وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سياسات الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر المتعلّقة بالهجرة تُفاقِم الأزمة الإنسانيّة في السّودان

نتيجة سياسات الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر المتعلّقة بالهجرة، وجد العديد من النّاس أنفسهم عالقين بين الحرب المُستعِرة والحدود السّودانيّة المصريّة.

سياسات الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر
مسافرين فارين من السودان الذي مزقته الحرب يصلون إلى ميناء القسطل البري بين مصر والسودان. خالد دسوقي / وكالة الصحافة الفرنسية

إيما بيترز

خلال الأسابيع الماضية، غدا من الأصعب على السّودانيّين الهرب إلى مصر المجاورة. وبحسب تصريح رسميّ، غيّرت مصر في العاشر من حزيران 2023 متطلّبات الدّخول إليها لضبط تدفّق النّاس بشكل أفضل، ولمكافحة “الأنشطة غير المشروعة”.

ونتيجة هذه السّياسات الجديدة الّتي استخدمتها مصر لمنع الانتقال عبر الحدود، وجد العديد من النّاس أنفسهم عالقين بين الحرب المُستعِرة والحدود السّودانيّة المصريّة. شكّلت تلك القوانين جزءًا من نزعة أوسع نطاقًا لأمننة الهجرة، إذ ليس ذلك تطوّرًا معزولًا بل هو متأثّر ببرنامج الاتّحاد الأوروبّيّ للهجرة المتمحور حول إضفاء طابع خارجيّ على حدوده.

مسافات انتقال طويلة بحثًا عن الملجأ

في الخامس عشر من نيسان 2023، اشتعلت التّصادمات بين القوّات المسلّحة السّودانيّة (SAF) بقيادة عبد الفتّاح عبد الرّحمن البرهان وقوّات الدّعم السّريع (RSF) بقيادة محمّد حمدان دقلو (“حميدتي”). ونتيجة وقوعهم في خضمّ القتال، اضطرّ العديد من المدنيّين السّودانيّين إلى ترك منازلهم واجتياز مسافات طويلة بحثًا عن ملجأ. ومنذ اندلاع الحرب في السّودان، هرب حوالي 820,000 شخص إلى البلدان المحيطة ومنهم أكثر من 250,000 هربوا إلى مصر، بحسب المفوّضيّة السّاميّة للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين، وهي منظّمة الأمم المتّحدة للّاجئين.

مثل الكثير من السّودانيّين، علقت سميّة حسّان، البالغة من العمر 25 عامًا*، شمال بلدها، بعد أن اجتازت 2,100 كلم للوصول إلى الحدود مع مصر من مدينة نيالا في دارفور، وهي ولاية في أقصى غرب السّودان. عند اندلاع الحرب، كانت حسّان بعيدة عن عائلتها السّاكنة في الخرطوم، “عند اشتداد إطلاق النّار، اضطرّت عائلتي إلى مغادرة المنزل والهرب إلى مصر. أمّا أنا فعلقت في نيالا مدّة ستّة أسابيع قبل أن أجد أخيرًا طريقة للهروب من المدينة والتّوجّه شمالًا.” وبعد مسعى عائلتها، لم يكن أمام حسّان إلّا القيام بهذه الرّحلة الطّويلة والخطرة بمفردها للقائهم.

إثر ترحالها مدّة ثمانية أيّام تعرّضت فيها للسّرقة من قِبَل ثلاثة رجال، وصلت حسّان إلى معبر أرقين البرّيّ الحدوديّ في الثّامن من حزيران. كانت قد جهّزت مستندات سفرها ووصلت في الوقت المناسب قبل تطبيق مصر القيود الجديدة على تأشيرات الدّخول، أو هكذا اعتقدت. عندما حاولت حسّان اجتياز الحدود، واجهت نكسة كبيرة: لم تكن شرطة الحدود تسمح لأيّ كان بالعبور.

لقد كان قد أُبطِل برنامج الإعفاء من التّأشيرة للنّساء والأطفال والأشخاص البالغين من العمر أكثر من 50 عامًا، ورُفضت جوازات السّفر المنتهية الصّلاحيّة بعد اندلاع الحرب. بحسب تصريح رسميّ صادر عن وزارة الخارجيّة المصريّة، كان من المفترض أن يبدأ تطبيق القوانين الجديدة للتّأشيرات في العاشر من حزيران، إلّا أنّ حسّان قالت إنّ هذه القوانين قد كانت سارية المفعول عند وصولها. نُشِر على تويتر مقطع فيديو يُظهِر سودانيّين يبدأون بعبور الحدود فيواجههم حرس الحدود بشدّة رافضين إدخالهم.

أزمة قرب الحدود

تبرّر وزارة الخارجيّة المصريّة تطبيق القوانين الحدوديّة الأكثر صرامة بأنّها إجراءات أمنيّة ضروريّة. وبحسب تصريحها الرّسميّ، لاحظت السّلطات المصريّة “خلال الفترة الماضية انتشار لأنشطة غير قانونية يضطلع بها أفراد ومجموعات على الجانب السوداني من الحدود، تقوم بتزوير تأشيرات الدخول إلى مصر، […] ونتيجة لذلك، استحدثت السلطات المصرية إجراءات تنظيمية تعتمد على التأشيرات المميكنة لمواجهة تلك الجرائم، […]”.**

بعض من نجح في الهرب من السّودان قبل تطبيق القيود، أكّد أنّه اضطرّ إلى دفع ما يقارب الـ 400 دولار للحصول على ختم تأشيرة، وهو من متطلّبات السّفر المجّانيّة عادة. بالتّالي، تصرّح السّلطات المصريّة بأنّ السّياسات الجديدة تهدف إلى حماية اللّاجئين السّودانيّين من مثل هذه الاستغلالات.

لكن يبدو أنّ هذه القوانين الجديدة تؤثّر سلبًا على السّودانيّين الّذين يطلبون اللّجوء في مصر. فمثل الكثيرين، علقت حسّان على مقربة من الحدود لفترة طويلة، مع أنّه كان لا بدّ لظروفها أن تسهّل نوعًا ما قبول دخولها، إذ تملك جواز سفر ساري المفعول وكانت قد تقدّمت بطلب الحصول على تأشيرة في أوائل حزيران، كان على حسّان أن تنتظر شهرًا تقريبًا قبل تمكّنها من متابعة رحلتها إلى القاهرة. وظلّت حسّان تجهل ما إذا كانت ستُمنح إذن عبور الحدود ومتى، حتّى لحظة استلامها تأشيرة الدّخول.

تشير ريم عبّاس، زميلة باحثة في معهد التّحرير لسياسة الشّرق الأوسط (TIMEP)، إلى أنّ العديد من السّودانيّين الّذين توجّهوا شمالًا خطّطوا في الأصل للبقاء هناك، ليس فقط لأنّهم من أصول شماليّة إنّما لأنّ هذه المنطقة آمنة نسبيًّا. غير أنّ الظّروف العصيبة الّتي يواجهها النّاس قرب الحدود المصريّة تدفعهم إلى اجتيازها، فالّذين من بين الـ 360,355 شخصًا الهاربين إلى الشّمال يقولون إنّ المنشآت والمؤن تعاني نقصًا ومنظّمات الإغاثة غائبة بشكل كبير.

قالت عبّاس لفناك إنّ النّاس يستنفذون ثرواتهم نتيجة دفعهم مبالغ طائلة مقابل مأوى، “بعض النّاس يقطنون مع أفراد من عائلاتهم، لكن هؤلاء محظوظون، فهناك آخرون يستأجرون أماكن يسكنونها فتنفذ أموالهم، لأنّ الإجارات باهظة الثّمن. يتقاضى أصحاب المنازل ما يصل إلى 2000 دولار شهريًّا، وهذا مبلغ لا قدرة للنّاس على دفعه.”

وبالنّسبة إلى الكثيرين، البديل الوحيد لاستئجار منزل هو النّوم في الطّرقات حيث يذيع انتشار العقارب. بذلك، بما أنّ أسعار المنازل ونفقات العيش في مصر أقلّ كلفة من السّودان، أصبحت ضرورة عبور الحدود ملحّة.

أضافت عبّاس: “لا يبقى أحد هناك مبدأيًّا إلّا إذا لم تتوفّر له أيّ موارد أخرى.”

إضفاء طابع خارجيّ على حدود الاتّحاد الأوروبّيّ

بحسب تفسير مراقبين مختلفين، على الرّغم من أنّ الظّروف في السّودان لم تتأزّم بهذه السّرعة إلّا مؤخّرًا، بعض المَرافق الّتي تسبّب الأوضاع الرّديئة قرب الحدود كانت قد شُيِّدت قبل اندلاع الحرب بكثير.

وبحسب مارك أكرمان، الزّميل في المعهد عبر الوطنيّ والعضو في منظّمة أوقِفوا تجارة الأسلحة (Stop Wapenhandle)، الوضع الرّاهن للحدود المصريّة السّودانيّة متأثّر بسياسات إضفاء الطّابع الخارجيّ على حدود الاتّحاد الأوروبّيّ. من خلال الاتّفاقات الثّنائيّة والمتعدّدة الأطراف، وتوفير التّجهيزات والتّدريبات، وتبادل المعلومات، توسّع الاتّحاد الأوروبّي إلى البلدان المجاورة، مثل مصر، مستعينًا بمصادر خارجيّة لمراقبة الحدود.

كما يشير أكرمان، إلى أنّ مصر شكّلت منذ أعوام إحدى أهمّ شركاء الاتّحاد الأوروبّيّ في ما يتعلّق بضبط الهجرة. “منذ 2015 خصّص الاتّحاد الأوروبّيّ عشرات الملايين [باليورو]، من الصّندوق الائتماني لحالات الطّوارئ لأفريقيا، لمشاريع تعزّز قدرات مصر في ما يتعلّق بمراقبة الحدود وضبطها.

أبلغ الجارديان في حزيران عن دخول الاتّحاد الأوروبّيّ بتفاوضات جديدة مع مصر للحرص على وضعها حدًّا لتدفّقات الهجرة غير النّظاميّة. وخلال زيارته إلى القاهرة، كشف جوزيب بوريل، منسّق السّياسة الخارجيّة للاتّحاد الأوروبّيّ، عن تخصيص 20 مليون يورو لمصر “لمساعدتكم على التّعامل مع هذه الموجة الجديدة من اللّاجئين السّودانيّين على حدودكم الجنوبيّة”.

يشرح أكرمان أنّه إضافة إلى وجود مجموعة واسعة من العوامل المساهمة في العذابات الّتي يواجهها الآن الشّعب السّودانيّ في المنطقة الشّماليّة، تتفاقم جميعها بفعل هذه التّطوّرات الدّوليّة.

“مع سياسات إضفاء طابع خارجيّ إلى حدود الاتّحاد الأوروبّيّ، يساهم هذا الأخير في واقع تشرّد النّاس على حدود البلدان المحيطة به وإجبارهم على العيش في ظروف قاهرة.”

تجريم المهاجرين

لم تكن سايات إدارة الحدود المصريّة بالقدر نفسه من الصّرامة كما هي الآن. وقد حُدِّد في تقرير التّعاون بين الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر في مجال الهجرة (2019) الصّادر عن الأورو-متوسّطيّة للحقوق، توجّه تُعطى بموجبه القوانين الجنائيّة والسّياسات الأمنيّة المزيد من الأهمّيّة في إدارة الهجرة في مصر.

بحسب محمّد الكاشف، المؤلّف المشارك في التّقرير ومحامي حقوق الإنسان، كان التّنقّل عبر الحدود بين السّودان ومصر وليبيا سهلًا نسبيًّا لمواطنيها قبل طلب الاتّحاد الأوروبّيّ من مصر التّعاون في إدارة حدوده.

“كان النّاس بحاجة فقط إلى هويّتهم الوطنيّة للسّفر، وليس جواز سفرهم.”

فحرّيّة التّنقّل الكبيرة الّتي كانت تسمح بها مصر على حدودها الجنوبيّة والغربيّة بدأت تتراجع بحلول الاتّفاقيّة الأورو-متوسّطيّة عام 2004. ومن خلال إطار عمل هذا التّعاون، يتم مساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر على الحد من الهجرة غير الشرعية.

قال الكاشف لفناك، إنّ أمننة إدارة الحدود المصريّة ازدادت حدّة بخاصّة بعد إطلاق عمليّة الخرطوم عام 2014، فـ”بعد عمليّة الخرطوم بدأت السّلطات المصريّة تعامل المهاجرين كمجرمين.”

والدّليل على ذلك، أنّه منذ ذلك الحين احتُجِز المهاجرون، ومن ضمنهم اللّاجئين، بانتظام ورُحِّلوا إلى أوطانهم.

بحسب أكرمان، “تُعرَف إدارة الحدود المصريّة، والشّرطة وقوى الأمن لتعاملهم الهمجيّ مع اللّاجئين السّودانيّين واللّاجئين الّذين يصلون عن طريق السّودان. وعلى الرّغم من القول بأنّ مصر منفتحة أكثر الآن على استقبال اللّاجئين نتيجة الاشتباكات المسلّحة الرّاهنة، ما زال هناك أخبار عن الظّروف القاسية، وسوء المعاملة، وفترات الانتظار الطّويلة، ونقص الدّعم.”

أمّا حسّان فقد وصلت إلى عائلتها في القاهرة الآن، وهي تتعافى ممّا أسمته فترة عصيبة جدًّا. لكن على عكس حسّان، هناك الكثير من لاجئي الحرب الّذين لم يستطيعوا الهرب من هذا الوضع القاسي، فأعداد كبيرة من النّاس ما زالوا عالقين جنوب الحدود المصريّة.

*غيّرنا أسماء المدنيّين السّودانيّين لحمايتهم من احتمال معاقبتهم من قِبل السّلطات المصريّة.

**ترجمة التّصريح خاصّ بالوزارة وهو مُستخرَج من صفحتها على فيسبوك.