وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لماذا تواصل الصين شراء النفط الإيراني؟ نظرة على التاريخ الطويل للعلاقات السياسية والاقتصادية بين إيران والصين

Specials- Mohammad Javad Zarif
وزير الخارجية الصيني وانغ يي (يمين) أثناء لقائه بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بكين يوم 17 مايو 2019. Photo AFP

في 2 مايو 2019، أنهت الولايات المتحدة الإعفاءات من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، والتي تم منحها لثمانية دول من بين المستوردين الرئيسيين من إيران. تم منح الإعفاءات في نوفمبر 2018 للمستوردين للتكيف مع العقوبات الأمريكية الجديدة، التي أعيد فرضها على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة. فقد رفعت الخطة، الموقعة في عام 2015، العقوبات الأصلية مقابل موافقة إيران على وضع قيودٍ على برنامجها النووي، إلا إن الجولة الجديدة من العقوبات مشابهة تماماً لتلك التي فرضت على طهران قبل خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي تم تقديمها بهدف دفع البلاد إلى طاولة المفاوضات خلال فترة ولاية أوباما. وفي أبريل 2019، نقلت إدارة ترمب العقوبات إلى مرحلتها النهائية بإعلانها فرض حظرٍ شامل على النفط الإيراني.

بالنسبة للإيرانيين، تعادل خطوة ترمب المطالبة باستسلامٍ كلي، إذ ستجبر الإيرانيين على العودة إلى طاولة مفاوضاتٍ حول برنامج صواريخها الداخلية وقوتها الإقليمية، فضلاً عن البرنامج النووي، الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه يجب إيقافه إلى الأبد – بما يتجاوز المعايير والقوانين الدولية. وبحسب الرئيس الإيراني روحاني، إيران مستعدة للتفاوض، لكن ليس للاستسلام.

يتمثل رهان إيران الرئيسي بتحدي الضغط الأمريكي في محاولتها إيجاد أطراف يمكن لها تقديم يد العون لطهران للتحايل على العقوبات الأمريكية، خاصة في صادراتها النفطية. وعليه، تعتبر الصين واحدةً من المستوردين الرئيسيين من إيران ويبدو أنها تتطلع إلى اهتمامٍ استراتيجي بدعم سياسة إيران في مقاومة الممارسة الأمريكية لأقصى قدرٍ من الضغط. لكن السؤال المطروح هو: إلى أي مدى تستطيع الصين دعم المقاومة الإيرانية؟

على الساحة الدولية، تعدّ الصين واحدةً من أقدم أصدقاء إيران، فعلاقاتهم الأولية تسبق تاريخ الولايات المتحدة بألفي سنة. ولقرون، كانت إيران البوابة الرئيسية للصين للوصول إلى الأسواق الأوروبية عبر طريق الحرير. فقد وقع البلدان ضحية للقوى الاستعمارية ولهما وجهات نظر عالمية مماثلة عندما يتعلق الأمر بالسياسات الغربية في آسيا والشرق الأوسط، ولهذا السبب لم يتبنى الصينيون قط وجهات النظر الغربية تجاه الجمهورية الإسلامية. في الواقع، حتى في المرحلة الأولى من تأسيس الجمهورية الإسلامية، سرعان ما اعترفت الصين بها كشريكٍ قوي وبدأت العمل معها وفقاً لذلك. وخلال ثمانينيات القرن الماضي، زودت الصين إيران بالأسلحة التي تمس الحاجة إليها، والتي حرم الغرب إيران منها وأمدّ بها العراق، أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). وبينما كانت إيران خاضعةً للعقوبات الأمريكية والغربية طوال معظم تاريخها بعد عام 1979، واصلت الصين علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع طهران.

وفي الفترة التي سبقت خطة العمل الشاملة المشتركة، واصلت الصين أعمالها التجارية مع طهران على الرغم من الحملة الأمريكية “للعقوبات التي أصابت البلاد بالشلل.” ولتفادي فرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على مصارفها، كلفت الصين مصرفاً واحداً، بنك كونلون، بتمويل أعمالها التجارية مع طهران. لذلك، كانت الصين واحدة من الجهات الدولية الفاعلة التي يُنظر إليها على أنها تنتهك العقوبات الأمريكية على إيران. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، انتقدت الصين ممارسة الولايات المتحدة أقصى قدرٍ من الضغط على إيران وسعت للحصول على إعفاءاتٍ من العقوبات الأمريكية. وفي نوفمبر 2018، تم منحها واحدة من هذه الإعفاءات. وفي 2 مايو 2019، بعد أن أوقفت الولايات المتحدة الإعفاءات، كانت بكين واضحةً في انتقادها للسياسة الأمريكية، حيث أعلنت عزمها على الاستمرار في استيراد النفط الإيراني والقيام بأعمال تجارية مع طهران في تحدٍ لسياسة الولايات المتحدة بفرض أقصى قدرٍ من الضغط. ولكن لماذا تفعل الصين هذا، وإلى أي مدى يمكنها أن تساعد طهران في التحايل على العقوبات الأمريكية؟

هناك أربعة أهداف رئيسية تبدو مرتبطة بنوايا بكين في دعم طهران.

أولاً، تكمن مصلحة الصين الإستراتيجية في إبعاد واشنطن. تعدّ هذه الطريقة الأكثر عقلانية لبكين لمواجهة السياسات العدوانية للولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة. وفي هذا السياق، يبدو أن إيران تشكل أرضية مثالية لمواجهة الولايات المتحدة.

ثانياً، هناك المواجهة الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وحرب الرسوم الجمركية التي بدأت إدارة ترمب بشنها ضد الشركات الصينية. تعرف الصين جيداً أن أي خطوةٍ إلى الوراء ستقود الولايات المتحدة إلى تصعيد ضغطها الاقتصادي. لذلك، يبدو أن الحكومة الصينية ليست في مزاجٍ ملائم للإلتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران بالطريقة التي تتوقعها واشنطن.

ثالثًا، تعد إيران واحدةً من شركاء الصين الرئيسيين في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وقد يضر الاستسلام لعقوبات الولايات المتحدة بقبول إيران على التعاون مع الصين في مبادرة الحزام والطريق الصينية- مما يؤثر سلباً على الخطة الاقتصادية الرئيسية للصين في الشرق الأوسط.

وأخيراً، تمتلك الصين حصةً في إنتاج النفط الإيراني. فقد استثمر عملاقا النفط الصينيان الرئيسيان، سينوبك والشركة الوطنية الصينية للنفط، في اثنين من حقول النفط الرئيسية في إيران ويُصدران إنتاجهما في إيران إلى الصين. إن أي تغييرٍ ناتج عن العقوبات الأمريكية يمكن أن يضر بمصالحهم الاقتصادية وعقودهم مع إيران – إلى جانب التداعيات القانونية. نقطة تقنية أخرى هي أن بعض مصافي تكرير النفط في الصين مصممة لمعالجة النفط الإيراني، وإذا ما افترضنا استسلام الصين للضغط الأمريكي، لا يمكنها التحول بسهولة إلى أنواع أخرى من النفط.

بصفتها المستهلك الرئيسي للنفط على مستوى العالم، يبدو أن الصين ليس لديها مصلحة في الالتزام بالعقوبات الأمريكية. ومع انتهاء الإعفاءات الأمريكية في 2 مايو 2019، عارضت الصين صراحةً إنهاء الولايات المتحدة للإعفاءات وذكرت بوضوح أنها ستواصل استيراد النفط الإيراني. وبالإضافة إلى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، قال السفير الصيني السابق لدى طهران إن إنهاء الإعفاءات الأمريكية لا يعني أن الصين ستوقف وارداتها من إيران. في الواقع، كانت الصين الوجهة الأولى لناقلة نفطٍ إيرانية بعد أن أوقفت الولايات المتحدة إعفاءاتها – مؤشرٌ واضح على نية الصين التصدي للعقوبات الأمريكية. في الواقع، وصلت واردات الصين من النفط الإيراني إلى مستوى قياسي بلغ 792,000 برميل يومياً في شهر أبريل 2019، أي قبل شهر من توقف إعفاءات الولايات المتحدة. انخفضت الأرقام بعد ذلك، لكن الصين استمرت في استيراد المزيد من النفط الإيراني بشكلٍ أكبر من أي مستهلكٍ آخر للنفط. لم يكن هذا الموقف الأول للصين: خلال ذروة العقوبات الأمريكية المُعطلة في عام 2014، تم تسجيل رقم قياسي آخر قدره 803,000 برميل في اليوم من واردات النفط إلى الصين.

السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه هنا هو تمويل واردات النفط الإيراني. مرةً أخرى، تمتلك الصين سابقةً في هذا الصدد. فخلال العقوبات المعطلة التي فرضتها إدارة أوباما، أنشأت شركة النفط الوطنية الصينية مصرفاً، بنك كونلون، المكرس لتمويل تلك الواردات النفطية من إيران. وعلى الرغم من أن المصرف لم يُجري أي تفاعلاتٍ مالية كبيرة مع أي دولٍ أخرى غير إيران، إلا أنه وكما هو متوقع، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتٍ عليه. ومع ذلك، لم تعطل العقوبات عمل الصين مع طهران، بل في الواقع، يمكن اعتبار بنك كونلون نموذجاً مشابهاً للآلية المالية الأوروبية “إنستكس،” على الرغم من عدم وجود مؤشرٍ يربط بينهما. ومن المسلم به عموماً أن بنك كونلون الصيني سيواصل تعاملاته مع إيران، باستخدام اليوان الصيني كعملة، بدلاً من الدولار الأمريكي. ومن الجدير بالذكر أن صادرات النفط الإيرانية الأولى إلى الصين بعد أن أوقفت الولايات المتحدة إعفاءاتها ذهبت إلى شركة النفط الصينية بيترو تشاينا، المالكة لبنك كونلون.

على الرغم من الاعتراف العام بأن واردات الصين من الخام الإيراني تأثرت بالعقوبات الأمريكية، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى دعم الافتراض بأن هذه الواردات ستتوقف.