار في يناير 2024 إلى نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة بنسبة 20% منذ عام 2016، أي سنة إقرار رؤية 2030.

في جميع الحالات، وبحلول نهاية العام 2023، ظل استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي يستحوذ على نسبة 25.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يجعل هذه الأنشطة المساهم الأكبر والأهم في الاقتصاد السعودي. وإذا ما أضفنا أنشطة تكرير النفط، التي تساهم بنسبة 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ترتفع حصة قطاع النفط والغاز الإجمالية إلى 31.4%. وبهذا الشكل، ورغم التقدم الذي أحرزته المملكة على مستوى تطوير القطاع الخاص غير النفطي، ما زال أداء الاقتصادي السعودي معتمداً إلى حد بعيد على عائدات الأنشطة النفطية.

وإلى جانب قطاع النفط والغاز، تحتل الخدمات الحكومية المرتبة الثانية، بمساهمتها بنسبة 15.7% من الناتج المحلي الإجمالي. مع الإشارة إلى أنّ تقارير أداء الميزانية العامة الصادرة عن وزارة المالية السعودية تفيد بأنّ عوائد الأنشطة النفطية ساهمت بأكثر من 62% من إجمالي الإيرادات العامة، وهو ما يجعل تمويل النفقات الحكومية والخدمات العامة مرتبطاً إلى حد بعيد بأداء قطاع النفط والغاز.

جاءت أنشطة القطاع الخاص غير النفطي خلال العام 2023 متنوعة إلى حد بعيد، وبتأثير واضح من الاستثمارات غير الحكومية الموجهة إلى هذه القطاعات. وتجدر الإشارة إلى أنّ الرصيد الإجمالي للاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفع -بعد إقرار رؤية 2030- من 133.8 مليار دولار أمريكي عام 2017، إلى 215.5 مليار دولار أمريكي عام 2023، بحسب أرقام وزارة الاستثمار السعودية.

اقتصاد المملكة العربية السعودية
أحداث شائقة في منافسات الدرعية إي بري 2024 والنسخة الثانية من بطولة العالم “أيه بي بي فورمولا إي” على حلبة “شارع الرياض” من 25 يناير إلى 27 يناير 2024 في الدرعية بالسعودية. Photo Germain Hazard / DPPI via AFP

كما دفع بالاتجاه نفسه ارتفاع حجم إنفاق السياح الأجانب بنسبة 319%، خلال عامي 2022 و2023، بدعم من التوجهات الحكومية الهادفة إلى تحويل المملكة إلى وجهة سياحية إقليمية. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم نمو قطاع الفنادق والمطاعم وتجارة الجملة والمفرّق بنسبة 7.5% خلال الربع الأخير من العام 2023، وقطاع الخدمات الشخصية والاجتماعية والمجتمعية بنسبة 6.6%، بينما نما قطاع التمويل والتأمين وخدمات الأعمال بنسبة أعلى ناهزت 10.6%.

وبهذا الشكل، مثّلت هذه القطاعات الثلاث أبرز محركات النمو خلال تلك الفترة، وهو ما ساهم في الارتفاع الذي شهدته حصة القطاع الخاص غير الحكومي من الناتج المحلي خلال العام 2023. وبحلول نهاية ذلك العام، بات قطاع تجارة الجملة والمفرّق والمطاعم يستحوذ على أكبر حصة من أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بنسبة بلغت 9.7% من الناتج المحلي. في المقابل، حافظ القطاع الصناعي (ما عدا تكرير النفط) على حصة وازنة من الناتج المحلي بنسبة 8.8%، رغم ضمور أنشطته بنسبة 0.7% في ذلك العام.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قطاعي العقارات والبناء حافظا معاً على حصة معتبرة ناهزت 11.1% من الناتج المحلي خلال العام 2023. ومع ذلك، اقتصر نمو الأنشطة العقارية على نسبة متواضعة قاربت 1.2% خلال ذلك العام، بينما نما قطاع البناء بنسبة 4.3% خلال الفترة نفسها، وذلك بتأثير من مشاريع الإسكان الحكومية الضخمة.

النمو الاقتصادي والناتج المحلي

المصدر: صندوق النقد الدولي، أوبك

رغم نمو أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 4.4% خلال العام 2023، ونمو الخدمات الحكومية بنسبة 2.1% خلال العام نفسه، سجلت المملكة انكماشاً اقتصادياً بنسبة 0.8% خلال ذلك العام. وجاء هذا الانكماش بسبب تراجع الأنشطة النفطية بنسبة 9% خلال الفترة نفسها، وهو ما خالف النمو المحقق في سائر الأنشطة الاقتصادية.

وخلال تلك السنة، جاء تراجع الأنشطة النفطية مدفوعاً بعاملين: انخفاض متوسط أسعار النفط بنسبة 17% خلال العام 2023، مقارنةً بالسنة السابقة. وانخفاض متوسط إنتاج النفط اليومي بنسبة 8% خلال العام نفسه، بفعل الاقتطاعات الطوعية والملزمة في الإنتاج، المتفق عليها في إطار مجموعة أوبك بلس.

وطول السنوات السابقة، تأثرّت أرقام النمو الاقتصادي بشكل واضحٍ بأداء قطاع النفط والغاز. فعلى سبيل المثال، وبتأثير من التداعيات الاقتصادية لتفشّي وباء كورونا، تراجع المتوسط السنوي لسعر خام النفط (سلّة أوبك) إلى 41.47 دولار للبرميل عام 2020، مقارنةً بـ 64.04 دولار للبرميل خلال العام السابق. وهذا ما انعكس بشكلٍ مباشر على الناتج المحلي السعودي، الذي سجل انكماشاً بنسبة 3.6% خلال 2020، ما أدّى إلى انخفاض حجم الناتج المحلي إلى 734.27 مليار دولار في تلك السنة، مقارنةً بـ 838.56 مليار دولار خلال السنة السابقة.

خلال العامين اللاحقين، ارتفع متوسط أسعار خام النفط (سلّة أوبك) إلى 69.89 دولار للبرميل عام 2021، ثم إلى 100.08 دولار للبرميل عام 2022. وهذا ما انعكس مجدداً على نسب النمو الاقتصادي في السعودية، التي عادت وارتفعت إلى 5.1% عام 2021، ثم إلى 7.5% خلال عام 2022. ثم جاءت نسبة الانكماش التي تم تسجيلها بنسبة 0.8% عام 2023، والتي ارتبطت كما أشرنا سابقاً بتراجع أسعار وإنتاج النفط.

خلال العام 2024، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تواظب الأنشطة غير النفطية السعودية على تسجيل معدلات نمو بنسبة 3.5%، في مقابل انكماش الناتج النفطي بنسبة 4.6% بفعل تمديد قرارات خفض إنتاج النفط. وعلى هذا الأساس، يتوقع الصندوق أن يستقر حجم الناتج المحلي السعودي عند حدود 1,110 مليار دولار خلال العام 2024، ما يضع المملكة في صدارة الدول العربية من حيث حجم الاقتصاد الكلي. وللمقارنةً، تأتي الإمارات في المرتبة الثانية عربياً من حيث حجم الناتج المحلي، بقيمة تناهز 527.8 مليار دولار، أي ما يوازي 47.5% من حجم الاقتصاد السعودي.

بحلول العام 2023، ناهزت حصة الفرد من الناتج المحلي حدود 68.31 ألف دولار أمريكي سنوياً، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي. وهذا ما يجعل المملكة تحل في المرتبة الثالثة عربياً وخليجياً على هذا المستوى، بعد قطر التي يرتفع فيها هذا المؤشر إلى 108.57 ألف دولار أمريكي، والإمارات التي يقارب فيها هذا المؤشر 92.07 ألف دولار أمريكي.

التضخم وأسعار المستهلك

المصدر: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي

خلال السنتين الماضيتين 2022 و2023، تمكنت المملكة من ضبط معدلات التضخم عند مستويات مقبولة جداً بلغت 2.5% و2.3% على التوالي، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي ألّا يتجاوز هذا المؤشر حدود 1.9% خلال العام 2024. وتُعد هذه من أفضل معدلات التضخم على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث من المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة للمنطقة ككل حدود 15.4% خلال العام 2024، و 12.4% خلال العام 2025، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.

وبشكل عام، يرتبط انخفاض معدلات التضخم بالاستقرار النقدي المحقق بفضل ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي، وامتلاك البنك المركزي احتياطات وموجودات خارجية يقارب حجمها 457.95 مليار دولار في أواخر العام 2023. وهذا ما يسمح للسلطات النقدية بالدفاع عن ثبات سعر الصرف بشكل مستدام، وتفادي الاضطرابات النقدية التي شهدتها عديد من الدول العربية مؤخراً. في تقرير البعثة الرابعة، أشار صندوق النقد الدولي إلى أنّ الاحتياطات الدولية التي تملكها المملكة حالياً تكفي لتغطية 13 شهراً من الاستيراد، وهو ما يمنح الثقة بقدرة السلطات النقدية على تحقيق الاستقرار النقدي في المستقبل.

فضلاً عن الاستقرار النقدي، ساهمت بعض السياسات الحكومية السعودية في ضبط معدلات التضخم، حتى بعد ارتفاعها عالمياً في أعقاب انحسار وباء كورونا واندلاع الحرب على أوكرانيا. ومن هذه السياسات مثلاً الاستمرار بتثبيت أسعار المحروقات والطاقة، ومجموعة من السلع الغذائية الأساسية، بدعم حكومي مباشر. كما لجأت الحكومة السعودية إلى مواكبة قرارات رفع الفوائد الأمريكية بقرارات مماثلة لضبط معدلات التضخم المحلية. وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، استفادت المملكة من إمكاناتها المالية لتنويع مصادر استيراد الغذاء وتقليص مخاطر اضطرابات سلاسل التوريد والإنتاج في روسيا وأوكرانيا.

المالية العامة والدين الحكومي

المصدر: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، وزارة المالية السعودية

منذ العام 2017، تأثرت وضعية الميزانية العامة السعودية بالإنفاق العام على المشاريع الاستراتيجية كجزء من رؤية 2030. ولهذا السبب، سجلت الميزانية العامة بين العامين 2017 و2019 عجوزات معتبرة، بما أدّى إلى رفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي من 16.5% عام 2017 إلى 21.6% عام 2019. ثم عادت هذه النسبة لتسجل أكبر قفزاتها عام 2020، لتلامس حدود 31%، بعدما سجلت الميزانية العامة عجزاً مرتفعاً لامس حدود 10.3% من الناتج المحلي. وجاء هذه التطور مدفوعاً بالتراجع الكبير الذي طرأ على أسعار النفط خلال تلك السنة.

خلال العام 2021، عادت نسبة الدين العام للناتج المحلي للانخفاض إلى 28.6% رغم تسجيل عجز محدود في الميزانية العامة بنسبة 2.1%. وجاء هذه الانخفاض بفعل نسبة النمو الكبيرة التي طرأت على الناتج المحلي، والتي قاربت 5.1%. ثم عادت نسبة الدين العام للناتج المحلي للانخفاض بنسبة أكبر، وصولاً إلى حدود 23.9% خلال العام 2022، بفعل الفائض الذي سجلته الميزانية العامة بنسبة 2.6%، والذي توازى مع نسبة نمو كبيرة في الناتج المحلي، بلغت حدود 7.5%. وكان من الواضح أنّ هذه التطورات، خلال العامين 2021 و2022، تأثرت بعودة أسعار النفط العالمية للارتفاع خلال هذه الفترة بعد انحسار تداعيات وباء كورونا واندلاع الحرب في أوكرانيا.

شهدت سنة 2023 انخفاضاً بنسبة 12% في الإيرادات النفطية التي حققتها المملكة، بفعل خفض معدلات الإنتاج المتفق عليها في تحالف أوبك بلس، وانخفاض متوسط أسعار النفط بنسبة 17% خلال تلك السنة. وفي النتيجة، عادت الميزانية العامة لتسجل عجزاً بنسبة 2% من الناتج المحلي، وهو ما رفع نسبة الدين العام للناتج المحلي مجدداً إلى 26.2%.

رغم كل العجوزات المسجلة في الميزانية العامة خلال الأعوام السبعة الماضية، باستثناء العام 2022، ما زالت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي منخفضة ومحدودة، مقارنةً ببعض جيران المملكة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فعلى سبيل المثال، ترتفع هذه النسبة إلى حدود 126% في البحرين، و 37.3% في قطر، و 35.4% في عمان. وبشكل عام، تُعد المملكة صاحبة ثاني أدنى نسبة مديونية عامة للناتج المحلي في مجلس التعاون بعد الكويت التي تقتصر فيها هذه النسبة على 7.1% فقط.

خلال العام 2024، يتوقع صندوق النقد الدولي اتساع معدلات العجز بشكل إضافي، وإلى مستويات تتخطى حدود 3% من الناتج المحلي، وذلك بفعل تمديد قرارات خفض الإنتاج المتفق عليها في أوبك بلس، بالإضافة إلى الزيادة المعتبرة في الإنفاق العام خلال هذه السنة. أما على المدى المتوسط، أي خلال السنوات المقبلة، يتوقع الصندوق استمرار تسجيل عجوزات عند مستويات تتراوح بين 2.5% و3%، على افتراض عدم اتخاذ الحكومة السعودية أي إجراءات ضريبية لزيادة الإيرادات. ولهذا السبب، يتوقع الصندوق بلوغ نسبة الدين العام للناتج المحلي حدود 35% بحلول العام 2035.

سياسات خفض الإنتاج في أوبك بلس

بحلول العام 2024، باتت تساهم دول تحالف أوبك بلس مجتمعة بـ 40.46 مليون برميل يومياً من إنتاج النفط العالمي، وهو ما يقارب 39.5% من الإنتاج العالمي المقدر حالياً بـ 102.2 مليون برميل. وفي الوقت الراهن، تستحوذ المملكة على حصة الأسد في حصص الإنتاج المتفق عليها في تحالف أوبك بلس، بواقع 10.478 مليون برميل يومياً، أي ما يوازي ربع الإنتاج الإجمالي للتحالف. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تحتل المرتبة الثانية في قائمة المنتجين في تحالف أوبك بلس، بواقع 9.828 مليون برميل يومياً.

منذ الربع الأخير من العام 2022، قادت السعودية وروسيا معاً تحالف أوبك بلس باتجاه سلسلة من قرارات خفض الإنتاج المتتالية، والتي خفّضت إنتاج التحالف الإجمالي بواقع 5.86 مليون برميل يومياً، مقارنةً بمستويات الإنتاج السابقة قبل هذه القرارات. وهذا ما يوازي نحو 5.7% من إجمالي الطلب العالمي اليومي على النفط الخام. وفي شهر يونيو 2024، قرر التحالف تمديد هذه التخفيضات في الإنتاج هذا حتى نهاية العام 2025. وبالإضافة إلى هذه القرارات، بادرت السعودية إلى تخفيض طوعي وإضافي في إنتاجها من النفط، بواقع مليون برميل يومياً، منذ يوليو 2023.

من خلال هذه القرارات، حاولت السعودية وروسيا تحقيق ما تعدّه الدولتان استقراراً في أسعار النفط العالمية، بعد الانخفاض الذي طرأ على متوسط هذه الأسعار خلال العام 2023. غير أنّ هذه التفاهمات تسببت خلال مراحل عديدة في خلافات حادة بين الإدارة الأمريكية وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. إذ وجدت الولايات المتحدة أنّ سياسات خفض الإنتاج تساهم تلقائياً في ارتفاع تدريجي في أسعار النفط العالمية، وهو ما يخالف جهودها الرامية إلى مكافحة التضخم.

تحولات سوق العمل السعودي (2016-2023)

خلال الفترة الماضية، شهد سوق العمل السعودي بعض التحولات اللافتة جرّاء المشاريع الكبرى التي جرى العمل عليها كجزء من رؤية 2030، بالإضافة إلى بعض السياسات الهادفة إلى زيادة نسب مشاركة المرأة وتنويع الاقتصاد المحلي وتوطين الوظائف (السعودة). ويمكن ملاحظة هذه التحولات من خلال مجموعة من المؤشرات المرتبطة بسوق العمل:

اقتصاد المملكة العربية السعودية
إمرأتان تجمّعان وحدات تكييف في أحد المصانع بالدمام بالمنطقة الشرقية بالسعودية في 15 أغسطس 2023. Fayez Nureldine / AFP

نجحت المملكة في أواخر العام 2023 بخفض معدل البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 7.7%، مقارنةً بـ 8.6% في نهاية الفصل الثالث من السنة نفسها. مع الإشارة إلى أنّ هذه النسبة كانت تبلغ حدود 12.8% في ختام العام 2017، أي بعد عام واحد من إقرار رؤية 2030.

خلال الربع الأخير من 2023، لم تشهد نسبة البطالة بين الذكور أي تغيير يُذكر، بينما جاء انخفاض المعدل العام جرّاء تراجع معدل البطالة في صفوف السعوديات، إذ تراجعت نسبة البطالة في صفوف المواطنات إلى 13.7% في نهاية العام 2023، مقارنةً بـ 16.3% في أواخر الفصل السابق.

وعلى مدى السنوات السبع الماضية، نجحت المملكة في رفع معدل المشاركة الاقتصادية لدى الإناث -نسبة النساء في سن العمل- من 17% عام 2017، إلى نحو 35.5% خلال العام 2023. كما ارتفعت نسبة النساء في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا من 28.6% عام 2017، إلى 43.7% خلال العام 2023.

وعلى النحو نفسه، ارتفعت نسبة العاملين من الأشخاص ذوي الإعاقة القادرين على العمل من 7.7% عام 2016، أي سنة إقرار رؤية 2030، إلى 12.6% خلال العام 2023.

أما على مستوى توطين وظائف القطاع الخاص، حققت المملكة تقدماً واضحاً، عبر رفع نسبة التوطين إلى حدود 21% بحلول أواخر العام 2023، مقارنةً بنسبة لم تتجاوز 16.47% في أواخر العام 2016.

تركيبة القوى العاملة في السعودية

رغم كل الجهود التي تبذلها السلطات السعودية لتوطين العمالة في القطاع الخاص المحلي، ورغم ارتفاع نسب التوطين بالفعل خلال السنوات الماضية، ما زال القطاع الخاص السعودي يعتمد على العمالة الوافدة إلى حد بعيد. فوفقاً لأرقام المرصد الوطني للعمل، بلغ إجمالي أعداد العاملين في القطاع الخاص 11,274,689 شخص لغاية أبريل 2024، بينما لم يتجاوز عدد العمال السعوديين من أصل هؤلاء حدود 2,356,829 مواطن، ما يعني أنّ نسبة العمالة السعودية في القطاع الخاص ما زالت عند حدود 21%.

وبخلاف الحال في القطاع الخاص، يستحوذ المواطنون السعوديون على الغالبية الساحقة من وظائف القطاع العام. بل يمكن القول أنّ تركّز نسبة كبيرة من عمالة المواطنين السعوديين في القطاع العام تمثّل أبرز التحديات التي تتعامل معها السلطات السعودية، بالنظر إلى آثار هذه الظاهرة على تدني نسبة توطين وظائف القطاع الخاص. حيث تشير أرقام الهيئة العامة للإحصاء في نهاية الربع الأول من عام 2024 إلى أنّ عدد الموظفين الحكوميين بلغ 1,208,845 شخص، من بينهم 1,167,883 سعودي.

توطين العمالة

خلال العقد الماضي، قامت المملكة -وعلى مراحل عدّة- بتحديث نسب توطين الوظائف المفروضة على المنشآت العاملة لديها، وبشكل متباين وفقاً لكل مهنة أو مسمى وظيفي، وبحسب كل قطاع. وبهذا الشكل، بات على المنشآت التأكد من وجود حد أدنى من الموظفين السعوديين، بالنسبة إلى أنواع محدّدة من المناصب أو المسميات الوظيفية أو المهن أو الأنشطة الاقتصادية.

ومن المفترض أن تمتثل المنشآت السعودية إلى قرارات نسب التوطين تجنبًا لعقوبات تختلف باختلاف المخالفة، مثل إلغاء أو تعليق عقود الشركة مع القطاع العام السعودي، وإلغاء تأشيرات العمل أو التصاريح الممنوحة لاستقدام العمالة الأجنبية، وتحمّل غرامات مالية، وصولاً إلى مواجهة إجراءات قضائية أمام المحاكم المحلية.

استهدف توطين الوظائف في المملكة ستة قطاعات أساسية هي التجارة والصناعة، والسياحة، والنقل والخدمات اللوجستية، والعقارات والمقاولات، والخدمات الصحية. كما استهدف توطين الوظائف التي تمنح رواتب شهرية لا تقل عن 5 آلاف ريال سعودي (ما يعادل 1333 دولار أمريكي)، والمهن التي تحتاج إلى مستوى عالٍ من المهارات التقنية. أما وظائف السعوديين التي يقل راتبها عن 5 آلاف ريال سعودي، فلا يتم احتسابها ضمن نسب توطين التوظيف داخل المنشآت.

تحولات قطاع السياحة

لطالما اعتمدت المملكة العربية السعودية على السياحة الدينية، وخصوصاً في مواسم الحج والعمرة، مصدراً أساسياً للدخل القومي. وخلال العام 2023، ارتفع عدد المعتمرين إلى 26.86 مليون معتمر، بزيادة بلغت 8.7% مقارنةً بالعام السابق، في حين بلغ عدد المعتمرين الوافدين من خارج المملكة 13.56 مليون شخص. في المقابل، تشير أرقام السلطات السعودية إلى أن المملكة استقبلت خلال موسم الحج 1.85 مليون حاج، منهم 90% من خارج المملكة.

اقتصاد المملكة العربية السعودية
عرض ضوئي تم تنفيذه باستخدام طائرات بدون طيار بعد فوز الرياض بحق استضافة معرض إكسبو العالمي 2030 في مركز الملك عبد الله المالي في الرياض، في 28 نوفمبر 2023. Fayez NURELDINE / AFP

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنّ المملكة ركزت منذ 2017 على هدف تحويل المملكة إلى وجهة للسياحة الثقافية والترفيهية، وخصوصاً في منطقتي الرياض وساحل البحر الأحمر. ونتيجةً لذلك، تمكنت المملكة من رفع عدد السياح الوافدين من خارج السعودية من 3.5 مليون زائر عام 2021 و16.6 مليون زائر في العام 2022، إلى 27.4 مليون زائر في العام 2023.

كما ارتفع نشاط السياحة الداخلية من 63.8 مليون زيارة عام 2021 و77.8 مليون زيارة في العام التالي إلى 81.9 مليون زيارة في العام 2023.

وعلى ذلك، وبعدما كانت السياحة الدينية تمثّل 90% من النشاط السياحي في البلاد عام 2019، انخفضت هذه النسبة إلى 50% عام 2023.

تطور الصناعة والمناطق الاقتصادية الخاصّة

في إطار سعيها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الصناعي، قامت المملكة باستحداث خمس مناطق اقتصادية خاصة: المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية، والمنطقة الاقتصادية الخاصة برأس الخير، والمنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة في الرياض، والمنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان، والمنطقة الاقتصادية الخاصّة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

وبحسب القوانين السعودية، تستفيد هذه المناطق الاقتصادية الخاصة من مجموعة من التسهيلات الجاذبة للنشاط الصناعي، مثل الإعفاء من الرسوم المالية على العاملين ومرافقيهم، وتزويد الشركات بمنصة موحدة لتقديم جميع الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى تخفيضات في ضريبة الدخل وإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة وتأجيل سداد الرسوم الجمركية على المواد الأولية المستوردة. وبهذا الشكل، تكامل الحوافز الإدارية والضريبية مع الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية في تلك المناطق، التي صُممت لاجتذاب النشاط الإنتاجي.

بحلول العام 2023، تمكنت المملكة من رفع عدد المصانع القائمة إلى 10,518 مصنعاً، بزيادة نسبتها 10% مقارنةً بالعام السابق، بينما بلغ إجمالي الاستثمارات في تلك المصانع نحو 411 مليار دولار أمريكي. وكان للرياض الحصة الأكبر من تراخيص المصانع الجديدة، بواقع 479 ترخيصاً، تليها المنطقة الشرقية في المرتبة الثانية بواقع 340 ترخيصاً.

Advertisement
Fanack Water Palestine