في مارس 2016 دخلت الأزمة السورية عامها السادس، حيث يتواصل تدفق اللاجئين السوريين عبر الحدود إلى لبنان، إذ لا تختلف أحدث الأرقام عن تأثير هذا التدفق بشكلٍ كبير عن أرقام عام 2015.
ومع ذلك، فقد تفاقم الوضع الاقتصادي الهش بالفعل بسبب الفراغ بسدة الرئاسة، عندما تنحى الرئيس ميشال سليمان دون أن يخلفه أحد في مايو 2014، حيث أدى هذا إلى شلل المؤسسات الرسمية، فضلاً عن الاقتتال السياسي والسخط الشعبي المتزايد.
وقد أشار البرفسور جاسم عجاقة، مستشار وزير الإقتصاد والتجارة للشؤون الإقتصادية منذ العام 2014، إلى أن لبنان شهد حتى شهر سبتمبر من العام 2015 تراجعاً ملحوظا بنسبة الإيرادات لتُسجّل تراجعاً بنسبة 11.4% عن إيرادات العام 2014. وقد قدر نسبة تراجع الواردات بنسبة قدرها 6% عن الأشهر الأولى للعام ذاته بسبب سياسية وزارة المال التقشفية. وتشير هذه الأرقام إلى أن الإنخفاض المتوازي بين الإيرادات والنفقات سيزيد للأسف من العجز في الموازنة بنسبة 13.2% الذي بلغ حوالي 3,500 مليون دولار في نهاية العام 2015 بحسب البرفسور عجاقة.
وقد كان صندوق النقد الدولي خفض في تقريره الثاني الصادر في أكتوبر 2015 توقعاته للنمو الإقتصادي اللبناني إلى 2% مقابل 2,5% في تقريره الأول الصادر في أبريل من العام 2015. بعبارة أخرى، إن نسبة النمو هي نفسها التي كان قد سجلها الصندوق في العام 2014، إذ توقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع نسبة النمو الفعلي إلى 2,5% في العام 2016 لتستمر في الإرتفاع لحدود 4% بحلول العام 2020.
فيما يعتبر خبراء اقتصاديون أن هذه النسبة لن تكون واقعية في حال إستمرار الحرب السورية وفي ظل وجود أكثر من 1,6 مليون لأجئ سوري على الأراضي اللبنانية. ويتعارض هذا بقوة مع معدلات النمو السابقة، التي وصلت إلى نسبة 8% بين عامي 2009 وبداية 2010، أي قبل أشهر قليلة فحسب على اندلاع الأزمة السورية.
وكان البنك الدولي قد اعتبر في الموجز المعنون بـ”الآثار الإقتصادية للحرب والسلام،” الصادر في الرابع من فبراير من العام 2015، أن لبنان والأردن يتحملان مع تركيا المسؤولية الدولية عن استضافة اللاجئين السوريين. كما شدد التقرير على ان القطاعات التي تضررت بشكل رئيسي في لبنان هي تلك التي تُعزِّز النمو مثل السياحة والعقارات والإنشاءات. وتوقّع التقرير أن تُبقِي هذه العوامل معدل النمو بين 2,5% و3,5% بين عامي 2016 و2017 للبلدين، أي لبنان والأردن، وهو ما يعتبر أقل بكثير من إمكانات اقتصاد البلدين.
أولى تأثيرات الأزمة السورية على الإقتصاد اللبناني تجلت منذ البداية في قطاع العمل. فقد أكد وزير العمل سجعان قزي مع بداية صيف 2015 أن نسبة البطالة بلغت ما نسبته 25%، 36% منهم من صفوف الشباب، في إرتفاع ملحوظ عن العام 2014 إذ كانت تبلغ نسبة البطالة يومها حوالي الـ20% ، حسب البنك الدولي. كما لعب الوجود السوري في لبنان دوراً أساسياً في خفض الأجور، إذ تم إستبدال الكثير من العمال اللبنانيين بالعمال السوريين، ويأتي ذلك جراء قبول اللاجئين السوريين العمل بأجور منخفضة جداً عن أجرة اليد العاملة اللبنانية. دفعت الأزمة الوطنية وزير العمل سجعان قزي إلى فرض استصدار تصاريح عمل للعمال السوريين في يناير 2015.
وقد نجحت هذه الخطوة نسبياً في الحد من تسريح بعض العمال اللبنانيين من عملهم لإستبدالهم بالعمال السوريين، فيما اعتبر بعض السوريين أن هذه الخطوات أتت مجحفة بحقهم إذ أنهم ملزمين على إستصدار تصاريح إقامة لمدة ستة أشهر قيمتها 200 دولار أميركي، فيما اعتبرت منظمة العمل الدولية أن دخل العامل السوري في لبنان هو أقل بنسبة 40% من الحد الأدنى للأجور الذي تبلغ قيمته 448 دولار شهرياً في لبنان.
لا ترخي أزمة اللجوء السوري في لبنان ظلالها على قطاع العمل وحسب، بل تلعب دوراً أساسياً في التأثير على القطاع التعليمي، إذ بلغ عدد السوريين المسجلين في المدارس الرسمية اللبنانية، وهي مدارس مجانية تابعة للدولة، العام الماضي 33 ألف لاجئ بالإضافة إلى 18 ألف سوري موجودين مع أهاليهم في لبنان، بحسب أرقام وزارة التربية اللبنانية للعام الدراسي 2014-2015.
أما في ما يخص العام الدراسي الحالي، فقد أعلن وزير التربية اللبناني الياس بو صعب خلال مؤتمر صحافي في 15 أكتوبر 2015، خلال إعلانه عن مساهمة الحكومة الألمانية بحوالي 45 مليون دولار لدعم تسجيل اللاجئين السوريين في المدارس اللبنانية، أن أعداد التلاميذ المسجلين وصلت إلى حوالي 200,000 تلميذ هذا العام حسب قوله. وتتكفل الدولة اللبنانية بتعليم اللاجئين المسجلين في المدارس الرسمية في لبنان بدوام قبل الظهر إذ إنه الدوام الرسمي في لبنان حيث يتواجد معهم طلاب لبنانيين، فيبقى على الطالب السوري تسديد 100 دولار بدل تسجيل سنوي لصندوق المدرسة و60 دولار تذهب لصندوق مجلس الأهل، إذ تقوم في معظم الأحيان المؤسسات المانحة بتسديد هذه الأقساط. وأما في ما يخص الطلاب السوريين المسجلين في دوام بعد الظهر، وهو دوام إستحدث لاستيعاب عدد اللاجئين، فيكلف كل طالب 600 دولار مثبتة من الجهات المانحة دائماً بحسب وزارة التربية. فيما رصدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ميزانيتها لعام 2015 المتعلقة بلبنان مبلغ 73,3 مليون دولار أميركي لدعم تعليم اللاجئين الذين يعيشون في لبنان.
بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن أزمة اللجوء السوري في لبنان تؤثر بشكل مباشر أيضاً على القطاع الصحي في لبنان، خاصة في فصل الشتاء الذي تتكاثر فيه الأمراض المعدية كالزكام والبرد، والتي تنتشر بسرعة بين اللاجئين بما يفوق قدرة المستشفيات اللبنانية على استيعاب أعداد المرضى الذين يتدفقون إلى المستشفيات. فعلى سبيل المثال، يعتبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وهو مستشفى حكومي تابع للدولة في بيروت، المرجع في إستضافة المرضى من اللاجئين السوريين؛ ففحين يستوعب المستشفى حوالي 400 سرير إلا أنه مجهز فقط بـ221 سرير فحسب. وقبل بدء الأزمة السورية، كان 75% من مرضاه لبنانيون و25% من جنسيات مختلفة، فيما أصبح يستضيف مع بدء أزمة اللجوء السوري حوالي نصف مرضاه من السوريين.
من جهة أخرى يعتبر بعض الخبراء الاقتصاديين أن الأثر الإيجابي للجوء السوري على لبنان مستمر في 2016، فيعتبر البعض أنه على الرغم من أنّ اليد العاملة السورية ذات الأجر المنخفض تضر باليد العاملة اللبنانية، إلا أنها تفيد أصحاب العمل من جهة أخرى. وقد أظهر مسح استقصائي لمنظمة العمل الدولية أن نحو 92% من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأن أكثر من نصفهم يعملون على أساس موسمي أو أسبوعي أو يومي وبأجور متدنية.
وبالمثل، فقد أنعش وجود العائلات السورية المقتدرة مالياً الحياة السياحية في لبنان، وبخاصة في ظل طلب دول الخليج من رعاياها عدم التوجه إلى لبنان مؤخراً. إضافة إلى أن وجود العائلات الغنية في لبنان أدى إلى تحرك سوق العقارات في بيروت مع زيادة الطلب على الشقق، حيث أدى هذا بدوره إلى تدفق المساعدات إلى لبنان مما أدى إلى إرتفاع السيولة في البنوك اللبنانية.
وعلاوة على ذلك، تعاقدت المنظمات الدولية المانحة للهبات مع مراكز غذائية في لبنان، بحيث تُلزم اللاجىء السوري على شراء السلع منها حصراً، مما أدى إلى رفع مدخول هذه المؤسسات.
وعلى الرغم من المكاسب الايجابية، إلا أنه يبدو أن الطبقتين المتوسطة والفقيرة من اللاجئين السوريين لم تحظى سوى بالقليل. فقد أظهرت نتائج تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر في 24 ديسمبر 2015، وفق آخر الدراسات أن حوالى 70 في المائة من النازحين المقيمين في لبنان يعيشون حالياً تحت خط الفقر الذي لا يزيد عن 4 دولارات أميركية في اليوم، وذلك بحسب التقييم السنوي لجوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان للعام 2015، والذي أطلق رسمياً من قبل برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة– اليونيسف.
كما أضاف البيان، “سنة اثر سنة، شهر اثر شهر، اسبوع اثر اسبوع، ويوم اثر يوم، تندفع ازمة اللجوء السوري في لبنان الى التأزم أكثر والترخي بتداعياتها الامنية والاقتصادية والمعيشية والتربوية والصحية والاجتماعية والسكانية على مجمل الاوضاع العامة للبنان الذي تحمّل الجزء، ربما الأكبر، من تبعات هذه الازمة مع تناقص متسارع لحجم المساعدات الدولية وتراخي المساعدات العربية وتراجعها الى ما دون الخمسين بالمئة عما كانت عليه منذ بدء الازمة السورية، وبالتالي انخفاض قدرة المجتمعات المحلية اللبنانية على النهوض بهذا العبء الكبير في ظل أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية لبنانية هي الأكثر تدهورا”.