وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ورطة الأمم المتحدة في ليبيا

The UN's failing attempts to reconcile the two governments in Libya
خلال مظاهرة لدعم فجر ليبيا، التحالف العسكري الذي يدعم المؤتمر الوطني العام، غير المُعترف به من قِبل المجتمع الدولي، يقوم أحد المتظاهرين بلصق منشورات تشوه سمعة بيرناردينو ليون، المشرف على المفاوضات بين الحكومتين الليبيتين، طرابلس, ليبيا, 7 يوليو 2015. Photo Cyril Marcilhacy / Cosmos

مُنح التحالف الدولي الذي ساعد في الإطاحة بنظام القذافي في ليبيا عام 2011، الضوء الأخضر من قِبل الأمم المتحدة. فقد جاء تدخل الأمم المتحدة في ليبيا في وقتٍ مبكر، في قرارٍ صدر في فبراير 2011 بتجميد أصول العقيد معمر القذافي في الخارج، والذي تم اتخاذه بعد مضي أقل من أسبوعين على الاحتجاجات ضد نظامه. وسرعان ما تبعه قرار مجلس الأمن (1973) بفرض منطقة لحظر الطيران في ليبيا والسماح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة استخدام القوة لحماية المدنيين.

فقد كانت قوى حلف شمال الاطلسي (الناتو) الداعم الرئيسي للقرار 1973، حتى أنهم حصلوا على موافقة ضمنية من روسيا (حيث امتنعت روسيا آنذاك عن المشاركة)، ولكن لم تتوقع روسيا ولا الأمم المتحدة أن تؤدي الحرب إلى تغيير النظام. وبالتالي، لم يكن هناك سوى القليل من خطط إعادة التنظيم الجاهزة عندما استولى المتمردون المدعومون من (الناتو) على مدينة طرابلس.

تم التواصل في وقتٍ مبكر مع الأمم المتحدة لقيادة جهود إعادة التنظيم، وتشكلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) في 16 سبتمبر 2011، بولاية قابلة للتجديد لمدة ثلاثة أشهر. فقد كان للمتمردين روؤساء ومؤسسات رسمية خاصة بهم، إلا أن البلاد كانت تخضع لإشراف الأمم المتحدة بحكم الأمر الواقع، كما كانت أصولها الأجنبية مجمدة إلى حدٍ كبير، وكان جيشها بالكاد قادراً على الحفاظ على تماسك البلاد.

فقد كان السيد إيان مارتن أول رئيسٍ لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، وهو دبلوماسي متمكن من الأمم المتحدة الذي أصبح فيما بعد المستشار الخاص للأمين العام لتنسيق التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع في ليبيا. وفي هذا المنصب، أشرف على انتخابات نزيهة والانتقال السلمي للسُلطة بين المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان الذي تولى زمام الأمور بعد سقوط القذافي)، والمؤتمر الوطني العام (برلمان المؤتمر الوطني العام)، بحلول منتصف 2012.

سار العام بشكلٍ سلس، إلى حدٍ قريبٍ أو بعيد، بالنسبة للأمم المتحدة، وكان يبدو أن الأمور تسير في مسارها الصحيح، إلا أن المشاكل القبلية الداخلية المتمركزة إلى حدٍ كبير كانت شائعة، ولم تُسلم المليشيات أسلحتها. فضلاً عن ذلك، كان للدول الأجنبية التي شاركت في الإطاحة بمعمر القذافي أجندات مختلفة، وبخاصة دول الخليج المتنافسة، الإمارات العربية المتحدة وقطر. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتوفر سوى مبالغ صغيرة أو في بعض الأحيان لم تتوفر الأموال لإعادة الإعمار أو الإصلاح الهيكلي. فقد كان هناك ديمقراطية كاذبة أشادت بها الأمم المتحدة، إلا أنّ أساستها لم تكن ثابته، وكان الواقع أكثر قتامة.

وفي 17 أكتوبر 2012، بعد عام من بدء مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، تم استبدال مارتن بطارق متري، وهو سياسي لبناني عيّن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. تم تكليفه بنقل ليبيا من المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية، وهي خطوة تتطلب الموافقة على الدستور وتنظيم إنتخابات عامة. كما تتضمنت مهمة متري أيضاً تعزيز المؤسسات الليبية ومساعدة الشعب الليبي بالعودة إلى الحياة الطبيعية.

ومع ذلك، تميزت ولاية متري بتسارع الأحداث، مثل الاشتباكات العنيفة في قلب طرابلس وغيرها من المدن الكبرى والاستقالات المتتالية من الوزراء والمسؤولين في المناطق الأخرى، وأحياناً تحت تهديد السلاح. كما طرأت تغييرات أيضاً على الوضع الإقليمي، وبخاصة بعد أن دخلت تونس ومصر مرحلة الاستقطاب السياسي العميق الذي بلغ ذروته مع انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، في صيف عام 2013.

وبحلول ربيع عام 2014، حشد خليفة بالقاسم حفتر، وهو لواء سابق في الجيش الليبي، قواته ضد القوات التابعة للمؤتمر الوطني العام في بنغازي. دفعت عملية الكرامة بقيادته الحكومة في طرابلس إلى الموافقة على تنظيم انتخابات عامة، الأمر الذي لم تعارضه الأمم المتحدة. ولم يمنع الإقبال الضعيف على هذه الانتخابات (حوالي 18%) المجتمع الدولي، الذي تقوده الأمم المتحدة، من الاعتراف بالبرلمان الجديد (مجلس النواب الليبي) الذي سيستبدل مجلس المؤتمر الوطني العام.

ومع ذلك، رفض المؤتمر الوطني العام قبول نتائج التصويت، وأصبحت ليبيا رسمياً مُقسمة بين برلمانيين، بحكومتين وائتلاف عسكري جديد (فجر ليبيا التابعة للمؤتمر الوطني العام) الذي يحارب عملية الكرامة التي دشنها حفتر، التي أصبحت الآن تحت القيادة الاسمية لمجلس النواب الليبي. دفع التصعيد العسكري كل من الأمم المتحدة وغيرهم من الأجانب إلى مغادرة طرابلس، وأصبحت تونس مقراً مؤقتاً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل). فشلت الأمم المتحدة إلا أنها لم تعترف بهزيمتها.

النشاط الدبلوماسي العقيم للأمم المتحدة

وكان حوارٌ بين الائتلافين الرئيسيين المتنافسين للسيطرة على ليبيا، بقيادة الأمم المتحدة، على وشك أن يبدأ. واجه الحوار مأزقاً، بسبب تجزئة البلاد وليس مجرد انقسامها، مما نتج عنه منعطفات غير متوقعة. فقد تم استبدال متري ببيرناردينو ليون في سبتمبر 2014. دعا الدبلوماسي الإسباني لإجراء عملية تفاوض توزعت على عدة عواصم أجنبية. وخلال فترة ولاية ليون، كان يتم مناقشة مستقبل ليبيا، باستثناء عدد قليل من الاجتماعات في غدامس والمدن الليبية الأخرى، في الخارج.

زار بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، طرابلس في سبتمبر 2014 والتقى مع عدد من السياسيين. كما زار ليون في فتراتٍ متباعدة كل من طبرق وطرابلس وغيرها من المدن، ولكن أصبحت الأمم المتحدة منفصلة، بشكلٍ متزايد، عن الحقائق على أرض الواقع. فقد كانت الفصائل المتحاربة والتحالفات المتغيرة، والأولويات المتجددة القوى المحركة في ليبيا. وبالتالي، كان على الأمم المتحدة الاعتماد بشكلٍ كبير على الليبيين في الخارج، أو الليبيين الذين لا يملكون سيطرةً على الأرض، والسياسيين من التشكيلات السياسية والعسكرية الثانوية، وما شابه ذلك.

جرت عدة جولات من المفاوضات، في مواقع مختلفة، معظمها تحت رعاية الأمم المتحدة في مصر التي وقفت علناً مع حكومة طبرق، حيث تم تنظيم اجتماعات مع زعماء القبائل الذين يحملون مشاعر علنية معادية للمؤتمر الوطني العام. كما كانت تونس أيضاً، جارة ليبيا، موقعاً للمناقشات التي جمعت بشكلٍ أساسي زعماء البلديات وزعماء محليين. كما نظمت الجزائر سلسلتها الخاصة من المناقشات السياسية. وباعتبارهم جيران مباشرين لليبيا، أعرب الجزائريون عن قلقهم، إلا أنه كان أيضاً وسيلة للوقوف في وجه المغرب، خصمهم في السعي من أجل الهيمنة المغربية، حيث تجري محادثات الصخيرات.

حظيت محادثات الصخيرات بأكبر كم من التغطية الإعلامية من بين المفاوضات التي يقودها ليون. محادثات الصخيرات، التي بدأت في مارس 2015، تتضمن سياسيين من مختلف الأحزاب السياسية وممثلين عن القبائل والمليشيات الرئيسية. تألفت من سلسلة من الجولات، مع العديد من الانتكاسات، والتي “أنجزت تقريباً” كما صرّح ليون في يوليو 2015، عندما أعلن في حفلٍ منمق تتضمن مسؤوليين من المغرب والأمم المتحدة، نجاح المحادثات وتوقيع الإتفاق.

تم استبدال ليون في نوفمبر 2015 بمارتن كوبلر، وهو دبلوماسي ألماني، ولكن أظهرت التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام خلال تلك الفترة أن ليون، بينما كان يرأس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، كان يُفاوض مسؤولين اماراتيين لمنصبٍ في وكالة تمولها الحكومة في أبو ظبي. وبدا أيضاً أن ليون كان يلعب لعبة الإمارات في ليبيا، عندما حاول خلق انقسامات داخل معسكر فجر ليبيا. وبالتالي، عانت مصداقية الأمم المتحدة انتكاسة خطيرة أخرى.

وبناءً على ذلك، من غير المستغرب أن بعض الفصائل الليبية تحاول التحايل على عمل الأمم المتحدة، والإعلان عن مبادرات خاصة بهم، الأمر الذي لم يوافق عليه كوبلر، مبعوث الأمم المتحدة. أما اتفاق تونس، على الرغم من عدم إمكانية تنفيذه، إلا أنه لا بد أن يكون دعوة لصحوة المجتمع الدولي بفشل مهمة الأمم المتحدة وبأن الليبيين يبحثون عن حلولٍ في أماكن أخرى.

محادثات الصخيرات، التي وقعها ليون واحتفلت بها وسائل الإعلام الدولية، لا تزال مستمرة، ولم يكن هناك أي تأثير عملي على الاتفاقيات. فالحرب مستعرة، ولا تزال تجزئة ليبيا متواصلة. فضلاً عن ذلك، فإن فشل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حقيقة، وهكذا، تبقى ليبيا حالة دراسية لما يحصل عندما يتم التخطيط لحربٍ ما دون وجود خطط متزامنة لإعادة الهيكلة.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles