وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي: شاعر الشعب

Palestine- Tamim al-Barghouti
Source: The New Yorker

فاز تميم البرغوثي بقلوب ملايين الأشخاص بقصائده، فقد كان والده الفلسطيني، مريد، شاعراً وصحفياً أيضاً في حين أن والدته المصرية، رضوى عاشور، كانت روائية. ولد مريد وتربى في إحدى قرى رام الله، بينما ولد تميم في القاهرة، وتخرج كلاهما من جامعة القاهرة. وكحال والديه، طوّر تميم قدرةً خارقة على وصف الفروق الدقيقة ما بين المقاومة والحزن في العالم العربي.

وكفلسطيني، بلورت تجربة الطرد والمنفى نشأته وأثرت على عمله. ففي عام 1977، وهو العام الذي ولد فيه، اضطر والده لمغادرة مصر عندما تم إيقاف برنامج إذاعة صوت فلسطين نتيجةً لعملية السلام المصرية الإسرائيلية. وعلى مدى السنوات الثماني عشرة التالية، سافر تميم مع عائلته لرؤية والده في بودابست خلال فصل الصيف.

وقال تميم لفَنَك، “جعلتني هذه التجربة أدرك، في وقتٍ مبكر جداً، مسألة السلطة.” وأضاف “[جعلتني أدرك] قدرة الأشخاص الذين لم أعرفهم ولم يعرفوني، ومع ذلك تمكنوا من تشكيل حياتي لأنهم كانوا يمتلكون ألقاباً ومناصب سمحت لهم بفعل ذلك.”

وبحلول عام 1999، نشر تميم أول قصائده. وطوال هذا الوقت، كان يعمل على بناء مستقبله المهني كأكاديمي في العلوم السياسية. ولكن بحلول عام 2003 تمكن تميم من صنع اسمٍ لنفسه.

فقد أجبر عشية الغزو الأمريكي للعراق أيضاً على مغادرة مصر بسبب معارضته للحرب، بما يخالف موقف الحكومة المصرية. شدد على أن الترحيل كان غير قانوني، إلا أنه قال إنه سُمح له بالعودة إلى البلاد بعد عدة أسابيع.

رفض تميم البرغوثي إلتزام الصمت ونشر قصيدتين حول طرده وآرائه حول الحرب. حملت الأولى عنوان “قالولي بتحب مصر،” فيما حملت القصيدة الثانية عنوان “مقام عراق.” تلقى العملان صدىً كبيراً طيباً في مصر وفي العالم العربي أيضاً.

بعدها خرجت إلى النور قصيدته “إلى القدس،” التي جعلت منه إسماً مألوفاً في فلسطين عام 2007. عبرت القصيدة عن جوهر السلب بينما يقصّ حكاية رحلةٍ لم تكتمل بسيارة أجرة إلى مدينة القدس. تصور القصيدة مدينةً يحبها الفلسطينيون حباً جماً إلا أنها لا تبادلهم ذلك الحب.

وبعد تسجيل القصيدة، ظهرت صورته في المتاجر والصحف في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. كما تم تحويل أجزاء من القصيدة إلى نغمة رنين للهاتف.

وبعد أربع سنوات، غذى شعر البرغوثي نشوة الربيع العربي. ففي 27 يناير 2011، وبعد يومين فحسب من إطاحة المحتجين المصريين بالديكتاتور حسني مبارك، كتب تميم وقرأ قصيدةً بعنوان “يا مصر هانت وبانت” على قناة الجزيرة. وخلال الأسبوعين التاليين، تم إعادة التسجيل مرةً كل ساعتين على شاشات مؤقتة في ميدان التحرير بالقاهرة.

ولكن بعد عامين، قام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، بالإطاحة بأول رئيسٍ منتخب ديمقراطياً في مصر، الإسلامي محمد مرسي.

كتب البرغوثي في صحيفة الجارديان البريطانية أن الإسلاميين والعلمانيين خانوا وعود الثورة. وقال إن كلا المعسكرين اتفقا على تقاسم السلطة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تدربه وتموله الولايات المتحدة. وبصفته عالماً سياسياً، لاحظ البرغوثي، على نحوٍ صحيح، أن الجيش يستغل الانقسام السياسي لاختطاف البلاد. وأشار في وقتٍ لاحق أن النظام العسكري الحالي في مصر “الأسوأ في هذا القرن.”

وبعد فترةٍ قصيرة من الانقلاب، بدأ البرغوثي بترجمة العديد من قصائده إلى الإنجليزية بمساعدة والدته. وعن تجربته هذه قال إن والدته خففت من صعوبة ترجمة الإنفعالات والأساطير التي يفضل نقلها باللغة العربية.

فقد قال: “كانت تحررني من هذا الشعور الذي أشعر به كلما تحدثت بالإنجليزية أو كتبت بالإنجليزية، وهو أنني أسبح في بحرٍ من الهلام.” وأضاف “كانت تحاول باستخدام أجنحتها الضخمة- تماماً كحال آلهة العدالة المصرية- أن تشق لي الأمواج كما فعل النبي موسى وتسمح لي بالحركة.”

بعد وفاة والدته في عام 2014، كرّس تميم معظم وقته لإنهاء ترجمات قصائده. وفي عام 2017، نُشرت أخيراً قصيدة في القدس وقصائد أخرى باللغة الإنجليزية. وكتبت الصحيفة الفلسطينية على الإنترنت، Electronic Intifada، نقداً إيجابياً عن الكتاب. إذ قالت سارة إيرفينج من Electronic Intifada “تعبق [المجموعة] بالغضب الذي ينبع من كلٍ من حياة الشاعر كنجل فلسطيني عاش في المنفى وكناشطٍ في الحركات من أجل التغيير التي اتخذت شكل انتفاضاتٍ واجتاحت العالم العربي في عام 2010.”

لعب تميم البرغوثي دور المفكر الشعبي، مجادلاً أن الشعر لا يتم إنتاجه فقط من خلال الكلمة المكتوبة أو المنطوقة بل أيضاً من خلال بطولات الناس العاديين.

وقال لصحيفة ذا نيويوركر: “في بعض الأحيان يصنع الناس الشعر بأقدامهم”. وأضاف “[على سبيل المثال، مشهد] طفلٍ صغير وهو يقف أمام، أو يواجه دبابةً في فلسطين. فارس عوده، صبي يبلغ من العمر 14 عاماً. خسر حياته. هذا الفعل الشجاع هو قصيدة، هناك. لم أكتب أي شيء. قمت فقط بقراءة ذلك عن قدميه.”

إلى جانب شعره، يكتب تميم البرغوثي لصحفٍ يومية لبنانية ومصرية، كما ألف كتابين أكاديميين. ولكن سيذكره العالم أولاً وقبل كل شيء كشاعرٍ للشعب. يُعرض له حالياً برنامجٌ على الخدمة الرقمية، الجزيرة بلس (AJ+)، والذي بات يحظى بشعبية.

ففي منطقةٍ يُسجن فيها الشعراء بسبب صدقهم، لم يقبل تميم يوماً التنازل عن مبادئه لإرضاء من هم في السلطة. ولربما هذا هو السبب الذي يجعل قصائده تحظى بصدى واسع النطاق، فهي تصف التكيّف الذي يراه في عالمٍ يزداد قسوة يوماً بعد يوم.

إذ قال لنا في فَنَك، “قرأت الشعر الذي هربه الناس بين ثنايا التاريخ، وكتبت شعري الخاص.” وأضاف “ينبغي أن تتم هذه المساعي بطرقٍ، آمل، أن تكون فريدة من نوعها.”