وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تمنح القوات الأجنبية حفتر القدرة على الاستمرارية في ليبيا؟

Tripoli government
ليبيون يسيرون حاملين علماً عملاقاً خلال مظاهرة لدعم الحكومة المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة والتي تتخذ من طرابلس مقراً لها والمناهضة للرجل القوي خليفة حفتر في ساحة الشهداء في العاصمة في 27 سبتمبر 2019. Photo: Mahmud TURKIA / AFP

تم الكشف عن تورط روسيا المتزايد في الحرب الأهلية المستعرة في ليبيا وذلك بدعمها المشير خليفة بلقاسم حفتر وجيشه الوطني الليبي الذي يشن هجوماً ضد حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة بقيادة فايز السراج، في تقارير أخيرة.

تعدّ هذه الأخبار دليلاً آخر على التورط الأجنبي في الصراع، في ظل انقسام المجتمع الدولي بين الطرفين المتحاربين.

ومن الجدير بالذكر أن ليبيا تعاني ويلات الحرب منذ أن شنت قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) هجوماً للإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011.

ففي الثمانينيات، انشق حفتر عن القذافي وأمضى عقدين من الزمن في المنفى بالولايات المتحدة، إذ تحوم شبُهاتٌ حول علاقاته بالعملية التابعة لوكالة المخابرات المركزية لاغتيال الديكتاتور السابق قبل العودة إلى ليبيا لثورة 2011.

وفي الوقت الذي تولت فيه حكومة الوفاق الوطني مسؤولياتها، ظهر حفتر علناً في عام 2014 لحث الليبيين على الانتفاضة ضد حكومة الوفاق الوطني، الأمر الذي تردد صداه لدى الليبين في بنغازي على وجه الخصوص الذين عانوا من سيطرة الجماعات الإسلامية واعتبروا أن حكومة الوفاق الوطني فشلت في التصدي للإرهاب في الشرق.

وبمساعدة معداتٍ عسكرية أجنبية، كان ينظر إلى حفتر باعتباره البطل الذي نجح في طرد هذه الجماعات التي شنت سلسلة من الهجمات في المنطقة. أرسلت فرنسا قواتٍ في عام 2016 لمساعدة حفتر في قتال المتشددين الإسلاميين، وفي عام 2017، نقلته روسيا إلى حاملة طائرات في البحر المتوسط.

فقد مكنت المساعدات الخارجية حفتر من السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد في الشرق، بما في ذلك بنغازي، لتنتقل قواته بعد ذلك نحو الجنوب والشمال إلى طرابلس في عام 2019، إذ منحه هذا النوع من الدعم الأجنبي القدرة على البقاء والاستمرارية.

تم الإعتراف بتمويل روسيا، على وجه الخصوص، للجيش الوطني الليبي، وطبع الأموال للحكومة المنافسة، إذ أوقفت الحكومة المالطية حاوية كبيرة مملوءة بالأوراق النقدية الليبية في أوائل نوفمبر أثناء شحنها إلى ليبيا.

وعلى الرغم من مؤشرات الدعم، إدعت موسكو الحياد في الصراع ولعبت إلى حدٍ ما على الحبلين، في محاولةٍ لتوسيع نفوذها في البحر المتوسط. واليوم، يبدو أنها تلعب دوراً أكثر مباشرة، وذلك بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

فقد ذكر التقرير بالتفصيل القناصة العاملين في مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، التي تربطها علاقاتٍ بالكرملين، وإنتشارهم في البلاد. ويقال إن المجموعة ذاتها قادت تدخل روسيا في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك، ارتبط حفتر بعدد من الدبلوماسيين والمستشارين الروس.

فقد قال تيم إيتون، زميل الأبحاث في برنامج تشاتام هاوس للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لفَنَك إنه من المهم تحديد اللاعبين الروس العاملين في ليبيا بالتفصيل، “على الرغم من أن وجود المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات حفتر معروف بشكل جيد، إلا أن عناصر أخرى من الدولة – مجلس الدوما والشبكات الشيشانية – شاركت بشكل مكثف مع ممثلين في غرب ليبيا.”

بينما حدد طارق المجريسي، زميل السياسة في برنامج شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ثلاثة أسباب للاستثمار الواضح لروسيا في حفتر. وقال “النهاية في ليبيا لا تتمحور حول ليبيا نفسها ولكن حول العلاقات الأخرى مع الدول العربية.” ومن الجدير بالذكر أيضاً أن كلاً من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر قدموا الدعم للمشير.

وتابع القول “يجربون هذا الاستثمار على أرض الواقع ليظهروا كيف لهم أن يكونوا حلفاء صالحين لهذه الدول الثلاث وكيف سيقومون بتطوير سياساتهم.”

وأضاف أن أنشطة مجموعة فاغنر وغيرها من الشركات العسكرية الخاصة تعمل أيضاً على الترويج لنفسها في بلدانٍ أفريقية أخرى، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، فضلاً عن إظهار قوتها في المنطقة.

“[تعرف روسيا] أن ليبيا مكانٌ إشكالي بالنسبة للأوروبيين. إنها من القضايا الدائمة في مجلس الأمن [التابع للأمم المتحدة]، وكلما زاد استثمارهم على أرض الواقع، كلما أصبحوا جزءاً أكثر أهمية من الحل.”

وتفيد التقارير أيضاً أن فرنسا كانت تدعم حفتر بهدوء، في حين أن الولايات المتحدة كانت تدعم حكومة الوفاق الوطني ظاهرياً، بيد أنها لم تكن مناهضة لحفتر.

كما يُسيطر حفتر إلى حدٍ ما على الموارد النفطية في البلاد، بما في ذلك المنشآت في الجنوب والشرق.

ففي يوليو، حذر مصطفى صنع الله، رئيس شركة النفط الوطنية الليبية المملوكة للدولة، من أن المؤسسات الموازية قد تحاول السيطرة على النفط الليبي، مطالباً بإقرار قرارات مجلس الأمن اللازمة. ومع ذلك، يقول المحللون إنه من غير المرجح أن يُقدم الجيش الوطني الليبي على هذه الخطوة، فحفتر لا يرغب في إثارة غضب الأمريكيين، خاصة مع عودة الولايات المتحدة إلى ليبيا بسفير جديد في أغسطس.

من جهته قال المحلل في معهد كلينغنديل الهولندي، جليل هرشاوي، إن حفتر يعي تماماً أن عليه عدم إثارة المشاكل، “الأمريكيون يساعدونه بالفعل، ببطء شديد. نعم ببطء شديد. لكنهم ما زالوا يسيرون في الاتجاه الصحيح من حيث مساعدته وإيذاء أعدائه.”

في الوقت الحاضر، تحتاج كل من حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي بعضهما البعض، كما يقول إيتون، لأن الجيش الوطني الليبي يسيطر على معظم البنية التحتية للنفط والغاز، بينما تتحكم حكومة الوفاق الوطني في وسائل التوزيع. هذا يعني أن جميع عائدات مبيعات النفط والغاز يمكن أن تمر عبر طرابلس فقط قبل إعادة توزيعها على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي.

وقال “بطريقة ما، من الرائع أن نخوض حرباً أهلية وأن لا يتأثر إنتاج النفط والغاز بشكلٍ كبير لأن كلا الجانبين يحتاجان إلى الحفاظ على هذا النظام قيد التشغيل،” مضيفاً أن هذا قد يصبح أكثر صعوبة مع سعي الجيش الوطني الليبي للسيطرة على المزيد من المؤسسات.

تتمتع حكومة الوفاق الوطني بدعم من الخارج، ولكن بدعم ضعيف من القوى الغربية تعتمد في الغالب على تركيا، إذ ساعد تدخل أنقرة في منع حفتر من الاستيلاء على طرابلس. كما تحظى حكومة الوفاق الوطني بدعمٍ من قطر وعدد من الميليشيات.

وفي هذا الصدد، قال المجريسي، “لا أعتقد أن هناك العديد من الأشخاص الذين يقاتلون، أو بالأحرى أن هناك أي أحدٍ يقاتل دعماً لسراج، إلا أنهم يقاتلون ضد حفتر وما يمثله، بمعنى العودة إلى الحكم الاستبدادي.”

ويشير المحللون أيضاً إلى دمج المظالم الصغيرة والصراعات الصغيرة التي ربطت نفسها بالقوى الأكبر في الحرب، المفصلة في ورقة نشرها هرشاوي في وقت سابق من هذا العام.

إذ قال لنا في فَنَك “الضخ الخارجي للأموال والأسحلة، والدعم الأيديولوجي والغطاء الدبلوماسي والبركة السياسية،” التي تأتي من الخارج قد تساعد قضيةً محلية عندما ترتبط بفصيلٍ أكبر. “عندما ينتصر فصيلهم، من يدري؟ لربما سينقسم ويتشتت إلى قطعٍ أصغر مجدداً.”

كما أدت مليارات الدولارات من الدعم من روسيا أيضاً إلى تراكمٍ كبيرٍ للديون، وانحرف مسار الموارد عن التشغيل الفعلي للبلاد وبدأت الضغوط تظهر.

وقال إيتون إنه لا توجد علامات على أن الدعم الخارجي لحفتر يتضاءل. وأضاف إيتون أنه على الرغم من أن هذا ليس مؤشراً على أن حفتر قادرٌ على الفوز في هذه الحرب من خلال الهيمنة على المواقع التي يسعى إليها، إلا أنه سيكون من الصعب عليه أن يرى الأضواء مسلطة على تراجعه.

يشير كل هذا إلى صراعٍ طويل؛ ربما يطول أمده وتطبيعٍ للحرب، وكما يقول المجريسي، “لهذا آثار نفسية وآثارٌ سياسية.” وأضاف “يجعل من الصعب على نحو متزايد التوصل إلى اتفاق سلام.”