وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اللاجئون السوريون بين خطاب الكراهية والعودة الخطرة

اللاجئون السوريون
لاجئون سوريون يقفون في شرفة مبنى قيد الإنشاء يستخدمونه كمأوى في مدينة صيدا في جنوب لبنان. محمود زيات / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

تصاعدت خلال الأشهر الماضية المطالبات السياسيّة بفرض عودة اللاجئين السياسيين إلى بلادهم، في أكثر من دولة مضيفة، أبرزها لبنان وتركيا. وفي الوقت نفسه، تنامى على المستويين الشعبي والإعلامي في هذه الدول خطاب الكراهية الموجّه ضد اللاجئين، بتأثير من الدعاية السياسيّة التي ركّزت على العبء الناتج عن النزوح السوري، على المجتمعات المضيفة. وخطاب الكراهية هذا، ركّز على إمكانيّة عودة اللاجئين إلى مناطق سيطرة النظام السوري التي باتت خارج دائرة الحرب، أو إلى مناطق سيطرة المعارضة التي يمكن أن تحتضن عودة اللاجئين الخائفين من بطش النظام بعد العودة.

وهكذا، بات الحديث عن عدم قدرة الدول المضيفة على تحمّل النازحين السوريين، في الخطابات المعادية للاجئين، يتوازى دومًا مع الحديث عن قدرة اللاجئ على العودة. أمّا الهدف، فليس سوى محاولة نزع الطابع الإنساني والإغاثي عن هذه القضيّة، والإيحاء بأنّه لا يوجد ما يفرض اليوم بقاء النازح خارج بلده من النواحي الأمنيّة والسياسيّة. وبمجرّد نزع الطابع الإنساني والإغاثي عن ملف النازحين، يصبح بإمكان الخطاب المعادي للنازحين طرح مسألة إعادتهم قسرًا إلى بلادهم، طالما أنّها “عودة آمنة” بحسب زعم هؤلاء، وطالما أنّ وجودهم في البلدان المضيفة بات “نزوح اقتصادي” لا لجوء اضطراري مرتبط بالأحداث الأمنيّة في سوريا. باختصار، هذه المزاعم كانت مجرّد حجج استخدمها أصحابها لتبرير خطط الترحيل الجماعي المستقبليّة.

خطورة العودة إلى مناطق النظام

بخلاف ما يدعيه أصحاب الخطاب المناهض للاجئين، ثمّة مبالغة مفرطة في القول بأن الأرضيّة باتت مهيّئة لعودة اللاجئين إلى مناطق سيطرة النظام، بعد الاتفاق مع النظام على عودتهم الآمنة. فدائرة الهجرة الدانماركيّة أكّدت في تقرير بعنوان “العودة إلى سوريا” بأنّ معظم اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم خلال السنوات الخمس الماضية، تعرضوا لانتهاكات من قبل النظام السوري. كما أكّد التقرير أنّ النظام السوري، الذي دعا اللاجئين إلى العودة في مراحل عديدة، لا ينتهج سياسة واضحة أو معلنة بخصوص اللاجئين العائدين إلى بلادهم، وهو ما يعرّض اللاجئين لانتهاكات خطيرة بعد عودتهم.

فعلى سبيل المثال، تمتلك أفرع الأمن السوريّة وضباطها القدرة على اتخاذ القرارات بخصوص اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدانهم، وهو ما يفتح المجال أمام قيام هؤلاء بابتزاز اللاجئين للحصول على عوائد ماليّة معيّنة. وحتّى أولئك اللاجئون العائدون غير المطلوبين لدى أجهزة الأمن، أو غير المتورّطين في أحداث أمنيّة في الماضي، كانوا عرضة لابتزاز الأجهزة الأمنيّة السوريّة، بمجرّد عودتهم إلى بلادهم. ولهذا السبب بالتحديد، يشير التقرير الدنماركي إلى أن أعداد اللائجين العائدين إلى سوريا آخذة بالانخفاض سنويًّا، نتيجة عدم الثقة بالأجهزة الأمنيّة السوريّة، بعد كل الانتهاكات التي تعرّض لها اللائجون العائدون إلى بلدهم.

منظّمة “هيومن رايتس واتش” نشرت تقريرا بعنوان “حياة أشبه الموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن”، وثّقت فيه شهادات 65 نازح سوري عاد إلى بلاده بين عامي 2017 و2021. ومن بين هذه الشهادات ال65، أحصى التقرير 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسّفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، بالإضافة إلى 17 حالة اختفاء قسري وحالة عنف جنسي. ولكل هذه الأسباب، أشارت الباحثة في شؤون اللاجئين والمهاجرين نادية هاردمان في التقرير إلى أنّ “الروايات المروعة عن التعذيب والاختفاء القسري والانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون العائدون إلى سوريا ينبغي أن توضح أن سوريا ليست آمنة للعودة. والانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الملكية وغيرها من الصعوبات الاقتصادية تجعل أيضا العودة المستدامة مستحيلة بالنسبة للكثيرين.”

باختصار، ونتيجة كل هذه المخاطر الأمنيّة، لا يمكن اعتبار المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري مناطق آمنة لعودة اللاجئين، حتّى لو قام النظام بإجراء بعض المصالحات الشكليّة مع النازحين العائدين. مع الإشارة إلى أنّ العديد من التقارير وثّقت مخالفة النظام السوري لمضامين اتفاقيات التسوية والمصالحات التي عقدها مع المعارضين الموجودين في مناطق سيطرته، عبر اعتقال هؤلاء وملاحقتهم بعد عقد التسويات.

مناطق المعارضة غير قادرة على استيعاب اللاجئين

بدورها، وبعكس ما تسوّق لها الخطابات المناهضة للاجئين، والتي تضغط باتجاه عودتهم، لا تبدو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سوريا قادرة على استيعاب ملايين اللاجئين السوريين، الذين يخشون العودة إلى مناطق سيطرة النظام. فمنذ خروج منطقة شمال غربي سوريا عن سيطرة النظام، عام 2014، ارتفعت معدلات الفقر في هذه المناطق من 76% إلى 87% عام 2019. ومن أصل 1051 مجتمعًا محليًّا (بلدة وقرية وحي)، يعاني 941 مجتمعًا محليًّا من عدم القدرة على تأمين الحاجات الأساسيّة الغذائيّة. كما تشير الأرقام إلى أنّ 80% من الأسر في هذه المناطق تعتمد على الاستدانة لتأمين احتياجاتها الأساسيّة، فيما تعتمد 56% منها على إرسال أطفالها إلى العمل، و22% على تقليل حجم وجباتها الغذائيّة، بينما تقوم 10% من الأسر ببيع ممتلكاتها لهذه الغاية. مع الإشارة إلى أنّ 85% من الأسر السوريّة المقيمة في مناطق الشمال الغربي تعتمد على العمل اليومي غير المستقر، لتأمين حاجاتها.

في الوقت نفسه، تعاني مناطق الشمال السوري من التذبذبات الناتجة عن تدهور سعر صرف الليرة التركيّة، نظرًا لاعتماد الأسواق في هذه المناطق على الليرة التركيّة في تداولاتها التجاريّة ونشاطها الادخاري. وتعاني هذه المناطق في الوقت نفسه من معدلات التضخّم المرتفعة، نتيجة هبوط قيمة الليرة التركيّة، وارتفاع أسعار المواد الأساسيّة عالميًّا. هكذا، أدّى تقاطع هذه العوامل إلى تراجع قيمة الرواتب والمداخيل الشرائيّة، ما فتح الباب لظهور بوادر أزمة إنسانيّة كبيرة في منطقة الشمال السوري. وفي النتيجة، عكست هذه التطورات هشاشة الاقتصاد المحلّي في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلّحة، وهو ما لا يسمح لهذه المناطق باستيعاب ملايين اللاجئين السوريين الموجودين في الدول المضيفة حاليًّا.

وتجدر الإشارة إلى أن مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة المعارضة تعاني أساسًا من ضغوط ديموغرافيّة لا تسمح باستيعاب أي لاجئ عائد من الدول المضيفة، نظرًا لوجود نحو ستّة ملايين مدني داخل هذه المناطق من النازحين دخليًّا. كما تعاني هذه المنطقة من وجود نحو 1.5 مليون مدني يقيمون داخل مخيّمات النزوح، وخروج نحو 5487 منشأة حيويّة عن العمل، بما فيها أبرز مشافي ومدارس وجامعات هذه المنطقة. مع الإشارة إلى أنّ 60% من أحياء هذه المنطقة السكنيّة تعرّضت خلال الأعوام السابقة لقصف النظام السوري، ما أصابها بأضرار أثّرت على استيعابها للسكّان.

إجراءات باتجاه العودة القسريّة

في الوقت الراهن، تتسارع التطوّرات في ملف اللاجئين السوريين في عدّة دول مضيفة، كتركيا ولبنان. إذ يبدو أن تركيا بدأت بتعديل تموضعها بخصوص ملف اللاجئين السوريين، من خلال بعض الإجراءات التي تضيّق على وجود هؤلاء اللاجئين في تركيا، بما يدفعهم باتجاه العودة إلى سوريا. وهذه الإجراءات، تزامنت مؤخرًا مع حديث أردوغان عن خطط لإعادة نحو مليون سوري إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، كما تتوازى مع تصاعد خطاب الكراهيّة ضد اللاجئين في الأوساط الإعلاميّة والشعبيّة. أمّا في لبنان، فتتسارع أيضًا المداولات الهادفة إلى وضع خطّة لإعادة اللاجئين السوريين تدريجيًّا إلى بلدهم، بالاستفادة من السرديات التي تركّز على قدرة اللاجئين على العودة إلى المناطق التي باتت خارج نطاق النزاع المسلّح في سوريا.

جميع هذه المحاولات لا تأخذ بعين الاعتبار اليوم الظروف الأمنيّة المعقّدة في الداخل السوري، التي ستعرّض اللاجئين إلى مخاطر كبيرة في حال عودتهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. كما لا تأخذ هذه المحاولات بعين الاعتبار الظروف الاقتصاديّة القاسية التي تمر بها معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، والتي لا تسمح لهذه المناطق باستيعاب هذا العدد من اللاجئين كما يحاول أن يفعل أردوغان. وبذلك، تتعارض هذه المحاولات اليوم مع الأعراف والمواثيق الدوليّة، التي يفترض أن تحول دون فرض إعادة هؤلاء اللاجئين قسرًا إلى الداخل السوري، قبل استتباب الظروف السياسيّة والأمنيّة التي تسمح بعودتهم الطوعيّة.