وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية (2011 – 2012)

المشير محمد حسين طنطاوي
المشير محمد حسين طنطاوي

المقدمة

يتألف المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قادة عسكريين، برئاسة المشيرمحمد حسين طنطاوي (مواليد 1935)، وزير الدفاع السابق والقائد العام للقوات المسلحة المصرية. بعد أن تولى السلطة، تصرف طنطاوي عملياً كرئيس للبلاد، رغم تشكيل حكومة انتقالية.في حين لم تثق أغلب القوى والحركات السياسية بالمؤسسة العسكرية، خلق الوضع غير الآمن على نحو متزايد في البلاد – الناجم عن غياب الشرطة وقوات الأمن من جهة والأعمال الإجرامية من جهة أخرى – قاعدة دعم للقوى العسكرية بين المواطنين. عزز هذا الشعور تضخيم وسائل الإعلام لحالة انعدام الأمن في البلاد وإلقاء اللوم على الثوار، لا سيما أولئك الذين بقوا في ميدان التحرير. فبدأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان بحاجة للمساعدة، محادثاته مع أكبر جماعة معارضة، جماعة الإخوان المسلمين.

في بادئ الأمر، لم يكن التعاون بين الجيش والإخوان المسلمين سهلاً، والذي ظهر في اللجنة التي كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أنشأها لغرض تعديل دستور 1971. ترأس هذه اللجنة طارق البِشْري، وهو قاضٍ بارز معروف بتعاطفه مع الإخوان المسلمين، وكان من أعضائها محامي الإخوان المسلمين المعروف النائب السابق صبحي صالح.

الدستور

كان الدستور مثار جدل منذ البداية، لأنه تم تعليقه بعد استقالة مبارك مباشرة بهدف صياغة دستور جديد بعد إجراء انتخابات حرة. ومع ذلك، لم يدفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فقط لإجراء بعض التعديلات البسيطة على دستور 1971 للموافقة عليها قبل الانتخابات، وإنما أيضاً أضاف مواد عديدة تتضمن تدابير للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، أو بالأحرى، الحد من احتمالات الترشيح للرئاسة – بعد إجراء استفتاء شعبي عليها وتمريرها على أنها “إعلان دستوري جديد”. وكانت النقاط الإشكالية أن الدستور يفتقر إلى تفاصيل حول طبيعة النظام الانتخابي ويشوبه الغموض حول الانتقال الموعود للسلطة إلى حكومة مدنية.

جرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 آذار/مارس 2011. فدعا الإخوان المسلمون والسلفيون إلى التصويت بـ “نعم”، وتم قبول التعديلات بنسبة 78% في أكبر إقبال للناخبين في التاريخ المصري: 46%. ويعزى الإقبال في الغالب إلى استمرار النشوة بعد الثورة مباشرة.

قانون الطوارئ والعنف ضد المتظاهرين

ولكن مع مرور الوقت، تبددت النشوة. فقد أصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إبقاء قانون الطوارئ الذي كان سارياً منذ عام 1981؛ فقام الجيش باعتقال وسجن وتعذيب الناشطين الثوار ومحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية؛ كما قام بإخضاع مجموعة من الناشطات إلى ما أصبح معروفاً بـ “اختبار العذرية”؛ وفي البداية نفى الجيش ذلك.

كما توانى في اعتقال شخصيات بارزة من النظام السابق وتحديد موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة التي وعد المجلس بعدها بتسليم الحكم إلى حكومة مدنية. كما واجه الاحتجاجات المتزايدة بالعنف. وبشكل خاص، تم معالجة احتجاجات “ماسبيرو” في تشرين الأول/أكتوبر 2011، والتي ركزت على حقوق المسيحيين الأقباط، بوحشية: قَتَل الجيش ما لا يقل عن 25 شخصاً، و حرّض على العنف ضد المسيحيين عن طريق التلفزيون الرسمي الناطق باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة. كما شن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حملة على وسائل الإعلام، مقيداً بشكل متزايد حرية التعبير.

في غضون ذلك، ومع استمرار المظاهرات، ازدهر النشاط السياسي. تم تأسيس أحزاب سياسية مختلفة بدأت استعداداتها على الفور للانتخابات المقبلة. ركز الإسلاميون على الانتخابات وأظهروا ولاءهم للجيش من خلال الإقلال من ظهورهم في المظاهرات المتنامية. ورغم جهودهم الرامية إلى إنشاء قاعدة انتخاب ثابتة في الأرياف، والتي ساعدتهم على الفوز في انتخابات مجلس الشعب في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ألا أن عدم دعمهم للمتظاهرين الذين تعرضوا للهجوم من قبل قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وغاز CR في شارع محمد محمود في القاهرة أفقدهم المصداقية عند القوى الثورية.

ساحة التحرير في شباط/فبراير 2012 / Photo Shutterstock
ساحة التحرير في شباط/فبراير 2012 / Photo Shutterstock

تراجع الدعم

وصلت الأمور إلى ذروتها خلال انتخابات مجلس الشورى بين 29 كانون الثاني/يناير و 22 شباط/فبراير 2012 بعد مذبحة مشجعي فريق الأهلي لكرة القدم في بورسعيد في 1 شباط/فبراير. فخلال الشوط الأول من مباراة الأهلي والمصري، نشب قتال بين المشجعين، وتعرض لاعبو الأهلي للهجوم. وخرجت الأمور عن السيطرة إلى حد أن 79 شاباً وفتىً لقيوا حتفهم وأصيب أكثر من ألف. وكانت المباراة تُبث مباشرة على الهواء على شاشة التلفزيون المصري، وانتشرت المعلومات بسرعة حول عدم وجود فعلي لأي عمليات تفتيش أمنية للزوار الداخلين إلى الملعب. ولم تسمح قوات الأمن بدخول عناصر مسلحة وحسب، بل قامت أيضاً بأزالة الحواجز التي تفصل أنصار الفريقين، وإقفال المخارج، وإطفاء أضواء الملعب.كان لعدم اتخاذ إجراءات فورية من قبل الجيش أن أثار الغضب؛ وسرعان ما بدأت الشائعات تنتشر على أن هذه المجزرة كانت انتقاماً لتورّط فريق الأهلاوي في الثورة والمظاهرات اللاحقة. وبالتالي، لم يُقحِم الإسلاميون مناقشة مجزرة بورسعيد في مجلس الشعب، الأمر الذي حوّل المظاهرات إلى احتجاجات واسعة ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. ونظراً لغياب الإدراك العام لأهمية مجلس الشورى في السياسة، فإن هذه العوامل أدت إلى نسبة إقبال ناخبين منخفضة للغاية في انتخابات المجلس الاستشاري، وفاز الإسلاميون مرة أخرى بأغلبية المقاعد.

الفترة الانتقالية في ظل حكم المجلس العسكري

إحدى المشاكل الأكثر أهمية في الفترة الانتقالية في ظل الحكم العسكري هي عدم الوضوح فيما يخص القانون. فضلاً عن التعديلات التي أضيفت على دستور 1971 التي ذكرناها آنفاً، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قانوناً قبل الانتخابات البرلمانية حول تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة، ويحظر القانون إنشاء أي حزب سياسي على أساس ديني. إلا أن القانون لم يُنفّذ، وسُمِح لحزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين وحزب النور للسلفيين بالترشيح.

حتى أن القوانين والأنظمة المتعلقة بعملية الانتخابات نفسها لم يتم تطبيقها بالشكل الصحيح في كثير من الأحيان، وافتقرت العملية عموماً إلى الشفافية وفشلت في غرس الثقة لدى الناخبين. وعلاوة على ذلك، فيما كانت البلاد تستعد للانتخابات الرئاسية، أبطلت المحكمة الدستورية العليا مواد القوانين المتعلقة بانتخابات مجلس الشعب، وتم حل المجلس. بالإضافة إلى ذلك، عند فرز أصوات الانتخابات الرئاسية، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن إعلان دستوري جديد يتضمن تعديلات ومواد جديدة تقيّد صلاحيّات الرئيس الجديد وتضمن السلطة العليا للجيش.

Advertisement
Fanack Water Palestine