وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حالة حقوق الإنسان في سوريا

حالة حقوق الإنسان في سوريا
.سوريون ينتحبون بعد مقتل ثلاثة اطفال في المدينة القديمة من حلب Photo Beha el-Halebi

يوثق التقرير العالمي لمنظمة هيومن رايتس وواتش لعام 2016 حول سوريا تصاعد استخدام العنف في البلاد التي مزقتها الحرب. فبعد خمس سنواتٍ من الصراع الذي ينطوي على جهاتٍ فاعلة عديدة، حكومية وغير حكومية، أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان ومعاهدات وبروتوكولات الحرب الدولية حدثاً يومياً. ومع ذلك، يعود تاريخ سجل حقوق الإنسان المروّع في سوريا إلى عقودٍ مضت.

فقد شهدت سوريا بين عاميّ 1949 و1966 حالة من عدم الاستقرار السياسي الناجم عن خمس انقلابات عسكرية متعاقبة. فالمحاولة الأولى كان وراءها رئيس أركان الجيش، حسني الزعيم، الي أصبح فيما بعد رئيساً للبلاد في أبريل 1949. بينما حصل آخر انقلابٍ عسكري، والمعروف باسم “الحركة التصحيحة،” أو “الثورة التصحيحة،” عام 1970، بقيادة الجنرال حافظ الأسد الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع. وبعد إطاحته بالرئيس صلاح جديد، الذي تولى أيضاً رئاسة البلاد في أعقاب إنقلابٍ عسكري عام 1966، نصّب الأسد نفساً زعيماً لسوريا، دون منازع، واستمر في الحكم إلى أن وفاته المنية في يونيو 2000. خلفه ابنه بشار، الرئيس الحالي لسوريا.

تمتلك عائلة الأسد، التي تحكم سوريا منذ عام 1970، سجلاً سيئاً للغاية في مجال حقوق الإنسان وتاريخاً طويلاً من العنف والمجازر. فمنذ عام 1963 وحتى عام 2011، عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية، تُسيّر سوريا بموجب قانون الطوارىء، الذي منح الحكومة مطلق الحرية في اعتقال الناس دون توجيه تهمٍ لهم ووسع من سُلطة الدولة لتشمل فعلياً جميع جوانب حياة المواطنين. وتعتبر أجهزة الأمن السورية من بين العديد من أذرع القمع، بما في ذلك المخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، وأمن الدولة، والأمن السياسي، الذي يقوم على نحوٍ نظامي باحتجاز الأشخاص دون مذكرات توقيف، وحبسهم بمعزلٍ عن العالم الخارجي لفتراتٍ طويلة. هذا بالإضافة إلى محكمة أمن الدولة العليا، وهي محكمة استثنائية دون أي ضماناتٍ إجرائية تقريباً، والتي غالباً ما تصدر أحكاماً بالسجن لفتراتٍ طويلة على النشطاء والإسلاميين.

ومن بين العديد من اللحظات المظلمة خلال فترة حكم حافظ الأسد، تبرز مجزرة حماة التي وقعت في فبراير 1982، باعتبارها خلاصة نظامه القمعي. فقد أنهت هذه المجزرة أي أملٍ في التغيير، والذي كانت تسعى إليه، في المقام الأول، جماعة الإخوان المسلمين، الذي كان حزب المعارضة الرئيسي آنذاك. وكجزءٍ من الإنتفاضة الإسلامية، التي استمرت منذ عام 1976 إلى عام 1982، قامت جماعةٌ من أعضاء الإخوان المسلمين ممن يُطلقون على أنفسهم اسم الطليعة المقاتلة، بقيادة عدنان عقلة، بقتل ما بين 50 إلى 83 طالباً من العلويين في مدرسة المدفعية في حلب. شكلّت هذه المجزرة بداية حرب مدنٍ واسعة النطاق بين الإخوان المسلمين والعلويين في الحكم. وفي عام 1982، وفي محاولةٍ لإخماد الإنتفاضة المدبرة من قِبل جماعة الإخوان المسلمين، قام الجيش العربي السوري وسرايا الدفاع، بناءً على أوامر من حافظ الأسد، بمحاصرة وقصف مدينة حماة بالمدفعية، والتي كان يُعتقد أنها تؤوي مسلحين تابعين لجماعة الإخوان المسلمين. وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع، قُتل ما بين 20 ألف إلى 40 ألف نسمة من سكان المدينة. وتُقدر منظمة العفو الدولية أنّ عدد القتلى في نهاية المطاف، قد يصل إلى 25 ألف قتيل من كلا الجانبين. ومنذ ذلك الحين، باتت تعرف الحادثة باعتبارها “الفعل الأكثر دموية من قِبل أي حكومة عربية ضد شعبها في الشرق الأوسط.”

وعلى صعيدٍ آخر، عندما تولى بشار الأسد مقاليد الحكم في عام 2000، كان على البرلمان السوري تعديل الدستور وتخفيض السن الأدنى الإلزامي للرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً، ليكون مؤهلاً من الناحية القانونية للترشح عن حزب البعث الحاكم. وفي 10 يونيو 2000، انتخب الأسد عن طريق استفتاءٍ خاضه بالتزكية، ليحصل على ما نسبته 97,29% من الأصوات. إن ما تم فعله ليبدو تصويتاً شعبياً لإضفاء الشرعية على الأسد، كان في واقع الأمر انتهاكاً واضحاً لجميع المبادىء الديمقراطية. ومباشرةً بعد تولي الأسد الرئاسة، شرع في حركةٍ إصلاحية باتخاذ تدابير تقديمة حذرة لما أطلق عليه “ربيع دمشق.” أدى ذلك إلى إغلاق سجن المزة سيء السمعة في دمشق والإعلان عن عفوٍ عام واسع النطاق أسفر عن الإفراج عن مئات السجناء السياسيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، لم يدم شهر العسل بين الأسد ومعارضيه طويلاً، حيث استهلت حملاتٌ أمنية مرة أخرى في غضون عام. فقد سجن الأسد قادة إعلان دمشق، وهو تجمعٌ بارز لقوى المعارضة، بتهمة “إضعاف الشعور القومي.” وفي عام 2010، حكمت محكمة أمن الدولة العليا على العشرات من النشطاء السياسيين الأكراد بالسجن، بما في ذلك العديد من أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي السياسي، التابع لحزب العمال الكردستاني. كما حكم القضاة العسكريون على أعضاء الحزب اليساري الكردي بالسجن بتهمة “التحريض على الفتنة الطائفية،” وآخرين من السوريين الاشتراكيين أو الليبراليين مثل الدكتور كمال اللبواني، وهو طبيب ومؤسس التجمع الليبرالي الديمقراطي، الذي يقضي حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً لدعوته السلمية إلى الإصلاح.

خيّب الأسد الشاب، الذي وعد بالتحررية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والذي كان يُنظر إليه، يوماً ما، باعتباره أحد المصلحين المحتملين، الآمال، حيث استغرق الأمر الشعب السوري أقل من عام لكشف زيفه.

ففي مارس 2011، اندلعت احتجاجاتٌ شعبية طالبت بدايةً بإصلاحاتٍ ديمقراطية. استجاب الأسد لهذه المطالب بقوة الشرطة والقوة العسكرية والاعتقالات الجماعية والقمع الوحشي، مما أدى إلى وقوع مئات الضحايا وآلاف الجرحى. وقالت حركة آفاز العالمية أن تحقيقاتها خلصت إلى اعتقال أو خطف 2,918 سوري على يد قوات الأمن والذين لا تزال أماكن احتجازهم مجهولة. وبحلول نهاية أبريل 2011، بدا من الواضح أنّ الوضع يخرج من سيطرة الأسد، حيث نشرت الحكومة السورية أعداداً ضخمة من قواتها على الأرض.

وفي السنوات التالية، سقطت سوريا في صراعٍ عنيفٍ على نحوٍ متزايد، فقد شنت القوات الحكومية وحلفائها (مثل روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى)، هجماتٍ متعمدة وعشوائية على المدنيين بشكلٍ يومي، فضلاً عن انتشار الاحتجاز بمعزلٍ عن العالم الخارجي والتعذيب. كما قامت جماعات المعارضة غير الحكومية أيضاً بانتهاكاتٍ جسيمة، بما في ذلك مهاجمة المدنيين، واستخدام الأطفال الجنود، والخطف والتعذيب. فتنظيم الدولة الإسلامية المتطرف وتنظيم القاعدة في سوريا وجبهة النصرة، مسؤولون عن انتهاكاتٍ منهجية واسعة النطاق لحقوق الإنسان، من بينها استهداف المدنيين وعمليات الخطف والإعدام.

ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يتراوح إجمالي عدد القتلى في سوريا حتى صيف2016 ما بين 301,781 و422,317 فرد، بما في ذلك أكثر من 100 ألف مدني. ويُقدر مبعوثوا الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا عدد الضحايا بما يصل إلى 400 ألف. وعلاوة على ذلك، يعيش أكثر من 640 ألف شخص في ظل حصارٍ طويل الأمد، كما أدى الصراع إلى أزمة إنسانية، حيث نزح ما يُقدر بـ7,6 مليون نسمة داخلياً، في حين أن هناك 4,8 مليون لاجىء مسجل في الأمم المتحدة في الدول المجاورة.

وفي 21 أغسطس 2013، استهدفت منطقتين تُسيطر عليهما المعارضة في الضواحي المحيطة بدمشق بغاز الأعصاب السارين، مما أسفر عن مقتل ما بين 281 إلى 1,729 شخص. اعتبر هذا الهجوم الأكثر دموية والذي انطوى على استخدام الأسلحة الكيميائية منذ الحرب العراقية الإيرانية. كما حصل 161 هجوم كيميائي موثق آخر في سوريا منذ ذلك الحين، حيث تم جمع تفاصيلها من الأطباء العاملين في المناطق المتضررة والتي قتل فيها ما يزيد عن 1,491 شخص وإصابة 14,581. استخدم في أكثر من ثلث الهجمات غاز الكلور، إذ تمت غالبية هذه الهجمات بعد قرار لمجلس الأمن الدولي يدين استخدامها.

بالإضافة إلى ذلك، واصلت الحكومة شن غاراتٍ جوية عشوائية، بما في ذلك إلقاء أعداد كبيرة من البراميل المتفجرة على المدنيين، في تحدٍ صارخ لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2139، الذي صدر يوم 22 فبراير 2014. هذه القنابل غير الموجهة تُصنّع بثمنٍ بخس، وعادةً ما تُنتج محلياً بواسطة براميل نفط، واسطوانات غاز، وخزانات مياه كبيرة، والتي يتم تعبئتها بمواد شديدة الإنفجار وأجزاء من الخردة المعدنية لتعزيز قوة الشظايا، ويتم إلقاؤها من المروحيات.
وتواصل قوات الأمن السورية إعتقال الأشخاص بشكلٍ تعسفي وتعريضهم لسوء المعاملة والتعذيب، وغالباً ما يتم اخفائهم باستخدام شبكة واسعة من مرافق الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد. العديد من المعتقلين هم من الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، كما تم أيضاً اعتقال الأطفال والنساء وكبار السن. وفي بعض الحالات، أفاد الأفراد أن قوات الأمن اعتقلت أفراد من أسرهم، بمن فيهم الأطفال، للضغط عليهم لتسليم أنفسهم. ويورد ما يسمى تقرير “قيصر،” الذي صدر في عام 2014 من قبل لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، بالتفصيل “القتل المنهجي لأكثر من 11 ألف معتقل من قبل الحكومة السورية في منطقة واحدة خلال الحرب الأهلية السورية على مدى عامين ونصف العام في الفترة من مارس 2011 إلى أغسطس 2013.”

ووفقاً لتقريرٍ صادر عن مؤسسة العفو الدولية، والذي نُشر في نوفمبر 2015، أخفى النظام السوري، قسراً، أكثر من 65 ألف شخص منذ بداية الحرب. ويُقدر تقريرٌ نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان في مايو 2016، أن 60 ألف شخص على الأقل لقوا حتفهم نتيجة التعذيب أو بسبب الظروف القاسية التي عانوا منها في سجون الحكومة السورية منذ مارس 2011.

ومع فشل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بوساطة كيري-لافروف، استؤنف القتال ولم تعد قوافل المساعدات الإنسانية قادرةً على الوصول إلى المحتاجين. وفيما تتجه الحرب نحو عامها السادس، يبدو الحل السياسي القابل للتطبيق أبعد من أي وقتٍ مضى.