نشر موقع “The Globalist” مقالةً تقارن بين الأوضاع الداخلية السياسية في كل من تركيا والولايات المتحدة. ويستعرض ستيفان ريشتر، رئيس تحرير موقع “The Globalist”، عدة نقاط قد تضعف قوة البلدين وتهدد استقرارهما السياسي كالمحسوبية، والتشهير، واستعداء الخصوم السياسيين، وعدم احترام الديمقراطية. ويرى أن الفارق بين المشهدين يمكن في بدء العديد من الأطراف في تركيا بالحديث عن هذه الأزمة وضرورة معالجتها، في الوقت الذي لا تشهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية الشيء نفسه.
ويبدأ ريشتر مقالته بالإشارة إلى وصف مجلس الشيوخ الأمريكي لنفسه على أنه “أكثر هيئة تشريعية تشاورية في العالم”. ومع ذلك، لا يتفوق حزب الأغلبية الجمهوري إلا في شيءٍ واحد فقط، وهو خضوعه المخزي لحكم دونالد ترامب الاستبدادي.
ويقول صاحب المقالة: “الأهم من ذلك هو أن افتقار الجمهوريين إلى أي مبدأ أو احترام للذات يثير السخرية عالمياً من احتفائهم بعظمة الديمقراطية الأمريكية”.
ويضيف: “لتتأكد من ذلك، اسأل نفسك إن كان بإمكان أي عضو بارز في الحزب الجمهوري أن يقوم بالتالي:
• التحذير من ضياع البلاد بسبب “المحسوبية، وتعاظم الغرور، والصراعات العقيمة” والمعاناة من نقص “أي حس بالتواضع”.
• المجادلة بأن سياسة البلاد حالياً يهيمن عليها جهد شديد “لتعزيز نفوذ أسرة بأكملها ودائرة معينة عبر التغاضي عن حقيقة أن واجبات المنصب محصورة في يد فرد واحد”.
• التحذير من “انتشار جميع أنواع التشهير، بما في ذلك ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي لتدمير الخصوم السياسيين”.
• اتهام الحزب الحاكم بعدم وقوفه في وجه “الانكماش الشديد للتكافل الاجتماعي” والمجادلة بأن ذلك التكافل “منعدم في المناطق الساحلية” (والذي يتصادف أنها أيضاً مصدر معظم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد).
• التأكيد على أن “بلدنا، التي أُسست بدموع الأمة وعرقها وبُذلت لها القلوب والعقول، لا يصح أن تُترك بيد قلّة تعبر عن دائرة لا تخدم إلا نفسها وأسيرة لطموحاتها فقط”.
• الإقرار بأن “المتنافسين في الانتخابات ليسوا أعداءً بل خصوماً سياسيين” وإضافة التصريح التالي: “أياً كانت نتيجة الانتخابات، فإن الفائز هو أمتنا وديمقراطيتنا. فاحترام النتائج هو واجب السياسيين قبل أي أحد آخر”.
• الإقرار بأن “بضرورة النظر إلى محاولات السيطرة على السلطة القضائية كإحدى أكبر الجرائم”، وبصرف النظر عن “هوية الفاعل أو المبررات”.
• تذكير الجميع بأن مهمة أي رئيس تتجسد في أن يكون “ممثلاً للمجتمع بأسره، وأن يكن الاحترام لكل أطيافه”.
• الإقرار دون أي شروط بأن “الصحفيين والسياسيين أو أي شخصٍ يعبّر عن أفكاره بوصمة العار لا يجب وسمهم بأي شكلٍ من الأشكال بوصمة العار، ناهيك عن عدم اغتيالهم معنوياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو تعريضهم لأية تهديداتٍ أخرى”.
• أن يقول “يجب حماية حرية النقد والتعبير عن الآراء الشخصية إلى أقصى حد”.
• أن يوضح أن الشرط المسبق “لحكم الدولة حكماً فعالاً هو أن تستند سياساتها وإدارتها إلى الكفاءة والجدارة”.
• التأكيد على أن “الثقة بالنفس التي لا تدعمها المعرفة والخبرة بل العلاقات الشخصية الوثيقة تعبر عن مجرد استعراض مبالغ فيه يفتقر إلى الجدية”.
ويتابع ريشتر: “تزداد الإثارة إذا ما فكرنا بأن هذه القائمة الطويلة من الاتهامات الدقيقة موجهة ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خرجت من أحد أعضاء الحزب الجمهوري البارزين في الولايات المتحدة. إلا أن افتراضنا هذا افتراضٌ خاطئ، إذ أن جميع التصريحات المذكورة أعلاه مستمدة من “بيان” أصدره رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو وسبق نشره يوم ٢٩ إبريل ٢٠١٩”.
شجاعةٌ تركية لا أمريكية
البيانات الراهنة لا تؤدي إلى وقوع تحولاتٍ في المشهد السياسي. كما يسود اعتقاد طويل الأمد بأن أحمد داوود أوغلو أكاديمي سابق ولا يملك الكاريزما الكافية لمواجهة رجب طيب إردوغان.
ويمكن قول الشيء نفسه عن الرئيس السابق عبد الله غول، وكذلك عن علي باباجان ومحمد شمشيك، وهما الإصلاحيان الاقتصاديان اللذان وضعا حجر الأساس لنجاح إردوغان السياسي (وهو الأمر المتجذّر في نهوض تركيا الاقتصادي الذي بات الآن من الماضي).
ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود تحركات داخل حزب العدالة والتنمية. إذ يشعر كثيرون داخل الحزب المحافظ بالقلق من وجود ثلاثة عوامل ذاتية التدمير وهي:
١. أولاً، أنهم يضحون بالحزب برمته لصالح نهم إردوغان الشديد للسلطة.
٢. ثانياً، أنهم باتوا رهينة لرغبته الجامحة في تعزيز نفوذ عشيرته.
٣. ثالثاً، أنهم باتوا مجرّد بيادق لتماديه الفج في المحسوبية التي تحط مكانة بلادهم وتضعف اقتصادها.
ويقول هنا ريشتر: “لا يسع المرء إلا وأن يتمنى رؤية الجمهوريين وهم يتحلون بما عبّر عنه داود أوغلو من شجاعة قلّ نظيرها وقدرة هائلة على التعبير”.
ويضيف صاحب المقالة: “من العار ألا نرى على أرض الواقع تعبيراً حقيقياً عن التباهي المستمر والصارخ بتفرّد الولايات المتحدة وتفوق ديمقراطيتها. على الأقل ليس بالأسلوب المتماسك نفسه الذي بدأت تبرز به الانتقادات مؤخراً على الساحة التركية. فمن أسسوا حزب العدالة والتنمية مع أردوغان يعلمون تمام العلم أن البلاد تسير في الطريق الخطأ وأن مستقبلها في خطر وليس مستقبل الحزب فحسب، وذلك بسبب هيمنة حكم الفرد.
ويختتم ريشتر مقالته بالتالي: “إن سعي أعضاء حزب العدالة والتنمية الحثيث لمعالجة التهديد الذي تواجهه تركيا حالياً في الوقت الذي يعم فيه صمتٌ مطبق في صفوف الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى تحوّلٍ كبير فيما بات يعيشه هذا العالم من قضايا”.