وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأفلام في الخليج العربي: ما الرائج حالياً؟ 2016

الدوحة سيتي سنتر سينما
مول سيتي سنتر في مدينة الدوحة يحتوي على سينما متعددة الشاشات و التي اصبحت من الأماكن المفضلة للعائلات لقضاء اجازة الاسبوع. Photo Tom Morgan/Demotix/Corbis

نمت دور السينما في دول الخليج العربي بشكلٍ مطرد، ففي عام 2015، تضاعف عدد دور السينما في قطر من 48 إلى 95، أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد جنت 356 دار سينما أكثر من 154 مليون دولار عام 2015، مما يجعل السوق الإماراتي الأكثر ربحاً من بقية أسواق الدول العربية مجتمعة. وفي حين لا توجد دور سينما عامة في المملكة العربية السعودية، صرّح مسؤول في جمعية المنتجين السعودين في أغسطس 2015، أنّ دور السينما غير محظورة في البلاد، كما أن الحصول على ترخيص لافتتاح إحدى دور السينما لا يستغرق أكثر من 72 ساعة. في الواقع، كان هناك أكثر من 50 دار للسينما في السعودية خلال الستينيات. ويمكن للسعوديين اليوم مشاهدة الأفلام في دور السينما التابعة للسفارات الأجنبية، والمراكز الرياضية، وحتى دور السينما في شركات النفط. كما كانت شركة نفط البحرين أول من قام بافتتاح دار للسينما في البلاد والتي يُعتقد أنها تحتوي أكبر مجمع لدور السينما في الشرق الأوسط، بعشرين عرضاً.

ومع ذلك، تكمن المفارقة في أنّ أفلام الخليج العربي لا تتصدر شباك التذاكر فيها. وبالتأكيد، فقد حققت المنطقة تقدماً منذ عام 2004، من خلال إقامة مهرجانات سينمائية متطورة مثل مهرجان دبي السينمائي الدولي، ومهرجان الخليج السينمائي، ومهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي. شجعت هذه المهرجانات المنتجين المحليين على توزيع أفلامهم، والتعاون مع المحترفين الدوليين، وإيجاد ثقافة سينمائية في المنطقة. بدأت دول الخليج في منتصف الألفية الثانية، الانتاج الاحترافي للأفلام مثل فيلم “خيوط تحت الرمال” (قطر)، وفيلم “ثوب الشمس” (الإمارات العربية المتحدة)، وفيلم “وجدة” (المملكة العربية السعودية)، وفيلم “بلال،” وهو أول فيلم للرسوم المتحركة في العالم يتضمن مشهداً مدته 11 دقيقة ونصف للرسوم المتحركة دون تقطيع. ولا تزال السينما في الخليج العربي تكافح من أجل إرضاء الجمهور الخليجي، الذي يستمر في البحث خارج المنطقة عن بدائل أفضل. وبالسفر على إحدى خطوط الطيران الخليجية، فإنه من غير المستغرب إيجاد فيلم أو اثنين فقط من الأفلام الخليجية من بين قائمة تحوي مئات الخيارات لمشاهدتها أثناء الرحلة.

ولا يمكن إلقاء اللوم هنا سواء على الثقافة الخليجية أو حتى على الوعي بالسينما والأفلام، بدلاً من ذلك، يمكن القول أنّ سينما الخليج العربي لا تروق للمشاهد المحلي. وحتى وقتٍ قريب، لطالما جادل المحترفون في المنطقة بأنه لا وجود للسينما الخليجية. ووفقاً لخالد صديق، الذي يرأس حالياً منصب رئيس جمعية الخليج السينمائية، فإن الأفلام التي تُصنع في منطقة الخليج العربي لم تكن كافية لبناء نوع محدد من سينما الخليج العربي. وألقت الممثلة الكويتية الشهيرة، حياة الفهد، باللائمة في هذا الشأن على الافتقار إلى الدعم والتمويل، الذي غالباً ما يُثني الممثلين عن الخوض في هذا المجال. فقد قام خالد صديق ببيع عقاراته ومجوهراته ليخرج أول الأفلام الخليجية الناجحة “بس يا بحر،” في عام 1972، وهو فيلم مستقل فاز بالعديد من الجوائر الاقليمية والدولية. مشاكل أخرى لاحظها المحترفون في مجال صناعة الأفلام الخليجية، والتي تتضمن عدم احتراف ونقص تدريب المواهب الشابة. أدى هذا إلى انتاج أفلام قصيرة، بالدرجة الأولى، التي تجذب المواهب الشابة التي تسعى للتمتع بالخبرة وتفتقر إلى فرص التمويل.

ومن ناحية أخرى، تزدهر أفلام بوليوود. واليوم، عندما تصعد على متن إحدى خطوط الطيران الخليجية، لم يعد مستغرباً إيجاد أكثر من فئة لأفلام بوليوود؛ مثلاً أفلام بوليوود بالعربية، أفلام بوليوود كلاسيكية، أفلام بوليوود جديدة، أفلام هندية إقليمية… وعند استعراض القنوات التلفزيونية العربية، فمن المحتمل أن يجد المرء عشرات القنوات المخصصة لعرض أفلام بوليوود، سواء كانت مدبجلة أو مترجمة إلى اللغة العربية. وعلاوة على ذلك، باتت الآن دور السينما المخصصة لعرض أفلام بوليوود اتجاهاً سائداً في المنطقة، فأفلام بوليوود ليست ذائعة السيط فقط ما بين العامة، بل يتم تشجيعها أيضاً في منطقة الخليج من خلال القنوات الرسمية.

كما شرعت السُلطات في دبي تشجيع هذا النوع من الأفلام من خلال حفل جوائز بوليوود الهندية العربي المعروف بـ”آيبا،” حيث يحضر هذا المهرجان نجوم بوليوود من أجل إرضاء الأعداد المتزايدة من المعجبين في المنطقة. وفي عام 2012، احتفل مهرجان دبي السينمائي بالذكرى المئوية لبوليوود. وتعتبر المجتمعات الضخمة من الشرق آسيويين الذين يقطنون الخليج السبب الرئيسي لهذه الظاهرة، فالأعداد الكبيرة من الوافدين والمهاجرين من جنوب آسيا والذين يعيشون في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، جعلوا سكان الخليج أكثر اطلاعاً وألفة برسائل وقصص أفلام بوليوود. فقد صورت العديد من أفلام بوليوود الهندية ولوليوود الباكستانية في مدن الخليج الكبرى مثل دبي. وعلاوة على ذلك، غالباً ما تروق قصص بوليوود الرومانسية الكوميدية وقصص الانتقام المبالغ بها للمجتمعات الهادئة والمحافظة في الخليج العربي. وتُفسر الشكاوى حول انقطاع التواصل بين صناعة الأفلام في الخليج العربي وتوقعات الجمهور المحلي سبب توجه الجماهير نحو الأفلام الأجنبية.

افلام أجنبية و قيم محلية

وكما هو الحال في أي مكانٍ آخر في العالم، تحظى أفلام هوليوود بشعبية. ففي عصر العولمة، استحوذت أفلام مثل “مهمة مستحيلة” وسلسلة أفلام جيمس بوند على عقول جيل الشباب في الخليج العربي الذين لم يجدوا السينما المحلية مُقنعة. وفي الوقت الراهن، يتزامن عرض مثل هذه الأفلام في دور السينما في الخليج العربي مع إطلاقها في الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى في بعض الأحيان، يتم عرضها قبل يوم من ذلك، لأنّ ليلة الخميس تعتبر بداية نهاية الأسبوع في الخليج. حتى أن حكومتيّ قطر والإمارات العربية المتحدة حاولتا عرض الأفلام قبل إطلاقها في بلادها. فقد صورت أفلام مثل ” Fast and Furious 7″ و” Star Wars: The Force Awakens،” و” The Bourne Legacy،” في الإمارات العربية المتحدة، كما صوّر فيلم ” Transformers” في صحراء قطر، حيث عرضت حكومات البلدين حوافز مالية وقانونية لجذب المنتجين. وفي الوقت نفسه، يشعر جمهور الخليج العربي في بعض الأحيان أنّ أفلام هوليوود تخالف أخلاق وقيم مجتمعاتهم. وفي حين يرها البعض مثقفة أو ببساطة مُسلية، إلا أن العديد من أفراد المجتمع لديهم تحفظات حول بعض محتواها العنيف والجنسي، ويُفضل بعض المشاهدين فرض الرقابة على مثل هذا المحتوى. وفي الحالات القصوى، حظرت السُلطات في عدة دول من دول الخليج العربي أفلاماً تُجسد الأنبياء.

وفي محاولةٍ للتوفيق بين القيم الاجتماعية العربية الإسلامية ونوعية الانتاج وسهولة اللغة، يجد المشاهدون في دول الخليج العربي في السينما العربية، وبخاصة السينما المصرية، بديلاً جيداً. تعتبر السينما المصرية رائدة في العالم العربي، بما فيها منطقة الخليج العربي، إذ لا يعتبر إنتاج مصر 95% من الأفلام العربية في الأربعينيات محض صدفة. وعلاوة على ذلك، يتم بيع ما نسبته 90% من الأفلام الكلاسيكية المصرية لقنوات التلفزيون في الخليج العربي. ومع ذلك، فإن تأخير عرض الأفلام في دور سينما الخليج العربي بعد عرضها في مصر وغيرها من الدول العربية تسبب في استياء الجماهير وأضر بأرباح الأفلام. ويُزعم أن التأخير عائد إلى بيروقراطية شركات إنتاج الأفلام المصرية.

وفي الوقت الراهن، تدور نقاشات على المستوى الوطني حول كيفية الاستثمار في الانتاج السينمائي المحلي، حيث يكمن التحدي في إنتاج الأفلام الطويلة التي تنسجم مع قيم وتراث الخليج العربي، والتي يتم تأليفها وإخراجها، وتمثيلها من قِبل فنانيين من الخليج العربي. وحتى ذلك الحين، لا تلبي سوى الدراما التلفزيونية تطلعات الجمهور المحلي، الذي سيستمر في الاعتماد على الأفلام الأجنبية.