نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلّطت الضوء على التقييمات المبالغ بها على شبكة الانترنت للأماكن المقدّسة ومنها مكة المكرّمة. ويقوم توم فان لير، أستاذ علم السرد المشارك بجامعة سيدني، وإليف إزبرك بيلغين، أستاذة التسويق المشاركة في جامعة ميتشغان، بالتعريج في مقالتهما على الدراسة التي أجرياها حول تلك التقييمات ومدى واقعيتها.
ويعتبر ملايين المسلمين، الذين كانوا على استعداد للاجتماع في المملكة العربية السعودية يوم التاسع من أغسطس الجاري، الحج فريضة واجبة يذهب فيها الناس إلى المسجد الحرام في مكّة المكرمة، علماً بأن التحضير للقيام بهذه الفريضة يعتبر من الأجزاء الرئيسية لهذه العملية.
وإذا ما عدنا بالزمن إلى عام ٦٣٠ م عندما تم أداء فريضة الحج للمرة الأولى، فإن رحلة الحجاج إلى مكّة كانت على ظهر الجمال وتتطلب عدّة أشهر. وفي يومنا هذا، يلجأ المسلمون إلى ركوب الطائرات للوصول إلى المدينة المقدّسة، ناهيك عن قيام العديدين بحجز الفنادق والمطاعم بعد الاطلاع على التقييمات المنشورة على مواقع إلكترونية مثل “TripAdisor” و”Hajj Ratings” و”Ummah.com”.
وبحسب صاحبي المقالة، فإن عمليات التقييم التي كتبها من سبق لهم السفر إلى السعودية على شبكة الإنترنت قد تضلل حجاج اليوم.
ويؤكد صاحبا المقالة على عدم موثوقية التقييمات المكتوبة عن المسجد الحرام على شبكة الانترنت، مستندين في هذا الرأي إلى الدراسة التي أجرياها حول هذا الموضوع. وبحسب فان لير وبيلغين، فإن جميع التقييمات المكتوبة على شبكة الإنترنت حول أماكن الإقامة ومحلات الملابس والمطاعم وخيارات التنقل في مكة أعلى بكثير مما يمكن توقعه بطريقةٍ معقولة، إذ يصل متوسط تقييمات زوار موقع “TripAdvisor” لمكة إلى 4.96 من أصل 5 نجوم، علماً بأن متوسط تقييمات أفضل ٢٠٠ وجهة سياحية في أوروبا لا يزيد عن ٣.٩٦ نجمة.
الحجاج المسلمون ليسوا وحدهم
لمعرفة إذا ما كانت هذه الظاهرة حكراً على مكة المكرمة، قام فان لير وبيلغين أيضاً بتحليل التقييمات الإلكترونية لأكثر المزارات المقدسة للأديان الأخرى مثل كهاريدوار المقدسة عند الهندوس، ومعبد مايا ديفي البوذي في نيبال، وكنيسة القيامة المسيحية، والجدار الغربي المقدس عن اليهود (حائط البراق عند المسلمين).
وبصورةٍ مماثلة لما كان عليه الحال مع مكّة، فقد شاب الحماس التقييمات الإلكترونية المرتبطة بهذه المزارات الروحية، وكان متوسط التقييمات 4.63 نجوم على موقع “TripAdvisor”.
وخلص الكاتبان من ذلك إلى أن هذه التقييمات تتأثر بصورةٍ كبيرة بالتجربة الروحية للزوار لا بتجربتهم للتفاصيل الدنيوية أو العملية كعمليات التدافع أو الطقس أو بائعي الهدايا التذكارية.
وعلى سبيل المثال، كتبت جنيفر من ولاية فلوريدا في تعليقٍ بعد تقييمها لزيارة الجدار الغربي (حائط البراق) بخمس نجوم “تعجز الكلمات عن وصف شعوري حول ما يحدث”.
وأضافت جنيفر في جزءٍ من تعليقها: “تلونت الدنيا في عيون زوجي باللون الأبيض وشعر بسكون المكان وهدوئه. أما أنا فتغلغل صوتٌ عذبٌ في روحي، وصار كلّ شيء هادئاً أيضاً….على المرء الذهاب إلى هناك لمعرفة هذه التجربة وآثارها التي لا توصف”.
ومع ذلك، تبقى لتقييمات المسجد الحرام والجدار الغربي (حائط البراق) وأماكن أخرى أهمية في مرحلة التخطيط للرحلة. إذ تتضمن العديد من تقييمات الخمس نجوم وصفاً أكثر اعتدالاً وواقعية لما قد يتوقعه المرء روحياً من الحج.
وجاء في تعليق السيد مكفارين من كوالالمبور على موقع “TripAdvisor” بعد تقييمه لرحلته إلى المسجد الحرام بخمس نجوم تحت عنوان “أعظم مكانٍ على وجه الأرض”، مضيفاً: “كن صبوراً وسط الحشود وتذكّر الله في كلّ وقت”.
ويقدّم مكفارين نصيحة مباشرة لحجاج المستقبل: “احرص على حذائك/شبشبك حتى لا تفقده…وإذا ما فقدته في يوم حار، فاحترس من الأرضية الساخنة غير الرخامية”، ليختتم تعليقه بالتالي: “إذا كنت محظوظاً، فقد تجد شخصاً يبيع الأحذية”.
اقرأ بعناية
لكلّ حاج طريقة مختلفة في الكتابة لمناقشة الأبعاد الروحية والعملية للرحلة.
وتشير الأبحاث المتعلقة بالمستهلكين إلى أن التقييمات الأكثر إقناعاً للناس هي تلك التي تسلّط الضوء على الجوانب الروحية للحج وتميل للتركيز على قصصٍ بشخصيات تفصيلية وأحداث مثيرة، وهذا شكلٌ مقنع من أشكال التواصل.
أما التقييمات التي تميل للتركيز على المرشدين السياحيين، وغرف الفنادق، والحجاج الآخرين، وإشارات الطرق، ومديري المزارات، والطقس، فقد جرت العادة على بروز نبرةٍ تحليلية في طياتها.
وقد يقدّم التعرّف على طبيعة هذه التقييمات المرتبطة بالمزارات المقدسة يد المساعدة للحجاج وبما يكفل اتخاذهم لقراراتٍ أكثر وعياً أثناء التخطيط لرحلتهم. وسواء كنّا نتحدث عن مكة أو هاريدوار أو القدس أو لومبيني أو أي مدينةٍ مقدسة أخرى، فإن التقييمات المرتفعة ورواية القصص الفاتنة تعكس في الغالب ما يختلج في صدور الزائرين من تجارب روحية، وليس ما يواجهونه من ممارساتٍ عملية واقعية أثرت بالفعل على رحلتهم الروحية.
ويختتم فان لير وبيلغين مقالتهما بالتالي: “للناس كلّ الحق في أن يؤمنوا بالله ويثقوا به، إلا أنه لا يمكن الوثوق بتقييمات الناس له”.