اعتباراً من أكتوبر 2018، بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 976,002 لاجىء مسجل لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويقدر إجمالي عددهم بـ 1,5 مليون نسمة في البلاد، وذلك بحسب المنظمات غير الحكومية المحلية. فقد بدأوا في البحث عن ملجأ في لبنان مع بداية اندلاع الحرب في عام 2011، ويواجهون العديد من العقبات التي تحول دون عيشهم حياةً طبيعية.
إن الوجود السوري في لبنان ليس بالأمر الجديد، إلا أن الظروف اختلفت في كل مرة. فقد احتل الجيش السوري لبنان من عام 1976 وحتى عام 2005، عندما أجبروا على الانسحاب تحت ضغطٍ دولي بسبب دورهم المزعوم في اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005. حشد الحدث المأساوي الناس إلى الشوارع، مطالبين السوريين بمغادرة البلاد. وأخيراً، انسحب السوريون في أعقاب تبني قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان.
وقبل الحرب الأهلية السورية، كان العمال السوريون غير المهرة يتواجدون في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث كانوا يعملون في الغالب في الزراعة وغيرها من الوظائف ذات الأجور المتدنية لإعالة أسرهم في الديار. ومع بداية الحرب، جلب هؤلاء العمال عائلاتهم للعيش معهم في لبنان، بعيداً عن القتال. وبدءاً من عام 2012، عبر آلاف اللاجئين الذين يبحثون عن ملجأ الحدود أيضاً، وذلك حتى عام 2015 عندما أقر لبنان قانوناً يمنعهم من دخول البلاد واضطرت المفوضية إلى التوقف عن تسجيل القادمين الجدد.
وفي 29 يونيو 2018، نُشر مقالٌ للرأي أعده قسم الأبحاث في بنك بلوم إنفست ونشرته صحيفة ديلي ستار المحلية الناطقة باللغة الإنجليزية، الذي ربط وجود اللاجئين السوريين بارتفاع معدلات البطالة في لبنان. وجاء في المقال: “بين عامي 2007 و2010، كان الاقتصاد اللبناني مزدهراً كما شهدت اقتصادات المنطقة الازدهار أيضاً… ومنذ أزمة اللاجئين السوريين عام 2011، ارتفع معدل البطالة في لبنان؛ إذ تأثر هذا إلى حدٍ كبير بتدفقٍ كبير من اللاجئين السوريين الذين بدأوا في التنافس على الوظائف المتاحة للمواطنين اللبنانيين في السوق. كما ارتفع معدل البطالة في لبنان إلى ما يقرب من الضعف بعد عام 2011 ليصل إلى 20%. ووفقاً للتقديرات الأخيرة لمنظمة العمل الدولية، بلغت نسبة البطالة في لبنان 9% في المتوسط في الفترة من 1990 إلى 2010. وبلغ مجموع القوى العاملة اللبنانية حوالي 1,5 مليون فرد من أصل عدد سكانٍ يبلغ 4,3 مليون نسمة. وبالتالي، بلغ عدد العاطلين عن العمل في أرجاء لبنان 138 ألف شخص.”
كما أشار المقال أيضاً إلى أن متوسط الأجر الشهري للموظف اللبناني (597 دولار) والموظف السوري (278 دولاراً) متفاوتٌ جداً، مما يدفع أرباب العمل إلى توظيف السوريين في الصناعات الخدمية التي تشكل غالبية قطاع التوظيف، حيث رفع التقرير توصياتٍ للدولة بإعادة السوريين إلى بلادهم من أجل الحفاظ على الاقتصاد اللبناني. ينتشر هذا التفكير على نطاقٍ واسع في لبنان، على الرغم من حقيقة أن وجود المزيد من الأشخاص في البلاد يعني المزيد من الأفراد الذين يشترون السلع ويستأجرون الشقق، وبالتالي المشاركة الإيجابية في الاقتصاد.
فقد فرضت بعض البلديات حظر تجولٍ على السوريين، ولم تسمح لهم بالخروج من منازلهم بعد حلول الظلام، في حين طرد الجيش اللبناني آخرون “لأسباب أمنية.” وحدد مسؤولو الأمم المتحدة 3664 عملية طرد من هذا القبيل من عام 2016 وحتى الربع الأول من عام 2018. وقال بيل فريليك، مدير برنامج حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش في تقريرٍ نشر في 20 أبريل: “البلديات لا تملك التبرير الشرعي لإجلاء اللاجئين السوريين قسراً إن كان هذا الأمر يحصل على أسس تمييز وفق الجنسية أو الدين.” وأضاف “إجلاء أي لاجىء سوري، أو أي شخص آخر، يجب أن يكون على أساس فردي ولأسباب شفافة، قانونية، ومتناسبة وفق إجراءاتٍ سليمة.”
كما طلب السياسيون اللبنانيون من السوريين مغادرة البلاد علانية، وبخاصة وزير الخارجية جبران باسيل، الذي لا يصف السوريين بـ”اللاجئين،” بل بـ”المهاجرين” و”النازحين.” وفي مقابلةٍ له مع صحيفة ذا ناشيونال، قال باسيل “يجب أن يشعروا بالارتياح للعودة… و(علينا) التوقف عن تشجيعهم على البقاء في لبنان. يجب أن تحدث عودة اللاجئين بالتدريج، فنحن نتحدث عن فئاتٍ مختلفة من اللاجئين، وبعضهم مهاجرون اقتصاديون.” وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال أيضاً “لا يقبل لبنان السوريين باعتبارهم لاجئين، ولا واحداً منهم.” سمح هذا الخطاب السياسي بتعرض اللاجئين السوريين لتصرفاتٍ وحشية. فقد روى اللاجىء السوري أبو يزن، المقيم قرب طرابلس، لرويترز الحادث الذي تعرض له على يد رجلين، إذ قال: “نزل كلاهما عن الدراجة النارية وقاما بضربي. نزع الرجل الثاني حزامه وضربني به على ظهري وعلى رأسي. لم أستطع فعل أي شيء.” صرخت زوجته طلباً للمساعدة، إلا أن المتفرجين لم يفعلوا شيئاً. في حين قال لاجئون آخرون لرويترز إنهم اختبأوا في منازلهم أو مخيماتهم خوفاً من تعرضهم لأي اعتداء أو اعتقال أو إذلال.
أصبحت حياة اللاجئين السوريين في لبنان أكثر صعوبة، وبخاصة بعد 5 يناير 2015، عندما شدد لبنان قائمة الوثائق المُلزمة لدخول البلاد، إذ يحتاج اللاجئون الآن إلى تصاريح إقامة قانونية من أجل البقاء في البلاد، والتي تكلف 200 دولار، وهو مبلغٌ لا يستطيع العديد من اللاجئين دفعه. كما تجبر العديد من العائلات أطفالها على العمل بدلاً من ارتياد المدرسة للحصول على دخلٍ إضافي، ونتيجةً لذلك، ارتفعت نسبة الأطفال اللاجئين السوريين العاملين في لبنان إلى 7% من 4% في أواخر عام 2016، وفقاً لبحثٍ أعده المجلس الدنماركي للاجئين لصالح مؤسسة تومسون رويترز. وقالت منظمة الأغذية والزراعة في بيانٍ صدر في 12 يونيو بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة تشغيل الأطفال، “إن الأسر في مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، على سبيل المثال، عرضة للجوء إلى عمالة الأطفال لضمان بقاء أسرهم.”
وقالت سارة كيّالي، وهي باحثة في سوريا في منظمة هيومن رايتس ووتش لفَنَك: “لدينا مخاوف كبيرة بشأن تدهور الظروف المعيشية للاجئين في لبنان.” وأضافت “هناك خطاب عام متنامي وسلبي للغاية يدعو اللاجئين إلى المغادرة، والظروف سيئة بما فيه الكفاية ليعود البعض قبل الأوان إلى سوريا. وعلى مستوى السياسات، يواجهون صعوبات في الحصول على وثائق قانونية مما يزيد من مخاطر الاستغلال من قبل أصحاب العمل ويمنعهم من الحصول على الرعاية الطبية. قامت 13 بلدية على الأقل بطرد الأشخاص لمجرد كونهم سوريين، وهم في الغالب غير قادرين على الحصول على وثائق مدنية مثل شهادات الميلاد والوفاة. هذا بالإضافة إلى الخطاب المعادي الذي يقودنا إلى الاعتقاد بأن الأمور لم تكن بهذا السوء منذ فترة.”
على الرغم من صعوبة التحقق من الأرقام، إلا أن المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، يزعم أن 50 ألف لاجىء سوري قد عادوا من لبنان حتى تاريخه من عام 2018 وأن العدد قابلٌ للإرتفاع إلى 200 ألف في غضون عام. وفي منتصف أكتوبر، أعادت 15 حافلة 776 سورياً إلى بلادهم.
تمكن بعض السوريين من بناء حياةٍ خاصة بهم من خلال الدراسة والعمل بكفالة صاحب العمل. وهذا هو حال طارق، وهو شابٌ من دمشق وصل قبل أكثر من عامين للدراسة. واليوم، يدرس التصميم الجرافيكي بعد أن درس الأدب الإنجليزي في سوريا ويدرّس اللغة العربية كعملٍ حر، إذ قال لنا في فَنَك، “أنا أحب اللغات.” وأضاف “أنا حقاً أحب العيش في لبنان، وخاصة بيروت، لأنها مركز للفنانين. تزخر هذه المدينة بالفعاليات والأمور التي تستطيع فعلها كل يوم؛ إذ أصبح لي أصدقاء من جميع أنحاء العالم في هذه المدينة الصغيرة!”
يعتقد طارق أن “بعض السوريين يجدون صعوبة بالعيش هنا لأن إقامتهم غير قانونية، أو بسبب نقص الوظائف وانخفاض الدخل، وخاصة إذا ما كان لديهم عائلةٌ هنا… من الصعب بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين قابلتهم الاندماج في المجتمع هنا لأن سيواجهون في معظم الوقت إما العنصرية أو بيئةً سيئة، ولكن من ناحيةٍ أخرى، ترى العديد من السوريين سعداء بحياتهم هنا لأنهم التقوا بأشخاص وأصدقاء طيبين ووجدوا وظائف جيدة.” يأمل طارق بأن يغادر لبنان بعد إنهاء دراسته لـ”يرى العالم.”
بينما جاء آخرون، مثل علي خضر، وهو موسيقي ومصور صحفي وصانع أفلام من مدينة سلمية ويبلغ من العمر 27 عاماً، هرباً من الخدمة العسكرية وتجنب الحبس في سوريا. وهو أيضاً المؤسس المشارك لمبادرة تطوعية تسمى “عيون سورية،” التي توفر خدماتٍ للمجتمعات المعرضة للخطر في مخيمات اللاجئين. وقال علي لنا في فَنَك، “بالنسبة لي، العيش هنا هو مزيج بين النضال والفرح.” وأضاف “إذا كنت تعمل بجد، يمكنك أن تستمتع بالأشياء الجيدة في هذا البلد، لكن الحياة هنا صعبة جداً على السوريين والفلسطينيين وحتى بالنسبة لمعظم اللبنانيين لأنها كفاح يومي للبقاء على قيد الحياة.”
وأعرب عن أسفه “لأننا نفتقد هنا وضع الإقامة، وحرية التنقل، ولدينا قيود تخص العمل،” إذ توقف بنفسه عن تجديد إقامته لأنه “من الصعب الحصول عليها، ويجب أن أدفع مقابل كل شهر أتأخر فيه.” ونتيجةً لذلك، فإنه يخشى من منعه من دخول البلاد عند كل نقطة تفتيش يواجهها في طريقه، ولا يمكنه الحصول على حساب مصرفي ، ويكافح دائماً للحصول على أموال مقابل عمله المستقل. وأضاف، “بالحديث عن الحقوق، أنت تعرف ما إذا كنت تتعرض للاعتداء أو السرقة أو إذا ما كنت ضحية لأي نوع من الجرائم، وكسوري، لا يُسمح لك بأن تكون الضحية ولا يمكنك إبلاغ الشرطة بأي شيء إذا لم يكن لديك إقامة لأنهم سيوقفونك لعدم امتلاكك إقامة.” وتابع القول، “من الأمور المأساوية التي يواجهها الناس هنا أنه إذا مات سوري في هذا البلد، ستعاني أسرته في محاولة دفع تكاليف المستشفيات وإيجاد مكان لدفن المتوفى، لأن البلديات لا تسمح بدفن السوريين في المدافن العامة أو حتى الخاصة.”
تحدث علي خضر بحسب قوله عن “العنصرية الهيكلية من خلال القوانين وخطابات الكراهية التي يوجهها السياسيون ووسائل الإعلام اللبنانية،” ويُضيف “إن إضافة المزيد من الأعباء على هذه المجتمعات من خلال سياساتٍ غير إنسانية وغير عادلة لن يؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار والكراهية والخوف من الآخر، كما أن التهديدات العديدة بإعادة اللاجئين تُشبه حرفياً إرسالهم إلى الموت. لكنني أؤمن أن ما يجري هنا هو صورة مصغرة لما يحدث في جميع أنحاء العالم، حتى في أوروبا.”