وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا لاضمحلال الأمل الجديد بلبنان

الأمل الجديد بلبنان
المرشح اللبناني المستقل إلياس الجرادي مع عائلته بعد فوزه بالمقعد الأرثوذكسي المسيحي ضد حزب الله في الانتخابات البرلمانية ، في منزله في بلدة إبل السقي الجنوبية في 16 مايو 2022. علي ديا / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن سالهاني

عند انعقاد المجلس النّيابي اللّبنانيّ الجديد، ستجلس وجوه جديدة إلى جانب نخبة السّياسيّين التّقليديّين اللّبنانيّين. تحمل الانتخابات الأولى في البلاد بعد ثورة تشرين الأوّل 2019 وانفجار مرفأ بيروت، آمال وأحلام وتطلّعات الشّباب اللّبنانيّ في الوطن والمهجر. وعلى الرّغم من تغلغل الشّعور بالإحباط واليأس، صوّت كثيرون للتّغيير متأمّلين تفادي انهيار اقتصاديّ تعجّله عدم كفاءة الأحزاب الحاكمة منذ زمن وفسادهم.

مع أكثر من 12 مرشّح معارض، بعضهم نابع من خضمّ الثّورة، يمكننا التّحلّي بالكثير من التّفاؤل. كما يمكن للّبنانيّين الدّاعمين للثّورة والحالمين بدولة تخدم شعبها، الابتهاج لبرهة قبل انطفاء وهج الانتخابات. فالاحتفال بلحظات الفرح، ولو عابرة، عمل ثورويّ أيضًا. لقد خرقت المعارضة النّظام بطريقة هزّت جذوره، على الرّغم من القانون الانتخابي المفصّل على قياس الأحزاب التّقليديّة.

لقد سقطت شخصيّات مترسّخة منذ زمن في وجه المعارضة، كأسعد حردان ونائب رئيس مجلس النّوّاب إيلي الفرزلي الّذي جسّد الفساد وغياب المساءلة عن النّظام السّياسيّ اللّبنانيّ بفضيحة اللّقاحات عام 2021. ومعهم سقطت سلالات من العائلات الحاكمة مثل طلال إرسلان من الشّوف، وفيصل كرامة من طرابلس. حتّى أنّ كلّ محاولات التّلاعب بنتائج التّصويت لم تتمكّن من الإبقاء على هذه المتحجّرات من عصر الهيمنة السّوريّة على لبنان.

يُظهِر الخرق في الانتخابات أيضًا، وجود أمل في معظم أنحاء البلاد. يُعتبر الجنوب حصن منيع لهيمنة “حزب اللّه” وحليفه “حركة أمل” يحكمان ضمنه من دون منازع. لكنّ نجاح إلياس جرادي وفراس حمدان أسقط هذا المفهوم. تقلّدت في الشّوف / علي مجموعة منظَّمة من المعارضين ثلاثة مقاعد في منطقة بالكاد فيها من لا يدعم وليد جنبلاط، واحد من أسياد الحرب السّابق. كذلك، مقاطعة الانتخابات من قبل الشّخصيّة اللّبنانيّة السّنّيّة البارزة سعد الحريري، كانت لصالح المعارضة، إذ نجح في معقله الانتخابيّ، دائرة بيروت الثّانية، ثلاثة مرشّحين ضدّ النّظام السّائد. إلّا أنّ من بين المحافظات الّتي لم تشهد خرقًا كانت كسروان / جبيل والمتن المسيحيّتين، حيث خسر جاد غصن بفارق 88 صوتًا، لولا ذلك لكان نجاحه مزلزلًا في منطقة هيمنت عليها الأحزاب المسيحيّة الموالية منذ ما قبل الاستقلال.

للشّخصيّات الصّاعدة ضدّ النّظام، وعددهم 13، فرصة حقيقيّة الآن للاتّحاد وتشكيل رادع يمكنه التّأثير في التّشريعات. ووصف ملحم خلف، العضو المُنتخَب الجديد في البرلمان عن بيروت، ذلك بلعبة “صانع الملوك” kingmaker. على بعض الأصعدة، قد يرغب بعض المستقلّين وبعض من أعضاء البرلمان المعارضين الّذين عملوا سابقًا لصالح النّظام السّائد، بالانضمام إلى صفوف الجيل الجديد من الأعضاء.

لقد خسرت معظم الأحزاب التّقليديّة أصواتًا بالمقارنة مع عام 2018، وحدهما “حزب اللّه” (19%) و”القوّات اللّبنانيّة” (18%) ربحوا أصواتًا أكثر، في حين شهدت المجموعات الجديدة من المرشّحين ضدّ النّظام ارتفاعًا بنسبة 200% في التّصويت⸳ ربح المرشّحون ضدّ النّظام بثاني أعلى نسبة من الأصوات، وأتى “حزب اللّه” في المرتبة الأولى.

لم تأتي هذه النّجاحات طبعًا من دون تحذيرات. فقد كان للعضو المُنتخَب الجديد في البرلمان عن دائرة بيروت الأولى، سينثيا زرازير، تعليقات عنصرية محقِّرة بحقّ السّوريّين. أمّا العضو في البرلمان عن دائرة بيروت الثّانية، وضّاح صادق، فقد حلف بمحاربة أي قانون مناهض للمثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة. لا مكانة لمواقف كتلك في بلد يحتاج شعبه بشدّة إلى الكرامة واحترام حقوق الإنسان. فعندما يتعلّق الموضوع بحقوق الإنسان لا فسحة للمساومة ولأنصاف الرّأي.

وبالطّبع، لا يجوز تبجيل أيّ سياسيّ ووضعه في مكانة معبود، إذ إنّهم وسائط لتحقيق حاجات النّاس الّذين يمثّلونهم. على الدّيناميّة التّقليديّة الّتي تقتضي الخضوع والخنوع والانحناء أمام السّياسيّين، والتّعهّد بالوفاء الأبديّ لهم، أن تودّع السّاحة السّياسيّة مع فرزلي وكرامي وأمثالهما. المطلوب الآن من أعضاء البرلمان الجدد هو زيادة الشّفافيّة والمحاسبيّة، والكشف عن الاتّفاقات السّرّيّة والمشبوهة الجارية في البرلمان.

نزعم أنّ النّتيجة الأهمّ لهذه الانتخابات هي حلول وعي سياسيّ لدى جزء من الشّعب كان حتّى الآن ناءٍ عن الحياة السّياسيّة، إلّا أنّ لا هروب من بقايا التّفكير العدميّ. امتنع حوالى 50% من الشّعب عن التّصويت، وأسقط أكثر من 19000 ناخب ورقة بيضاء. في حين يمكن إلقاء اللّوم في ذلك على أسعار المحروقات وصعوبة تنقّل العائلات إلى ضيعها، العديد من المواطنين محطّمين من سنين من محاربة نظام يعيد خلق نفسه باستمرار.

ومع ذلك، صوّت الكثير من النّاس للمرّة الأولى في حياتهم. ولقد رفعت الجاليات اللّبنانيّة، بشكل خاصّ، مشاركتهم وساعدت المرشّحين المعارضين على النّجاح في محافظات مفصليّة. كما أنّ النّاشطين في المجتمع المدنيّ كانوا قد حضّروا بالتّعاون مع بعض المجموعات كمًّا من المصادر يساعد على توجيه المواطنين في اتّخاذ قرار تصويتهم.

نأمل باستمرار هذا الزّخم مستقبلًا. ونأمل أيضًا أن يتمكّن المجتمع المدنيّ من تمرير عدد من الإصلاحات الاقتصاديّة المطروحة أصلًا وتنفيذها. فيما تحاول الأحزاب التّقليديّة بقوّة تحميل صغار المودعين معظم تداعيات الأزمة الاقتصاديّة، على المعارضة أن تحارب في سبيل حقوق المودعين. نأمل أيضًا أن ينتج عن هذه الموجة الإصلاحيّة إسقاط قوانين بالية أو تمييزيّة أخرى، كعجز النّساء اللّبنانيّات عن إعطاء الجنسيّة لأزواجهنّ وأطفالهنّ، الّذين يُحرم الكثير منهم حقّ التّصويت في بلادهم.

الطّبيعة الذّكوريّة لقانون الجنسيّة اللّبنانيّة غير عادل بحقّ النّساء بالدّرجة الأولى، لكنّ لذلك أثر على المجتمع ككلّ. وأنا كابن لأب لبنانيّ، لي حقّ التّصويت. إنّما خروجه من لبنان في أواخر الحرب من دون تسجيل طلاقه الأوّل يعني عرقلة حصولي على الجنسيّة. لن أتمكّن من أن يكون لي صوتًا في لبنان إلى أن يسجّل المحامون عبر كمّ هائل من المعاملات طلاقه الشّفهيّ الأوّل، وزواجه من أمّي الأميركيّة، وولادتي في المهجر. قضيّتي ليست الوحيدة، إنّما العديد يعانون المصير نفسه في ظلّ نظام ذكوريّ.

هناك الكثير من العمل في المستقبل لمناصري التّغيير، لكنّ الأشهر الآتية ستشكّل تحدّيًا أيضًا. فالطّوابير على محطّات المحروقات قد عادت أيّامًا قليلة بعد الانتخابات. تبدو “القوّات اللّبنانيّة” متشجّعة جدًّا بنجاحها الانتخابيّ وبدعم المملكة العربيّة السّعوديّة الّذي حمل المحلّلين على توقّع أزمة سياسيّة وارتفاع مُحتمَل للتّوتّرات مع “حزب اللّه”. مثل هذه الاضطرابات طبيعيّة في لبنان، غير أنّه من المهمّ التّذكُّر أنّ المسؤول عن ذلك، هو نفسه المسؤول عن الأزمة الاقتصاديّة وانفجار مرفأ بيروت، أي الأحزاب الطّائفيّة التّقليديّة.

سيكون وقت الابتهاج قصيرًا، وكلّ من يريد رؤية التّغيير والتّمتّع بمستقبل مشرق في لبنان سيتوجّب عليه الكدّ والجدّ في العمل. حان الوقت لهزيمة النّظام الطّائفيّ التّجزيئيّ. لقد أُصيب الشّعب اللّبنانيّ بالعديد من الانتكاسات، وسيواجه بالطّبع الكثير منها بعد. لكنّ نتيجة الانتخابات الأخيرة صوّرت أنّ التّطوّر والمقاومة ما زالا ممكنان، حتّى في ظلّ نظام مصمّم لقمع الشّعب وتحطيمه. لقد شهدت السّاحة السّياسيّة اللّبنانيّة منحًى جديدًا، ومن واجبنا الحرص على عدم اندثاره.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.