وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لماذا تنتشر نظريات المؤامرة في فترة الجائحة؟

 نظريات المؤامرة
تم التقاط هذه الصورة يوم ٤ يناير ٢٠٢١ في العاصمة الفرنسية باريس وتظهر فيها مجموعة من الدمى بالقرب من عبّوة كتب عليها “لقاح كوفيد-١٩”. المصدر: JOEL SAGET/ AFP.

By: Rod Dacombe

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على نظريات المؤامرة التي ما انفكّت شريحةٌ واسعة من الناس عن ذكرها على مسامعنا حول جائحة كورونا. ويقوم صاحب المقالة رود داكومب، وهو مدير مركز السياسة البريطانية والحكومية لدى كلية كينغز لندن، بتناول مدى تأثير هذه النظريات على جهود وقف انتشار الفيروس أو إقبال الأفراد على الأمصال. ويرى داكومب أن نظريات المؤامرة حالياً تتسم بطابع مختلف نظراً لتغيّر الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا البعض.

ويبدأ داكومب مقالته بالتالي: “لقد شهدنا جميعاً تلك المنشورات التي يشاركها أصدقاء أصدقائنا على موقع فيسبوك، ناهيك عن التغريدات المثيرة للدهشة والتي يعجب المرء من عدم حذفها فور نشرها على موقع تويتر. وبصورةٍ مماثلة لما نعيشه من حالة تباعدٍ اجتماعي ولقاءات على تطبيق زووم، يبدو أن انتشار نظريات المؤامرة على مواقع التواصل الاجتماعي سيكون أحد الأعراض التي لا مفر منها في فترة الجائحة“.

وتختلف نظريات المؤامرة عن أشكال المعلومات المغلوطة والمضللة الأخرى، إذ أنها وسائل خاصة تساعدنا على فهم العالم المعقد، والمُربِك أحياناً حولنا. وكان تُرى هذه النظريات لفترة طويلة باعتبارها ظاهرة سياسية خاصة. وألمح المؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستاتر، في مقولة شهيرة، إلى أن هذه الأفكار تعزز “جنون الارتياب” في التفكير السياسي، الذي يكون مشحوناً بـ “المبالغة المحتدمة، والارتياب، والخيالات التآمرية”.

ويمكن العثور على فهم حديث لأهمية نظريات المؤامرة في أعمال ألفريد مور، الباحث في العلوم السياسية والذي يشير إلى أنها وسائل “لشرح الأحداث والظواهر بطريقة لا تعتمد على أي مبررات ولا يمكن تصديقها، وقد تكون حتى خطيرة، وتثير شعوراً عميقاً بالتآمر، وترفض كل الأدلة التي تناقضها”.

ويضيف داكومب: “في عملي، أجادل بأننا شاهدنا ظهور أشكال مميزة من نظريات المؤامرة خلال السنوات الأخيرة مدفوعة بتغيرات حدثت في الطريقة التي نتواصل بها بشأن القضايا السياسية. ولكي نفهم هذه الظاهرة، نحتاج إلى أن نفكر في نظريات المؤامرة باعتبارها جزءاً من التغيّر الكبير الذي حدث في أساليب المشاركة السياسية في الديمقراطيات المعاصرة”.

سد الفراغ

هناك عدة أسباب تفسر سيطرة نظريات المؤامرة على المشهد العام بهذه الطريقة، وتؤثر هذه النظريات على الطريقة التي نتعامل بها مع جائحة كورونا لدرجة لا يمكن تجاهلها.

ومن المعروف أن نظريات المؤامرة تنتشر أكثر في فترات الأزمات. وتُظهِر الأبحاث أن هذه الأفكار لا تحظى بشعبية على الدوام، لكنها تصل إلى الذروة خلال الأحداث الكارثية والاضطرابات الاجتماعية. وكانت نظريات المؤامرة شائعة في فترات الأوبئة السابقة، بما في ذلك جائحة الموت الأسود، ووباء الإنفلونزا الروسية في نهاية القرن التاسع عشر، وجائحة الإنفلونزا الإسبانية في عام ١٩١٨.

لكن، على النقيض من الأزمات السابقة، فإن نظريات المؤامرة الحديثة تقودها التغيرات السريعة في الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا البعض. ويحمل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أهمية خاصة في هذه المسألة، إذ ساعدت هذه المواقع على الانتشار السريع للمعلومات اعتماداً على معلومات قابلة للتصديق ظاهرياً (وهي معلومات سطحية على أقل تقدير)، ونشرتها مصادر تبدو محل ثقة. ويشكل هذا السياق أهميةً، لأنه يسمح بقدرٍ كبير من المسؤولية الفردية في نشر نظريات المؤامرة.

وفي واقع الأمر، تتسم نظريات المؤامرة من هذا النوع بالقوة لأنها تشاركية. فهم يُشرِكون الناس مباشرةً في عملية تطوير وتضخيم الأفكار السياسية مهما كانت غرابتها. وفي مناخٍ، يتسم بانخفاض الثقة في المؤسسات السياسية، وعدم المساواة بين جميع السكان في حقوق المشاركة الديمقراطية، فإن هذا الشكل من المشاركة في نشر نظريات المؤامرة يوفر بديلاً تشاركياً سهلاً لأشكال المشاركة السياسية الرئيسية.

هناك قول مأثور بين أصحاب نظريات المؤامرة على شبكة الإنترنت وهو: قم بأبحاثك الخاصة. ويشجع هذا هؤلاء المتورطون في الترويج لنظريات المؤامرة على السعي للحصول على أدلة تدعم صحة أفكارهم من مصادر تدحض الرواية “الرسمية”.

ويحمل الاشتراك في نظريات المؤامرة المعاصرة طابعاً شبيهاً بالألعاب. يُشجَع الناس على “اكتشاف” المعلومات المروجَة عبر شبكات الإنترنت بدلاً من قبول البيانات والحقائق التي تنشرها المصادر الموثوق بها. تقول لنا الأبحاث إن أي أدلة تناقض النظرية المنتشرة يُستبعد قبولها، مهما كانت وجاهتها، وربما حتى تستخدم كدليل يؤيد نظرية المؤامرة نفسها. الأهم من هذا، أن اتباع هذه المعتقدات يعني بالضرورة تبني توجهاً يشكك في المؤسسات العامة والأدلة العلمية.

مواجهة الحقائق

هناك احتمالية قوية أن يؤدي هذا النوع من نظريات المؤامرة إلى تقويض جهود وقف انتشار فيروس كوفيد-19 وزعزعة الثقة في الأمصال. وتُقدَم الحجج الزائفة ضد الأمصال “كسردية بديلة” متساوية في المكانة مع الأدلة العلمية. وتُستخدم أية محاولات لإثبات مدى هشاشة هذه الحجج كدليلٍ على المصالح الراسخة للوكالات الحكومية وشركات الأدوية.

ومن خلال الطبيعة التشاركية لعملية نشر هذه النوعية من الأفكار، والتي تكون أشبه بلعبة لها قواعد، فإن الناس يحصلون على قدرٍ من الاستقرار في أوقات الاضطراب والارتباك. وبطبيعة الحال، فإن جزء من جاذبية نظرية المؤامرة في فترة الجائحة يأتي من أنها تقدم خطة ما في وقت الأزمة، خطةٌ تحكم حياتنا وتقدم تفسيراً في وقت ينتشر فيه الغموض في كل الأرجاء.

ومن الصعب التمييز بين الحقائق والخيال في مثل هذا المناخ خاصةً وأن مصادر المعلومات الموثوق بها وذات الخبرة يتم دحضها ورفضها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويثير القلق العميق أننا لم نشهد أي رد متماسك ومعقول لمعالجة هذه المسألة.

وهناك العديد من الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة المشكلة، إذ يمكن إعادة النظر في التشريعات المنظمة لعمل شبكات التواصل الاجتماعي وإزالة الحسابات الشخصية “سريعة الانتشار” على مواقع التواصل الاجتماعي (بما في ذلك حسابات المشاهير والشخصيات العامة). ويمكن تعيين مسؤول بارز في الحكومة للإشراف على التعامل مع المعلومات المغلوطة. غير أن أي تدخل في هذا الشأن يجب أن يتضمن فهماً لتغيّر سياق المشاركة السياسية.

ويختتم داكومب مقالته بالتالي: “بالطبع، هناك أسئلة صعبة تتعلق بالكيفية التي يمكن أن نضمن بها مواجهة هذه الأشكال من نظريات المؤامرة دون تقييد قدرة الأفراد على مساءلة السلطات، وهو أمرٌ مهم في أي ديمقراطية. لكننا ملزمون كمجتمعٍ بأن ندرك الانتشار المفاجئ لنظريات المؤامرة من هذا النوع ونتعامل معه”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 29 يناير 2021.