وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحقائق المروّعة خلف قضبان السجون في إيران

السجناء الإيرانيين
أشخاص يتظاهرون خارج السفارة الإيرانية في فرنسا في 13 يونيو 2019 تضامناً مع المحامية الحقوقية الإيرانية نسرين ستودة، مطالبين بإطلاق سراحها. Photo: FRANCOIS GUILLOT / AFP

فلورينس ماسينا

لا تشتهر إيران باحترامها لحقوق الإنسان، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير والتمييز. بيد أن تقارير أخيرة لمنظمات حقوقية مختلفة أشارت إلى الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء الإيرانيون على يد السلطات، ومن بينها التعذيب والعقوبات اللا إنسانية والإعدام.

عند التطرق إلى موضوع الانتهاكات بحق السجناء الإيرانيين، علينا أن نفكر بشكلٍ خاص في نشطاء حقوق الإنسان والسجناء السياسيين، الذين اعتقلوا جماعياً على مر السنين لأسباب غامضة مثل المواطنين مزدوجي الجنسية (الإيرانية وأجنبية) بتهمة “التعاون مع دولة معادية” أو التجسس. علاوةً على ذلك، اندلعت احتجاجات حاشدة ضد إرتفاع أسعار الوقود والحكم في عام 2019 في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى مقتل المئات بسبب وحشية الشرطة خلال الاحتجاجات.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، في تقريرٍ للمنظمة نُشر في 2 سبتمبر 2020، “في الأيام التي أعقبت الاحتجاجات الواسعة النطاق، أثارت مقاطع الفيديو – التي أظهرت أفراد قوات الأمن الإيرانية وهم يقتلون ويُصيبون عن عمد المحتجين العُزل والمارة – صدمة في جميع أنحاء العالم. ومما لا يتم إظهاره أن هناك أشكالاً مختلفة للتصرفات الوحشية التي تعرض لها المحتجزون وعائلاتهم على أيدي مسؤولين إيرانيين بعيداً عن أنظار الناس”.

وأضافت، “فبدلاً من التحقيق في هذه الادعاءات المتعلقة بالاختفاء القسري، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وجرائم أخرى ضد المحتجزين، أصبح المدعون العامون الإيرانيون متواطئين في حملة القمع من خلال توجيه تهم المس بالأمن القومي لمئات الأشخاص لمجرد ممارسة حقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي، بينما أصدر القضاة أحكام الإدانة بناء على “اعترافات” انتُزِعت تحت وطأة التعذيب. وهذه السلسلة من الجرائم والانتهاكات، المرتكبة في ظل الإفلات التام من العقاب، اقترنت بموجة من “الاعترافات” المتلفزة القسرية عبر مقاطع الفيديو الدعائية الخاصة بالدولة، وتصريحات بشعة صادرة عن كبار المسؤولين الذين امتدحوا العاملين في أجهزة الاستخبارات، وقوات الأمن باعتبارهم أبطالاً بسبب أدوارهم في عمليات القمع الوحشية”.

وسجلت منظمة العفو الدولية أسماء وتفاصيل أكثر من 500 محتج وغيرهم، بما في ذلك صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، خضعوا لإجراءات جنائية جائرة متعلقة بالاحتجاجات. وقد أدينوا بتهمٍ مثل “التجمع والتواطؤ من أجل ارتكاب جرائم ضد الأمن القومي،” و”ترويج دعاية ضد النظام،” و”الإخلال بالنظام العام” و”إهانة المرشد الأعلى.”

وبمجرد دخولهم السجن، غالباً ما يتعرض هؤلاء السجناء لمختلف الانتهاكات، مثل الإذلال ونقلهم إلى سجون بعيدة جداً عن أسرهم، وغياب الرعاية الطبية المناسبة، والحرمان من الطعام، وأعمال العنف. وفي هذا الصدد، قال بيجان باهران، من المنظمة غير الحكومية- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، لفَنَك: “أوضاع السجناء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان أسوأ من المدانين جنائياً ذلك أن السلطات القضائية تمارس ضغوطاً كبيرة عليهم.” وأضاف “غالبية البرلمان من المؤيدين للقائد ولا يريدون أي علاقة بحقوق الإنسان، لذا تفعل السلطات القضائية ما يحلو لها.”

السجناء الإيرانيين
متظاهرون إيرانيون يتجمعون حول النار خلال مظاهرة ضد ارتفاع اسعار الوقود في العاصمة طهران في 16 نوفمبر 2019. Photo: AFP

كما ذكر باهران قضية نسرين ستوده، المحامية الإيرانية الشهيرة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان التي حُكم عليها في مارس 2019 بالسجن 38 عاماً وبـ148 جلدة بتهمة التجسس ونشر الدعاية المضللة وإهانة المرشد الأعلى الإيراني: “تم نقلها مؤخراً إلى سجن بعيد جداً عن العاصمة وعن عائلتها ويؤوي المجرمين. فعلوا ذلك لمعاقبتها على لفت الانتباه لقضيتها من خلال إضرابها عن الطعام.” تم الإفراج عنها مؤقتاً في 7 نوفمبر 2020 في أعقاب تدهور وضعها الصحي بسبب إضرابها الطويل عن الطعام.

ووصلت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أنباء عن بهنام محجوبي، الذي كان من بين أكثر من 300 من أفراد مجتمع الدراويش الذين تم اعتقالهم لتورطهم في احتجاجاتٍ مناهضة للحكومة في طهران، في 19-20 فبراير 2018. وبحسب ما قاله لنا باهران عن محجوبي، “قال إن السلطات كانت تخطط لقتله من خلال تعذيبه، بل وصل الأمر إلى حد التبول عليه. وأنه كان يخجل من ذكر ما حدث له منذ سجنه.”

علاوةً على ذلك، تعد الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع جائحة فايروس كورونا المستجد في السجن مصدر قلقٍ آخر لمنظمات حقوق الإنسان. فقد قالت نرجس محمدي، وهي ناشطة حقوقية أُطلق سراحها من السجن في أكتوبر 2020 بعد ظهور أعراض مرض فايروس كورونا عليها، إنه لم يكن هناك مطهر، وحتى عندما عرضت السجينات شراءه بأنفسهن، تم رفض طلبهن. وفي رسالة أرسلتها في 13 يوليو 2020، كتبت أنها و11 من زميلاتها في الزنزانة اشتبه بإصابتهنّ بفيروس كورونا، مضيفة أنهن كن يشعرن بالمرض وتم حرمانهن من “الأدوية والعلاج والتغذية السليمة.” وقال باهران، “تشبه هذه محاولة لقتلهن.” وأضاف “السلطات الإيرانية قالت إنها ستطلق سراح ثلث السجناء بسبب الفيروس لكن ليس لدينا معلومات عن عدد الذين أطلق سراحهم، وهذا يتعلق فقط بعدد قليل من النشطاء الذين كانوا في نهاية فترة عقوبتهم.”

وعندما يتعلق الأمر بقتل السجناء، فلدى إيران أيضاً الوسائل للقيام بذلك بشكلٍ علني. فقد أشارت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تقرير نُشر في 8 أكتوبر 2020، إلى إعدام ما لا يقل عن 251 شخصاً في عام 2019 وأكثر من 190 شخصاً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020. وتضيف التقارير أن “الغالبية العظمى من جرائم الإعدام في إيران لا تستوفي عتبة “الجرائم الأكثر خطورة،” ونتيجة لذلك، تتعارض مع التزامات الدولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. تشمل الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام والتي لا تستوفي حد “الجرائم الأكثر خطورة” على سبيل المثال لا الحصر: الجرائم المتعلقة بالجنس؛ والجرائم الدينية؛ والجرائم السياسية؛ وتعاطي المشروبات الكحولية؛ والجرائم المتعلقة بالمخدرات؛ والجرائم الاقتصادية؛ والجرائم الإلكترونية.” كما تعاقب إيران بالإعدام أيضاً القاصرين والنساء وأعضاء مجتمع المثليين، وبعض الطوائف العرقية في البلاد مثل الأكراد والعرب والبلوش والأقليات الدينية، وكذلك المتظاهرين الذين شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد في ديسمبر 2017، ويناير 2018، وأغسطس 2018، ونوفمبر 2019. “لا تعدّ إيران دولة تحترم سيادة القانون، بل تنتهك قانونها،” على حد تعبير باهران، الذي تابع القول: “فما بالكم بالقانون الدولي…”

بمثل هذا الموقف من حقوق الإنسان وعدم وجود أي عقوبة دولية تقريباً تجاهه، يبدو أن إيران قادرة على القيام بكل ما يلزم لتتمكن سلطاتها من فرض رقابةٍ صارمة على سكانها. ولكن مع وجود مقاومةٍ أكبر وأقوى من السكان، لربما سيخرج المواطنون مرةً أخرى إلى الشوارع من أجل تغييرٍ واضح.