وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حروب إخضاع حماس في غزة

حروب إخضاع حماس
صورة تم التقاطها يوم ٨ يوليو ٢٠٢١ لعمال وهم يزيلون بقايا حطام برج هنادي الذي سوّته هجمة إسرائيلية بالأرض أثناء حلقة النزاع الأخيرة التي دامت على مدى ١١ يوم بين إسرائيل وحماس في بيت لاهيا شمال قطاع غزّة. المصدر: MOHAMMED ABED / AFP.

ماجد كيالي

في فترة قصيرة شنّت إسرائيل أربعة حروب مدمرة على قطاع غزة (2008، 2012، 2014، 2021)، أي في 13 عاما، إضافة إلى فرضها الحصار عليه، أي على مليوني فلسطيني منذ 14 عاما (2007)، علما أن القطاع (360 كم2) يشكل فقط حوالي 14 بالمئة من مساحة الضفة، او 1.3 بالمئة من مساحة فلسطين، مع طول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم. وأن هذه المساحة الضيقة مكتظة بالسكان، يقدر عددهم بمليونين تقريبا، في منطقة تخلو من الموارد. والمشكلة أن هذه المنطقة، كما تعلم كل القيادات الفلسطينية، تعتمد في المياه والكهرباء وإمدادات الطاقة والمواد التموينية على إسرائيل أساسا، فضلا انها تعاني من الحصار المشدد من كل الاتجاهات.

مثلا، في الحرب الأولى (27/12/2008 ـ 19/1/2009)، وهي استمرت 23 يوماً، فقد ذهب ضحيتها أكثر من 1436 فلسطينيًا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال، في المقابل اعترفت إسرائيل بمصرع 13 إسرائيليا بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.  في الحرب الثانية (14/11ـ 21/11/2012)، التي استمرت ثمانية أيام، ذهب ضحيتها 155 من الفلسطينيين ومئات الجرحى مقابل ثلاثة إسرائيليين. أما في الحرب الثالثة، والتي استمرت 50 يوما (8/7ـ 29/8/2018)، فقد ذهب ضحيتها 2174 من الفلسطينيين 81 بالمئة منهم من المدنيين، في مقابل مقتل 70 إسرائيليا، منهم 64 جندياً. أما في الحرب الرابعة (مؤخرا والتي استمرت 11 يوما (10/5ـ 20/5/2021)، فذهب ضحيتها حوالي 270 فلسطينيا، ومقتل 13 إسرائيليا. في المحصلة لدينا أكثر من أربعة ألاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات ألوف الجرحى، بينهم ألوف المعاقين، ناهيك عن دمار هائل لبيوت وممتلكات شخصية وعامة.

الغرض من هذا العرض لفت الانتباه إلى عديد من الملاحظات، أهمها:

أولأً، إن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب دائمة مع الفلسطينيين، بهذا الشكل أو ذاك، بهذا المستوى أو ذاك، بالوسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية، أي بالوسائل الناعمة أو بوسائل القوة العسكرية.

ثانياً، إن إسرائيل مستعدة بشكل دائم لشن حرب على قطاع غزة، ولذلك فهي تضعه تحت تهديد دائم، ناهيك إنها تقوم بين فترة وأخرى بشن غارات بالطائرات أو بالصواريخ، على أهداف معينة، بشرية أو مادية، أي أن هذا الأمر ينبغي عدم تجاهله، ويجب وضعه في الاعتبار في إدراكات القيادات أو الفصائل المعنية، لتفويت ذلك، ولتجنيب مليوني فلسطيني في غزة مزيد من المآسي والكوارث، خصوصا أن ما يحصل لا يودي إلى أي نتائح أو إنجازات سياسية فلسطينية.

ثالثاً، إن اعتبارات إسرائيل لشن أي حرب لا علاقة لها بتقديرات الفلسطينيين، لأنها تنبع من إدراكات إسرائيل لوضعها، وعلاقاتها في المنطقة، وفهمها لإدارة صراعها مع الفلسطينيين، وهي مثلاً ترى أن إبقاء الوضع على ما هو عليه أفضل لها من شن حرب، لأن الخلاف والانقسام الفلسطينيين، يستنزف الفلسطينيين ويشتت طاقاتهم، ويضعف مصداقيتهم على حكم أنفسهم أمام العالم، ويظهر قطاع غزة كأنه منطقة مستقلة، وأن المشكلة هي عند الفلسطينيين، وليس بين إسرائيل وبينهم.

 

رابعا، مشكلة الفلسطينيين، ولاسيما حماس، أنهم يبالغون بقدراتهم، ويتصرفون وكأنهم في منطقة محررة (غزة) وهذا انطباع خاطئ في إدراكات الفلسطينيين، وفي الصورة التي يصدرونها للعالم. ومثلا فبدلا من طرحهم قضيتهم باعتبار غزة منطقة محاصرة، وتعاني ضعف الموارد، وصعوبة العيش، والاعتداءات الإسرائيلية، يتم تصديرها باعتبارها تنتج مقاتلين وصواريخ وطائرات، وكأنها منطقة محررة ومقتدرة، مع كل معرفتنا بجبروت إسرائيل عسكريا، وضمان امنها من الدول الكبرى، وفي ذلك لا مجال للحديث إطلاقا عن توازن قوى عسكري، وتاليا ولا أي حديث عن توازن رعب أو عن معادلات متبادلة.

واضح أن حركة حماس في مأزق كبير في إدارتها لقطاع غزة، فهي لم تستطع الاستثمار في ذلك في تعزيز مكانتها فلسطينيا، ولا عربيا ولا دوليا، ناهيك أنها تتعرض لاستنزاف كبير. هكذا فإن حماس أضحت تخضع لضغوط متعددة، أولها، الضغوط من البيئة الشعبية التي تتعرض للحصار، والحديث يتعلق بمليوني فلسطيني، في منطقة تفتقد للموارد، وفي بيئة باتت فيها البطالة مشكلة كبيرة، مع الحصار المادي المفروض على القطاع من جهات متعددة. ثانيا، ثمة ضغوط من السلطة الفلسطينية على حماس، تستهدف إزاحتها من السلطة، ومن الصعب توقع التخفيف من ذلك على ضوء التجربة والتجاذبات الحاصلة، سيما أن حماس أضحت معزولة على أكثر من مستوى. ثالثا، لم تعد البيئتين الإقليمية والدولية مواتيتين لحماس، على العكس من ذلك فإن كل الضغوط تتجه نحو تحجيم دورها، وتكييفها مع الأوضاع الحاصلة، بالطريقة الناعمة أو بالطريقة الخشنة. رابعا، يستنتج من ذلك أن كل الأحاديث عن المصالحة الفلسطينية لا معنى لها من دون تطويع حماس في غزة، أو إخضاعها للشروط الإقليمية والدولية، وضمنها الشروط الإسرائيلية، أي أن الشروط الفلسطينية هي الأقل تأثيرا هنا.

هكذا فإن كل تلك الحروب تتوخى إما تطويع حماس، وقبولها ما يتعلق بخطة دولية تغير من واقع القطاع، وضمن ذلك تحجم سلطتها، أو تغيير سياساتها، تحت مسمى رفع الحصار، وهدنة، والشروع في خطة دولية لمساعدات اقتصادية، وإنشاء بني تحتية، وفتح ميناء ومعابر للتسهيل على الفلسطينيين، أو إبقاء قطاع غزة تحت التهديد بالحرب، من قبل إسرائيل، سواء كانت على شكل حروب صغيرة أو حرب كبيرة.

ويخشى من ما تقدم أن كل الخيارات صعبة ومكلفة، في الظروف الدولية والعربية الراهنة، طالما هكذا هي الحال.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.