وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصاعد التوتر في العلاقات الأمريكية الفلسطينية

شهد عام 2018 مزيداً من القرارات الامريكية ضد السلطة الفلسطينية سواء على الموقف السياسي او الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، كما استخدمت أسلوب الضغط المتواصل على القيادة الفلسطينية من اجل اجبارها الدخول في العملية السياسية التي تقودها الإدارة الامريكية حول عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

Palestine- USAID
أب وابنته يعبران أحد الشوارع تحت التجديد كجزء من منحة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في قرية الباذان، شمال نابلس في الضفة الغربية المحتلة في 25 أغسطس 2018. Photo AFP

عقب اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وعقب قرار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قطع الاتصالات الدبلوماسية مع واشنطن، تشهد العلاقات الفلسطينية الامريكية توترا متصاعداً. فقد شهد عام 2018 مزيداً من القرارات الامريكية ضد السلطة الفلسطينية سواء على الموقف السياسي او الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، كما استخدمت أسلوب الضغط المتواصل على القيادة الفلسطينية من اجل اجبارها الدخول في العملية السياسية التي تقودها الإدارة الامريكية حول عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

التسلسل الزمني للعقوبات الامريكية تجاه الفلسطينيين

قال ترامب في تغريدة له على تويتر بتاريخ 3 يناير 2018: “أمريكا تدفع للفلسطينيين مئات الدولارات سنوياً ولا تحصل منهم على أي تقدير، ومع عدم استعداد الفلسطينيين للدخول في مفاوضات السلام، لماذا ينبغي على أمريكا منح الفلسطينيين تلك الأموال الضخمة.”

على أثر موقف ترامب، بدأت سلسلة من القرارات الامريكية ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام. فبتاريخ 17 يناير 2018 اقتطعت الولايات المتحدة 60 مليون دولار من أصل 125 مليون دولار كانت مخصصة كمساعدات إنسانية للأونروا للعام 2018، مع الإشارة هنا بأن الولايات المتحدة كانت قد دعمت الوكالة الدولية عام 2017 بما مقداره 359,3 مليون دولار، وأن مجموع ما ساهمت به الولايات المتحدة تجاه الأونروا بلغ منذ عام 1950 أكثر من 6 مليارات دولار.

وبتاريخ 14 مايو تم افتتاح السفارة الامريكية في القدس رسمياً، بالوقت الذي كان الفلسطينيون يحيون فيه الذكرى السبعين للنكبة، تشريد الفلسطينيين بعد تأسيس إسرائيل عام 1948. وبتاريخ 25 أغسطس أعلنت الإدارة الامريكية قطع أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة كمساعدات اقتصادية للسلطة الفلسطينية. وبتاريخ 31 أغسطس أعلنت وزارة الخارجية وقف تمويل الاونروا بشكل كامل واتهمت برامج الوكالة الدولية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين بانها “معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه.” وبتاريخ 9 سبتمبر اقتطعت الولايات المتحدة اخر ما تبقى من مساعدات مالية للفلسطينيين بوقف مساعدات بقيمة 25 مليون دولار كانت مخصصة للمستشفيات الفلسطينية بالقدس الشرقية المحتلة. أما بتاريخ 10 سبتمبر، تم إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وحساباتها المصرفية، وبتاريخ 16 سبتمبر تم طرد السفير الفلسطيني حسام زملط وعائلته وإلغاء حساباتهم المصرفية أيضاً. وكان قد سبق هذا القرار بيومين الغاء برامج شبابية تطبيعيه بين فلسطينيين وإسرائيليين بقيمة 10 مليون دولار.

العقوبات الامريكية ضد الفلسطينيين، ما بين مؤيد ومعارض

مع اصرار الرئيس الفلسطيني على إبقاء قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإدارة الامريكية، على الرغم من الضغوطات الشديدة التي مارستها الإدارة الامريكية من قرارات سياسية وقطع المعونات المالية للسلطة الفلسطينية وللوكالة الاممية، بدأ بعض المراقبين وخاصة بعض المسؤولين الأمنيين الحاليين والسابقين، بطرح أسئلة عن جدوى العقوبات الامريكية، وتأثيرها السلبي على الاستقرار في المنطقة، خاصة وان التأثير السياسي الأمريكي تجاه القادة السياسيين الفلسطينيين أصبح يتضاءل يوماً بعد يوم.

فقد استطاعت الولايات المتحدة الامريكية منذ العام 1994 أن تؤثر بشكل مباشر على القيادة الفلسطينية من خلال برامج الدعم المالية، والتي بلغت منذ انشاء السلطة الفلسطينية الى يومنا هذا ما مجموعه أكثر من 5 مليارات دولار، حيث ان الولايات المتحدة اعتبرت برامج الدعم المالي جزء من سياستها الخارجية لتشجيع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية من ناحية، وتحسين حياة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من ناحية أخرى. وفي السنوات الخمس الأخيرة تمحور الدعم الأمريكي للفلسطينيين في أربع مجالات مختلفة، وهي برامج مكافحة الإرهاب (NADR)، وبرامج المكافحة الدولية للمخدرات وتطبيق القانون (INCLE)، وبرامج الدعم الاقتصادي والتنمية (ESFD)، وبرامج عمليات الطوارئ في الخارج (OCO).

Palestine- US aid to PA
المصادر: Andalou Agency and npr.org. @Fanack

ازمة مالية خانقة لدى السلطة الفلسطينية

يأتي وقف الدعم الأمريكي وتراجع الدعم الأوروبي والعربي للسلطة الفلسطينية في وقت صعب للغاية في ميزانية السلطة الفلسطينية. وبحسب بيانات الميزانية الفلسطينية الصادرة عن وزارة المالية، بلغ الدين العام المستحق على الحكومة الفلسطينية، 8,916 مليارات شيكل حتى نهاية ديسمبر2018، حيث اختتم الدين العام المستحق على الحكومة الفلسطينية، العام الماضي 2018، بأعلى مستوى له منذ نوفمبر 2017. واستناداً الى بيانات الميزانية العامة الصادرة عن وزارة المالية في رام الله لعام 2018، كان هناك تراجع في اجمالي الإيرادات بنسبة 6%، التي بلغت 12,407 مليار شيكل، مقارنة مع اجمالي النفقات التي بلغت 13,133 مليار شيكل. حيث شكل العجز المالي ما قيمته 726 مليون شيكل (ما يقارب 200 مليون دولار). هذا المبلغ يعادل قيمة الدعم المالي الذي كان مفترض ان يقدم من قبل الإدارة الأمريكية كمعونات اقتصادية.

موقف الرئيس الأمريكي كان واضحاً منذ بداية العام 2018، وهو أنه يشترط عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات لإعادة المساعدات الامريكية، وهو ما يعتبره الفلسطينيون بانه ابتزاز سياسي. فقد رأت عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، أن “الإدارة الأمريكية أثبتت أنها تستخدم أسلوب الابتزاز الرخيص أداة ضغط لتحقيق مآرب سياسية.”

ومن جهته اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أن القرارات الأمريكية الأخيرة هي “اعتراف بالمغزى الحقيقي لسياسة المساعدات الأمريكية المتمثلة بالتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى والتأثير على خياراتها الوطنية.”

المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة اعتبر القرارات الامريكية “اعتداءً سافراً” على الشعب الفلسطيني، وتهدف لمحاربة الشعب الفلسطيني في أهم قضيتين، “القدس واللاجئين.” واعتبر أبو ردينة أن الإدارة الأمريكية لم يعد لها أي دور في المنطقة وهي ليست جزءاً من الحل.

الدعم الأمريكي للأجهزة الأمنية الفلسطينية

Palestine- USAID
موظفون في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في أحد مستودعات منظمة كير الدولية في مدينة رام الله بالضفة الغربية، في 10 مايو 2006، أثناء استعدادهم لتحميل شاحنتين بإمدادات طبية تم التبرع بها لإرسالها إلى قطاع غزة. Photo AFP

من الملاحظ بأن الدعم المالي الأمريكي في عام 2017 اقتصر فقط على دعم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بما يقدر بـ 60 مليون دولار من اجل مواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل ومنع هجمات المقاومة الفلسطينية تجاه إسرائيل.

وفي 3 أكتوبر 2018، اقر الكونجرس الأمريكي قانوناً جديداً لمحاربة الإرهاب، مختلف عن قانون “جاستا” الذي يقاضي الحكومات، ليشمل القانون الجديد المدنيين الداعمين بشكل مباشر او غير مباشر للإرهاب، وبموجب القانون يجبر كل من يتلقى أي مساعدات أمريكية ضمناً بالتوقيع على بند السماح للمحكمة الفيدرالية لتكون الجهة القانونية في أي نزاع قانوني يتعلق بقضايا الإرهاب. وأيضاً بموجب القانون يستطيع النظام الأمريكي بالمطالبة الشخصية من العوائل التي دعمت الإرهاب.

وهذا يعني أنه مقابل مبلغ 60 مليون دولار لدعم خدماتها الأمنية، أصبحت السلطة الفلسطينية مسؤولة عن دفع ملايين الدولارات من التعويضات للمواطنين الأمريكيين- اليهود- الإسرائيليين الذين يقتلون على يد الفلسطينيين. وعليه، تم إبلاغ رئيس الوزراء الفلسطيني السابق رامي الحمد الله، عن هذا القانون في الحديث الذي جمعه برئيس الاستخبارات الأمريكية السابق ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو بتاريخ 26 ديسمبر الماضي.

هذا القانون جعل من موقف السلطة الفلسطينية صعب للغاية، خاصة وان الحكومة الفلسطينية تدفع لعوائل الاسرى والشهداء معونات مالية شهرية، وهو ما يجعلها تحت طائلة المسؤولية القانونية حسب القانون الأمريكي الجديد، خاصة وان الإدارة الامريكية تعتبر الاسرى والشهداء الفلسطينيين من داعمي الإرهاب. رئيس الوزراء الفلسطيني الحمد لله بصفته وزير الداخلية ايضاً أبلغ الإدارة الامريكية بتاريخ 21 يناير 2019 بشكل رسمي رفضها تلقي اية مساعدات أمريكية، بما في ذلك المساعدات لأجهزة الامن الفلسطينية، ابتداء من تاريخ 31 يناير، حيث سيصبح القانون الجديد ساري المفعول.

فقد انتهت جميع المشاريع في الضفة الغربية وقطاع غزة التي تديرها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في 1 فبراير 2019 وسيتعين على الفلسطينيين الاستمرار في تنفيذ المشاريع القائمة أو وقفها.

على هذا الصعيد عبر الجيش الإسرائيلي عن قلقه من تضرر التنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وذلك في أعقاب تخلي السلطة عن أي دعم مالي من قبل الإدارة الامريكية.

وكشفت مصادر إسرائيلية عن أن رئيس الحكومة نتنياهو قد تدخل شخصياً لمنع إقرار القانون، حيث توجه إلى البيت الأبيض بطلب تعديل القانون أو إيجاد حل آخر يسمح باستمرار الدعم الأمريكي لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.