تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التوترات الواقعة على طرفي المحيط الأطلسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على خلفية تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم إبرامها لفرض القيود على البرنامج النووي الإيراني. وتنظر الدول الأوروبية إلى موقف إدارة ترامب باعتباره تهديداً لاتفاقٍ أتاح رفع العقوبات عن إيران وقيّد في الوقت نفسه فرص تحوّل هذه الدولة إلى دولةٍ قادرة على امتلاك السلاح النووي. وحثّ ترامب الكونغرس الأمريكي على الانسحاب من طرفٍ واحد من اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة بحلول يوم 12 مايو 2018 في حال لم تنجح الدول الأوروبية الثلاث (وهي فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا) التي أبرمت هذه الاتفاقية مع إيران بفرض ضوابط إضافية جديدة تتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والإطار الزمني الذي يتم فيه تطبيق هذه الاتفاقية.
ووسط حالة الصد والجذب الحاصلة بين واشنطن والعواصم الأوروبية، نشرت صحف “الغارديان” و”نيويورك تايمز” و”لو موند” و”دير شبيغل” مؤخراً رسالة تقدّم بها 500 من أعضاء برلمانات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لحث نظرائهم في الكونغرس الأمريكي على التمسّك بخطة العمل الشاملة المشتركة. وجاء في نص الرسالة ما يلي: “قد يقرّر الرئيس دونالد ترامب في 12 مايو الجاري التخلي في نهاية المطاف عن خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الاتفاقية التي تم عقدها بين فرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، والصين، وإيران فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي. وقرّر المئات من أعضاء برلمانات الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاقية، وهم من جميع أنحاء الطيف السياسي، مناشدة الكونغرس الأمريكي للمساعدة في الحفاظ على هذه الإنجاز الدبلوماسي”. ويرى أعضاء البرلمانات الأوروبية الموقعين على الاتفاقية أن موقف الكونغرس سيكون بمثابة “التزام بالقوة الأطلسية ووعد بمزيد من التعاون حول المسألة الإيرانية والعديد من التحديات الأخرى الملحّة في السياسة الدولية”.
إلى أعضاء الكونغرس الأمريكي:
“لما يزيد عن عقدٍ من الزمن، خشينا نحن – الأوروبيون، والأمريكيون والمجتمع الدولي – التهديد الوشيك والمتمثل في إمكانية تحوّل إيران إلى دولةٍ تمتلك السلاح النووي. ولقد تكاتفت جهود المجتمع الدولي لمواجهة هذا التهديد ولجعل منطقة الشرق الأوسط مكاناً أكثر أماناً، حيث تم الاعتماد في ذلك على قدرة المفاوضات الدبلوماسية وقوة العقوبات التي أقرتها معظم القوى الاقتصادية الرئيسية.
ولقد توصلنا بعد مرور 13 عاماً من الجهود الدبلوماسية المشتركة إلى تحقيق إنجازٍ رئيسي ووقعنا خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي عبارة عن اتفاقية تم توقيعها بين إيران، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والولايات المتحدة الامريكية، والصين، وروسيا، على مستوى البرنامج النووي الإيراني. وعلى هذا النحو، بات في مقدورنا فرض تدقيق غير مسبوق على البرنامج النوي الإيراني، بالتزامن مع تفكيك معظم المنشآت الإيرانية المخصصة للتخصيب النووي، والحد بشكل كبير من خطر وقوع سباق للتسلّح النووي. ولم يؤدي ذلك إلى سفك قطرة دمٍ واحدة. وعلاوةً على ذلك، فإن هذه الضوابط لن تتوقف بعد مضي السنوات العشر من سريان مفعول خطة العمل الشاملة المشتركة: إذ ستبقى إيران تخضع للضوابط الصارمة المنصوص عليها في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والتي ستواصل الحد من عملية التخصيب.
ويكمن السبب الوحيد وراء تحقيق هذا الإنجاز في وقوفنا إلى جانب بعضنا البعض. ولقد أثبت الأوروبيون الأمريكيون معاً أن الشراكة الأطلسية القوية والموحدة تتحل بالقدرة على تكوين تحالف يمتد إلى روسيا والصين، وهو ما أيده المجتمع الدولي.
إلا أن هذا التحالف معرضٌ حالياً للخطر، حيث تتجه الحكومة الأمريكية نحو التخلي عن خطة العمل المشتركة الموحدة دون أي دليل على عدم وفاء إيران بالتزاماتها. ويتمثل الأثر قصير المدى لهذا التخلي في إنهاء الضوابط المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وهو ما سيؤدي بدوره إلى خلق مصدر آخر للنزاع المدمّر في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وسيكون الخطر على المدى الطويل أكثر جدّية: إذ سيلحق هذا التخلّي ضرراً دائماً بمصداقيتنا كشركاء دوليين في المفاوضات، وبصورةٍ أكثر عمومية بالدبلوماسية كأداة لتحقيق السلام وضمان الأمن. ومن شأن التخلي عن الصفقة خفض قيمة ما تطلقه دولنا من وعود أو تهديدات.
إن مصداقيتنا هي كل ما نحتاج له بصورةٍ ملحّة عندما ننظر إلى حالة عدم الاستقرار التي تعيشها في يومنا هذا العديد من مناطق العالم. أما فيما يتعلق بإيران، فإن الحد من السياسات العدوانية لهذه الدولة على المستويين المحلي والإقليمي يعتبر من العناصر الرئيسية لجهودنا التي لشدّ ما نحتاج إليها. وبقدر تشاركنا بالمخاوف التي يعبّر عنها الكثيرون حول سلوك إيران، فإننا على قناعةٍ تامة بضرورة معالجة هذه القضايا كلٌّ على حدة (وهو ما نقوم به بالفعل) – وليس في سياق خطة العمل الشاملة المشتركة.
وإنه لمن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الحيلولة دون انتشار السلاح النووي في منطقةٍ مضطربة، بالتزامن مع الحفاظ على الشراكة الأطلسية كقوة دافعة موثوقة وتتحلى بالمصداقية في السياسة العالمية. وإننا منفتحون على الحوار بأفضل الطرق لمعالجة هذه التحديات معاً. إلا أنّ هذا الامر يحتّم علينا توضيح استحالة جمع تحالف آخر كبير لفرض العقوبات على إيران إذا ما انهار الاتفاق. وعلى هذا النحو، فإنه ينبغي علينا الحفاظ على ما استغرق منّا عقداً من الزمن للتوصل إليه، خاصةً في ذلك ثبات فعاليته.
ويعتبر بناء التحالفات والحصول على الإجماع من مهامنا الرئيسية كأعضاء في برلمانات دولنا. وعلى هذا النحو، فإننا نحثكم على الوقوف إلى جانب التحالف الذي قمنا بتشكيله لتحجيم التهديد النووي الإيراني. ولن يكون هذا الأمر بمثابة إشارةٍ قوية على ديمومة شراكتنا الأطلسية فحسب، بل أنه سيكون أيضاً بمثابة رسالةٍ إلى الشعب الإيراني.
دعونا نحافظ معاً على خطة العمل الشاملة المشتركة ونحافظ على ثمار الدبلوماسية الناجحة.