وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البحرين: مقبرة حقوق الإنسان

Bahrain, oposition
نُشطاء من المعارضة البحرينية يحملون الأعلام بالاضافة لصور ناشطين بحرينيين قتلوا و اعتقلوا من قبل السلطات البحرينية. Photo Sayedoo BH/Demotix/Corbis

“بعد خمس سنوات من موجة الاحتجاجات التي هزت البحرين مطالبةً بإجراء إصلاحات واسعة النطاق، تلاشت الآمال بإحراز تقدمٍ في مجال حقوق الإنسان والمساءلة عن الانتهاكات السابقة والحاضرة،” وفقاً لمنظمة العفو الدولية في فبراير 2016.

يوّضح بيان منظمة العفو الدولية، الذي صدر قبل الذكرى السنوية الخامسة لإنتفاضة البحرين في 14 فبراير 2016، الكفاح المستمر من أجل حقوق الإنسان في الجزيرة. فقد زاد غياب أي حمايةٍ لحقوق الإنسان التوتر بين الحكومة التي يُهيمن عليها السُنّة والمعارضة الشيعية، حيث يشكل الشيعة ما نسبته 65% من السكان، التي تطالب بالاصلاحات منذ حملة القمع التي شنتها الحكومة ضد الانتفاضة في فبراير 2011.

فالدستور البحريني لا يحمي صراحةً الحقوق التي يسردها، فعلى سبيل المثال، يؤكد الدستور على الحق في حرية التعبير؛ إذ تنص المادة (23) على أنّ “حریة الرأي والبحث العلمي مكفولة،” وبأنّ “لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون.” ولكن على أرض الواقع، تم سجن أكثر من 3,000 سجين سياسي في قضايا تتعلق غالبيتها بحرية التعبير. فعلى سبيل المثال، اعتبرت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تغريدات المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب، وتصريحات زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، حقاً في حرية التعبير، إلا أن ذلك لم يحميهم من الاعتقال التعسفي.

فضلاً عن ذلك، يكفل الدستور الحق بالجنسية في المادة (17)، والتي تنص على أنّ “یحظر إبعاد المواطن عن البحرین أو منعه من العودة إليها.” ومع ذلك، في 21 فبراير 2016، انتهكت سلطات البحرين هذا الحق بطرد رجل الدين الشيعي البارز الشيخ محمد خجسته من البلاد، بعد تجريده من جنسيته لمشاركته في الحركة المؤيدة للديمقراطية.

وقوبلت الاحتجاجات التي بدأت في فبراير 2011 بالقوة المفرطة، مما أدى إلى وفاة 30 شخصاً على الاقل. شملت حملة القمع التي شنتها الحكومة جميع أشكال انتهاكات حقوق الإنسان، مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، ومضايقة وسائل الإعلام، وذلك وفقاً للجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشأها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في عام 2011 والمكلفة بمهمة التحقيق والتقصي حول الأحداث التي جرت في الفترة ما بين فبراير ومارس 2011.

توقع العديدون حقبةً جديدة ملؤها الأمل فيما يتعلق بالوضع السياسي وحقوق الإنسان في البلاد بعد مبادرة لجنة تقصي الحقائق، ولكن لم يمضِ الكثير قبل أن تتلاشى هذه الآمال واُعتبرت لجنة تقصي الحقائق مجرد أداةٍ تستخدمها الحكومة لتنظيف سجلها في مجال حقوق الإنسان. وجدت منظمات حقوق الإنسان أن خطوات البحرين نحو الإصلاح والمصالحة، والتي لا يمكن تحقيقها دون تنفيذ توصيات اللجنة، كانت خطوات مجزأة وتجميلية في أحسن الأحوال. وقال رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ،شريف بسيوني، في عام 2014، “إن إجراءات حكومة البحرين على صعيد توصيات تقصي الحقائق، مُجزَّأة… وتفتقر إلى الأثر التراكمي لتنفيذها.”

وعلى الرغم من تقرير منظمة العفو الدولية وتعليق رئيس لجنة تقصي الحقائق، أصرّ وزير الاعلام البحريني ،عيسى بن عبدالرحمن الحمادي، أن بلاده حققت تقدماً على الجبهة السياسية، وأن “الحكومة سارعت في إجراء الإصلاحات”، والتي يعتقد أنها، في جوهرها، لم تنفذ بعد. فعلى سبيل المثال، أوصت لجنة تقصي الحقائق أن تقوم الحكومة بإدماج التزامات القانون الوطني لمملكة البحرين بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل. ومع ذلك، تم تعديل قانون الأحداث في البحرين والذي نصّ على أن  متولي أمر تربية أي شخص تحت سن 15 عاماً يشارك في أي مظاهرة، أو تجمعات عامة، أو اعتصام سيُنذر كتابةً من قِبل وزارة الداخلية. وفي حال وجد الحدث مرة أخرى في إحدى الحالات المنصوص عليها في القانون بعد مضي ستة أشهر على الإنذار، يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يتولى أمر التربية الفعلية للحدث. وبالتالي، يحمّل التعديل المسؤولية لأولياء الأمور، بدلاً من حماية الأطفال المشاركين في الاحتجاجات.

إن تدهور حالة حقوق الإنسان في البحرين ليس بالأمر الجديد، ففي منتصف التسعينيات، تم اعتقال آلاف الرجال والنساء والأطفال بشكلٍ غير قانوني، حيث تم توثيق تقارير عن التعذيب وسوء المعاملة ضد المعتقلين، كما فشلت المحاكمات في تلبية المعايير الدولية. وكشفت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن قانون أمن الدولة لعام 1974، والذي كان مستخدماً من قِبل الحكومة لسحق الاضطرابات السياسية خلال تلك الفترة، سهل الاستخدام النمطي لتعذيب السجناء السياسيين وانتهاكات حقوق الإنسان منذ ما يقرب من 25 عاماً.

تضمن قانون أمن الدولة على تدابير تسمح للحكومة باعتقال وسجن الأفراد دون محاكمة لمدة تصل إلى 3 سنوات، بتهم ارتكاب جرائم تتعلق بأمن الدولة. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت تدابير أخرى تتعلق بقانون عام 1974، الذي وسع الظروف المواتية للاعتقال التعسفي والتعذيب.

ووفقاً لمنتدى البحرين لحقوق الإنسان ومركز البحرين لحقوق الإنسان، استمر الوضع في التدهور حتى عام 2015. وتتمثل الانتهاكات من شهر يناير إلى سبتمبر بما يلي: 1422 حالة اعتقال تعسفي، من بينهم 28 امرأة، و241 طفلاً. تعرض 264 مواطن للتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، والمعاملة المهينة، بما في ذلك 97 حالة من حالات الاختفاء القسري على المدى القصير و52 حالة حرمان من العلاج؛ فضلاً عن تطبيق الأحكام السياسية ضد 667 شخصاً، والذين أدينوا في قضايا سياسية، وحكم عليهم بالسجن ما مجموعه 5,628 عام، بما في ذلك ستة أحكام بالإعدام، و47 حالة سجن مدى الحياة، و128 حالة تجريد من الجنسية؛ حيث تم بالفعل تجريد 250 مواطن من الجنسية، بما في ذلك سياسيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان والإعلام؛ كما تعرّض 1,789 شخص للغاز المسيل للدموع والطلقات النارية، مما أدى إلى إصابة 630 مواطن نتيجة لاستخدام القوة غير المبررة، والتي لا تلبي معايير مبدأيّ الضرورة والتناسب المعتمدة دولياً والمنصوص عليها في القانون الدولي.

ولم يلق البيان الصادر عن الأمم المتحدة من قِبل 33 عضواً من أعضاء مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2015 والموجه إلى البحرين آذاناً صاغية. تناول البيان المضايقات وأحكام السجن التي تعرض لها أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير والرأي، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتقلوا أو حوكموا أو تم استدعاؤهم، فضلاً عن العديد من الشخصيات السياسية المعارضة، الذين كان من بينهم إبراهيم شريف، وخليل المرزوق، وجميل كاظم، ومجيد ميلاد، وفاضل عباس، ومحمد الجريفي، والشيخ ميثم السلمان. وعلى الرغم من توصية البيان بالسماح بدخول المقرر الخاص للأمم المتحدة، إلا أن السُلطات لم تستجب بعد لسبعة طلبات مُقدمة من المقررين الخاصين لزيارة البحرين، كما رُفض طلب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، خوان منديز.

وصدر تقرير لهيومن رايتس ووتش في نوفمبر 2015 بعنوان “هذه دماء من لم يتعاون،” والذي أكدّ على استمرار التعذيب في السجون البحرينية.

ويعتبر سجن جو أحد السجون المركزية في البحرين وأحد أسوأها سمعةً، فغالباً ما يتعرض السجناء في سجن جو إلى التعذيب النفسي والجسدي والحرمان من الرعاية الصحية، فضلاً عن اكتظاظ السجون. وفي مارس 2015، احتجت إحدى الأسر بعد منعها من زيارة أحد أقاربهم، حيث أدى هذا إلى اندلاع شغبٍ في العديد من مباني سجن جو المركزي، احتجاجاً على الظروف غير الإنسانية التي يعيشونها. وفي محاولةٍ لقمع هذه الاضطربات، استخدمت الشرطة القوة المُفرطة. وبدلاً من قيام السُلطات البحرينية بالاستجابة لمطالب المفوض السامي لحقوق الإنسان إجراء تحقيق نزيه وسريع لأحداث سجن جو في مارس 2015، وضحايا التعذيب وسوء المعاملة، حكمت المحكمة الجنائية الرابعة، في 25 يناير 2016، على 52 سجيناً بالسجن لمدة 15 عاماً لمشاركتهم في احتجاجات سجن جو، في حين لم تتم محاسبة رجال الأمن المتورطين.

حتى أن التعليم لم يسلم من انتهاكات الحكومة، فقد قامت وزارة التربية والتعليم بتسييس المنح الدراسية باعتبار أنّ المؤهلات الأكاديمية للطلاب أقل أهمية من طائفتهم وخلفيتهم السياسية. وشهد عام 2015 أعلى مستويات التمييز الطائفي ضد الشيعة.

وعلاوة على ذلك، أعلن وزير الداخلية البحريني ،راشد عبد الله آل خليفة ، خلال مؤتمر صحفي في أغسطس 2015 نية الحكومة ترخيص أئمة المساجد والخطب التي تنتهك الحق المكفول دولياً باستقلالية الشؤون الدينية. أضيف هذا إلى القائمة المسجلة آنفاً من الانتهاكات، بدءاً من الانتهاكات المروعة للحق في حرية المعتقد من خلال التحريض على الكراهية ضد الشيعة، وصولاً إلى هدم 28 مساجداً للشيعية، كما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق، فضلاً عن مهاجمة التجمعات الدينية خلال احتفالات عاشوراء.

وأكد تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتنفيذ توصيات اللجنة المستقلة البحرينية لتقصي الحقائق لمعالجة الانتهاكات ضد المسلمين الشيعة، ومواصلة تعزيز الحرية الدينية في البلاد.

إن إصرار الحكومة على المماطلة في تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق ومجلس حقوق الإنسان، وإنكار تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد، يُعيق سُبل التوصل إلى حلٍ للأزمة الشائكة في المجالات السياسية والدستورية وحقوق الإنسان.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles