وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإشتباكات العنيفة في ليبيا: تاريخٌ من الإنقسامات القديمة والشروخ الحديثة

Libya- Government of National Accord
مسلحون ليبيون موالون لحكومة الوفاق الوطني، الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، يحتفلون يتحقيقهم التقدم في الميدان في جنوب العاصمة الليبية طرابلس في 25 سبتمبر 2018. Photo AFP

لا تزال الأوضاع في ليبيا متقلبةً بشدة والعاصمة طرابلس غير مستثناةٍ عن هذا الواقع. ففي 26 سبتمبر 2018، تم التوقيع على هدنة لإنهاء الإشتباكات العنيفة، بيد أنه لم يتم قط حل الأسباب التي أدت إلى نشوب القتال.

فالميليشيات المسلحة- أولئك الذين يسيطرون على أصول طرابلس والذين يريدون قطعةً من الكعكة – لم يخضعوا للمساءلة عن ترويع المدنيين.

هذا ليس بالأمر المستغرب، ذلك أن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً لا تملك أي نفوذٍ على الميليشيات؛ ولا حتى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي تجاوزت تفويضها للتفاوض وإنهاء القتال.

فقد تطورت الميليشيات التي تحكم طرابلس إلى شبكةٍ شبيهة بالمافيا تُسيطر اليوم على الشركات والوزارات والإدارات الرئيسية. وحذر فولفرام لاشر، الخبير في الجماعات المسلحة الليبية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، من أن الجماعات المستبعدة من هذا الترتيب يمكن أن تتعاون فيما بينها لزعزعة توازن القوى في العاصمة.

فقد كتب لاشر في ورقةٍ بحثية نشرت في أبريل الماضي، “إن نهب أموال الدولة – السمة المميزة للاقتصاد السياسي الليبي – يعود بالفائدة الآن على مجموعة أضيق وبما يتجاوز أي مرحلةٍ سابقة منذ ثورة 2011.”

وكالعادة، يدفع المدنيون ثمناً باهظاً للاشتباكات بين الجماعات المسلحة، ففي 23 سبتمبر، أفادت وزارة الصحة إن 115 شخصاً قُتلوا في الاشتباكات في طرابلس، بينما ذكرت اليونيسف أن عدد النازحين يتجاوز 25 ألف شخص.

ولتهدئة القتال، مرر رئيس حكومة الوفاق الوطني ، فايز السراج، إصلاحاتٍ اقتصادية جديدة في 12 سبتمبر. تهدف الإصلاحات إلى وقف أزمة السيولة وتحسين القدرة الشرائية للدينار الليبي. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية، في عام 2017، بنسبة 28% مقارنةً بالسنة السابقة.

تسعى تدابير سراج الاقتصادية أيضاً إلى تقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي (1,3 دينار مقابل الدولار) وسعر الصرف في السوق السوداء (6 أو 7 دينار مقابل الدولار).

واستخدمت الجماعات المسلحة والمسؤولون الفاسدون الإكراه لاستغلال هذا التفاوت بشراء العملة الأجنبية الليبية بأسعار الصرف الرسمية ثم بيعها في السوق السوداء لتحقيق أرباح.

وفي محاولةٍ للحد من الفساد، فرضت حكومة الوفاق الوطني رسوم خدماتٍ بنسبة 184% على سعر الصرف الرسمي لجميع مشتريات العملات الأجنبية، مما ساعد على تقليص التباين بقيمة الدينار الليبي في السوق السوداء بينما تم رفع الأموال العامة.

وذكرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في تحليل النزاعات ومقرها بلجيكا، أنه يبدو أن التدابير الجديدة تعود بالأثر المطلوب، إلا أنها حذرت أيضاً من أن الحل الوحيد المستدام للأزمات الاقتصادية في ليبيا هو توحيد البنك المركزي لتتمكن من خفض قيمة العملة.

المصادر: Wikipedia and polgeonow.com. إضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0
“إن الجانب السلبي المباشر لإعلان الحكومة أحادي الجانب عن هذه التدابير هو أنها قللت من الضغط الدولي على سلطات طرابلس لعقد اجتماعٍ لمجلس إدارة البنك المركزي الليبي، التي تعدّ خطوةً ضرورية نحو إعادة توحيد البنك المركزي،” حسب ما أفادت مجموعة الأزمات الدولية في بيانٍ موجز نشر في أكتوبر 2018.

ومع انقسام البلاد وتراجع الاقتصاد، عاد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للظهور من جديد بشن تمردٍ عنيف. ومنذ طرده من درنة وصبراتة وسرت في نهاية عام 2016، شن التنظيم عدداً هائلاً من العمليات. وفي عام 2018، أعلن داعش مسؤوليته عن 12 هجوماً مختلفاً.

حصل آخر هجومٍ في 29 أكتوبر، عندما اقتحم مسلحون من تنظيم الدولة مدينة الفقهاء الشرقية الصغيرة وقتلوا أربعة أشخاص، بينهم شرطيان وابن رئيس البلدية. كما اختفى ما لا يقل عن عشرة من سكان المدينة بعد الهجوم، الذين تم اختطافهم على ما يبدو من قِبل داعش.

وبعد ذلك، قام الجيش الوطني الليبي المُعلن ذاتياً بقيادة الجنرال خليفة حفتر، والذي يسيطر على شرق ليبيا، بمطاردة المسلحين في الصحراء. وقال سكان البلدة لصحيفة بوسطن غلوب إنهم يعتقدون أن الهجوم كان ثأراً على اعتقال الجيش الوطني الليبي لكبار المقاتلين من داعش.

وبحسب ما ورد، لا يزال الجيش الوطني الليبي منخرطاً بالقتال ضد الجهاديين في مدينة درنة في أقصى شرق البلاد. فقد أعلن حفتر في مايو الماضي عن تحرير المدينة من قوة حماية درنة، وهي فصيلٌ متنوع من الإسلاميين والجهاديين. إلا أن ساجدة النيهوم، التي تتحدث بشكلٍ متكرر مع أقاربها وأصدقائها في المدينة، أخبرتنا في فَنَك أن القتال مستمر. وفي 30 أكتوبر، ذكرت أن عشرات المقاتلين من الجيش الوطني الليبي قتلوا في اشتباكاتٍ مع الجهاديين.

وقالت ساجدة، التي تحدثت لنا من منزلها في كندا، “كان يوماً سيئاً للغاية في درنة. أخبرني [الناس] أنهم لا يزالون يسمعون أصوات إطلاق النار والقنابل في وسط المدينة.” وأضافت “لا تزال بعض الشوارع خاضعةً لسيطرة قوة حماية درنة، الذين يقومون في بعض الأحيان بإلقاء الزجاجات الحارقة على قوات حفتر.”

وعلى صعيدٍ متصل، يُفاقم التدخل الفرنسي والإيطالي الصراع. فقد كتبت فريدريكا سايني فاسانوتي وبن فيشمان، وهما خبيران في السياسة الليبية في معهد بروكينغز ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، على التوالي، أن التنافس الفرنسي-الإيطالي حول الهجرة والهيمنة على أوروبا والنفوذ في ليبيا يُفاقم قائمة مشاكل ليبيا الطويلة.

فقد جعل التحالف الشعبي الإيطالي – وهو تحالفٌ بين حركة النجوم الخمسة الشعبية وحزب العصبة الوطنية- من منع اللاجئين من طلب اللجوء في إيطاليا أولويةً قصوى. تزعزع هذه السياسة توازن القوى بين الميليشيات بينما تجبر المهاجرين على البقاء في البلاد التي يغيب عنها القانون، حيث تنتشر الإساءات والاتجار بالبشر.

ففي الوقت الذي تضغط فيه إيطاليا على طرابلس لمعالجة مصالحها، تُشجع فرنسا حفتر، إذ ترى باريس أن حفتر الشخصية الوحيدة القادرة على فرض الأمن في ليبيا عن طريق الحكم العسكري. وعليه، قوّضت طموحات كلا الدولتين الأوروبيتين على نحو فعالٍ خطة عمل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، في البلاد.

فقد كانت خطته تسعى لتعديل الاتفاق السياسي الليبي، الذي خرجت من رحمه حكومة الوفاق الوطني، بالإضافة إلى عقد مؤتمرٍ وطني لجمع كافة أصحاب المصلحة الرئيسيين في ليبيا. وكان من المفترض أن تتضمن الخطوات التالية مسودةً دستورية واستفتاءً، مما يمهد الطريق لإجراء انتخاباتٍ برلمانية ورئاسية. وبعد أكثر من عام، يبدو أن خطة العمل هذه باتت في عداد الموتى.

وكتبت إليسا ميلر- زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن العاصمة: “تظهر الأحداث على مدار العام الماضي بوضوح كيف أن خطة عمل سلامه وقعت ضحية – على نحوٍ متوقع – لتدخلات الجهات الأجنبية الفاعلة في ليبيا.” وأضافت “إذا لم يتمكن سلامة من تحقيق الوحدة بين اللاعبين الدوليين المشاركين في ليبيا في عام 2017، فإن الأمل ضعيف في قدرته على إنجاز ذلك الآن.”