وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خمسة وثلاثون عاماً ولا حل سياسي للصراع الكردي التركي

Kurds- Syrian kurds
أكراد سوريون يتظاهرون رافعين غصون الزيتون والأعلام التي تحمل صورة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في بلدة معبدة في الجزء الشمالي الشرقي من محافظة الحسكة في 24 فبراير 2018، مستنكرين العملية العسكرية التركية ضد قوات حماية الشعب الكردية في جيب عفرين الشمالي الغربي الكردي. Photo AFP

اجتاح الغضب تركيا في أواخر يوليو 2018 عندما قُتلت امرأة وابنها البالغ من العمر 11 شهراً، حسبما ورد، بقنبلةٍ زرعت على جانب الطريق، بعد مغادرتها قاعدةً عسكرية في مقاطعة هكاري الجنوبية الشرقية. وكانت المرأة قد قامت بزيارةٍ مفاجئة لزوجها الذي كان يعمل ضابطاً في القاعدة.

وعليه، ألقي باللوم على حزب العمال الكردستاني. وبعد يومين، أصدر حزب العمال الكردستاني بياناً زعم فيه أنه لا يستهدف المدنيين أبداً، وأن موت الأم والطفل كان “بالخطأً.” غير أن الغضب التركي لم يكن موجهاً فقط إلى حزب العمال الكردستاني، كما عبر وزير الداخلية سليمان سويلو بوضوحٍ في جنازة الضحيتين. فقد ألقى باللوم بشكلٍ أكبر على أوروبا والولايات المتحدة لكونهما “مؤيدي الإرهاب،” على حد تعبيره.

من وجهة نظر الأتراك، من المنطقي تأطير عملية القتل المزعوم للمدنيين من ناحيةٍ جيوسياسية. فالحكومة لا تُميّز بين حزب العمال الكردستاني، الذي يعمل داخل الحدود التركية وله قواعد رئيسية في جبال العراق المجاورة، ووحدات حماية الشعب، الجماعة المسلحة الكردية التابعة له والتي تسيطر على مساحاتٍ شاسعة من شمال سوريا وتدافع عنها ضد، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” على سبيل المثال. كما أن وحدات حماية الشعب هي أيضاً مكوّن رئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، الشريك الأكثر أهمية للولايات المتحدة في معركتها المستمرة ضد بقايا داعش في سوريا، إذ تقوم الولايات المتحدة بتزويد وتجهيز وتسليح حزب العمال الكردستاني بالأسلحة، فضلاً عن مساعدة قوات سوريا الديمقراطية (بالضربات جوية)، وبالتالي، وفقاً لتركيا، فهي تدعم بشكلٍ مباشر حزب العمال الكردستاني.

فبعيونٍ تركية، حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب ليسا فقط ذات الشيء، بل أيضاً لا يمكن تمييز حزب العمال الكردستاني والحركة السياسية الكردية غير المسلحة عن بعضهما البعض. وهذا ما يفسر ضغينة تركيا ضد أوروبا. ولعقود، تمكنت الحركة السياسية الكردية من تنظيم نفسها في أوروبا. وعلى الرغم من العقبات التي وضعتها العديد من الحكومات الأوروبية في الطريق، إلا أن الجماعات الكردية القانونية قد ازدادت في السنوات الأخيرة – فعلى سبيل المثال فرض حظر على أعلام حزب العمال الكردستاني في ألمانيا، فضلاً عن المداهمات المتكررة على الأنشطة السياسية في هولندا وألمانيا، من بين أماكن أخرى، والغرامة التي تُفرض على الفضائيات الكردية التي تبث من أوروبا وتملك تراخيص أوروبية – إلا أنها جميعاً ليست كافية لتركيا. فتركيا تطالب بقمعٍ كامل للحركة، الأمر الذي لا تستطيع أوروبا تقديمه.

بعبارةٍ أخرى، تشعر الدولة التركية بدعمٍ غير كافٍ من حلفائها في حلف الناتو في حربها ضد الإرهاب. ومن ناحيةٍ أخرى فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، فهي الحرب. فلربما يتشارك بأيديولوجيته وزعيمه (عبد الله أوجلان) مع وحدات حماية الشعب في سوريا، إلا أن طبيعة معركتهم مختلفة. وعلى صعيدٍ متصل، لا يمتلك حزب العمال الكردستاني سيطرةً على أي منطقةٍ في تركيا ويشن حرب عصاباتٍ ضد الجيش التركي، الذي يعتبره قوةً محتلة للأراضي الكردية. ولإنهاء إراقة الدماء، التي خسر فيها عددٌ لا يحصى من المقاتلين والمدنيين من كلا الجانبين أرواحهم، فلا بد من التوصل إلى صفقةٍ سياسية. وحالياً، لا يوجد أحدٌ في تركيا مستعدٌ حتى للنظر في صفقةٍ سياسية مع حزب العمال الكردستاني: فهم إرهابيون وينبغي تدميرهم.

واليوم، مع اقتراب الصراع من عامه الخامس والثلاثين- فقد انفجرت أول قنبلةٍ لحزب العمال الكردستاني عام 1984- ينطبق على الصراع جميع المعايير التي يُطلق عليها “نزاع مسلح غير دولي” بموجب القانون الدولي. إلا أن تركيا ترفض بشدة هذا التصنيف. فلن يجبر هذا تركيا فحسب على الالتزام بقواعد الحرب التي تطبق على مثل هذه النزاعات، بل لن يُنصف أيضاً حزب العمال الكردستاني كمنظمةٍ إرهابية، وهي الأداة التي طالما استغلتها تركيا لصالحها في المفاوضات مع حلفائها.

وعليه، يبدو الجمود الناتج غير قابلٍ للحل، بيد أنه قبل خمس سنواتٍ فقط، بعد تصاعد أعمال العنف في عامي 2011 و2012، وافق الطرفان على وقف إطلاق النار وبدءا حواراً لنقل الصراع إلى الساحة السياسية. وفي حين قال حزب العمال الكردستاني مراراً وتكراراً إنه مستعدٌ للحوار، حتى أن أوجلان أعلن أن الكفاح المسلح قد انتهى في عام 2013، إلا أن الحكومة التركية القومية المحافظة مستمرةٌ في الإصرار على أنه لا توجد قضيةٌ كردية، وإنما هذا مجرد إرهابٍ ينبغي القضاء عليه تماماً.

فالجمهور التركي غير مطلعٍ إلى حدٍ كبير على الوضع الحالي للصراع. فبالكاد يوجد أي وسيلة إعلامٍ مستقلة، والجهات التي تنشر دون إشرافٍ حكومي لديها عددٌ محدودٌ من القراء. ونتيجةً لذلك، تصيغ الحكومة الرواية.

فعندما يقتل حزب العمال الكردستاني المدنيين، يكون الغضب الشعبي، بشكلٍ مفهوم، شديد القسوة. وعلى الرغم من أن مقتل المرأة وابنها الصغير في هكاري ربما كان مجرد “خطأ،” إلا أن حزب العمال الكردستاني يستهدف المدنيين أحياناً. ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار في صيف عام 2015، كان المسؤولون الحكوميون وأحد المدرسين من بين الذين تم اغتيالهم. فقد أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الوفيات لكنه قال إن الضحايا كانوا إما جواسيس يعملون لصالح الدولة أو يساعدون الدولة بشكلٍ مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان الأكراد، بمن فيهم النشطاء. وحقيقة أن أولئك الذين قتلوا لم يكونوا يرتدون الزي العسكري، بحسب حزب العمال الكردستاني، لا يجعلهم بالضرورة مدنيين أبرياء.

وفي الوقت نفسه، أثيرت شكوكٌ حول طبيعة الانفجار في هكاري. وقال القرويون الذين هرعوا إلى الموقع لوكالة أنباء مزوبوتاميا الكردية إن الوفيات نجمت على الأرجح عن إرتفاع حرارة خزان الوقود في السيارة. وبما أن الحادث لن يتم التحقيق فيه بشكلٍ كامل ونزيه، ستبقى الحقائق غير معروفة.

وقبل انتخابات يونيو 2017، غطت وسائل الإعلام، على نطاقٍ واسع، عمليات الجيش عبر الحدود في شمال العراق، حيث قامت تركيا بتوسيع وجودها العسكري هناك بموافقةٍ صامتة من مسعود بارزاني، الزعيم الأكثر أهمية والرئيس السابق لإقليم كردستان العراق. وتهدف تركيا إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل، حيث كانت الجماعة تختبىء بعد أن أجبرت على مغادرة سوريا في أواخر التسعينيات. بل حتى أن الجيش التركي تمكن بسط سيطرته على بعض القرى. ومع ذلك، لن تصل قط أنباء قصف المناطق المدنية إلى الإعلام التركي لتحقيق هذه النتيجة.

وعلى الرغم من خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول تطهير جبال الإرهابيين، إلا أنه لم يتم تحقيق الهدف. فمنذ فوزه في الانتخابات، يبدو أنه حدّ من نطاق العمليات. ومع ذلك، لم تهدر أي أعمدةٍ في الصحف على هذا الموضوع في الأشهر الماضية.

وهكذا، بعد مرور 35 عاماً تقريباً على بداية النزاع، ظلت مناطق جنوب شرق تركيا وشمال العراق، التي غالباً ما يطلق عليها الأكراد شمالي وجنوب كردستان، مناطق حرب. وسيستمر هدر دماء الجنود والمقاتلين والمدنيين.