تورطت حكوماتٌ أوروبية في كشفٍ عن تجارة بالعبيد وغيرها من الإنتهاكات التي طالت المهاجرين في ليبيا التي مزقتها الحرب، وذلك بسبب تعاون أوروبا مع خفر السواحل الليبي لوقف تدفق المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط.
وكشف تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” عن مزاداتٍ للعبيد يُباع فيها المهاجرون للاستعباد بما يعادل 400 دولار، إذ يعبُر عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين من أماكن أخرى في أفريقيا إلى ليبيا كل عام، أملاً بنجاحهم بركوب البحر من هناك إلى أوروبا في قوارب المهربين.
وذكر التحقيق الاستقصائي، الذي نُشر في نوفمبر 2017، “بيد أن الحملة الأخيرة التي شنها خفر السواحل الليبي تعني أنّ قوارب أقل تنجح في الوصول إلى البحر، مما يكدس الركاب المحتملين بين أيدي المهربين. وهكذا، يُصبح المهربون أسياداً والمهاجرون واللاجئون عبيداً.”
فقد سبق ووثقت المنظمة الدولية للهجرة نتائج مماثلة. وقال مهاجر سنغالي وصل إلى سبها في جنوب غربي ليبيا للمنظمة الدولية للهجرة إنه تم بيعه في سوق الرقيق هناك ونُقل إلى منزلٍ خاص حيث احتجز مع نحو 100 مهاجر كرهائن بينما حاول الخاطفون ابتزاز أسرهم بدفع المال للإفراج عنهم، وفي بعض الأحيان كان يتم ضربهم أثناء تحدثهم على الهاتف “حتى يتمكن أفراد أسرهم من سماع تعرضهم للتعذيب.” وأضاف إنه كان يتم في بعض الأحيان قتل المهاجرين الذين لا يستطيعون الدفع، في حين كانت النساء يُبعن في أسواق العبودية الجنسية.
وبغض النظر عن أولئك الذين يتم بيعهم في أسواق العبودية، يُحتجز العديد من المهاجرين الذين يتم القبض عليهم أثناء محاولتهم مغادرة ليبيا في مراكز احتجازٍ تفتقر لمقومات الظروف الإنسانية. فقد اتهم تقريرٌ لمنظمة العفو الدولية الحكومات الأوروبية بـ”تورطها عن علمٍ في تعذيب وإساءة معاملة عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الذين تحتجزهم سلطات الهجرة الليبية في ظروف مروعة.”
وقال جون دالهويسن، مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا، في بيانٍ إن “مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين المحاصرين في ليبيا تحت رحمة السلطات الليبية، كما أن المليشيات والجماعات المسلحة والمهربين يعملون في كثيرٍ من الأحيان معاً بسلاسة لتحقيق مكاسب مالية. إن هناك عشرات الآلاف من اللاجئين المحتجزين إلى أجل غير مسمى فى مراكز الاحتجاز الليبية، وهم يتعرضون لسوء المعاملة المنهجي.” وأضاف إن ” الحكومات الأوروبية لم تكن فقط على علمٍ تام بهذه الانتهاكات، وإنما دعمت السلطات الليبية فى إغلاق المعابر البحرية واحتجاز الأشخاص فى ليبيا، لذلك هم متورطون أيضاً في هذه الجرائم.”
فقد بذلت الحكومات الأوروبية- وبخاصة إيطاليا حيث يصل غالبية المهاجرين الذين ينجحون في عبور المتوسط- جهوداً كبيرة لوقف تدفق المهاجرين من خلال توفير القوارب والتدريب والمعدات لخفر السواحل الليبي. في الواقع، انخفضت أعداد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا عبر المتوسط فضلاً إلى أعداد الوفيات بين المهاجرين بسبب الغرق في البحر بشكلٍ كبير في الفترة ما بين 2016 و2017.
إلا أن إنخفاض العدد هذا له ثمنه، حيث يتم حجز وتكديس عشرات الآلاف من المهاجرين في ليبيا من قِبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي يُدير مراكز احتجازٍ تضم ما يصل إلى 20 ألف مهاجرٍ محتجز. كما ذكر تقرير منظمة العفو الدولية إنه في بعض الحالات، كان يتعرض المهاجرون في هذه المراكز للتعذيب للحصول على الأموال منهم. وكان يتم إطلاق سراح أولئك الذين يستطيعون الدفع، حيث كانت تتم مساعدتهم في بعض الأحيان على مغادرة البلاد. كما يدعي التقرير تواطؤ خفر السواحل مع شبكات المهربين.
وعلاوة على ذلك، فقد تورط خفر السواحل في حادثةٍ وقعت في نوفمبر 2017، حيث غرق ما يصل إلى 50 مهاجراً، إذ توجه طاقمٌ ليبي على متن قارب قدمته إيطاليا نحو سفينةٍ توشك على الغرق وعلى متنها مهاجرين، حيث لم يفشل الطاقم فحسب في نشر قاربه القابل للنفخ لإنقاذهم، بل عمد إلى إلقاء أجسام على عمال الإنقاذ من زورق المنظمات غير الحكومية الذي حاول الوصول لمساعدة المهاجرين، وذلك وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية.
كما توجه مسؤولون في الأمم المتحدة بكلماتٍ قاسية بحق الاتحاد الأوروبي والحكومة الإيطالية، حيث وصف زيد رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، سياسة الاتحاد الأوروبي بمساعدة خفر السواحل الليبي باعتراض وإعادة المهاجرين بـ”غير الإنسانية.”
وقال جيف كريسب، وهو مسؤولٌ كبيرٌ سابق في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة تُعنى بشؤون اللاجئين، وباحثٌ في مركز دراسات اللاجئين في أكسفورد، لفَنَك إن: “إيطاليا والاتحاد الأوروبي مسؤولان بشكلٍ مباشر عن سجن واستغلال اللاجئين والمهاجرين في ليبيا؛ أولاً، عن طريق دفع خفر السواحل ومجموعات الميليشيات إلى اعتراض واعتقال الأشخاص الذين يحاولون الفرار بواسطة القوارب، وثانياً، بزيادة صعوبةً عمل المنظمات غير الحكومية المعنية بعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط. ينتهك هذا النهج بوضوح القانون الدولي ويسمح، باستخفاف، بتحمل ليبيا المسؤولية عن العبودية وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في مراكز الاحتجاز سيئة السمعة في البلاد.”
ودعا كرسيب وغيره من الحقوقيين، أوروبا إلى خلق مساراتٍ أكثر أمناً وقانونية لإعادة توطين المهاجرين واللاجئين عوضاً عن احتواءهم في ليبيا. كما دعت منظمة العفو الدولية إلى ذلك في تقريرها عن الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرين، إذ ذكر التقرير “بيد أنه من الضرورة بمكان – سواء من المنظور القانوني، أو العملي أو الأخلاقي أو السياسي – أن يعاد النظر في أهداف هذا التعاون وطبيعته، وأن يتحول التركيز من منع وصول القادمين الجدد إلى أوروبا نحو حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين.”
وفي اعقاب الكشف عن تجارة العبيد هذه، اعلن مسؤولون في الاتحاد الاوروبي عن خططٍ للتعاون مع الاتحاد الافريقي ضمن فرقة عملٍ مشتركة بين أجهزة الشرطة والاستخبارات، تستهدف الاتجار بالبشر. وبدأوا أيضاً بإجلاء المهاجرين من معسكرات الاعتقال في ليبيا وإعادة الذين يرغبون في العودة إلى بلدانهم. ووصف رئيس الاتحاد الاوروبي، دونالد توسك، التقارير التي تفيد بالعبودية وغيرها من الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون بـ”المرعبة،” إلا أنه لم يُعقب على تورط أوروبا، قائلاً: “أسوأ ما يمكننا القيام به هو البدء بإلقاء اللوم على الآخرين. ما نحتاج إليه الآن هو حلولٌ مشتركة وتعاونٌ أقوى لإنقاذ الأرواح وحماية الناس والسماح لهم بالعيش بكرامة. يتمثل واجبنا المشترك بتكثيف الحملة ضد هؤلاء المجرمين عديمي الضمير وتقديمهم للعدالة.”
لا تمتلك ليبيا حكومةً مركزية وظيفية، بل حكومتين متنافستين فضلاً عن الميليشيات المتحالفة مع مختلف الفصائل الحكومية التي تتنافس على السلطة. وعلاوة على ذلك، أصبحت هذه الميليشيات متورطةً في أعمال التهريب، ففي سبتمبر 2017 على سبيل المثال، اندلع قتالٌ في مدينة صبراتة الساحلية بين الميليشيات المتنافسة، كانت إحداهما تعمل على تهريب المهاجرين والأخرى كانت تحاول اعتراض قوارب المهربين.