ماجد كيالي
يقف الفلسطينيون اليوم في مواجهة أوضاع صعبة ومعقدة على مختلف الأصعدة: إسرائيليا وعربيا ودوليا، بسبب ضعفهم وتشتتهم وتخلف إدارتهم، وأيضا بسبب المعطيات الخارجية غير المواتية لهم.
فعلى الصعيد الإسرائيلي، يبدو أن إسرائيل باقية مع حكومة أكثر يمينية وعنصرية، وربما مع ولاية خامسة لبنيامين نتانياهو، الذي أضاع حتى الآن 15 عاما من عمر عملية التسوية، في غضون 28 عاما، في ولاياته الثلاث (الأولى في 1996-1999 والثانية في 2009-2021). ومعلوم أن القيادة الفلسطينية كانت وضعت رهاناتها مؤخراَ، وعدة مرات، على إمكان تغيير السياسة الإسرائيلية بسقوط نتانياهو ومجيء قيادة بديلة، علما إنه لا يوجد لدى إسرائيل، وهي في هذه الأوضاع، مع حكومة نتنياهو أو غيره، أي جديد تقدمه للفلسطينيين، بل إن ذلك يفيد بأنها ستواصل سياساتها المتعلقة بتعزيز الاستيطان وتغيير الأوضاع في الضفة الغربية، بما يخدم تكريس علاقات الاحتلال والتبعية والهيمنة، بحيث تبقى السلطة الفلسطينية بمثابة كيان سياسي شكلي، تقتصر مهمته على ضبط أحوال الفلسطينيين تحت الاحتلال، وإدارة علاقاتهم معه في النواحي المدنية والاقتصادية والأمنية.
ليس الواقع الإسرائيلي هو الأمر الوحيد الذي تجد القيادة الفلسطينية ذاتها في مواجهته، ذلك أن الوضع العربي لا يقل صعوبة وتعقيداً. صحيح أن ما كان يسمى «محور المقاومة والممانعة» الذي كان يثقل أو يزايد على المسار الذي تنتهجه هذه القيادة اختفى تقريباً، بعد انشغال النظام السوري بمحاربة شعبه، وانكشاف «حزب الله»، واتضاح أطماع إيران الإقليمية، إلا أن المحور المقابل لم يبق على حاله، وهناك حال من انعدام اليقين بشأن أوضاع العالم العربي، على صعيدي الحكومات والمجتمعات. وقد تفاقم ذلك مع انفتاح مسار التطبيع بين إسرائيل مع عديد من الدول العربية، ما يؤدي الى فك الارتباط بين قضية فلسطين والنظام العربي، وفك الارتباط بين عملية التسوية والتطبيع. وفي ظل تلك التحولات والظروف، ولاسيما في ظل هذا الخراب الحاصل في المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مروراً بسورية، لا يمكن لأحد توقع تسوية منصفة، أو تضمن الحد الأدنى للفلسطينيين، ناهيك عن أنه لا يمكن أصلاً لأحد توقع تنازل من إسرائيل في ظل هذه الظروف.
على الصعيد الدولي، فإن القيادة الفلسطينية لم تستطع أن تحصد شيئاً عملياً من سلسلة الاعترافات المتفاوتة بالدولة الفلسطينية (كعضو مراقب في الأمم المتحدة)، فلم يفلح مجمل الضغوط السياسية والمعنوية الدولية في إقناع إسرائيل أو إجبارها على تغيير سياساتها إزاء الفلسطينيين. أولاً، لأنها لم تصل إلى الدرجة اللازمة لذلك. وثانياً، لأن الولايات المتحدة هي التي تملك مفاتيح القرار في هذا الشأن. وكما هو معلوم فإن الإدارة الأميركية على رغم كل التجاذبات بينها وبين حكومة نتانياهو، وهي جدية، لم تصل بعد إلى حد الحسم فيما يتعلق بالضغط عليها لمصلحة الفلسطينيين، لا في عهد كلينتون ولا في عهد أوباما، ولن يكون الوضع أفضل في عهد بايدن.
من كل ذلك يتبيّن أن مشكلة القيادة الفلسطينية، أي قيادة المنظمة والسلطة و «فتح»، أنها إما إنها لا تدرك هذه المعطيات وأن العالم الذي قامت على أساسه عملية التسوية وكيان السلطة انتهى تماماً، أو أنها تدرك ذلك لكنها تتجاهله أو لا ترغب بالعمل على أساسه لافتقادها القدرة والإمكانات، ولاستهلاكها طاقتها الكفاحية.
القصد أن القيادة الفلسطينية معنية، بما تبقى لها من وقت، بإمعان التفكير لإيجاد طرق عملية بديلة عن الطريق التي انتهجتها طوال المرحلة الماضية، والتي لم تؤد إلا إلى انسداد أفق التسوية، وانقسام كيان السلطة، وتآكل الإطارات الوطنية الجمعية (المنظمة والسلطة والفصائل)، وتراجع مكانة قضية فلسطين في سلم الاهتمامات العربية والدولية، بعد التحولات والاستقطابات الحاصلة.
إزاء ذلك كله بات يمكن طرح التساؤل البديهي والتقليدي عن البديل في هذه الظروف، والإجابة عليه بكل جرأة وصراحة وموضوعية بأن القيادة الفلسطينية وصلت إلى نهاية طريقها منذ زمن، وإنها، وبعد كل ما جرى فلسطينياً وعربياً ودولياً، لم يعد لديها ما تفعله أو ما تضيفه. وهذا يعني، تالياً، أن الأمانة التاريخية، على ضوء كل ما تقدم، تقتضي من هذه القيادة فتح مجال التغيير السياسي في الواقع الفلسطيني، باعتبار ذلك يمكن أن يشكل آخر مساهمة وطنية يمكن أن تقدمها للأجيال المقبلة، لأن بديل ذلك موات الحالة الوطنية الفلسطينية، أو اندثارها في شكل أو آخر.
الفكرة، أيضا، إنه طالما لا يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا شيئاً في هذه الظروف الصعبة والمعقدة إزاء إسرائيل، عدا الصمود، ورفض الخضوع لإملاءاتها، فإن ما يتوجب عليهم، أيضا، إعادة ترتيب وتنظيم البيت الفلسطيني، أي المنظمة والسلطة والفصائل ومختلف الإطارات الوطنية الجمعية، على أسس جديدة تأخذ في اعتبارها التطورات في أحوال مجتمعات الفلسطينيين، وتغيرات الخريطة الفصائلية، وتأمين متطلبات استعادة الحركة الوطنية لطابعها وأهليتها كحركة تحرر وطني. لا شيء أكثر أهمية من ترتيب البيت الفلسطيني، سواء بانتخابات أو من دون ذلك.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.