أصبحت المراقبة الإلكترونية سلاحاً رئيسياً لدول الخليج لقمع المعارضة، فقد انطلقت حمى حيازة برامج التجسس في أعقاب الربيع العربي عام 2011، والذي شهد تنسيق النشطاء والمعارضين للمظاهرات والحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ ذلك الحين، قامت كبرى شركات الدفاع وبرامج التجسس ببيع أكثر تقنيات المراقبة الإلكترونية تطوراً للأنظمة القمعية في الخليج. وفي يونيو 2017، نشرت بي بي سي تحقيقاً ضخماً كشفت من خلاله عن أن الشركة الدنماركية التابعة لشركة بي أيه أي (BAE) في المملكة المتحدة والمختصة في المراقبة الإلكترونية عقدت صفقات بيعٍ ضخمة مع كلٍ من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر وعُمان. تمت الموافقة على المبيعات من قبل الحكومة الدنماركية.
وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، برر وزير الخارجية الدنماركي أندرس سامويلسون المبيعات، مجادلاً بأن دول الخليج بحاجة إلى برمجيات مراقبة لمهاجمة جماعة الدولة الإسلامية “داعش.”
إذ قال سامويلسون للصحفيين بعد فترةٍ وجيزة من الكشف عن الفضيحة “هذه المنطقة ليست بيضاء أو سوداء، ولا يمكنك أبداً أن تضمن عدم وجود إساءة 100%. من ناحيةٍ أخرى، لدينا مصلحة بمحاربة داعش.”
يُسمى نظام المراقبة الذي تم بيعه للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ” Evident،” وهو نظامٌ يُمكّن الحكومات من اعتراض أي حركة على شبكة الإنترنت بكل سهولة. وأضاف موظفٌ سابقٌ في ETI، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن النظام يستطيع تتبع مواقع الأفراد وفك تشفير التطبيقات، التي يُفترض أنها آمنة، على الهاتف المحمول.
رفض سامويلسون الكشف عن العوامل التي أخذتها وزارة الخارجية بعين الإعتبار قبل الموافقة على هذه المبيعات. ومع ذلك، يُشكك الخبراء في أن المصالح التجارية وجهود مكافحة الإرهاب كانت الشواغل الرئيسية.
وفي هذا الصدد، قالت هيلي ليكّ نيلسن، الأستاذ المشارك في جامعة سذيرن دنمارك والخبيرة في دول الخليج، للعربي الجديد: “يُحسن السياسيون جعل الأمور تبدو وكأن حقوق الإنسان والديمقراطية لها الأولوية القصوى،” وأضافت “لكن جوهر السياسة الخارجية الدنماركية هو الاعتبارات الأمنية والمالية.”
ويُعتقد أن استخدام نظم المراقبة الإلكترونية قد أدى إلى اختفاء العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان. فقد قالت إحدى النشطات في مجال حقوق المرأة السعودية، منال الشريف، لبي بي سي أن المعارضين كانوا يحذرون من أن “الجدران لها آذان،” لكن الناس في دول الخليج اليوم يقولون: “الهواتف الذكية لها آذان.”
وقالت: “لا توجد دولة تراقب شعبها بنفس الطريقة التي تتبعها دول الخليج.” وتابعت، “يمتلكون المال ليتمكنوا من شراء برامج المراقبة المتطورة.”
بالإضافة إلى الدنمارك، تشتري دول الخليج أيضاً أنظمة مراقبة متطورة من الشركات الإسرائيلية رغم عدم مشاركتهم علاقاتٍ دبلوماسية رسمية مع الدولة.
فقد ذكرت سيتي لاب، وهي مجموعة بحثية من جامعة تورنتو، في سبتمبر أن برمجية بيغاسوس (Pegasus) – وهو نظام مراقبة للهواتف المحمولة أنتجته مجموعة إن إس أو (NSO) الإسرائيلية – قد تم بيعه إلى البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال العامين الماضيين.
وقال التقرير الذي سمى دول الخليج الثلاث التي اشترت برمجية بيغاسوس، إن “نتائجنا ترسم صورة قاتمة للمخاطر التي ستواجه حقوق الإنسان في ظل الإنتشار العالمي لشركة إن إس أو. فقد تم ربط ما لا يقل عن ستة من الدول التي تستخدم برمجية بيغاسوس ذات الأهمية بالاستخدام التعسفي لبرامج التجسس لاستهداف المجتمع المدني.”
ومع ذلك، لربما تكون صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت عن أكبر فضيحةٍ في أغسطس 2018 عندما حصلت على رسائل بريدٍ إلكتروني تثبت أن الإمارات العربية المتحدة قد استخدمت برمجية بيغاسوس لمراقبة أمير قطر وأمير سعودي ومحرر جريدة تصدر باللغة العربية في المملكة المتحدة.
كُشفت الواقعة عندما سألت مجموعة إن إس أو الإمارات العربية المتحدة ما إذا كانت تريد تجديد عقدها باهظ الثمن لمواصلة استخدام برنامج التجسس. وقبل أن يتعهد القادة الإمارتيون بتجديد العقد، أرسلوا بريداً إلكترونياً إلى مجموعة إن إس أو متسائلين عن إمكانية التجسس على ثلاثة أشخاص آخرين على وجه التحديد.
وكتب ممثل الشركة مرةً أخرى بعد أربعة أيام، من خلال رسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز: “تجدون مرفقاً طيه تسجيلين.”
كما تستخدم أبو ظبي نظام مراقبة إسرائيلي مثبت يسمى عين الصقر (Falcon Eye). يمكّن هذا النظام الاستخبارات الإماراتية من رصد كل شخص في البلد على نحوٍ فعلي، حسبما أفاد مصدرٌ على ما يبدو من شركة فالكون آي لـصحيفة ميدل إيست آي في عام 2015.
وأضاف المصدر أن عين الصقر يسجل ويحلل أنماط العمل والأنماط الاجتماعية والسلوكية، إذ قال “يبدو هذا وكأنه ضربٌ من الخيال العلمي لكنه يحدث في أبو ظبي اليوم.”
كما يقوم الإمارتيون أيضاً بتطوير برامج التجسس الخاصة بهم لخنق المجتمع المدني بالرغم من محاولات إقناع العامة بخلاف ذلك. ففي فبراير 2018، أكد الرئيس التنفيذي لشركة الأمن الإلكتروني، دارك ماتر، ومقرها أبو ظبي، لوكالة أسوشيتد برس، أن شركته تعمل بشكلٍ مستقل عن الدولة.
إلا أن الحقيقة تخالف ذلك. وبما أن الحكومة الإماراتية تُشكل 80% من عملاء دارك ماتر، يقول المعلقون في الخليج إن الشركة ليس أمامها خيارٌ سوى التجسس ومراقبة مواطنيها.
في حين أخبر أحد الخبراء الأمنيين الإيطاليين ميدل إيست آي أن الشركة متأصلة في أنظمة الاستخبارات الإماراتية. وأضاف القرصان الإلكتروني السابق، سيمون مارجاريتيلي، أنه أجرى مقابلةً مع الشركة قبل عامين وأُبلِغ بأن الإمارات تقوم بإنشاء نظام للمراقبة يمكنه اعتراض وتعديل وتحويل الحركة على عنوان الآي بي، وشبكات الجيل الثاني والثالث والرابع.
وكما يُقال، عُرض على مارجاريتيلي راتب شهري قدره 15 ألف دولار، غير خاضع للضرائب، للعمل في الشركة إلا أنه رفض لأسباب أخلاقية. ومع ذلك، يبدو أن شركات برامج التجسس لا ترى أي تضاربٍ في المصالح في بيع أنظمتها لحكومات الخليج القمعية.
كما أصبحت المملكة العربية السعودية سيئة السمعة أيضاً لاستخدامها برامج التجسس لمراقبة المعارضين في البلاد وخارجها، إذ استثمر النظام منذ فترةٍ طويلة في المراقبة، وشراء أنظمة القرصنة من الشركة الايطالية المختصة ببرامج المراقبة هاكينج تيم (Hacking Team). فقد كشفت رسائل البريد الإلكتروني التي تسربت عن أن الشركات السعودية دفعت لشركة هاكينج تيم ما يقرب من 5 ملايين يورو على مدى خمس سنوات.
في حين ذكرت مجلة مذربورد، وهي مجلة إلكترونية تابعة لمجلة فايس وتركز على التكنولوجيا، بأن مستثمراً سعودياُ اشتري 20% من شركة هاكينج تيم بعد الفضيحة التي حصلت لحمايتها من الإفلاس. كما كشفت رسائل البريد الإلكتروني أن سعود القحطاني – الذي يشار إليه أحياناً باسم ستيف بانون المملكة – كان المحاور الرئيسي للمملكة العربية السعودية مع فريق شركة هاكينج تيم. وبحسب رويترز، القحطاني هو الرأس المدبر لعملية قتل جمال خاشقجي عبر سكايب.
يُقلق سباق شراء برامج التجسس في دول الخليج، وبشكلٍ كبير، الجماعات الحقوقية وبعض الحكومات الغربية. فعلى سبيل المثال، تعرّض أحد موظفي منظمة العفو الدولية للتجسس بواسطة برمجية بيغاسوس. وبعد التعبير عن غضبها، ضغطت الجماعة الحقوقية على الحكومات، وعلى وجه الخصوص إسرائيل، لشن حملةٍ على شركات التجسس هذه.
وقالت دانة إنغلتون، نائب مدير قسم التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية، “لن تقف منظمة العفو الدولية مكتوفة الأيدي أثناء قيام شركات مثل مجموعة إن إس أو بالربح من بيع برمجيات بيغاسوس الخبيثة إلى الدول القمعية في جميع أنحاء العالم.”
وأضافت “بما أن وزارة الدفاع الإسرائيلية رفضت طلبنا بإلغاء رخصة تصدير [مجموعة إن إس أو]، فمن الواضح أننا الآن في حاجة إلى اتخاذ خطواتٍ قانونية إضافية لفضح الحقيقة والسعي للمساءلة.”