إن رئيس الوزراء الليبي، فايز السراج، الذي أدخل ليصبح محط الأنظار في 17 ديسمبر 2015، باتفاق تقاسم السلطة بوساطة الأمم المتحدة والذي أسفر عن إنشاء حكومة الوفاق الوطني، ليس بالوافد الجديد إلى عالم السياسة، بيد أنه عاني لتأكيد سلطته وفشل في رأب الصدع وتوحيد بلادٍ تشهد انقساماً عميقاً.
ولد في 20 فبراير 1960 في العاصمة طرابلس، وهو ابن مصطفى السراج، أحد الوزراء الحكوميين خلال الملكية الليبية (1951-1969) وأحد مؤسسي ليبيا الحديثة. فايز السراج متزوج ولديه ثلاث بنات، حيث عمل كمهندسٍ معماري، وعمل في إدارة الضمان الاجتماعي وقسم الأشغال العامة وكمفوض يشرف على المشاريع العامة قبل دخول السياسة في الخمسينيات من عمره.
حصل على أول منصبٍ رسمي له بعد سقوط الحاكم الأوتوقراطي معمر القذافي في عام 2011، حيث شغل منصب وزير الإسكان والمرافق في المؤتمر الوطني العام. تم حل المؤتمر الوطني العام بعد ذلك بعامين وحل محله مجلس النواب المعترف به دولياً، بعد الانتخابات البرلمانية في 25 يونيو 2014. انتخب السراج عضواً في مجلس النواب، الذي أنشىء في مدينة طبرق الشرقية، بعد أن سيطر الذراع العسكرية للمؤتمر الوطني العام الجديد الذي يهيمن عليه الإسلاميون على طرابلس وأنشأوا إدارة منافسة.
وفي أواخر عام 2015، عينت الأمم المتحدة السراج رئيساً لوزراء حكومة الوفاق الوطني، وهو منصب كُلف به رسمياً في مارس 2016، بعد أن نجا من محاولة اغتيالٍ قبل شهرين. وظهرت القضايا التي لا يزال يواجهها لأول مرة بسبب محاولته تشكيل حكومة وحدة وطنية في عام 2016. رفض مجلس النواب تشكيلة الوزراء الأولية، مما دفع السراج للاجتماع مع الجنرال خليفة حفتر. شكل أخيراً حكومة بدون تصويتٍ من مجلس النواب ولكن بدعم من فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة. ودون ثقة مجلس النواب ولا الوحدة ولا شرعيةٍ حقيقية، لم تتمتع حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج بموقفٍ قوي لاكتساب النفوذ، على الرغم من أن المؤتمر الوطني العام الجديد في طرابلس، برئاسة خليفة الغويل، اعترف بسلطته في 5 أبريل 2016.
غير أن هذا المظهر الغامض للسلطة لم يدم طويلاً. ففي 14 أكتوبر 2016، أعلن الحرس الجمهوري في طرابلس عن ولاءه للمؤتمر الوطني العام الجديد، وسيطر على المجلس الأعلى للدولة، وهي هيئة استشارية شكلت بموجب الاتفاق المبرم بين الأمم المتحدة وأعلنت عودة حكومة الغويل. ومنذ ذلك الحين، اندلع قتالٌ منتظم بين الموالين للسراج وقوات الغويل. ولم يدعي أي من الطرفين تحقيق انتصارٍ حاسم حتى 16 مارس 2017، عندما استولت الجماعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني على مجمع فندق ريكسوس الذي يشغله الغويل.
ويبقى خليفة حفتر من أبرز منافسي السراج لأهم وظيفة في البلاد، إذ تدعمه روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، من بين آخرين، والذي رفض مقابلة السراج في عدة مناسبات. وفي مقابلةٍ مع Fanack، قال ماتيا توالدو، زميلٌ بارز في السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه على الرغم من أن زعيم حكومة الوفاق الوطني يبدو ضعيفاً وغير قادرٍ على توحيد البلاد، “إلا أن هذا يجعله، بشكلٍ متناقض، مرشحاً للبقاء في منصبه الحالي ضمن سيناريوهات مختلفة لأنه لا يخاصم أي شخص.” قد تكون العلاقة القوية مع الولايات المتحدة نقطة تحولٍ لمنصبه في ليبيا، على الرغم من أن إدارة ترامب لم تعبر بعد عن أي دعمٍ رسمي. وفي الوقت نفسه، يجري السراج مفاوضاتٍ بشأن اتفاقٍ مع الاتحاد الأوروبي لوقف أعدادٍ كبيرة من المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط مقابل سلسلةٍ من المساعدات.
في مواجهة الفوضى المستمرة، هل سيكون المهندس المعماري السابق قادراً على تحقيق الوحدة والاستقرار؟ ففي النهاية، قد توفر نتائج ألعاب النفوذ الحالية إجابةً على هذا السؤال وتحدد مستقبل السراج السياسي.