في 7 أبريل 2019، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وتعدّ هذه المرة الأولى التي تُصنف فيها الولايات المتحدة مؤسسة رسمية من دولةٍ أجنبية على قائمة المنظمات الإرهابية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية مايك بومبيو خلال تصريحاتٍ للصحافة “بهذا التصنيف، تعترف إدارة ترمب بحقيقة أساسية.” واتهم الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المؤامرات والهجمات، بما في ذلك مقتل 603 من أفراد الخدمة الأمريكية في العراق، وهو اتهامٌ وصفه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنه جديدٌ وخطير أطلقه دعاة الحرب. كما وصف ظريف تسمية الحرس على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بأنها “هدية أخرى مضللة عشية الانتخابات لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو” وبأنها “مغامرة أمريكية خطيرة في المنطقة.”
في خطوة متبادلة، صنف البرلمان الإيراني القيادة المركزية للجيش الأمريكي ككيانٍ إرهابي. فقد أصبحت العلاقات بين البلدين معادية بشكلٍ متزايد منذ أوائل عام 2018 عندما سحب الرئيس دونالد ترمب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة عام 2015، والمعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، واعاد فرض عقوباتٍ أحادية الجانب. ويعتبر التصنيف الأخير للحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس الإقليمي، باعتباره منظمة إرهابية أجنبية جزءاً من محاولات الولايات المتحدة تنفيذ حملتها بفرض “أقصى قدرٍ من الضغط” ضد النظام الإيراني.
وعليه، كان رد فعل إيران على حملة واشنطن معتدلاً وتفاعلي حتى الآن، ولكن في أعقاب تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، فمن غير الواضح ما إذا كان هذا سيتغير.
من الجدير بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني قد تأسس بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بناءً على أوامر من المرشد الأعلى روح الله الخميني. تتمثل مهمته الرئيسية في حماية الثورة وقادتها المستهدفين بالاغتيال. وعندما اندلعت الحرب مع العراق في عام 1980، حارب الحرس الثوري الإيراني إلى جانب الجيش النظامي الإيراني، ليصبح القوة القتالية الرئيسية خلال الصراع الذي استمر ثماني سنوات. وعليه، كان هدفاً للعقوبات الأمريكية المختلفة منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من ذلك، نمت الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري بشكلٍ كبير. وبعد انتهاء الحرب مع العراق، دعا هاشمي رفسنجاني، الرئيس آنذاك، الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في جهود إعادة الإعمار. وعلى الرغم من عدم توفر أرقامٍ دقيقة، إلا أنه يعتقد أن الحرس الثوري الإيراني يدير حصة جيدة من الاقتصاد الإيراني.
إن فيلق القدس، الذي يرأسه العميد قاسم سليماني، معروفٌ جيداً في المنطقة، سواء من الأصدقاء والأعداء على حد سواء، فهو الجهة المسؤولة عن أنشطة “المقاومة” الإيرانية التي تشمل دعم الحلفاء الإقليميين في قتالهم ضد الأعداء المشتركين، سواء كان ذلك الاحتلال الأمريكي للعراق أو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية أو الفلسطينية. وفي السنوات الأخيرة، ساعد فيلق القدس العراق في قتاله ضد الدولة الإسلامية (داعش) والقوات السورية التي تقاتل كل من المنظمات المعارضة والإرهابية. إن فيلق القدس وقائدها البارز من جذب الكثير من الاهتمام إلى الحرس الثوري الإيراني، ومن خلال ذلك، لربما عزز تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية.
رفع التصنيف حملة الضغط الأمريكية القصوى ضد إيران إلى مستوى جديد. ولمعرفة أين تتجه الحملة، ينبغي على المرء النظر في أسباب التصنيف. فرغم أن واشنطن زعمت أن هذا التصنيف يهدف إلى مواجهة أنشطة الحرس الثوري الإيراني المزعزعة للاستقرار في المنطقة، إلا أن كثيرين في الولايات المتحدة يعتبرونه استفزازاً غير ضروري. وبالنظر إلى أن الحرس الثوري الإيراني كان بالفعل تحت قدرٍ كبير من الضغط، بما في ذلك بسبب العقوبات، فمن الصعب أن نرى كيف سيؤدي تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية إلى كبح نفوذه ووصوله الإقليمي. بعبارةٍ أخرى، عزز الحرس الثوري الإيراني بنجاح أجندة إيران الإقليمية وأولوياتها، ومن المتوقع أن يواصل القيام بذلك في إطار التصنيف الجديد. وبناءً على ذلك، يجادل البعض بأن هدف التصنيف يتجاوز خطاب واشنطن.
بالنسبة للكثيرين، يعتبر التصنيف أداةً رمزية ونفسية ضد الحرس الثوري الإيراني والحكومة الإيرانية على نطاقٍ أوسع. ووفقاً لذلك، يعتبر هذا جزءاً من الحملة التي تهدف إلى إجبار إيران على اتخاذ إجراءٍ يتعارض مع نهجها الدبلوماسي الحالي تجاه المجتمع الدولي. الانسحاب من الصفقة النووية هو أحد الخيارات، بينما يتمثل الخيار الآخر في استهداف القوات الأمريكية في سوريا أو العراق. كما يمكن أن تعوّق إيران تدفق النفط عبر مضيق هرمز الاستراتيجي.
إن أياً من هذه الإجراءات سيؤدي إلى زيادة تشديد العقوبات واستهداف الاقتصاد الإيراني من خلال سياسة قائمة على التوافق تشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لذلك، من السابق لأوانه رؤية النتيجة في إيران، على الرغم من أن طهران قد أعلنت بالفعل انسحابها من أجزاء من التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
يجادل البعض أيضاً بأن الولايات المتحدة تحاول تخويف الشركاء التجاريين والمستثمرين الأجانب لإبعادهم عن إيران. إن تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية يجعل أي طرفٍ يتعامل مع الحرس الثوري الإيراني خاضعاً للقانون الجنائي الأمريكي، مما قد يؤدي إلى عقوبة بالسجن لمدة 60 عاماً.
ولا يزال رد فعل إيران موضع نقاش، فقد هدد المسؤولون الإيرانيون والقادة العسكريون بإغلاق مضيق هرمز، إلا أن القيام بذلك من شأنه أن يشل الاقتصاد الإيراني. ووفقاً لظريف، يعدّ المضيق شريان الحياة لإيران، ومن الصعب تخيل سيناريو ترد فيه إيران على الضغوط الأمريكية من خلال تضييق الخناق على شريان حياتها.
الخيارات الأخرى تبدو أكثر منطقية وإن لم تكن بالضرورة مرجحة. فقد استنفذت إيران دبلوماسيتها في محاولة إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، فضلاً عن كونها تمتلك أساساً قانونياً للانسحاب من الصفقة. ومع ذلك، يعلم كل مسؤولٍ إيراني أن هذا هو بالضبط ما يسعى إليه صقور إيران في واشنطن: إجبار إيران على إنهاء الصفقة ثم استعادة الإجماع الدولي ضد البلاد وفرض مطالب واشنطن. الخيار الثالث أيضاً محفوفٌ بالمخاطر، ذلك أن استهداف أفراد الخدمة الأمريكية من شأنه أن يشكل ضربةً قوية لسمعة ترمب ويجبره في نهاية المطاف على اتخاذ إجراءات – بما في ذلك مهاجمة إيران عسكرياً – لإنقاذ ماء الوجه.
إذاً، ما هي البدائل الممكنة؟ بعد عامٍ من انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، تمارس طهران ضغوطاً على الموقعين للوفاء بالصفقة. لكن الجميع يعلم أنه من غير المرجح أن يسفر هذا عن أي شيءٍ مرضٍ للإيرانيين. كان أحد الاقتراحات هو إبطاء حركة المرور في مضيق هرمز، بدلاً من إيقافها. وبالنظر إلى أن 20% من إمدادات النفط العالمية تمر عبر المضيق على أساسٍ يومي، فإن هذه الخطوة ستؤثر على أسعار النفط وتضغط على إدارة ترمب، حتى وإن لم يكن ذلك بالقدر الذي سيؤدي إلى عزلة إيران في المجتمع الدولي أو إلى حرب.
تتمثل خيارات إيران الأخرى بتقييد تدفق النفط في أماكن مثل البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر عُمان. يمكن معالجة هذه القيود من قبل أطرافٍ ثالثة، مما يسمح لإيران بالاحتفاظ بسياسة النكران. لربما تنظر إيران أيضاً في شن هجماتٍ إلكترونية ضد البنية التحتية للنفط والغاز في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. تهدف هذه الهجمات إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي كوسيلةٍ غير مباشرة لمعاقبة واشنطن على تكتيكاتها التنمرية.
هل سيحصل هذا؟ وجهّت إيران تهديداتٍ مماثلة في الماضي لكنها لم تنفذها قط. الفرق هذه المرة هو أن الاقتصاد الإيراني في خطر، وبالتالي، لربما يكون الإنتقام هو الخيار الوحيد.