من الناحية النظرية، فإن حقوق الإنسان والحريات الشخصية في دولة الإمارات العربية المتحدة مصونة، كما أن دستور وقوانين البلاد تنصّ على الحريات الأساسية وتتعهد بنظام ديمقراطي تشاركي. ويكفل الدستور حقوق الإنسان الأساسية بما في ذلك مبدأ المساواة أمام القانون (المادة 25)، والحرية الشخصية (المادة 26)، وسيادة القانون (المادة 27)، وافتراض البراءة، والمحاكمة العادلة، وعدم اساءة المعاملة (المادة 28). وتنص المواد من 29 إلى 34 على حرية التنقل، وحرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير، وحرية المراسلات البريدية والبرقية وغيرها من وسائل الإتصال، وحرية القيام بشعائر الدين، وحرية الإجتماع، وتكوين الجمعيات، كما أن كل مواطن حر في اختيار عمله أو مهنته أو حرفته، ولا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال الاستثنائية التي ينص عليها القانون، ولا يجوز استعباد أي إنسان. كما يؤكد الدستور على أن باب الوظائف العامة مفتوح لجميع المواطنين، على أساس المساواة بينهم في الظروف، وفقا لأحكام القانون (المادة 35). ومع ذلك، لم توقع دولة الإمارات العربية المتحدة معظم معاهدات حقوق الإنسان وحقوق العمّال الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وفي يونيو 2012، انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة لاتفاقية مناهضة التعذيب. وخلف واجهة الأبراج المتلألأة في دبي، والاستقرار السياسي والرعاية الاجتماعية الملموسة، ووجود المؤسسات الدولية (الغربية) المرموقة، إلا أن صورة حقوق الإنسان قاتمة.
قمع المعارضة في الإمارات العربية المتحدة
تقلصت حرية تكوين الجمعيات بشدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أن المنظمات السياسية (بما في ذلك الأحزاب السياسية) والنقابات المهنية غير قانونية. ويجب على جميع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التسجيل في وزارة الشؤون الاجتماعية؛ حيث تم تسجيل حوالي 100 من هذه المجموعات، غالبيتهم من الجمعيات التي تُعنى بالأمور الاقتصادية، والدينية، والاجتماعية، والثقافية، والرياضية. فضلاً عن ذلك، تعمل في البلاد أكثر من عشرين منظمة غير حكومية وغير سياسية محلية غير مُسجلة. وتُلزم الجمعيات بالتقيّد بالمبادىء التوجيهية الرقابية والحصول على موافقة مُسبقة من الحكومة لأي مطبوعات. وبالكاد تتمتع الجمعيات القانونية بأي سُلطة حقيقة أو تأثير وعادةً ما تخضع لسيطرة الحكومة. كما تفتقر المنظمات غير الحكومية المحلية للاستقلالية أو تواجه قيوداً مشددة.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه المنظمات الدولية غير الحكومية قيوداً، ففي أبريل 2012، أغلقت السلطات مكتب المعهد الديمقراطي الوطني في دبي الذي تموله الولايات المتحدة الأمريكية. كما تم إيقاف أنشطة المعاهد المؤيدة للديمقراطية الممولة من الخارج، بما في ذلك مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، بناءً على أوامر من وزارة الخارجية الإمارتية. وفي ديسمبر 2012، أغلقت الامارات مكتب مؤسسة “راند كوربوريشن” الامريكية للأبحاث السياسية في أبوظبي.
ومنذ عام 2011 عندما التمس العديد من المواطنين تدخل الرئيس خليفة بن زايد آل نهيان إجراء إصلاحاتٍ سياسية، برز نمط من المضايقة والاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري. وواجه 94 مواطناً محاكماتٍ عام 2013، بعد أن وجهت إليهم تهمة إدارة منظمة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة، حيث أدين تسعة وستون منهم في يوليو 2013. وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي أحكاماً عليهم تتراوح بين السجن من 7 إلى 15 سنة. ووصفت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان المحاكمات بأنها غير عادلة لأن السلطات منعت أفراد أسر المتهمين، ومنظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام الدولية من الدخول إلى المحكمة.
لم تقتصر الحملة ضد النشطاء المؤيدين للديمقراطية على هذه المحاكمة، بل استهدفت السلطات الإمارتية أيضاً أولئك الذين ناضلوا من أجل اطلاق سراح المتهمين في قضية ما سُمي “الإمارات 94”. وألقي القبض على أسامة النجار، نجل أحد المتهمين، في مارس 2014 وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بسبب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “توتير” دافع فيها عن والده، ولم يتمتع بحق استئناف الحكم. وفي فبراير 2015، اختفت ثلاث نساء دشنّ حملة على “تويتر” لإطلاق سراح أخيهم عيسى السويدي، حيث تم اعتقال الشقيقات ونقلهن إلى مكان مجهول. وفي 15 مايو 2015، تم إطلاق سراحهن ولكن لم تُعرف الضغوطات التي تعرضت لها الشقيقات الثلاث أثناء الاحتجاز، وسواء اتهمنّ بارتكاب أي جرم، وعمّا إذا كان الإفراج عنهنّ تم تحت أي ظروف. ولكن ما هو أكيد، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، أنهنّ عوقبنّ على تغريداتهن السلمية وتعرضّن للاختفاء القسري، الأمر الذي يعتبر جريمة بموجب القانون الدولي.
وقد استخدمت السلطات الامارتية قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لسنة 2012 لملاحقة مستخدمي “توتير” هؤلاء وغيرهم من منتقدي الحكومة. وفي أغسطس 2014، أصدرت الإمارات العربية المتحدة قانون مكافحة الإرهاب، الذي سيمنح السلطات، وفقاً لمنظمة هيومان رايتس وواتش، السُلطة لمحاكمة المنتقديين السلميين، والمعارضيين السياسيين، والناشطين في مجال حقوق الإنسان، كإرهابيين. وبالإضافة إلى مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، لاحقت السُلطات قضائياً غير الإماراتيين الذين عاشوا في البلاد منذ عقود. وتم ترحيل الرعايا الأجانب من الدول التي شهدت تغييرات جذرية والتي لعبت فيها الإمارات العربية المتحدة أدوراً هامة (وبخاصة مصر وليبيا). كما ألقي القبض على آخرين حتى لمجرد عبورهم في مطار دولة الإمارت العربية المتحدة. واعتقلت قوات الأمن الإمارتية تسعة ليبيين من منازلهم ومن الفنادق في شهري أغسطس وسبتمبر من عام 2014 دون إصدار أي مذكرات توقيف.
ويُعتبر هذا المسار جزء من حملة قاسية ضد كل من يطالب بالإصلاح السياسي بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في داخل أو خارج الإمارات العربية المتحدة. وتعدّ الإمارات إحدى القوى في المنطقة، إلى جانب كل من مصر وليبيا، التي تعارض “الربيع العربي” الذي اجتاح المنطقة مؤخراً وبخاصة عندما يتضمن ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
ووفقاً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، يعكس هذا عِداءً يُنذر بالخطر ضد الناشطين المؤيدين للديمقراطية كما يعكس الخوف الذي تشعر به السلطات. وحصلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان على شهادات للمتهمين مفادها تعرضهم للتعذيب فضلاً عن سوء المعاملة في السجون الإماراتية. وتصل الإنتهاكات التي تعرضوا لها إلى حدود التعذيب، كما حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لحقوق الإنسان. تشتمل الإنتهاكات الآتي:
• الحبس الانفرادي لأسابيع أو أشهر في زنازين صغيرة جداً (2 × 3 متر).
• إجبارهم على الذهاب إلى المراحيض العامة معصوبي العينين وعراة.
• الضرب المبرح.
• سوء المعاملة اللفظية والتهديد بالقتل.
يعتبر التعذيب غير قانوني ومحظور وفقاً للمادة (26) في الدستور، ومع ذلك تُنتقد الإمارات العربية المتحدة بسبب السماح بالتعذيب، والتحقيق غير الملائم، أو عدم ملاحقة قضايا التعذيب بفعالية. وتنفذ المحاكم الشريعة الإمارتية عقوبة الجلد لمن أدينوا بتهم تعاطي المخدرات والدعارة والزنا في جميع الإمارات باستثناء دبي حيث يعتبر الجلد غير قانوني.
محنة عمال البناء في الإمارات العربية المتحدة
إن صورة حقوق الإنسان غير مُرضية إلى حدٍ كبير بالنسبة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، إلا أنها سيئة على وجه الخصوص بالنسبة للعمال المهاجرين، الذين يشكلون المكون الديموغرافي الأكبر لدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي منتصف عام 2010 (الفترة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات) بلغت نسبة غير المواطنين 88,5 % (8,26 مليون) من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة.
تعُج الإمارات العربية المتحدة (وبخاصة دبي وأبو ظبي) بمشاريع البناء الضخمة، بما في ذلك المشاريع البارزة مثل متحف جوجنهايم ومتحف اللوفر، وحرم جامعة نيويورك، وجميعها تقع في جزيرة
السعديات في أبوظبي. كما أن العمل في دبي جارٍ على قدمٍ وساق للإنتهاء من البُنية التحتية لمعرض اكسبو العالمي في عام 2020. ومع ذلك، فإن الصورة التي تحاول الإمارات العربية المتحدة عكسها، كبلد عصري جذب أكثر من 13 مليون زائر دولي عام 2014، تتناقض مع الواقع الذي يعيشه أولئك الذين يبنون نماذجها الرائعة.
وعلى الرغم من الإصلاحات العمالية في السنوات الأخيرة، لا يزال العمال المهاجرون يتعرضون لسوء المعاملة التي تصل إلى حد العمل الاجباري، في حين تتواصل الشكاوى من السكن غير اللائق، وعدم دفع الأجور، والترحيل، وذلك وفقاً لهيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2015. وبالرغم من إجراء بعض التحسينات (مقارنة مع التقارير السابقة لعامي 2009 و2012)، وجد الباحثون أنّ بعض العمال تعرضوا لحجز جوازات سفرهم، أو عدم تقاضي أجورهم، أو تقضاضيهم لأجور ضئيلة للغاية، مما يجعل من الصعب بالنسبة لهم تسديد رسوم الاستقدام التي يتوجب إلغاؤها في المقام الأول.
وقد تم حظر ممارسة فرض رسوم استقدام للعمال منذ عام 1980، لكن هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات، وجدت في السنوات الأخيرة اضطرار العمال دفع رسوم استقدام باهظة لوكالات التوظيف في بلادهم أو في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ ذلك الوقت، عززت الإمارات العربية المتحدة القوانين التي تتعلق بوكالات التوظيف المحلية، ومع ذلك لا يزال أرباب العمل، وليس العمّال، غير ملزمين بعد بإثبات دفعهم كامل رسوم التوظيف. ويحظر القانون على وكلاء التوظيف فرض أي رسوم على العمّال ويخوّل وزارة العمل إجبار الوكالات رد أي رسوم مدفوعة إلى العامل. ولكن استناداً إلى شهادات العمال في أبوظبي، وجدت هيومن رايتس ووتش أن العمال لا يزالوا يدفعون رسوم استقدام تتراوح ما بين 1500 إلى 3000 دولار.
وقد حددت منظمة العمل الدولية حجب وثائق الهوية، بما في ذلك جوازات السفر، كمؤشر رئيسي على العمل القسري.
محاصرين في الإمارات العربية المتحدة
لطالما كانت مشكلة عدم دفع الأجور من الشكاوى الرئيسية للعمال. ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضمان تسديد الأموال بالطريقة السليمة (الكترونياً)، صرح بعض العمال في أبو ظبي عدم تلقيهم رواتبهم لفترات تصل إلى خمسة أشهر. ويضمن قانون العمل الحد الأدنى لأجور العمال المهرة (5000 درهم أي ما يعادل 1300 دولار)، ولكن تم استثناء عمال البناء ذوي الأجور المنخفضة (والذين يعتبرون في كثير من الأحيان غير مهرة). ويقول العمال أنهم يكافحون من أجل سداد القروض التي اقترضوها في ديارهم ولإطعام أسرهم.
فضلاً عن ذلك، فإن العمال في دولة الإمارات العربية المتحدة محاصرون بما يُسمى نظام الكفالة، الذي يربط الموظف إلى صاحب عمل واحد (الكفيل)، ويحظر على الموظف تغيير صاحب العمل أو مغادرة البلاد دون موافقة الكفيل. وفي يناير 2011، عدلت الحكومة القانون الذي يُنظم نظام الكفالة، حيث بات يُسمح للموظف تغيير أصحاب العمل دون أي عقوبة، ولكن بالرغم من أننا في منتصف عام 2015 إلا أن نظام الكفالة نفسه لا يزال قائماً. يُعتبر هذا أحد المشاكل الرئيسية التي يواجهها العمال لأنها تعتمد اعتماداً كلياً على أهواء أصاحب العمل.
من جهةٍ أخرى، تتناقض المرافق السكنية للعمال بشكلٍ صارخ مع المباني الفاخرة التي يبنيها هؤلاء العمال في الإمارات العربية المتحدة. وغالباً ما يعيش عمال البناء المهاجرين في معسكرات عُمالية على مشارف أبو ظبي أو دبي، معزولين عن بقية المجتمع. وفي كثير من الأحيان تكون هذه المساكن دون المستوى المطلوب حيث تتكون من غرف ضيقة تحتوي على أسِّرة بطابقين والقليل من المرافق الأخرى. وخلال زيارة لأحد مساكن العمال في وسط أبو ظبي، وجد الباحثون 27 رجلاً يعيشون في غرفتين. ويتشارك العمال الذين قالوا أنهم يقومون بأعمال الطلاء في موقع جامعة نيويورك بمرحاضين، ويضطرون إلى غسل ملابسهم فيه أيضاً، فضلاً عن تخزينهم الأدوات والمواد اللازمة لأشغالهم، بما في ذلك الطلاء، في غرفهم.
كما يعاني العّمال من صعوبة الوصول إلى النظام القضائي في حال كانت لديهم أي شكاوى، ويرزحون تحت ضغوطات شديدة من قِبل أرباب عملهم للحفاظ على صمتهم حيث يتم تهديدهم بعدم دفع الأجور أو إلغاء تأشيراتهم. وفي حال تقديمهم أي شكوى أو في حال قرروا تنظيم أي إضراب، فإنهم يواجهون خطر الاعتقال أو الاحتجاز أو في أسوأ الأحوال، الترحيل. وتم ترحيل مائتي عامل من شركة بي كاي جلف، ممن يقومون بمشاريع بناء في جزيرة السعديات، بعد تنظيمهم في أكتوبر 2013 إضراباً احتجاجاً على الأجور المنخفضة. وفي مارس 2015، نظم عدة مئات من العمال إضراباً وسط دبي للمطالبة بزيادة الأجور مقابل العمل على تطوير فاونتن فيوز، وكما يُقال لم يكن هناك أي اعتقالات. قانون العمل في دولة الإمارات لا يضمن حقوق العمال في تنظيم الاضرابات أو التفاوض الجماعي، لذلك تعتبر الاضرابات غير قانونية.
على الرغم من التدابير التي اتخذتها السلطات والمعايير الجديدة التي وضعتها المنظمات المعنية (جامعة نيويورك، متحف اللوفر، متحف جوجنهايم)، فإن الشكاوى المذكورة أعلاه تشير إلى أن القواعد لا تطبق على نحو كاف.
وقد بدأت الأمم المتحدة التحقيق في إساءة معاملة العمال المهاجرين بعد شكوى من قبل الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) بأن المهاجرين يقومون بأعمال البناء والعمل المنزلي في ظل ظروف العمل القسري.
ويتم استثناء العاملين في المنازل من قانون العمل ولديهم حماية أقل من غيرهم من المهاجرين، كما وردت تقاريرعديدة عن سوء المعاملة من قبل أرباب العمل.