وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أوروبا وخيارات التعامل مع أزمة معتقلي تنظيم “الدولة الإسلامية” المقيمين في المخيّمات السورية

ISIS fighters
صورةٌ تم التقاطها لرجالٍ يشتبه بانتمائهم لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وذلك أثناء تواجدهم في أحد زنازين سجن مدينة الحسكة بشمال سوريا يوم ٢٦ أكتوبر ٢٠١٩. وتشير المصادر الكردية إلى تواجد حوالي ١٢ ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم في السجون التي يديرها الأكراد شمال سوريا، علماً بأن هؤلاء المقاتلين من السوريين والعراقيين ومن ٥٤ دولة أخرى. المصدر: FADEL SENNA / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّطت الضوء على وضع مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” وعائلاتهم المحتجزين في مخيمات سورية. وتتناول كيرستين كارلسون، أستاذة القانون الدولي المشاركة بجامعة جنوب الدنمارك، تقاعس الدول الأوروبية عن التعامل مع هذه القضية في مقالتها، لافتةً في الوقت نفسه إلى تأزّم هذه القضية بعد انحساب واشنطن من شمال سوريا وما تبعه من غزوٍ تركي لتلك المنطقة. وتقوم كارلسون باستعراض الحلول المقترحة والإشكاليات المرافقة لهذه الحلول كإعادة توطين العائلات في بلادهم، أو محاكمتهم في سوريا والعراق.

وتبدأ كارلسون مقالتها بالإشارة إلى تقاعس القوى الأوروبية لأكثر من عام عن التعامل مع وضع عشرات الآلاف من مقاتلي “الدولة الإسلامية” وأتباعهم ممّن تم أسره في أعقاب سقوط دولة “الخلافة” المزعومة في سوريا والعراق.

ويبدو أن الغرب لم يعد يتمتع برفاهية التقاعس عن التعامل مع هذا الوضع عقب قرار الولايات المتحدة بحسب قواتها من شمال سوريا وبدء الغزو التركي لهذه المنطقة في التاسع من شهر أكتوبر المنصرم.

ومنذ تعرّض تنظيم “الدولة الإسلامية” لهزيمةٍ ميدانية على الأرض في مارس 2019، تضخمت المخيمات التي تقطن فيها “عائلات التنظيم” وغيرهم من النازحين بما يفوق طاقتها. وعلى سبيل المثال، يربو عدد الأشخاص المقيمين في مخيّم الهول بسوريا عن ٧٠ ألف شخص.

وشتّت الهجوم التركي على موارد “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد بعيداً عن حراسة المخيمات، ما أدى إلى فرار المحتجزين كما كان متوقعاً. وشهد الرابع عشر من أكتوبر الماضي فرار ما يزيد عن 700 شخصاً من أتباع تنظيم “الدولة الإسلامية” من مخيّم عين عيسى الموجود في سوريا، علماً بأن هؤلاء كانوا من النساء والأطفال والرجال من غير المقاتلين بحسب ما تردّد. وسبق للولايات المتحدة محاولة نقل 60 من “أخطر” المعتقلين المحسوبين على “تنظيم الدولة” قبل انسحاب قواتها من المنطقة، إلا أنها فشلت في تحقيق ما تربو إليه. ومن المتوقع هروب المزيد، بما في ذلك مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في الأيام والأسابيع المقبلة.

إعادة توطين

تملّك القلق الدول الأوروبية حيال هذا الوقع قبل الغزو التركي، إلا أنها لم تحرك ساكناً فيما يتعلق بمشكلة المواطنين والأجانب المحتجزين في سوريا والعراق. وتشير التقديرات إلى سفر ٤٠ ألف مقاتل أجنبي إلى سوريا والعراق للالتحاق بصفوف التنظيم، وكان من هؤلاء ٦ آلاف مقاتل من أوروبا الغربية.

ويتمثل الخياران الأكثر إثارة للجدل بشأن المواطنين الأوروبيين في العودة إلى الوطن أو محاكمتهم في أماكن احتجازهم. أما ما يجب فعله بالمواطنين العراقيين والسوريين، فقد تُرك للعراق وسوريا.

وترى كارلسون أن إعادة المواطنين إلى بلادهم هو الخيار الصحيح، على الرغم من تجنّب البلاد الأوروبية للمضي قدماً في هذا الخيار. ويبدو أن أوروبا لا تريد هؤلاء المواطنين، فهي تعتبرهم خائنين في أحسن الأحوال، وخطراً في أسوأ الأحوال. ويشمل مفهوم الخطر حتى الأطفال الصغار، الذين يعتبرون في أحد الآراء “متطرفين” أو “أشبال الخلافة”، وأن العنف والتلقين أفسدهم حتى تعذرت مداواتهم.

وباتت هذه الرؤية أهم من التقارير التي تنقل الظروف اللاإنسانية في المخيمات السورية، فمياه الصرف الصحي تغمر الخيام، والديدان تملأ المياه، والظروف المناخية القاسية تؤدي إلى الوفاة خاصةً بين الأطفال والرضع. ومن الأمثلة الصارخة على هذا التعامل وضع شميمة بيغوم، التي غادرت المملكة المتحدة في سن الخامسة عشرة للانضمام إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، لتقوم فيما بعد الحكومة البريطانية بإسقاط الجنسية عنها. وتُوفي ابن شميمة بعد أسابيع قليلة من ولادته في مخيم الروج في مارس 2019.

ولا يقتصر الأمر على بريطانيا فحسب، بل إن معظم الدول الأوروبية ترفض إعادة المواطنين الذين أُسروا في سوريا والعراق، كما أنها ترفض إحصاءهم أو التعرف عليهم. ولم يُرصد سوى عددٌ قليل من حالات العودة الاستثنائية إلى الوطن، وكانت من بينهم مجموعة من الأيتام الفرنسيين والهولنديين، ناهيك عن استقبال ألمانيا لمجموعةٍ كبيرة ومختلطة ضمت في صفوفها أطفالاً. وفتحت كوسوفو وكازاخستان أبواب العودة إلى الوطن، كما استقبلت تركيا وروسيا بعض الأيتام. وأطلق الأكراد في يونيو سراح 800 معتقلاً ليعودوا إلى عائلاتهم في سوريا.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن مقاتلي وأتباع تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين عادوا إلى بلادهم سيُحاكمون بموجب القانون الجنائي المحلي.

محاكمات تنظيم “الدولة الإسلامية”

SDF
أحد عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” أثناء وقوفه للحراسة في سجنٍ يتواجد فيه بعض المشكوك بانتمائهم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” بمدينة الحسكة شمال سوريا وذلك في يوم ٢٦ أكتوبر ٢٠١٩. المصدر: FADEL SENNA / AFP.

اكتسب خيارٌ آخر، وهو إجراء المحاكمات لأتباع تنظيم “الدولة الإسلامية” في أماكن احتجازهم بصرف النظر عن الجنسية، حالةً من الزخم قبيل الغزو التركي، وروّجت عدّة دول لفكرة إنشاء محكمةٍ دولية. وبنت فكرة إنشاء محكمة مخصصة في المنطقة الأمل لحل مأزق الدول الغربية و”قوات سوريا الديمقراطية” على مستوى التعامل مع وضع المعتقلين.

إلا أن مثل هذا الخيار يواجه عدّة إشكاليات. ففي البداية، لا يمكن إنشاء محكمة مخصصة بدعم دولي في المنطقة الكردية في شمال سوريا نظراً لعدم تمتّع “قوات سوريا الديمقراطية” بصفة حكومية رسمية على الرغم من مسؤوليتها المؤقتة عن بعض المناطق الموجودة في سوريا. ولهذا السبب، يبدو أن العراق يتمتع بالمواصفات المطلوبة لتوفير هذا الحل المحتمل. وكان إنشاء هذه المحكمة الدولية في العراق لأتباع تنظيم “الدولة الإسلامية” موضوع اجتماعٍ عُقد بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وثلاث دول أخرى في كوبنهاغن في ١١ أكتوبر الماضي. واقتُرح حينها إنشاء هيكل مختلط يضم قضاة دوليين وعراقيين.

إلا أن مثل هذه المحكمة ستواجه مشكلة مع القانون العراقي الذي يقرّ عقوبة الإعدام، فضلاً عن التعامل مع المحاكمات العراقية التي تنطوي على مشاكل عميقة فيما يخص قضايا أتباع تنظيم “الدولة الإسلامية”. فقد أخضعت الحكومة العراقية مقاتلي التنظيم وأتباعه على مدار السنوات القليلة الماضية لما لا يمكن تسميته إلا بمحاكماتٍ شكلية. ولا تزيد مدّة المحاكمة الواحدة عن 10 دقائق في المتوسط، كما لا يُسمح للمتهمين برؤية محاميهم في أغلب الأحيان قبل المحاكمة، علماً بأن هؤلاء المحامين يتقاضون مبلغ ٢٥ دولار أمريكي مقابل الترافع عن كلّ قضية.

وتشمل عقوبة الانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية” السجن مدى الحياة في حال كان القاضي متساهلاً، ولكن يمكن أن تؤدي المحاكمات أيضاً إلى الإعدام شنقاً. وأصدرت المحاكم العراقية مئات الأحكام بالإعدام، وشمل ذلك مواطنين أجانب، رغم عدم التأكد من تنفيذ أي منها.

أي نوع من العدالة؟

المحاكم الممولة دولياً لا تصدر أحكاماً بالإعدام، كما يندر إصدار المحاكم الجنائية الدولية أو المختلطة لعقوبة السجن مدى الحياة. ولا تعتبر الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإجرائية من سمات المؤسسات التي يديرها الغرب. إلا أن أعداد المعتقلين قبل الهجوم التركي، وكذلك قلة المعلومات المتعلقة بالجرائم التي ارتكبوها بعد الانتماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” تعني احتياج إجراءات المحكمة التي تحترم الحقوق لموارد ضخمة، علماً بان هذه الإجراءات قد تكون عرضة للطعن.

وستفرج أي محكمة عادلة عن معظم السجناء المدانين خلال سنوات قليلة في أحسن الأحوال، وذلك في حال كانت أحكام السجن تتفق مع المعايير الإنسانية المقبولة عالمياً. ويعني هذا الأمر ببساطة إرجاء الإجابة عن بعض الأسئلة لسنواتٍ قليلة مثل: ما الاجراءات التي يجب أن تُتخذ بحق أتباع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأين يمكن أن يعيشوا، وإلى أي بقعة ينتمون؟

وشهدت بدايات عام 2019 تشكيل الأكراد لمحاكماتٍ بحقّ أتباع تنظيم “الدولة الإسلامية” فيما يديرونه من مناطق في العراق وسوريا كحلٍّ لعيوب العدالة العراقية. وبحسب ما قاله أحد القضاة لمؤسسة “إن بي آر” الصحفية، فقد تم توفير محامي دفاع لكل متهم، وحُدد أقصى حكم بالسجن لمدة 20 عاماً، لافتاً إلى أن الهدف منذ هذه المحاكمات يكمن في إعادة التأهيل لا الانتقام. وترى كارلسون أن هذا التطور الواعد كان ضحية أخرى للظروف المتغيرة على الأرض.

وتختم كارلسون مقالتها بالتالي: “يبقى خيار إعادة الأجانب إلى بلادهم هو الأفضل لأنه يعني إغلاق هذا الملف سريعاً. ومع ذلك، ستبقى الأسئلة عما يجب القيام به مع المواطنين العراقيين والسوريين، ناهيك عن الدور الذي ينبغي على الغرب القيام به لحل أوضاعهم. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجوب تجنّب القوى الأوروبية للخيار الثالث الذي اتبعته حتى اللحظة ألا وهو السكوت والانتظار إلى حين تغيّر الظروف”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.