وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في تونس؛ قيد الإنجاز

حقوق الإنسان في تونس
متظاهرون يحتجون أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة التونسية ضد استخدام التعذيب ويظهرون دعمهم لعائلات الضحايا، تونس، 15 أكتوبر 2014. Photo Imago Stock & People GmbH

مرت تونس بتقلباتٍ خطيرة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان منذ حصولها على الاستقلال عام 1956، عندما حلت حكومة ديكتاتورية، على وجه السرعة، محل القوة الاستعمارية القديمة وأعطت الأولوية لبناء الدولة على التحرر. وبعد أن أطاح الديكتاتور زين العابدين بن علي بالرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة في عام 1987، حوّل البلاد إلى دولةٍ بوليسية مغلقة، حيث كان بالكاد بمقدور النشطاء في مجال حقوق الإنسان، وبخاصة الإسلاميين، مغادرة منازلهم. وإلى أن تمت الإطاحة ببن علي نفسه في خضم ثورات الربيع العربي عام 2011، كانت تونس تحتل باستمرار أدنى المراتب في العالم في مجال حقوق الإنسان.

فقد دخل وضع حقوق الإنسان في البلاد مرحلةً جديدة ومختلفة جذرياً في 14 يناير 2011، عندما فر بن علي إلى المملكة العربية السعودية، حيث تم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وأسقطت التهم الموجهة إليهم ولآلاف النشطاء في غضون أسابيع. فقد استدعت السُلطات التونسية الجديدة المعارضين السابقين ونشطاء حقوق الإنسان المخضرمين، الذين أصبحوا وزراء وسفراء. ولا عجب أن أول رئيسٍ منتخبٍ للبلاد بعد بن علي، محمد المنصف المرزوقي، عاش في المنفى لفترةٍ طويلة ومن النشطاء المخلصين لحقوق الإنسان.

تعتبر تونس اليوم الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي، وهي مقر المعهد العربي لحقوق الإنسان، وملجأ لكثير من منظمات حقوق الإنسان العربية- المصرية على وجه الخصوص- ممن لا يستطيعون ممارسة أعمالهم في بلدانهم. ومع ذلك، لا يزال العمل جارٍ، وينطوي احترام حقوق الإنسان على العديد من العيوب.

فالسجون التونسية مكتظة، وهناك تقارير عن الأوضاع السيئة، والتضييق والاعتداء النفسي والاغتصاب. ولا يزال السجناء يتعرضون للضرب على أيدي أفراد الشرطة، فضلاً عن مزاعم التعذيب المتواصلة، على الرغم من أنه ليس منهجياً بل تعذيبا لدوافع سياسية. فضلاً عن ذلك، لا يتم تنفيذ الاعتقالات دوماً بما يتفق مع القانون، كما أنّ القضاء بحد ذاته قد يكون منحازاً أو فاسداً، مما يسفر عن محاكماتٍ جائرة وطويلة.

وعلاوة على ذلك، فإن بعض القوانين التونسية قمعية بشكلٍ علني. فبموجب القانون (52)، يمكن أن يؤدي تعاطي الحشيش إلى حبس المتعاطي لمدة تصل إلى عامين، حيث تم اعتقال أكثر من 8,000 شخصاً (غالبيتهم من الشباب) بموجب هذا القانون. كما أنّ عقوبة الزنا هي السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات فضلاً عن حظر المثلية الجنسية. فعلى سبيل المثال، المثليون الذين يتم إلقاء القبض عليهم يمارسون الجنس يحبسون بشكلٍ منتظم، كما هو الحال في قضية المحامي الذي تحول إلى سياسي ورفيقه، اللذان تم إلقاء القبض عليهما في أحد غرف الفنادق في العاصمة تونس في عام 2013. كما حوكم ما لا يقل عن سبعة رجال بقضايا مماثلة منذ سبتمبر 2015.

قانون مكافحة الإرهاب التونسي الصادر في عام 2015 باعتباره تعديلاً لنص عام 2003، تعرض لانتقاداتٍ على نطاق واسع، من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، للصلاحيات الواسعة التي يمنحها لقوات الأمن والقضاء في التعامل مع المشتبه بهم، فضلاً عن دعمه لعقوبة الاعدام. وقد تمت المصادقة على نص القانون، على وجه السرعة، في أعقاب الهجوم الإرهابي في مارس 2015 على متحف باردو ومجزرة منتجع شاطئ سوسة بعد ذلك بثلاثة أشهر. ومع ذلك، كان من الصعب التشكيك في مخالفاته بسبب “الحاجة المُلحة والأولوية،” لمكافحة الإرهاب.

في حقيقة الأمر، منذ أن أصبحت تونس هدفاً للإرهاب الإسلامي، استعاد مفهوم “الأمن قبل حقوق الإنسان،” الصدارة؛ وهمٌ سبق رؤيته في عهد بن علي. وكلما تواترت الهجمات، كلما أصبح هذا المنطق أكثر رسوخاً؛ فالمسؤولون السابقون في عهد بن علي، وحتى التعذيب في السجون سيئة السمعة عاد يلوح في الأفق بقوة على خلفية تصعيد الإرهاب. وعلاوة على ذلك، فإن بعض النشطاء في مجال حقوق الإنسان، القلقون من إمكانية عودة الإسلاميين لاستلام زمام السُلطة، باتوا يدافعون بشكلٍ أقل عن الحريات ويدعون إلى تشديد العقوبات على الإرهاب.

ومن الحجج التي تتردد كثيراً في الإعلام التونسي أن الإرهابيين لا يستحقون حقوق الإنسان، بل دعا بعض الحقوقيين والمفكرين، علناً، بإعدامهم وحتى تعذيبهم. أما أولئك الذين يجرؤون على انتقاد هذا الخطاب، يخاطرون بتعرضهم للذم في الصحافة، في عودة صريحةٍ أخرى لحقبة بن علي.

فعلى سبيل المثال، بعد الهجوم الدامي من قبل المتطرفين الإسلاميين في المدينة الجنوبية، بن قردان، في مارس 2016، التقط جندي شاب صورة شخصية (سيلفي) له مبتسماً بجانب جثة أحد الإرهابيين. أولئك الذين انتقدوا تصرفه كانوا أقلية، ووزير التربية والتعليم شخصياً هنأ الجندي وأشاد بالصورة، وهذا بالتأكيد يقوّض حقوق الإنسان التي اكتسبتها تونس بشق الأنفس، ويهدد مستقبل الديمقراطية في البلاد.

ومع ذلك، وبالرغم من القتامة التي يبدو عليها الوضع الراهن، إلا أن تونس في وضعٍ أفضل من باقي دول العالم العربي، إذ يجري التصدي لوحشية الشرطة بالحملات العامة، كما تسعى وزارة الداخلية، في كثيرٍ من الأحيان، إلى إصلاح الأمور. وبالتالي، عندما تعرضت إمرأة تبلغ من العمر 27 عاماً للاغتصاب من قِبل ضابطيّ شرطة في عام 2012، تقدمت بدعوى ضدهما وحكم على الضابطين بالسجن لمدة 15 عاماً. وبالمثل، عندما اقتحمت قوات الأمن أحد المنازل عن طريق الخطأ في عام 2015، مما أدى إلى ترويع ساكنيه، روى الضحايا قصتهم على الملأ مما اضطر وزارة الداخلية إلى الاعتذار.

قطعت تونس شوطاً طويلاً منذ الحكم القمعي لبن علي، إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويل لتصبح بلداً تُحترم فيه حقوق الإنسان بالكامل.