ولد رائد انضوني في مدينة عمَان عام 1967 لاسرة فلسطينية من بلدة بيت ساحور المجاورة لمدينة بيت لحم، فقد صادف ذلك العام عام النكسة واحتلال ما تبقى من فلسطين. وليس غريباً ان يحمل جيل أنضوني هماً وفكراً مرتبطا بالقضايا الكبرى التي تعصف بالمنطقة وكبراها قضية فلسطين. فقد اتسمت مرحلة ما بعد عام النكسة بتنامي العمل المقاوم وتصاعد الثورة الفلسطينية من الاردن حتى تم قمعها عام 1970 وطرد الفدائيين الفلسطينيين من الأردن.
انتقلت عائلة انضوني الى بلدتها بيت ساحور بعد ان شهدت الاحداث الدامية في الاردن. كان الصغير رائد يراكم في وعيه المبكر صورة الفلسطيني الملاحق والمطرود دائماً من المشهد. وما ان شبّ واكتمل وعيه في العشرين، حتى اندلعت انتفاضة شعبه في الارض المحتلة فاكتوى كغيره بنارها، لينال وعائلته قسطاً كبيراً من بطش الاحتلال عبر اعتقاله واشقائه تارة، واتلاف تجارة والده تارةً اخرى.
في مثل هذا الواقع نشأ رائد انضوني، وبين ما خلفته تلك الاحداث تشكل وعيه فبدأ يبحث عن ذاته بالسؤال الدائم الذي رافقه “ماذا لو ؟” فعلى سبيل المثال، كان يتساءل، “ماذا لو لم يكن هناك احتلال؟ ماذا لو عشت حياتي كأي انسان على الارض؟” وفي رحلة البحث عن الذات التي يقول انها ما زالت مستمرة بعد عامه الخمسين كان دائم المحاولة للاجابة عن سؤاله “ماذا لو؟” يقول رائد انضوني ” يجب دائماً على الفلسطيني ان يسأل نفسه هذا السؤال ليستطيع ان يتخيل ويطلق العنان لافكاره. فالخيال هو أساس الابداع وعدمه بداية الموت. الخيال الذي يجعل الفلسطيني قادراً على اكتشاف ذاته وقدراته الابداعية.”
بدأ رائد الاهتمام بالفنون في صغره. فقد فهم أن الشجاعة في خوض التجارب بعيداً عن التقليدية وسيلة لتجسيد الخيال، وفهم أن الاصعب من ذلك هو القدرة على اكتشاف الذات دون حدوث رد فعل تجاه الهوية الجماعية. وبهذا استطاع ان يحدد مساره كانسان اولاً وكفلسطيني يحمل همّاً جماعياً وواجباً انسانياً تجاه محيطه المعذب.
اختار رائد انضوني انحيازه الانساني عبر السينما وتقديم افلامه بأسلوب جدي واقعي ولكن ليس تقليدي، حيث قدم في فلمه الاخير اصطياد اشباح (2017) تجربة التعذيب الممنهج بحق الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وذلك دون أن يسقط في النمطية التي اعتاد الوعي التقليدي رؤيتها في تناول القضايا الانسانية الكبرى.
لم يتناول انضوني الاسير باعتباره ضحية مطلقة ولم يتناوله كبطلٍ مطلق، بل قدمه كإنسان واقعي فيه من الضعف والقوة ما في كل البشر. فقد أظهر أن عناصر صموده وقوته تكمن في إرادته المؤمنه بحقه في النضال والحرية، وبهذا اعتبر أن تجربة الاسر هي من اعمق التجارب التي تصنع الانسان ويجد فيها ذاته الحقيقية.
ولتحقيق المستوى المطلوب من الواقعية، أصر أنضوني أن يكون أبطاله أسرى حقيقيون وليس ممثلون يتقمصون شخصية الاسير، بل كانوا جميعاً أسرى محررين خاضوا تجربة الاسر والتحقيق والتعذيب.
فقد قال أنضوني انه اثناء العرض الاول للفيلم في رام الله كان “مرعوباً” أثناء انتظاره رد فعل الجمهور الفلسطيني، كونه الجمهور المعني بالقضية والمعايش لها وبالتالي فان رأيه حول الفيلم عموماً سيكون الرأي الاكثر دقة وقدرة على التقييم.
ويقول رائد انضوني في مقابلة مع فنك: “إن الانطباع العام وردة الفعل التي قدمها الجمهور بعد العرض الاول كانت دليلاً على عمق الوعي الذي يمتلكه الشارع الفلسطيني في تقبل التجربة بعيداً عن النمطية التقليدية وقدرة هذا الجمهور على ادراك الواقع بشكلٍ فعلي، الامر الذي اعطاه الثقة بانتاجه الفني فقرر عرضه عالمياً.”
اصطياد اشباح كان وسيلةً لمواجهة العقل الباطن للانسان الفلسطيني الذي حاول كما يقول انضوني انكار التجربة القاسية في الاعتقال عبر محاولة التخلص من آثارها دون الخلاص منها. وعليه، كان الفلم أداة مساعدة لكل من شارك فيه وشاهده لمواجهة ذاته الاسيرة، لا سيما أن شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني خاضت تجربة الاعتقال وبالتالي فان هذه الشريحة وعائلاتهم تهتم بمحتوى التجربة الاعتقالية المعروضة في الفيلم.
وعلى الرغم من آراء النقاد المتفاوتة حول الفيلم، فقد وصفه البعض بـ”الإشكالي أخلاقياً،” وبكونه “يتسم بالإثارة،” إلا أنه حاز على عددٍ من الجوائز الإقليمية والعالمية، بما في ذلك جائزة مهرجان برلين للسينما عن فئة الأفلام الوثائقية. كما تم اختياره لتمثيل السينما الفلسطينية في مهرجان كان السينمائي لعام 2019. هذا المستوى الذي قدمه رائد انضوني وضعه في تحدٍ حقيقي كما يقول، وهو الاستمرار في ذات المستوى الذي قدمه في المستقبل. وحالياً، يعمل أنضوني على مشروعٍ كبير يعد جزءاً من محاولته المستمرة لتقديم الواقع الفلسطيني خارج الصور النمطية وإنتاج قطعة فنية تضاهي فيلم اصطياد أشباح.
يقيم انضوني حالياً في فرنسا مع طفلتيه ندالو وداليا منذ عشر سنوات، محاولاً أن يمارس دوره كأب الى جانب ابداعه الفني وارتباطه بالقضية الفلسطينية. كما أنه يقوم بزيارات دائمة لفلسطين ليبقى قريباً من هموم الفلسطينيين ومطلعاً على تفاصيل حياتهم تحت الاحتلال.