وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في مصر، شبايك تحارب “المعتقدات المشوهة” حول المساواة بين الجنسين بالمسرح

Egypt-faces-Egypt-faces-Sondos Shabayek
سندس شبايك. Photo Flickr

تعتبر مناقشة، وربما كسر، المحرمات الاجتماعية، افتراضياً، عمليةً صعبة سيما في مصر، حيث القمع الحكومي يتخطى حدود السياسة.

تتلذذ سندس شبايك (1985) بهذا التحدي، فمنذ أن شاهدت عروض مشروع بُصى في الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2006، كرست جهودها لمعالجة قضايا المرأة في مصر من خلال فن الرواية والمسرح.

يُنظم مشروع بُصى ورشات عملٍ تتشارك فيها النساء خبراتهم في الحياة كامرأة في مصر. تترواح المواضيع بين التحرش في الشوارع والزواج إلى ختان الإناث والاغتصاب. تترجم ورش العمل إلى عروض تروي فيها النساء بأنفسهنّ قصصهنّ أمام الجمهور.

وقالت شبايك لـFanack أنها عندما شاهدت أول عرضٍ لمشروع بُصى، “بكيت.” وأضافت “كانت قصص النساء حقيقية جداً، قريبة جداً من قلبي.”

عادت إلى منزلها في تلك الليلة وكتبت قصتين حول تجربتها عندما تعرضت للتحرش من قِبل استاذها في المدرسة وهي طفلة. انضمت إلى بُصى بعد فترةٍ وجيزة ولم تغادرهم قط.

تصف شبايك دافعها للعمل مع بُصى باعتباره “عملية شفاءٍ مستمرة،” وتُضيف “إنه آليتي للتأقلم لأتمكن من العيش في هذا البلد.”

وتُظهر الكثير من التصنيفات العالمية لمَ تحتاج المرأة في مصر إلى آليةٍ للتأقلم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حلت مصر في المرتبة 132 من أصل 144 دولة شملتها الدراسة في مجال المساواة بين الجنسين في تقرير الفجوة بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016. كما خلصت دراسة استقصائية أجرتها وكالة تومسون رويترز في عام 2013 إلى أن مصر أسوأ دولة عربية تعيش فيها كامرأة.

وتشتهر مصر بسمعةٍ سيئة فيما يتعلق بالتحرش الجنسي بالمرأة. ففي دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة، اعترف 64% من الرجال المصريين الذين أجريت معهم مقابلات بمشاركتهم بالتحرش في الشوارع، وأكثر من 99% من النساء عانين من نوع من التحرش الجنسي، وفقاً لتقرير صدر في عام 2013.

فقد تصدرت قصص الاعتداءات الجنسية خلال الاحتجاجات في ميدان التحرير واختبارات العذرية التي أجراها الجيش عناوين الصحف الدولية. وكثيراً ما يشار إلى النسبة المرتفعة للنساء اللواتي خضعن للختان، والتي تصل إلى 87% وفقاً لأحدث أرقام اليونيسف، عند الحديث عن وضع المرأة في مصر.

وتصف شبايك الحياة في مصر بكونها “أكثر صعوبة بالنسبة للمرأة بأضعافٍ مضاعفة.”

وتقول “عندما أفكر بما سأرتديه، وإلى أين سأذهب لأتمشى وبمن سألتقي، تؤثر جميعها على قراري.” وتتابع “عندما أرتدي قميصاً قصيراً، أعلم تماماً النظرة والتعليقات التي سأتلقاها في طريقي إلى العمل. هل أنا مستعدة للتعامل مع هذا اليوم؟”

ومع ذلك، فإن التحرش ليس القضية الأساسية التي تسعى شبايك إلى معالجتها مع بُصى.

وتقول بهذا الشأن “أشعر أن هناك اعتقاد مشوّه عميق أنّ المرأة أقل شأناً. [هناك] فكرة مجسّمة عن المرأة، بأنهنّ للعلاقة الجنسية، وأن على المرأة أن تخدم زوجها وتستمع له.”

وتذكر شبايك اللحظة التي دعمت فيها امرأة أرادت إرتداء النقاب في أحد العروض. “ليس من شأني أن أخبرها ما هو الصواب وما هو الخطأ، لا علاقة لأحد بذلك […] فهي تشعر أنها إذا ما غطت جسدها ستكون محترمة، [ولكن] من أين يأتي جوهر هذا الاعتقاد؟ هذا ما علينا التفكير به.”

إن عدم المساواة بين الجنسين التي تُشير إليها شبايك عميقة الجذور في كلٍ من العادات الاجتماعية والقانون. ففي الزواج، تنتقل “الوصاية” القانونية من والدها إلى زوجها؛ كما يسهل على الرجل المبادرة بالطلاق من النساء؛ وترث المرأة نصف المبلغ الذي يرثه الرجال؛ ولا يسمح بتعدد الزوجات إلا للرجال؛ ولا يعترف القانون المصري باغتصاب الزوجة.

وفي المجتمع المصري، من المفترض أن تكون الفتاة عذراء عند زواجها، بل إن أي شكوكٍ حول عذرية المرأة يقلل كثيراً من فرصها في الزواج. وعموماً، من المفترض أن تعيش المرأة مع والديها إلى أن تتزوج، في حين أنه من الأسهل على الرجال الانتقال للعيش خارج منزل العائلة.

وعادةً ما يكون هناك ضغط أسري على الفتاة لتتزوج، بما في ذلك اقتراح الوالدين لعريسٍ محتمل. وقد يبدأ الضغط على الرجل في سنٍ متأخرة، إذ يتوقع منهم بدايةً جمع ما يكفي من المال لشراء شقة للعيش فيها بعد الزواج. كما قد يتواصل الضغط الاجتماعي بعد الزواج، حيث ينتقل التركيز حول انجاب الأطفال.

فمن الشائع أن تُمنع المرأة التي تتواجد في المنزل لوحدها (خاصة بدون وصي من الرجال)، من قِبل زوجها أو والديها، من استقبال الزائرين. “سيتحدث الجيران” أو “سيضر هذا بسمعتنا،” من الأعذار التي تُقدم عادةً لفرض مثل هذه القيود.

ولا يختلف وضع شبايك كثيراً، فقد تمكنت من الإنتقال للعيش خارج منزل والديها دون زواج، إلا أن الأمر تطلب “الكثير من المعارك. فهم لا يزالون لا يرحبون بالأمر. ودوماً ما يطلبون عودتي أو قضاء ليلة عندهم.”

وعلى الرغم من أن والديها باتا أكثر تقبلاً للعمل الذي تقوم به ولم يعودا ينتقدانها لكونها “غير مؤدبة” لوقوفها على خشبة المسرح، إلا أنهم، تحديداً، لا يدعمونها. “لا يقولون لي، نتمنى لك حظاً موفقاً أثناء العرض. والداي ليسا محافظين، وربما يصنفهم المجتمع بأنهم منفتحين. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يكون الوالدان منفتحان في مصر؟”

لقد كان لثورات الربيع العربي عام 2011 تأثيرٌ كبير على شبايك، الأمر الذي تجسد في مشروع حكاوى التحرير، وهو مجموعة من العروض تروي قصة 18 يوماً من الثورة. تشعر شبايك أنه كان هناك “هوس” بتوثيق تلك الأيام. “كنا نشعر بقلقٍ بالغ لما سيحصل فيما بعد، وكيف سيُكتب التاريخ،” كما تقول، “نحن نعيش مخاوفنا اليوم.”

وفي عام 2012 أوقفت عروض حكاوى التحرير. “أعتقد أن معظم الناس الذين كانوا في الشوارع يعانون جميعاً من نوعٍ ما من اضطراب ما بعد الصدمة؛ فنحن لا نتكلم عنه، لا يمكنني مشاهدة الفيديوهات بعد اليوم.”

ومع ذلك، ترى شبايك أن الثورة حملت بطياتها بعض التغيير، وإن كان صغيراً. فقد أصبحت النساء أكثر استعداداً للتكلم ومشاركة قصصهم، وأصبح الجمهور أكثر انفتاحاً لتقبلهم. “منحتنا الثورة شعوراً بالتمكين عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الذات. على الأقل، الناس تغيروا، حتى وإن كان النظام هو ذاته أو حتى أسوأ.”

تتجلى إحدى الطرق التي يُظهر فيها “النظام” نفسه بالرقابة. فقد أوضحت شبايك أنّ الدولة تشغل لجاناً رقابية لكل شكلٍ من أشكال الفن. فقبل العروض الجماهرية، ينبغي تقديم النص للجنة، إذ ذكرت أن الجنس والسياسة والدين هي عادةً المواضيع التي تخضع للرقابة.

وتقول “تشعر الدولة أن عليها لعب دور الأخ الأكبر،” واصفةً طريقة التفكير “نحن [الدولة] نخبرك بما عليك فعله وقوله وعليك أن تطيعنا.” إنّ العمل من دون تصريحٍ من لجنة الرقابة، يجعل من الصعب، على نحوٍ متزايد، عثور مشروع بُصى على مكانٍ لتقديم العروض. فقد كان مسرح وساحة روابط الفنية، في وسط القاهرة، المكان المنتظم لتقديم عروض بُصى، ولكن بعد اقتحامه وإغلاقه مؤقتاً في أواخر عام 2015، بات يتطلب اليوم الحصول على تصريحٍ رقابي أيضاً.

وفي خضم الحملة المستمرة في مصر على المعارضة، ومع الخطوة الأخيرة التي شهدت التصديق على قانون المنظمات غير الحكومية المثير للجدل، والذي ينص على حظر عمل المجموعات الحقوقية فعلياً، أصبح مستقبل بُصى غامضاً أكثر أي وقتٍ مضى. وقالت شبايك “أتفاءل في بعض الأحيان، وأحياناً لا أكون كذلك.” وتابعت “نسأل أنفسنا كل يوم كيف سنواصل العمل في اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو العام التالي.”

ومع ذلك، تحافظ شبايك على اندفاعها. “هناك نوعٌ محدد من الفرح أعايشه […] إن الاستماع إلى النساء يشاركنّ قصصهنّ، أمرٌ مشجعٌ جداً. هذه اللحظات تشعرني أن الأمر يستحق.”

إن الشعور أن المجتمع يتغير في الواقع- بالرغم “من حاجتك إلى مجهر لرؤية هذا التغيير”- يجعلها تواصل العمل أيضاً. وفي الوقت الراهن، هذا كل شيء. ففي بعض الأحيان تتمنى لو أنها اختارت وظيفةً أقل استنزافاً. “العمر يمضي بي بسرعة أكبر من جميع أصدقائي، فالشيب يغزو رأسي، وأعاني من مشاكل صحية مزمنة، وأشعر بالتعب دوماً،” على حد قولها. وتُضيف “لا أعلم لكم من الوقت يمكنني الاستمرار بالقيام بهذا. آمل أن يكون هذا لوقتٍ طويلٍ بما فيه الكفاية.”