وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في اليمن وأضرارٌ جسيمة تلحق بالمدنيين

مكافحة الإرهاب الأمريكية اليمن
يمنيون في سوق بالعاصمة صنعاء. Photo by Mohammed HUWAIS / AFP

صوفيا أكرم

 

ألحقت عمليات مكافحة الإرهاب التي نفذتها القوات الأمريكية في اليمن على مدى عشرين عاماً أضراراً جسيمة بالمدنيين اليمنيين، وذلك وفقاً لمنظمة مواطنة المستقلة لحقوق الإنسان وذلك في تقريرٍ مفصل حول عشر غارات بطائراتٍ مُسيّرة ومداهمتين بريتين في الفترة ما بين يناير 2017 ويناير 2019 في البلاد التي أثقلتها الحرب.

وأشار التقرير المعنون بـ”الموت القادم من السماء- الأضرار المدنية الناجمة عن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقوة المميتة في اليمن،” إلى مقتل 38 مدنياً يمنياً بينهم 13 طفلاً و6 نساء و19 رجلاً في 12 عملية أمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن، فضلاً عن إصابة 7 مدنيين من بينهم 6 أطفال.

وقالت كريستين بيكرلي، مديرة الشؤون القانونية للمساءلة والإنصاف في مواطنة لحقوق الإنسان، “من المهم الإعتراف أولاً… بأن هذا التقرير لا يقدم سوى لمحة مقتضبة عن الأضرار التي ألحقتها الولايات المتحدة بالمدنيين في اليمن.”

هذا ويسلط التقرير الضوء على تأثير استخدام الولايات المتحدة للقوة المميتة لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، في حين أن الكثير من التغطية الإعلامية والخطاب اليمني قد ركز على الصراع الأوسع مع عددٍ من الجهات الفاعلة – المحلية والدولية – المتورطة في الانتهاكات. وخلال الحرب، دعمت الولايات المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية، بيد أن الهجمات المباشرة التي تم شنها منذ عام 2002 افتقرت أيضاً إلى الشفافية والمساءلة.

ووفقاً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يتوجب على الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- الذي ينص على أن لجميع البشر الحق في الحياة- الكشف عن معايير استخدام القوة الفتاكة والأساس القانوني لهجماتٍ محددة لمهاجمة من يتوقع أن يؤدي استهدافهم من الأفراد أو الأهداف إلى الحرمان من الحياة.

وعليه، قالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان إن الحوادث الواردة في التقرير أثارت مخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة بالقانون الدولي، ومن تستهدفه وما إذا كان يمكن اتخاذ تدابير بديلة، مثل القبض عليهم بدلاً من قتلهم.

كما أشارت المنظمة إلى أن المدنيين كانوا يمارسون حياتهم اليومية المعتادة عندما قُتلوا أو أصيبوا، في إشارةٍ إلى المهن الحميدة التي كان يعمل بها هؤلاء الضحايا والمستقبل المسلوب للأطفال الذين قتلوا في العمليات.

علاوةً على ذلك، أدت الهجمات إلى مزيدٍ من الضرر يرافقه تداعيات اقتصادية بعد مقتل المعيل الأساسي للأسرة أو إتلاف وتدمير الممتلكات، مثل المركبات والمنازل والماشية. كما أسفرت الهجمات عن أضرار اجتماعية ونفسية طويلة الأمد، بما في ذلك الاكتئاب والقلق، فضلاً عن الخوف من أزيز الطائرات بدون طيار في سماء المنطقة.

ووقعت الحوادث الموثقة في محافظات أبين والبيضاء وشبوة وحضرموت ومأرب، وعلى وجه الخصوص، كانت البيضاء عرضةً للعمليات الهجومية، لا سيما في قرية يكلا النائية، مما دفع الكثيرين لتوقع وقوع أضرارٍ مدنية والتعبير عن الغضب تجاه الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير منظمة “مواطنة،” لطالما أغفلت الولايات المتحدة الأمريكية الخسائر في صفوف المدنيين جرّاء عملياتها، ولم تعترف سوى بالأضرار المدنية الناجمة عن واحدة من الوقائع الموثقة في التقرير. وعلاوةً على ذلك، تقول المنظمة غير الحكومية إن الولايات المتحدة أخفقت في محاسبة الأفراد المسؤولين أو تقديم التعويضات اللازمة، كما لم يتلق أي من الناجين من الحوادث الواردة في التقرير أي اتصال متابعة من حكومة الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق قال علي المرتضى، الباحث في منظمة مواطنة، “غالباً ما ننجذب إلى الأرقام، لكن علينا أن نتذكر دائماً أن “الأضرار الجانبية” هم الأشخاص الذين لديهم حياتهم الخاصة، ولديهم أسرهم، ولديهم أطفال، وعاداتهم الخاصة وحياتهم الطبيعية. الأمر ذاته، سواء كنت تعيش في ضواحي بروكسل أو إن كنت تعيش في ضواحي صنعاء. ينبغي أن تكون حياة الإنسان ذاتها، ولا بد أن ننظر لها بنفس المنظار.”

كما تذكر إحدى الروايات الواردة في التقرير كيف أسفرت غارة عسكرية أمريكية في 23 مايو 2017 على قرية العذل في مأرب عن مقتل خمسة أشخاص، بينهم مدنيان وشخصان ينتميان للجيش اليمني، وأصيب أربعة آخرون. فقد علمت منظمة مواطنة كيف استيقظ القرويون في الليل على أصوات طلقاتٍ نارية وقيام الطالب عبد الله البالغ من العمر 19 عاماً بفراره من منزله مع والدته وشقيقته عندما بدأت الغارة. وبينما كان عبد الله يختبئ خلف إحدى الأشجار، كانت والدته وشقيقته تشاهدان طائرة مروحية تطلق النار على ابنها أثناء لجوئهما أيضاً أسفل شجرةٍ أخرى.

وبحسب ما قاله أحد شهود العيان لمواطنة، “كانـت الأم تـرى نـاراً تتسـاقط مـن السـماء وتبتلـع الشـجرة التـي لجـأ إليهـا عبد اللـه للاختباء وشـعرت بالشـلل التام، وهـي تشـاهد ابنهـا يمـوت أمـام عينيهـا.”

وفي 26/27 يناير 2018، قتلت غارة جوية على شبوة خمسة مدنيين وجنديين يمنيين في مديرية الصعيد، إذ كان من بين القتلى سائق ومعلم وطالب جامعي ونحّال وضابط أمن يستقلون سيارةً إلى معسكر لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع الجنود للعثور على صبيٍ مفقود. عثر القرويون المجاورون على السيارة المحترقة والقتلى. ومع ذلك، لم تجد منظمة مواطنة أي دليلٍ موثوق على تورط الرجال في أنشطة القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو تنظيم الدولة الإسلامية أو حتى ارتباطهم بأي جماعات.

ومع ذلك، نفت القيادة المركزية للولايات المتحدة بدايةً تنفيذ القوات الأمريكية للضربة إلا أنها فيما بعد أكدت أن الضربة استهدفت تنظيم القاعدة الواقع في شبوة في 26 يناير، بيد أنها لم تعترف قط بسقوط ضحايا مدنيين.

وعليه، قدمت منظمة مواطنة وعيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا مذكراتٍ إلى القيادة المركزية الأمريكية في نوفمبر 2020 مدعمة بأدلةٍ على غارة شبوة وغيرها من الغارات، وحثت على التحقيق فيها والاعتراف بها وتقديم التعويضات اللاحقة بالإضافة إلى مراجعة أوسع لعملياتها في اليمن.

تعدّ هذه المذكرة وغيرها واحدةً من الجهود المختلفة التي تبذلها المنظمة لتقديم أدلةٍ على الأضرار التي لحقت بالمدنيين بسبب الجيش الأمريكي.

ومن الجدير بالذكر أن سياسة القوة المميتة الأمريكية ظلّت على ما هي عليه منذ أن كان جورج دبليو بوش في منصبه، على الرغم من تصاعد الهجمات باستخدام الطائرات المسّيرة في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

وفي أعقاب احتجاج المجتمع المدني في عام 2013، كشف أوباما عن سياسة جديدة تطالب بالتأكد “شبه التام” من هوية الهدف. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الأخطاء البارزة في جذب الانتباه إلى برنامج الطائرات المسّيرة الخاص بأوباما، بما في ذلك الغارة التي تم شنها على قافلة سيارات في نهاية عام 2013، والتي زعمت الولايات المتحدة أنها كانت تنقل “إرهابيين،” بيد أن منظمة هيومن رايتس ووتش وجدت لاحقاً أنه مجرد موكب حفل زفاف، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً.

وفي حين دفعت الولايات المتحدة تعويضاتٍ لضحايا عمليات الطائرات المسّيرة في أماكن أخرى، إلا أن المدنيين المتأثرين بالعمليات في اليمن لم يتلقوا أي تعويضٍ على الإطلاق.

وفي عهد دونالد ترمب، تصاعدت حدة ما تسمى بضربات مكافحة الإرهاب في اليمن، إذ يشير تقريرٌ صادر عن منظمة “الحروب الجوية” إلى أن منظمة المراقبة والرصد حددت أكثر من 230 إجراء عسكري من قبل الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية في عهد ترمب، مقارنةً بإجمالي 150 إجراء مُعلن في عهد بوش وأوباما مجتمعين.

ظهرت النتائج التي توصلت إليها منظمة مواطنة في غضون المئة يومٍ الأولى من ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ظل ترويجه لنهجٍ جديد للسياسة الخارجية، لطالما ذكر أن هذا النهج متجذرٌ بعمق في حقوق الإنسان.

وعلى وجه التحديد، ذكرت إدارة بايدن انها ستتوقف عن دعم “العمليات الهجومية” للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن وتعلق مبيعات الأسلحة ذات الصلة. ووفقاً للمسؤولين، لا تؤثر هذه التصريحات على العمليات الأمريكية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، التي يزعمون أنها تصب في مصلحة الأمن القومي.

وفي بداية شهر مارس 2021، بدأ بايدن بمراجعة الإجراءات الأمريكية المباشرة لمكافحة الإرهاب التي شملت هجمات الطائرات المسّيرة والغارات العسكرية، والتي من المرجح أن تسعى إلى عكس سياسات ترمب المشكوك فيها، بيد أن البعض يحذر من العودة ببساطة إلى نهج عهد أوباما، مشيرين إلى أن مكافحة الإرهاب يجب أن تظهر بشكلٍ أقل في إستراتيجية السياسة الخارجية الشاملة لبايدن.

كما حذرت منظمة مواطنة من وجود نمطٍ مقلق لدى الإدارات الأمريكية التي تسعى إلى “هدم التمييز بين زمن الحرب وزمن السلام والقواعد الدولية المرتبطة باستخدام القوة المميتة.”

في الوقت نفسه، يبدو أن الحكومة اليمنية لم تتخذ إجراءاتٍ لحماية أرواح المدنيين أو محاسبة الولايات المتحدة، بينما تزعم الولايات المتحدة أنها تلقت دعم الحكومة اليمنية لشن الغارات.

وللمضي قدماً، تحث منظمة مواطنة على تحقيق الشفافية والحقيقة والمساءلة، إلى جانب التعويضات عن المداهمات التي تشنها القوات الأمريكية والالتزام بالقانون الدولي.

في النهاية، يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن سيبقي حقوق الإنسان نواةً مركزية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بيد أن الخطر يكمن في العودة إلى سياسة مريبة تبدو ببساطة سياسةً فاضلة مقارنةً بسجل ترمب المتطرف.