وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا تمارس المزيد من الضغط على وسائل الإعلام

Press freedom Turkey
صحافيون يتظاهرون مطالبين بالافراج عن زملائهم المتعقلين, 8اسطنبول, يونيو 2015 Photo Corbis

عندما قامت الحركة اليسارية المتطرفة جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري باقتحام القصر العدلي في اسطنبول في 31 مارس 2015 واحتجاز المدعي العام، فرضت السلطات التركية تعتيماً إعلامياً. وتم في نهاية المطاف، تم قتل المسلحين في الموقع خلال عملية شنتها قوات الأمن وأسفرت عن مقتل المدعي العام الذي تعرض للضرب في الرأس والصدر وتوفي لاحقاً في المستشفى. وقد بقيت الظروف الدقيقة لهذا الحادث طي الكتمان.

وفي وقتٍ لاحق، شرعت الحكومة بالإجراءات القانونية ضد أربعة صحف نشرت صورة المسلحين وهم يوجهون بندقيتهم إلى رأس المدعي العام، متهمة إياهم بـ”الدعاية الإرهابية”. ولم يُسمح سوى لوسائل الإعلام الموالية للحكومة بتغطية جنازة المدعي العام.

وفي العامين الماضيين، أصدرت السلطات التركية في عدة مناسبات أوامر بحظر تغطية وسائل الإعلام للموضوعات التي تتعلق بالمصلحة العامة. ويُعتبر حظر وسائل الإعلام واحدة من عدة طرق تستخدم لتكميم الصحافة والسيطرة على الأخبار التي تصل إلى الشعب. هذا وازدادت الضغوطات على وسائل الإعلام بشكلٍ مضطرد، ومن المتوقع أن تزداد حدّتها بشكلٍ أكثر في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية الحاسمة المقررة في 7 يونيو 2015.

وفي ديسمبر 2014، رفض الرئيس رجب طيب أردوغان الانتقادات الأجنبية للقيود المفروضة على وسائل الإعلام، وادعى أن تركيا لديها “الصحافة الأكثر حرية في العالم”. وقبل عامين، أعلنت لجنة حماية الصحفيين أن تركيا أسوء سجّان في العالم للصحفيين، قبل إيران والصين، بوجود 49 صحفي في السجن. وبقيت تركيا على رأس قائمة أسوأ المُعتدين على حرية الصحافة في عام 2013، ولكن بحلول الأول من ديسمبر 2014، تم إطلاق سراح العديد من المعتقلين، وانخفض ترتيب تركيا الى المركز العاشر على لائحة لجنة حماية الصحفيين، مع وجود سبعة صحفيين وراء القضبان.

ومع وجود عدد أقل من الصحفيين يقبعون في السجون التركية، لا يُشير هذا إلى موقف أكثر تسامحاً تجاه وسائل الإعلام. بدلاً من ذلك، يوحي بأنّ السلطات تلجأ إلى وسائل مختلفة، غالباً ما تكون شكلية وخفية للسيطرة على وسائل الإعلام. ومنذ أن أصبح أول رئيس منتخب شعبياً في أغسطس 2014، رفع أردوغان 220 قضية معروضة على المحاكم لإهانات مزعومة وجهت للعديد من الصحفيين الذين عبروا عن آرائهم على موقع التواصل الإجتماعي تويتر أو قاموا بإعادة التغريد لتعليقات الآخرين. وفي مارس 2015، حُكم على إثنين من رسامي الكاريكاتير بالسجن لمدة 11 شهراً، وخُفف الحكم لاحقاً إلى غرامة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. ومؤخراً، حذت وكالة الأناضول للأنباء وهي الوكالة الرسمية للأنباء في تركيا حذوه، حيث رفعت دعاوى إهانة ضد 58 فرداً، من بينهم أعضاء بارزون في وسائل الإعلام، الذين قاموا بانتقاد الوكالة.

وتستخدم التحقيقات القضائية، حتى وإن كانت لا تؤدي إلى عقوبة السجن، على نطاق واسع لمضايقة وتخويف الصحفيين الذين يتكلمون بصراحة. كما يوجهون بذلك تحذيراً قوياً لزملائهم لتشجيعهم على ممارسة الرقابة الذاتية.

وعلى الرغم من إعلان أوردوغان، إلا أن تركيا لم تتمتع قط بحرية الصحافة. فعلى مدى قرون، وضع الجيش والمؤسسة الكمالية حدوداً على حرية التعبير. ولطالما اعتبرت المسألة الكردية، والإبادة الجماعية للأرمن، وحقوق الأقليات، والجيش قضايا حساسة. وفي التسعينيات، وفي ذروة الصراع الكردي، سُجن العديد من الصحفيين الأكراد والليبراليين أو تمت تصفيتهم جسدياً. ففي عام 1992 فقط، قتل أربعة صحفيين من صحيفة أوزغور غونديم. وأغلقت الصحف الموالية للاكراد أو في بعض الحالات تعرضت للقصف. ولكن في العقود الأخيرة، لم يحكم أي حزب سياسي فترة طويلة كحال حزب العدالة والتنمية الذي جاء إلى السلطة في عام 2002، ولم يتمتع أي زعيم، منذ أتاتورك، بالسلطة التي يتمتع بها حالياً أردوغان.

وفي هذه الأيام، تمت إعادة رسم خطوط المعركة، ومن المرجح اتهام أي فرد يُشير إلى الفساد الحكومي أو يقوم بالإنتقاد المباشر لأردوغان.

تزايد الاستبدادية

ومع قيامه تدريجياً بطرح عباءته الإصلاحية ليصبح حاكماً مستبداً، نجح أردوغان في وضع المزيد من وسائل الإعلام ومحطات التلفزيون وكذلك الصحف، تحت سيطرة المقربين الموالين للحكومة. وعلى نحوٍ متزايد، باتت وسائل الإعلام أكثر مبايعةً له، وليس للحكومة، التي يرأسها الآن رئيس الوزراء داود أوغلو.

لكن نفوذ أردوغان يتجاوز المطبوعات أو محطات التلفزيون التي يملكها مؤيديه. ولأن مجموعات وسائل الإعلام الرئيسية تزايد للحصول على عقود المشتريات العامة، والخصخصة أو غيرها من الصفقات الحكومية المربحة، فإنها غالبا ما تفرض قيوداً على التغطية السياسية فضلاً عن الرضوخ لطلبات إقالة الصحفيين التي تعتبر مثيرة للجدل للغاية أوالفصل الوقائي خوفاً من تعريض مصالحهم التجارية للخطر. كما فقد العديد من الصحفيين وظائفهم في السنوات الأخيرة، فيما يخشى ما تبقى منهم مصيراً مماثلاً. وفي عام 2009، تعرّضت مجموعة أيدين دوغان، عملاق الإعلام التركي الذي كان يهيمن على المشهد الإعلامي في التسعينات والذي كان يدعم القادة العسكريين في تركيا في الماضي، لغرامات ضريبية وصلت إلى 3,2 مليار دولار مما اضطره إلى بيع صحيفتي ميليت وفاتان اللتان باتتا الآن في أيدي الموالين للحكومة.

ولا تزال العديد من الصحف التركية، مثل صحيفة سوزجو، تنشر مقالاتٍ تنتقد بقسوة حزب العدالة والتنمية. المجموعة الإعلامية التابعة لرجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والمشاركة منذ ديسمبر 2013 في نزاع على السلطة مع حليفه السابق حزب العدالة والتنمية، واضحة أيضاً في معارضتها لأردوغان. وفي ديسمبر عام 2014، اعتقل لفترة وجيزة 31 عضواً من وسائل الإعلام التابعة لفتح الله غولن واتهموا بأنهم جزء من “جماعة إرهابية”.

وبالشعبية التي يتمتع بها، يؤجج أوردوغان التخوف الشعبي بنظريات المؤامرة التي غالباً ما يقترضها من الخطاب القومي لأسلافه من أصحاب الفكر الكمالي ومن ثم تعديلها لنهجه الديني والمحافظ. وقد هاجم علناً عدة أفراد من وسائل الإعلام الأجنبية، متهماً إياهم بأنهم جواسيس أو يشاركون في مؤامرات لتقويض تركيا وحكومتها. فقد وجهت إلى الصحفية الهولندية فريدريك غيردينك التي تعيش في ديار بكر والمهتمة بالشؤون الكردية، تهمة “نشر الدعاية للجماعات الإرهابية” وهي تهمة يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. ومع ذلك، في محاكمتها في 8 أبريل 2015 طلب المدعي العام برائتها.

وينعكس الاستقطاب العميق الذي يقسم المجتمع التركي إلى مؤيد ومعارض لحزب العدالة والتنمية بين الإعلاميين أيضاً. ويتبادل المعلقون في كثير من الأحيان الهجوم الشخصي على بعضهم البعض في مقالاتهم. ويمنع هذا العِداء وسائل الإعلام من توحيد القوى ضد محاولات فرض الرقابة، بشكلٍ مباشر أوغير مباشر. وفي هذه البيئة المتوترة، فإن المساحة المتاحة للصحفيين الذين يؤمنون باستقلال وسائل الإعلام ومحاولة كتابة التقارير عن الأحداث بدرجة من الموضوعية تتقلص بشكل سريع.

وتحوّل العديد من الأفراد، بما في ذلك الصحفيون، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم. فقد لعب تويتر وفيسبوك دوراً أساسياً خلال احتجاجات جيزي عام 2013، عندما فشلت محطات التلفاز الرئيسية في تغطية القمع الوحشي للمظاهرات التي كانت تجري في شوارع تركيا. وبدلاً من ذلك، بثت سي إن إن تورك على سبيل المثال آنذاك برنامجاً عن البطاريق وبالتالي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أحدث ساحة قتال في النضال من أجل حرية التعبير.

وكشف تويتر أنه بين الأول من يوليو و31 ديسمبر لعام 2014، أكثر من نصف الطلبات العالمية التي تلّقاها الموقع لإزالة المحتوى جاءت من تركيا. كما صادق البرلمان في مارس 2015 على قانون أمني جديد يسمح لمديرية الإتصالات التركية بإزالة أو حظر المحتوى على شبكة الإنترنت من أجل “حماية الأمن القومي والنظام العام”. مشروع القانون يعطي رئيس الوزراء والوزراء الآخرين القدرة على اغلاق المواقع في غضون أربع ساعات ومجرد إعادة تغريد المحتوى المحظور سيُعتبر جريمة. وغالباً ما يكون منتقدي الحكومة بشكلٍ صريح، وعلى وجه الخصوص الصحفيات، هدفاً للحملات الشرسة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالباً ما تكون مدبرة.

وفي رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء داود أوغلو في فبراير 2015، ذكرت لجنة حماية الصحفيين أن وفدها عاد من زيارته إلى تركيا ملاحظاً “شعور العداء الرسمي اتجاه وسائل الإعلام”. حرية التعبير ونشر الأفكار فضلاً عن حرية الصحافة مثبتة في المادتين 26 و28 من الدستور التركي. ولكن مع تمتع أوردوغان بالمزيد والمزيد من السُلطة، يتم تنحية هذه الأحكام جانباً في حين تُشير جميع الدلائل إلى أنّ وسائل الإعلام أصبحت ترزح تحت المزيد من الضغوطات في الوقت الذي تستعد فيه تركيا للانتخابات البرلمانية في يونيو القادم.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles