وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطوات مستقبلية يجب على السودان اتخاذها لتجنب دمار الفيضانات

Flood sudan
نازحون يسيرون مع أمتعتهم في منطقة غمرتها الفيضانات بعد أن فاض نهر النيل بعد هطول أمطار غزيرة مستمرة في بور ، وسط جنوب السودان ، في 9 أغسطس ، 2020. Photo: Akuot Chol / AFP

أدت الفيضانات غير المسبوقة في السودان والأمطار الغزيرة إلى مقتل مئات الأشخاص ونزوح ما يزيد عن نصف مليون شخص حتى الآن. وحذرت لجنةٌ، أُوكلت إليها مهمة التعامل مع تداعيات الفيضانات، من أن البلاد قد تواجه المزيد من الأمطار في الفترة المقبلة. وفي هذه المقالة التي نشرها موقع The Conversation، يقوم عبد الرحيم صالح، الأستاذ المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، باستعراض رؤيته حول المنهجية التي ينبغي على السودان الاستعداد من خلالها لمواجهة مثل هذه الكوارث بشكلٍ أفضل في المستقبل، علماً بأن صالح أجرى سابقاً بحثاً عن الفيضان وإدارة الكوارث في السودان.

ويبدأ صالح مقالته بالتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء وقوع الفيضانات في السودان وعمّا إذا كانت هذه الفيضانات شيئاً سيئاً على وجه التحديد. ويقول صالح: “للفيضانات تاريخٌ طويل في السودان، فقد حدث أسوأها في أغسطس 1988. وقُدر حينها عدد المشردين بحوالي 1.5 مليون شخص، كما تفشت العديد من الأمراض كالملاريا، والتيفود، والكوليرا. وأسفر مرض الكوليرا وحده عن مقتل 1200 شخصاً”.

وتحدث بعض الفيضانات بسبب هبوط الأمطار الموسمية. غير أن هناك حالات تهطل فيها أمطار غزيرة في أوقات غير اعتيادية، ما يتسبب في فيضان الأنهار – لا سيّما نهر النيل ورافديه الرئيسيين وهما النيل الأزرق والنيل الأبيض.

والفيضان الحالي من بين أسوأ الفيضانات التي شهدها السودان على الإطلاق. وأدت الأمطار الغزيرة إلى وصول ارتفاع مياه نهر النيل إلى مستويات قياسية. وامتد تأثير الفيضانات إلى العديد من المناطق، من بينها مدن الخرطوم، وسنار، وكسلا، وولاية الجزيرة، وإقليم دارفور.

ويشبه هذا أنماط الفيضانات السابقة التي تؤثر عادةً على هذه المناطق، وتعد جميعها جزءاً من أحواض النهر، علماً بأن السهول التي تعد مجرى لهذه الفيضانات شهدت تطوراً عمرانياً.

وتشكل الفيضانات مصدر خطرٍ رئيسي على صحة الإنسان ورفاهيته، فضلاً عن آثارها السلبية على البنية التحتية، فهي تلحق أضراراً بالمنازل، والمدارس، والمناطق الصناعية، وشبكات الطرق، ومراكز الرعاية الصحية.

وبحسب صالح، فإن الفيضانات تصبح ذات طبيعةٍ مدمرة على وجه التحديد عندما تضرب العاصمة الخرطوم لأنها تضمّ الكثافة السكانية الأعلى في البلاد. وتشمل المناطق المعرضة للخطر كلّ عام جزيرة توتي، ومنطقة الجيلي، وحي اللاماب ناصر، وشرق النيل. ويرى صالح أن السبب الرئيسي الكامن وراء هذا التهديد يتمثل في البنية التحتية غير الملائمة للتعامل مع الفيضانات.

وتظهر الأبحاث معاناة العاصمة السودانية من نقص المصارف، وقنوات المياه، وأنابيب المياه تحت الأرض. يضاف إلى هذا سوء التخطيط -فالمباني والطرق مصممةٌ بشكلٍ سيئ ومبنية في المناطق المعرضة لخطر الفيضان. ورغم خطر الفيضانات كلّ عام، لا يزال التطور العمراني مستمراً في المناطق المهددة مثل شرق النيل.

ويعرج صالح في القسم الأخير من مقالته على ما تقوم به الحكومة السودانية من إجراءات لمراقبة خطر الفيضان ومدى كفاءة جهوزيتها لمواجهة هذا الخطر. ويقول صالح: “تعتبر وزارة الرّي، ومقرها في العاصمة الخرطوم، الجهة الرسمية المسؤولة عن مراقبة نهر النيل وخطر الفيضان في السودان. كما تعد هيئة الأرصاد الجوية الجهة الرسمية المسؤولة عن نشر المعلومات بخصوص هطول الأمطار المسببة للفيضانات المفاجئة. ولدى وزارة الري لجنة متخصصة في شؤون الفيضانات، وهي تراقب عادة سلوك النهر والنيل الأزرق باستخدام مسطرة تقليدية مُثبَّتة رأسياً. وتُثبَّت هذه المساطر في مواقع مختلفة على ضفاف الأنهار وتقيس عمق المياه. وإلى جانب هذه المساطر، تقوم اللجنة باستخدام مقاييس يدوية”.

وبحسب صالح، فإنه يجري استخدام نظم متقدمة للاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية في السودان، ومن هذه النظم مقياس طيف التصوير ذي الدقة المتوسطة MODIS. وعلى حدّ علم صالح، فإن هذه النظم لا يجري استخدامها بشكلٍ كاف. وتُعرَف هذه الأنظمة بسرعتها وفعاليتها، فضلاً عن تزويدنا بمعلومات دقيقة حول الفيضانات.

كما أن هناك هيئة رسمية -هيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الزلازل- وهي قادرة على إجراء أبحاث باستخدام المعلومات الجغرافية لمراقبة الكوارث الطبيعية. ويجب أن تستخدمها الحكومة لتحقيق هذا الغرض.

أما على أرض الواقع، فإن المجتمعات المحلية تتولى في أغلب الأحيان مسؤولية التعامل مع الفيضانات. فهم يستخدمون كلّ ما بحوزتهم – مثل السيارات القديمة، وجوالات التربة، وإطارات السيارات القديمة- في محاولة منع تدفق المياه. وعلى الرغم من معاناة السودان تاريخياً من الفيضانات، إلا أن الحكومات ما تزال عاجزة عن إدارة الكوارث الإنسانية المصاحبة لها.

وهنا يبرز التساؤل حول ما يمكن القيام به للحيلولة دون وقوع مثل هذه الفيضانات في المستقبل. وفي هذا الإطار، أجرى صالح بحثاً حول مراقبة الفيضان في ولاية الخرطوم. ووفقاً لهذا البحث، فإن منع وقوع الفيضانات في المستقبل القريب يتطلب أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:

– استخدام المعلومات الجغرافية وتقنيات الاستشعار عن بعد لتحديد المناطق المعرضة لخطر الفيضان.

– إعادة تصميم البنية الهيدروليكية -مثل المصارف الجانبية، وقنوات المياه، وأنابيب المياه تحت الأرض- وإنشاء بنية جديدة في المناطق الحيوية.

– إعادة توزيع التطورات العمرانية العشوائية – مثل المنشآت العمرانية الموجودة في سهول مجرى الفيضان- وشبكات الطرق المتقاطعة مع سهول الفيضان خاصةً في مدينة الخرطوم.

– إنشاء نظم تحذير مبكر في المناطق، التي تعاني من الفيضانات المتكررة لتحذير المجتمعات قبلها بوقت كاف.

– إجراء دراسات بشأن مدى تأثر المجتمعات المحلية بهذه الحوادث (لتحديد المناطق الأكثر عرضة للتأثر بأضرار الفيضان والتي تحتاج إلى استجابة عاجلة) باستخدام تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية كل عام لتحسين كفاءة وجودة إدارة أزمات الفيضانات.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.