سلط هجوم تركيا على الأكراد السوريين في 20 يناير 2018 الضوء على افتقار الولايات المتحدة الأمريكية لسياسيةٍ منطقية في سوريا. فبدلاً من التدخل بالنيابة عن حلفائها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” حصر المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في التعبير عن الدعوات إلى ضبط النفس، وحث جميع الأطراف بألا يشتتهم هذا عن الحرب على الإرهاب، الذي لم يكن، على الأقل، هدفاً أساسياً قط لانخراط تركيا في الحرب السورية.
فقد شنت تركيا، إلى جانب حلفائها من قوات المتمردين السوريين، هجوماً جوياً وبرياً أطلق عليه اسم عملية غصن الزيتون في جيب عفرين، شماليّ سوريا، مستهدفاً وحدات حماية الشعب، الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري.
وترى تركيا في هذه الجماعة، ووجودها في المنطقة القريبة من الحدود التركية، تهديداً بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني. وتجدر الاشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني يخوض صراعاً منذ فترةٍ طويلة مع الدولة التركية، وقد أدرجته الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا على قائمة الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، كانت وحدات حماية الشعب شريكاً مهماً في حرب التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا.
ويبدو أن تركيا كانت قلقةً من التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة تعتزم بناء قوة أمنٍ حدودية قوامها 30 ألف جندي في عفرين – وهو تقريرٌ نفاه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في وقتٍ لاحق بقوله “كان كلام البعض غير دقيق. نحن لا ننشئ قوة حدودية على الإطلاق.”
وحتى الآن، تحلت الولايات المتحدة الأمريكية بالصمت تجاه العملية التركية. فقد اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في محادثةٍ مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بـ”المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا،” إلا أنه “حث تركيا على تخفيف حدة التوترات، والحد من عملياتها العسكرية، وتفادي وقوع خسائر بين المدنيين، وزيادة أعداد النازحين واللاجئين،” وذلك وفقاً لبيانٍ صدر عن البيت الأبيض. وأضاف البيان “كما حث [ترمب] تركيا على توخي الحذر وتجنب أي أعمال ربما تهدد بنشوب صراع بين القوات التركية والأمريكية. كما كرر أن على كلتا الدولتين التأكيد على الهدف المشترك المتمثل في تحقيق الهزيمة الكاملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على جميع الأطراف.”
وحتى الآن، كانت تركيا أكثر قلقاً بشأن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من جهة، وضبط طموحات الاستقلال الكردية من جهةٍ أخرى، أكثر مما يتعلق الأمر بمحاربة داعش. ولكن منذ بدء العملية في عفرين، سارعت تركيا إلى استغلال القلق الدولي بشأن الجماعة الإسلامية، مؤكدةً على محاربتها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى جانب وحدات حماية الشعب في المنطقة. فقد ذكرت وكالة الأنباء التركية الرسمية، على سبيل المثال، نقلاً عن مصادر محلية مجهولة المصدر، أن “الجماعة الإرهابية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي/ حزب العمال الكردستاني أطلقت سراح جميع سجناء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” شريطة أن يقاتلوا الجيش التركي والجيش السوري الحر في منطقة عفرين السورية.”
من جهتهم، نفى الأكراد هذه التقارير. وكما أشار المحلل السوري أرون لوند في مقالٍ لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، “في الواقع، لا توجد قوات [لداعش] في أي مكانٍ في المنطقة، إلا أن قول ذلك يُفيد بالتأكيد عناوين الأخبار الرئيسية- كما يقوم قادة وحدات حماية الشعب الآن بنفس الشيء، حيث يتهمون المتمردين المدعومين من تركيا بالانتماء إلى [داعش].”
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له والذي يرصد الخسائر في صفوف المدنيين في سوريا، إنه بحلول 28 يناير 2018، قتل ما لا يقل عن 32 مدنياً في الصراع، من بينهم اثنان قتلوا بقصفٍ من قبل قوات سوريا الديمقراطية و30 شخصاً- من بينهم ثماني نساء وأربعة أطفال – قتلوا جراء الضربات الجوية التركية. وأفاد المرصد أيضاً عن مقتل ما لا يقل عن 42 مقاتلاً من قوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة الى جنديين تركيين و48 فرداً من المتمردين السوريين والقوات الاسلامية التي تقاتل إلى جانب الأتراك.
وفي حين يرى بعض الخبراء أن عملية عفرين ما هي إلا دليل على تدهور العلاقات التركية الأمريكية، إلا أن دور روسيا بالسماح بالمضي قدماً بالعملية كان أكثر أهميةً من الدور الأمريكي- إن وجد أصلاً. فعلى الرغم من تحالفها مع وحدات حماية الشعب، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها وجودٌ على الأرض في عفرين، على عكس روسيا، فقد تم نقل القوات الروسية إلى عفرين قبل شن تركيا لهجومها. وعلاوة على ذلك، كانت روسيا تُسيطر على المجال الجوي فوق عفرين، إذ قال المسؤولون الأتراك إن الروس منحوهم الضوء الأخضر للهجوم.
في حين شجبت وحدات حماية الشعب ما اعتبرته خيانةً روسية، إذ صدر عن القيادة العامة للجماعة بيانٌ قالت فيه “نحن نعلم تماماً أن الجيش التركي لم يكن بمقدوره شن هجومٍ على [عفرين] دون موافقة المجتمع الدولي، وعلى رأسهم روسيا التي نشرت قواتها في عفرين.”
ففي هذه المرحلة، تحتاج روسيا إلى تركيا أكثر من حاجتها إلى الأكراد، ذلك أنها تسعى إلى إيجاد حلٍ سياسي لإنهاء الحرب في سوريا، فتركيا هي الداعم الدولي الرئيسي للمتمردين الذين يقاتلون بشار الأسد المدعوم من روسيا.
وفي هذا السياق، أشار غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق، إلى أن هدف روسيا من السماح بعملية عفرين هو إحراج الولايات المتحدة أثناء الحصول على تنازلاتٍ من تركيا في محادثات السلام التي تعقدها روسيا في سوتشي. فقد دعيت الفصائل الكردية بالرغم من الاعتراضات التركية، بيد أنها أعلنت عن احتمالية عدم مشاركتها في أعقاب عملية عفرين.
وقال دالاي في مقالٍ له نُشر على موقع صحيفة ميدل إيست أي “من خلال السماح لتركيا بشن هجومٍ على الشريك الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، تريد روسيا إحراج الولايات المتحدة الأمريكية.” وأضاف “يبدو أن روسيا تحاول الحصول على تنازلاتٍ من كلٍ من حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا على حد سواء بالنيابة عن الحكومة السورية. سيكون وجود حزب الاتحاد الديمقراطي المستضعف في الجزء الشمالي الغربي من سوريا أكثر ملاءمةً للتفضيل الروسي بالسماح للحكومة السورية بالسيطرة على عفرين والمناطق المحيطة بها.”
وفي الوقت نفسه، قام المراقبون بتصوير عملية عفرين على أنها مجرد تكرار لنمط خيانة يعود إلى السبعينيات على الأقل في العراق، الذي شهد دعم الولايات المتحدة وغيرها للمقاتلين الأكراد ليتم التخلي عنهم فيما بعد بمجرد تحقيق أهدافهم السياسية.
فقد كتب المعلق السياسي اللبناني كارل شارو في تغريدةٍ على تويتر “الثابت الوحيد في الشرق الأوسط هو أن القوى الخارجية ستخون حلفائها المحليين بلمح البصر.”