وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان

Specials- Syrians in lebanon
لبنانيون وسوريون يشاركون في تجمعٍ لدعم اللاجئين السوريين أمام المتحف الوطني في العاصمة اللبنانية بيروت في 9 أبريل 2014. Photo AFP

تصاعدت نبرة خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان في عام 2019، تلك النبرة التي تبناها وزاد من حدتها بعض المسؤولين في الحكومة وعلى رأسهم وزير الخارجية وقائد التيار الوطني الحر المسيحي جبران باسيل، وهو ما وجد صدى داخل المجتمع، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الجهة الأخرى، شن عدد من النشطاء والمثقفين والقوى السياسية حملاتٍ مضادة لما وصفوه بخطاب الكراهية العنصري.

بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، نزح حوالي مليون نسمة من السوريين عبر الحدود إلى لبنان. تلك الأعداد التي لم تجد لها سبيلاً للعودة إلى ديارها، واجهت موجاتٍ من العنصرية والكراهية ضدهم، حتى صار السوريين ورقة لعب سياسي داخلي في لبنان يتم اللعب بها بين التيارات السياسية.

وخلال السنوات الماضية، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو كثيرة تصور الاعتداء على أطفال سوريين، كان من بينها مقطعاً لطفل لبناني يقوم والده بتشجيعه على ضرب طفل سوري، وفيديو آخر لرجل يقوم بإهانة وتعذيب طفل سوري آخر، إلى جانب تقارير عن شبكات الإتجار بالبشر والدعارة والمخدرات التي استغلت ظروف هؤلاء النازحين. إلا أنه علا مؤخراً خطاب التحريض ضد السوريين من جانب قوى سياسية ومسؤولين نافذين في الدولة يتهمونهم بالتسبب في أزمة البطالة والأزمة الاقتصادية في لبنان.

فقد قال الوزير باسيل، على العديد من الوسائط الإعلامية، “لا يمكن أن نقبل أن يُحرم اللبناني من عمله وأن يعمل السوري خلافاً للقانون.” كما اتهامهم تارةً أُخرى بحيازة الأسلحة داخل مخيمات النزوح قائلاً “في أصغر مخيم تدهمه الاجهزة الامنية تضبط قطع سلاح، فأي تبرير لوجود السلاح في مخيمات النزوح؟”.

فقد كان لهذه النبرة أثرٌ كبير داخل المجتمع اللبناني، وخاصة داخل تيار باسيل السياسي، حيث أطلق التيار الوطني الحُر حملة عبر موقعه الرسمي تحت عنوان “سوريا آمنة للعودة ولبنان لم يعد يحتمل”، تلك الحملة التي شارك فيها العشرات من شباب التيار قالوا إنها تهدف إلى مواجهة العمالة الأجنبية غير الشرعية عن طريق توعية المواطنين اللبنانيين على نصوص قانون العمل اللبناني. فقد أظهرت مقاطع فيديو عشرات الشباب يحملون أعلام التيار أمام أحد المطاعم مرددين هتافات ضد عمل السوريين ومطالبتهم بالعودة إلى بلدهم.

وفي فيديو آخر عرضته قناة “أو تي في،” كان شباب من التيار يقومون بالمرور على المطاعم والمحال والمقاهي والمنشآت التجارية للدعوة إلى طرد العمال السوريين واستبدالهم بلبنانيين في خضم حملةٍ حملت عنوان “بتحب لبنان وظّف لبناني.” كما ظهر هؤلاء الشباب في الفيديو وهم يقومون بالتنمر ضد هؤلاء العمال السوريين الذين تزامن وجودهم في أماكن عملهم.

وعن أسباب تلك الحملة يقول مارك، أحد الشباب المشاركين في الحملة “إن معدلات البطالة بين الشباب اللبنانيين في أعلى مراحلها تاريخياً، وكذلك الوضع الاقتصادي المتأزم، وهي الظروف التي تدفع شبابنا إلى الهجرة للخارج بينما هناك الآلاف من السوريين يعملون في بلادنا بالمخالفة لقوانين العمل، وهي الظاهرة التي يجب أن يقف ضدها كل لبناني.”

ومع ذلك، تعارض دانيا جرادي، مديرة مطعم ومقهى ببيروت فكرة أن التخلص من السوريين هو الحل، إذ تقول: “لدينا عدد من العمال السوريين وعدد أقل من اللبنانيين، فالشباب اللبناني يرفض الكثير من فرص العمل التي لا يجدها تناسبه كعامل في مقهى أو مطعم بينما يريد الغالبية منهم العمل في المستوى الإداري.” وتابعت القول، “لدينا الآن غالبية من العمال السوريين وعدد قليل من اللبنانيين الذين هم جميعهم طلاب بالجامعات ويعملون بدوام جزئي فقط، هذا بجانب أن العامل اللبناني لا يوافق على نفس الأجر الذي يحصل عليه نظيره السوري الذي يمتلك مهارة وخبرة أكثر منه.”

بينما يقول وسام متّى، الصحفي والمحلل السياسي “ظاهرة العنصرية أو خطاب الكراهية تجاه السوريين في لبنان ليست وليدة اليوم؛ إنها حاضرة دوماً في البلاد، خصوصاً في بعض البيئات الطائفية، وبشكل خاص المسيحية، التي تعيش هاجس “الأقلية” فتراها تفرط في حساسيتها تجاه ما تصفه بـ “الغريب،” مع العلم أن النفور من البيئات المختلفة لا يقتصر فقط على هذا “الغريب” بمعنى انتمائه إلى جنسية أخرى، بقدر ما هو متصل أيضاً بالانتماء إلى طائفة أخرى، ضمن التركيبة اللبنانية. لذلك فإنّ العنصرية هي سمة متعددة الوجوه في المجتمع اللبناني، وفي جوهرها الطائفية.”

وأضاف، “في السابق، كان الخطاب العنصري موجهاً ضد الفلسطينيين، بالنظر إلى خلفيات سياسية أو اجتماعية متعددة، ولا يزال مستمراً حتى اليوم في بعض البيئات الاجتماعية اللبنانية، وإن خفت وطأته عما كان عليه في السابق، مع دخول عنصر “الغريب” الجديد، أي السوريين إلى لبنان. وإذا تتبعنا هذا الخطاب ضد السوريين، لوجدنا أن بداياته تعود إلى مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، بالنظر إلى أن سوريا كانت من بين اللاعبين الرئيسيين في هذه الحرب. على سبيل المثال، ثمة في الوعي واللاوعي عند الفئة الكتائبية/القواتية ارهاصات حرب المئة يوم (1978)، وحصار مدينة زحلة (1980-1981) وغيرها من جولات المواجهة مع السوريين. بينما هناك فئة تستذكر إرث حرب التحرير (1989) وارث عملية 13 أكتوبر 1990، وما تلا ذلك من شعور بـ “الغبن” أو “الإحباط” في سنوات الوصاية السورية على لبنان حتى العام 2005.”

وقال أيضاً أنه إلى جانب العامل السياسي لخطاب الكراهية، ثمة عامل اقتصادي بدأ يفرض نفسه منذ التسعينيات، حين كان الكثيرون يشكون من منافسة العمالة السورية، لكن الوضع بدأ يتخذ منحى أكثر جدّية بعد بدء الأزمة السورية وتدفق اللاجئين.

وبحسب قوله، “جعل هذا خطاب الكراهية يمتد من فئات اجتماعية ومناطقية وطائفية لبنانية محددة إلى ظاهرة عابرة للطوائف والأماكن. وإذا ما قارنا، على سبيل المثال، الوضع في لبنان بخطاب الكراهية [ضد السوريين] في أوروبا… بالرغم من أن النسبة التي باتوا يشكلونها بين سكان المجتمعات الأوروبية لا تقاس بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان… لأمكننا فهم بعض جوانب ظاهرة العنصرية وخطاب الكراهية السائدة اليوم في المجتمع اللبناني.”

ولمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية ضد السوريين، نظّم العشرات من الشباب اللبناني والنشطاء حملاتٍ خاصة، حيث قاموا بوقفة احتجاجية واعتصام رمزي في حديقة سمير قصير بوسط بيروت حملوا خلالها لافتات تُندد بتصريحات الوزير باسيل.

أدهم الحسنية، أحد النشطاء السياسيين الذين دعا لهذه الوقفة تحدث إلينا في فَنَك قائلاً، “إن بعض السياسيين والمسؤولين اللبنانيين لم يجدوا غير السوريين ليحملوهم مسؤولية فشلهم الإداري والسياسي والاقتصادي، فأزمة العمالة الأجنبية غير المنظمة موجودة في لبنان من قبل عام 2011، ولكن تراكم الفشل أدى بالمسؤولين للجوء إلى خطاب عنصري فاشي رجعي للتغطية على هذا الفشل، مستغلين أرضية هذا الخطاب الجاهزة سواء كانت طائفية أو الوطنية المبالغ فيها الخالية من القيم الإنسانية.”

وأضاف، “قررنا شن حملة مضادة لحملات الكراهية التي تُبث حالياً من منطلق واجبنا نحو هذا المجتمع لنقول بأن العنصرية والكراهية… هي أكبر معوقات تقدم وتطور المجتمع، ويجب علينا تعزيز الخطاب المتقبل للتنوع والاختلاف.”

بالموازاة لهذا التحرك، أطلق العشرات من المفكرين والمثقفين والصحافيّين والناشطين والفنّانين بياناً أدانوا فيه الحملة التي يتعرض لها السوريين في لبنان، معبرين عما وصفوه بـ”القرف من الهيستريا العنصرية التي يديرها وزير الخارجية جبران باسيل،” ومحذرين من أن هذه الحملة تسمّم المناخ الداخلي برمته، والذي وصفوه بـ “المُبتلى أصلاً بطائفيّة يبالغ في شحذ شفرتها وفي استنفار غرائزيتها زعماءٌ شعبويّون يتقدّمهم باسيل نفسه.”

بينما نشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأمريكية في بيروت إحصائية لتصحيح الأرقام المغلوطة عن أعداد السوريين في لبنان موضحاً بأن نسبة اللاجئين السوريين في لبنان هي 24,7% من إجمالي عدد سكان لبنان وليس 40% كما يتداوله السياسيين، وأن 86% من الشباب الذين في سن العمل يقومون بأعمال البناء والزراعة والخدمات الأخرى ولا ينافسون على وظائف اللبنانيين كما هو شائع.

وفي حديث لنا قال محمد العجاتي، مدير منتدى البدائل للدراسات السياسية، “هناك تاريخ طويل وخلفيات كثيرة لهذا الخطاب في لبنان كان سبباً في حرب أهلية استمرت 15 عاماً، إلا أن السياق الإقليمي والدولي وتصاعد خطاب اليمين المتطرف في العالم ساعد في إعادة هذا الخطاب في لبنان للصدارة. خطابٌ يركز على الهوية والطائفية، وهو ما بدأ ينعكس على المجتمع اللبناني نفسه، فعلى سبيل المثال، انتشرت مؤخراً ظاهرة رفض تأجير منازل وشقق في أماكن بعينها ذات أغلبية من طائفة معينة لمستأجرين من طوائف أخرى، وهو ما كان موجود سابقاً ولكن الجديد أن ذلك أصبح بقرارات رسمية.”

ويُضيف العجاتي “يستخدم بعض السياسيين مثل جبران باسل هذا الخطاب… للحشد السياسي لنفسه، إلا أن أشخاصاً مثل الوزير باسيل لا يُقدرون عواقب ارتداده على المجتمع اللبناني، حيث أن إعادة خطاب الكراهية والعنصرية والطائفية داخل المجتمع اللبناني قد يؤدي إلى انفجار موجات عنف، وبالرغم من صعوبة اندلاع موجات عنف على مستويات كبيرة الآن على غرار الحرب الأهلية بسبب امتلاك طرف واحد للقدر الأكبر من السلاح إلا أنه مع التوترات الإقليمية والدولية التي تقوم بتمويل بعض الأنشطة الإعلامية والمجتمعية قد يمتد السلاح هو الأخر لتغيير موازين القوى في الداخل اللبناني فيؤدي إلى انفجار حرب أهلية من جديد. خلاصة هذا إن خطاب الكراهية ضد السوريين سيرتد… بشكل أعنف وبشكل أخطر مما يتعرض له اللاجئين على المستوى المعيشي.”