وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكرد في الانتخابات العراقية: بيضة القبان وصانعو الملوك

الكرد في الانتخابات العراقية
تم التقاط هذه الصورة يوم ٥ أكتوبر ٢٠٢١ وتظهر فيها لافتات انتخابية لمرشحين عن الحزب الديمقراطي الكردستاني للانتخابات العراقية المقبلة. وتظهر هذه اللافتات بالقرب من إحدى الكافيتيريات الموجودة في مدينة زاخو شمال كردستان العراق الذي يحظى بالحكم الذاتي. ومن المقرر أن يشهد العراق إجراء انتخابات برلمانية في العاشر من أكتوبر، وذلك قبل عام من موعدها المحدّد، وذلك تلبية لحركة احتجاجية مناوئة للحكومة، في وقتٍ تتصاعد فيه موجات الغضب من. المكاسب المالية غير المشروعة ومن الأزمات الاقتصادية. المصدر: Ismael ADNAN / AFP.

حسين الزعبي

الكرد في العراق، بيضة القبان وأصحاب الكلمة الفصل في الانتخابات العراقية التشريعية المبكرة المقررة في العاشر من أكتوبر ٢٠٢١. هذا الأمر تحول لعادة سياسية في البلاد، إذ لا تستطيع أي كتلة برلمانية الحصول على الأكثرية البرلمانية دون الاعتماد على الصوت الكردي الذي يتمكن من الترجيح بين المتنافسين، حسبما أكد لـ “فنك” الباحث في الشؤون العراقية “حاتم السامرائي”.

ففي تجربة انتخابات العام 2018، تمكن تحالف “سائرون” بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وائتلاف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي من تشكيل تحالف مشترك مع قوى أخرى لتأمين كتلة برلمانية بلغ عدد نوابها 170 نائباً من عدد أعضاء البرلمان البالغ 329. في المقابل، تمكنت كتلة “ائتلاف النصر” بزعامة هادي العامري، من تشكيل تحالف آخر ضمّ في صفوفه 145 عضواً من أعضاء البرلمان. ووفق ما حدث، فإن أيّاً من الطرفين كان سيستطيع تشكيل الحكومة إن حصل على تأييد التحالف “الكردستاني” الذي حصل حينها على “43 مقعدا”. وعليه فإن صوت الكرد هو الحاسم، وفق التحالفات، في تحديد من هي الكتلة ذات الاغلبية.

ووفق ما سبق، يمكن القول إن الملف الكردي من أكثر الملفات تعقيداً في المنطقة، على اعتبار أن الكرد قومية تبحث عن دولة وهذا ما لم يتحقق بعد سواء في تركيا أو إيران وكذلك سوريا. في المقابل، فإن وضع الكرد في العراق ويشكلون ما بين ١٥ و٢٠ بالمئة من السكان أكثر وضوحاً، إذ ظلّ إقليم كردستان يتمتع بحكم ذاتي بحكم الأمر الواقع منذ عام 1991، وصار رسميا تحت حكم ذاتي بموجب دستور عام 2005 ودائما ما تشارك أحزابه في الانتخابات، ولها كلمة فصل في كثير من الأحيان كما أسلفنا.

هيمنة السياسية سياسية وخريطة تحالفات

يهمين الحزبان الكرديان الرئيسيان وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على المشهد السياسي في كردستان العراق. ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على حكومة الإقليم في العاصمة أربيل، وتعود زعامته التاريخية لمسعود البارزاني. ويحظى هذا الحزب بحضور واسع بين العشائر الكردية ويسعى إلى تأمين الاعتراف بحق الأكراد في تقرير المصير، بالتزامن مع السعي لتطوير النظام البرلماني الفيدرالي، وضمان مشاركة الأكراد في صنع واتخاذ القرار السياسي العراقي عن طريق المشاركة في مؤسسات الحكومة الاتحادية. أما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه “بافل الطالباني”، نجل الزعيم التاريخي للحزب والرئيس العراقي الأسبق “جلال الطالباني”، فتطغى سيطرته على مناطق بمحاذاة الحدود الإيرانية ومقره في مدينة السليمانية. ويعتبر حزبا كردياً بتوجه ليبرالي وعلماني، ويطالب الحزب بالحقوق القومية للأكراد.

وشغل الحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعدا في البرلمان العراقي بعد انتخابات عام 2018، فيما شغل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدا فيه. أما الأحزاب الكردية مجتمعة فحازت 58 مقعدا، فإلى جانب الحزبين الوطني والديمقراطي الكردستاني حصلت حركة التغيير الكردية على ٤ مقاعد، في حين حاز تحالف يقوده الرئيس العراقي الحالي برهم صالح على ٣ مقاعد. أما المقاعد الثمانية المتبقية فكانت لشخصيات كردية مستقلة، علما بأن عدد مقاعد البرلمان الإجمالية هي 329 مقعدا. لكن هذا المشهد ربما سيتغير في الانتخابات الوشيكة في سياق سعي الحزبين لبناء تحالفات جديدة مع أحزاب وحركات أقل حضورا في المشهد الكردي مثل الاتحاد والجماعة الإسلاميين، وحركة التغيير، وحركة الجيل الجديد، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وجماعة العدل الكردستانية.

في هذا السياق، ثمة اتفاق غير رسمي بين الاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الإسلامي بقيادة صلاح الدين بهاء الدين، وجماعة العدل الكردستانية بقيادة على بابير، من أجل دعم مرشحي بعضهم البعض في مختلف الدوائر الانتخابية. أما الاتفاق الرسمي فتمّ الصيف الماضي في مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني، بتوقيع اتفاق بين الاتحاد الوطني وحركة التغيير الكردية، لتشكيل “تحالف كردستان” بهدف خوض الانتخابات. ووقع الاتفاقية الرئيسان المشتركان للاتحاد الوطني، بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي، والمنسق العام لحركة التغيير عمر سيد علي. هذا الاتفاق قرئ في حينه على أنه أداة قلب موازين القوى في كردستان العراق، على اعتبار أنه سيشكل منافسا قويا للحزب الديمقراطي الكردستاني على حصد المرتبة الأولى بين القوى الكردية في عدد المقاعد بالبرلمان العراقي.

لكن الأمر لم يبق كذلك بحسب المحلل السياسي شوان محمد إذ برزت مشكلات “عائلية” داخل حزب الاتحاد الوطني حاليا بشأن زعامة الحزب، فما زال لاهور الشيخ جنكي، الرئيس المشترك، المعزول من قبل ابن عمه بافل طالباني، لم يحسم أمره بشأن دعم مرشحي الاتحاد الوطني بالانتخابات المقبلة، رغم أن هناك حديثا يدور خلف الكواليس، بأنه يدعم عددا منهم، سرا وليس علنا.

الكرد في الانتخابات العراقية
صورة تم التقاطها يوم ٥ أكتوبر ٢٠٢١ لرجل وهو يقود دراجته النارية بالقرب من دوّار تتواجد عليه لافتات مرشحي الحزب الديمقراطي الكردستاني المشارك في الانتخابات العراقية المقبلة، وذلك في مدينة زاخو شمال إقليم كردستان العراق. المصدر: ISMAEL ADNAN/ AFP.

الخلافات داخل الاتحاد الوطني خرجت إلى العلن على خلفية صدور قرارات بتغيير مسؤولين أمنيين في جهاز “زانياري” وهو أحد أكثر الاجهزة الأمنية التابع للاتحاد الوطني حساسية. وتم وضع رئيس الجهاز قيد الحجز لمدة 24 ساعة، دون الرجوع الى قيادة المكتب السياسي للاتحاد الوطني. وتم توجيه الاتهامات لكل من بافل طالباني وقوباد طالباني بالوقوف خلف هذا القرار السريع الذي وصفته وسائل إعلام مقربة من “لا هور شيخ جنكي” بـ “الانقلاب الابيض” وتسليم السليمانية لحزب بارزاني “الحزب الديمقراطي الكردستاني”.

ومنذ اندلاع هذه الأزمة في الثامن من يوليو ٢٠٢١، ما زال لاهور الشيخ جنكي قابعا في منزله، مع أنه يمتلك شعبية كبيرة في صفوف الحزب. وحتى الآن، تتجنب قيادات الحزب مطالبة لاهور بالمشاركة في الحملات الانتخابية التي يقودها قباد طالباني، شقيق بافل. وهذه الخلافات يراها المنافس الأهم، الديمقراطي الكردستاني، مؤشراً على أنه سيحظى بغالبية المقاعد أصوات الكرد وبالتالي صدارة الكتل الكردتسانية في البرلمان العرقي بطموح يصل إلى 30 مقعدا على الأقل.

تحالفات الاتحاد الوطني الانتخابية والإشكاليات الداخلية، قابلها الحزب الديمقراطي الكردستاني، حامل الإرث البارزاني، باستراتيجية التروي والدقة التي اعتمدها الحزب في خوضه للمعركة الانتخابية من خلال 51 مرشحا موزعين على 31 دائرة انتخابية. وكثّف الحزب من نشاطه خارج حدود الاقليم لاسيما في محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، إذ يعول عليها كثيرا حيث سمى 14 مرشحاً موزعين على سبع من أصل ثماني دوائر انتخابية في المحافظة. وهذا يؤشر الى أهمية هذه المحافظة ذات الغالبية (العربية السنية)، بالنسبة للحزب، فيما توقع البعض أن يحصل منها على 6 أو 7 مقاعد منها، مع المحافظة على استراتيجية كسب مناطق ثقله ومعاقله وعدم السماح للخصوم بتحقيق اختراق فيها. وفي هذه اعتمد على تسمية أقل عدد من المرشحين وأقواهم. وربما هذا ما منحه تقدماً وفق استطلاع للرأي أجراه مركز البيان للدراسات والتخطيط وهو مؤسسة عراقية مستقلة معنية بتقديم الدراسات الاستراتيجية في المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية المختلفة، على منافسه اللدود “الاتحاد الوطني”. ووفق الاستطلاع، فقد حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الحركات والشخصيات المتحالف معه على 7.45 بالمئة، فيما حصل الاتحاد الوطني على 1.83 بالمئة.

أما ورقة رئيس الجمهورية، فالثقل الذي تمنحه شخصية برهم صالح رئيس الجمهورية لحزب الاتحاد الكردستاني، قابلها الديمقراطي الكردستاني بشخصية وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري فهو بحسب المصادر سيكون مرشح الحزب لمنصب رئيس الجمهورية، والذي يجب أن يكون من المكون الكردي بحسب العرف السياسي المعتمد في العراق بعد العام 2003. ويعتبر زيباري من الشخصيات الدبلوماسية ذات العلاقات الواسعة عربيا وإقليميا فضلا عن امتلاكه تجربة سياسية غنية جراء توليه منصب وزير الخارجية خلال واحدة من أصعب المراحل السياسية التي عاشها العراق، إذ شغل المنصب في حكومة 2006 وحكومة 2010، أما شعبيا فهو خال مسعود بارزاني وهذا يمنحه زخما في الشارع الكردي لاسيما في أربيل.

المناطق المتنازع عليها

استبق الحزبان الرئيسان وكذا الأحزاب الأخرى الانتخابات بالعودة إلى المدن والبلدات المتنازع على إدارتها مع الحكومة المركزية. وكانت القوى الكردية قد خرجت من هذه المناطق على إثر استفتاء الانفصال الذي نظمه إقليم كردستان العراق، في 25 سبتمبر 2017، وردت عليه حينها حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بحملة عسكرية ضخمة بمشاركة قوات وتشكيلات مختلفة، بما فيها “الحشد الشعبي”. وتمكنت حينها الحملة من إخراج البشمركة، القوة العسكرية لإقليم كردستان، من كركوك ومدن وبلدات أخرى حدودية مع إقليم كردستان، وفرضت كامل سلطتها عليها.

الحزب الديمقراطي، وفي سياق العودة إلى تلك المناطق، أعاد نشاطه إلى مدينة مخمور جنوب شرقي الموصل. وتم افتتاح المقر الرئيس للحزب، إلى جانب مقرين آخرين كان يتواجد فيهما. كما عادت أحزاب أخرى من بينها الاتحاد الوطني إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط شمال بغداد. وقبل أسابيع قليلة، تم تنظيم حملات انتخابية تركزت في الأحياء الكردية. وتأتي هذه التحركات ضمن تسوية كاملة لعودة القوى الحزبية الكردية للمناطق التي يتواجد فيها عراقيون من القومية الكردية لغرض ممارسة أنشطتهم السياسية التي ستمتد إلى طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين، وخانقين في محافظة ديالى.

عودة الاحزاب الكردية إلى المناطق التي خرجت منها لم تلق أي معارضة من القوى السياسية الفاعلة. ويأتي هذا الأمر في سياق حرص الكتل السياسية على إرضاء القوى السياسية الكردية تحسبا لتحالفات برلمانية. إلا أن بعض الأصوات، ومن بينها عضو ائتلاف “دولة القانون” محمد الصيهود، تحفّظ على هذه العودة، معتبراً أنها قد تمهد لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 2017. وقال الصهيود إن القرارات الحكومية لا سيما المدعومة برلمانياً وقانونياً، “لا تسقط بالتقاد”، معربا عن خشيته من أن تكون هناك فعلاً تفاهمات بين أربيل وبغداد من أجل تثبيت إبقاء الحكومة الحالية لولاية أخرى في إشارة إلى حكومة مصطفى الكاظمي. ويؤكد هذا الأمر مرة أخرى بحسب السامرائي أن الكرد في العراق هم “صانعو الملوك” في معظم الاستحقاقات الانتخابية. أما على مستوى الواقع السياسي في كردستان العراق، يرى السامرائي أن التحالفات الرسمية وغير الرسمية التي تعقدها القوى السياسية الكردية داخل الوسط الكردي أو خارجه لن تؤثر في الخريطة السياسية في الإقليم، سيّما وأن المنافسة ستبقى قائمة بشكل أساسي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.