وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات الإسرائيلية عام 2015 – سباق حزبي محموم لدخول الكنيست

تل آبيب ، 25 يناير 2015 ، رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث خلال شن الحملة الانتخابية لحزب الليكود - Photo Dan Bar Dov/Demotix/Corbis
تل آبيب ، 25 يناير 2015 ، رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث خلال شن الحملة الانتخابية لحزب الليكود – Image by © Dan Bar Dov/Demotix/Corbis

مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية ـ المرتقب في السابع عشر من آذار (مارس) 2015 ـ يجول في الأذهان سؤال واحد، ألا وهو: هل من الممكن أن يخسر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الانتخابات هذه المرة؟

تتميز انتخابات هذا العام بكونها محيرة للمراقب، فقد حقق معسكر اليسار الصهيوني تقدماً ضئيلاً وذلك بفوزه بستة وعشرين مقعداً مقابل ثلاثة وعشرين مقعداً لحزب الليكود ـ الحزب السابق لنتنياهو. لكن في نفس الوقت ـ وفي متاهة السياسة الإسرائليلة ـ فإن التسابق لتأمين دعم أكبر الأحزاب لا يعني الكثير، فالأهم من ذلك هو تشكيل تحالف من أحزاب يكون بإمكانها حصد واحد وستين صوتاً من أصل مائة وعشرين في الكنيست، وهي الأصوات اللازمة لتشكيل حكومة، وهنا يكمن تفوق نتنياهو. فهو يستطيع التعويل على دعم قوائم اليمين المتطرف والحريديم المتشددين وهما الفئتان اللتان ترفعان دعمه إلى ما فوق الخمسين مقعداً، وبعد ذلك لا يبقَ عليه سوى العمل لتأمين قائمة أخرى أو اثنتين ليضمن بذلك الأغلبية التي يحتاجها.

لكن الانتخابات في إسرائيل ـ كما في غيرها من البلدان ـ ليست مجرد فترة يجري خلالها فرز الرابحين عن الخاسرين، وإنما هي فرصة لجس نبض الشارع وسبر التوجهات الاجتماعية وفهم الآراء والمواقف العامة.

تتبع إسرائيل نظام المحاصصة النسبية في التمثيل البرلماني، وضمن هذا النظام السلس لا تنفك الأحزاب تلمع وتخبو وتندمج وتنفصل. وفي كل مرة، تعكس التحالفات الجديدة طبيعة التوجهات الشعبية والأولويات السياسية القائمة. وفي ظل هذه العملية المستمرة، كانت أهم القضايا تبرز دوماً وتنعكس في تموضع الأحزاب الإسرائيلية على تنوعها.

لذا، ولأن الخريطة الحزبية الإسرائيلية دائمة التغير وتحير المراقب الخارجي، فقد يشكل عرض ملخص عن الأحزاب المتنافسة أفضل طريقة للتعرف على السياسة الإسرائيلية في العام 2015.

القدس ، 14 يناير 2014 - وزير الاقتصاد الإسرائيلي وزعيم حزب البيت اليهودي اليميني ، نفتالي بينيت ، خلال الانتخابات التمهيدية للحزب في القدس- (Xinhua/JINI)
القدس ، 14 يناير 2014 – وزير الاقتصاد الإسرائيلي وزعيم حزب البيت اليهودي اليميني ، نفتالي بينيت ، خلال الانتخابات التمهيدية للحزب في القدس- (Xinhua/JINI)

أحزاب اليمين

الليكود

حصل الليكود على 23 مقعد في استقصاء قامت به القناة اللإسرائيلية الثانية ويعتبر الليكود أكبر أحزاب اليمين الإسرائيلي، ويقدم نفسه على أنه الحزب الحاكم في إسرائيل، وهو كذلك فعلاً على مدى السنوات الست الأخيرة على الأقل. وقد ضم تحالفه مسبقاً صقور السياسة الأمنية والقوميين العلمانيين وليبراليي الاقتصاد والطبقة العاملة من يهود الشرق. وفي هذه الانتخابات تحديداً، قامت بعض الأحزاب الصغيرة بالاستحواذ على نسبة طفيفة من مكونات هذا التحالف، ويسعى الليكود الآن إلى كسب الناخبين من جديد من خلال التركيز على الحاجة إلى حزب حاكم قوي يقوده نتنياهو ذو الخبرة الطويلة، وذلك لتجنب فوز تحالف هش من أحزاب اليمين ويمين الوسط المتنوعة و”المتنازعة فيما بينها على قضايا تافهة”. وقد قام الليكود بالتسويق لنفسه بعرض فيديو يصور الأحزاب الصغيرة على أنها أطفال حضانة تنشغل بسفاسف الأمور، بينما يظهر فيه نتنياهو على أنه الشخص الراشد المسؤول الذي يتولى مراقبة أولئك الأطفال.

البيت اليهودي (15 مقعد):

وهو حزب يميني، كان معظم داعميه من المستوطنين المتدينيين، وظل لفترة من الزمن يحظى بالاحترام من قبل كثيرين. يتزعم الحزب حالياً نافتالي بينيت وهو رجل ذو كاريزما يحمل خططاً وطموحات سياسية كبيرة، ويسعى جاهداً لجذب الأغلبية الشابة في إسرائيل لمعسكره، وقد حققت مساعيه هذه بعض النجاح حتى الآن، فمن خلال كارزميته، قام بينيت بإطلاق حملة فيديوهات انتخابية خلاقة تهكمية تستهدف الناخبين العلمانيين المعتدلين. وقد ساعدت هذه الفيديوهات حزب البيت اليهودي على الاحتفاظ بحضور قوي بستة عشر مقعداً في الانتخابات. ويشكل نجاح بينيت في التوسع خارج دائرته الدينية القومية تحولاً في عقلية المجتمع الإسرائيلي، حيث أن أعداداً متزايدة من الناخبين العلمانيين أو التقليديين أخذوا يصطفون إلى جانب القوميين المتدينيين. لكن حملة بينيت الخارجة عن النمط التقليدي أثارت موجة من ردود الأفعال في المجتمع، فتغطية الحضور الديني المتشدد في قائمة الحزب في الكنيست وموقفه من المثليين يهدد بإبهات البريق الذي عمل بينيت بإتقان ليوصل الحزب إليه.

أحزاب الحريديم

في الطيف السياسي الإسرائيلي، لطالما كان الموقف من الصراع مع الفلسطينيين هو المعيار في فصل اليمين عن اليسار، لكن أكثر من مليون ناخب إسرائيلي سوف يدلون بأصواتهم اليوم لصالح أحزاب غير محسوبة على اليمين ولا على اليسار، فلدى هؤلاء الناخبين هموم أكثر إلحاحاً، فهم ينتمون إلى فئة الحريديم ويختارون أحزاباً تهدف إلى تكريس مصالح تلك الفئة.

حزب يهدوت هتوراة (سبعة مقاعد)

لدى حزب يهدوت هتوراة (7 مقاعد): حزب الحريديم الأشكناز (اليهود المتدينين المتشددين من أصول أوروبا الشرقية)، مهمة بسيطة: حماية مصالحها ، لا سيما الإعفاء من الخدمة العسكرية وصرف رواتب لطلاب يشيفاه. فمن جهة، يوّلد جدول الأعمال الاستياء بين العديد من الإسرائيليين العلمانيين. ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن ناخبيه يميلون إلى اليمين، إلا أن الحزب على استعداد لقبول الحكومة سواء من اليمين أو اليسار طالما أنّ الإعفاءات والرواتب مستمرة.

حزب شاس (سبعة مقاعد)

يمثل حزب شاس الحريديم من يهود الشرق، لكن كما هو الحال في الأحزاب الأخرى، يطمح هذا الحزب إلى أكثر من ذلك. وكمثل الحركات الدينية في العالم العربي، تمكن حزب شاس من توسيع قاعدته الشعبية من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية للفقراء، فكسب بذلك ولاءهم ودعمهم. ويأتي هذا الموسم الانتخابي تحديداً بعد حدث مأساوي تمثل بوفاة الحبر عوفاديا يوسف، البطريرك الروحي للحزب والحبر الشرقي الأكثر نفوذاً منذ قرون، وقد تسببت وفاته باندلاع منافسة محمومة ضمن حزب شاس لتولي إرث عوفاديا، وانتهت تلك المنافسة بتولي آريية درعي المعروف بكارزميته زعامة الحزب.

ياحاد

لا يستوف حالياً الحد الأدنى من الدعم المطلوب للمشاركة في الانتخابات والبالغ 3.25 بالمائة من إجمالي الأصوات ليدخل الكنيست. تأسس حزب ياحاد على يد إيلي يشاي الذي كان منافساً لآريية درعي في حزب شاس وانشق عنه واسس هذا الحزب، ويناضل حزبه اليوم ليستوفي الحد الأدنى المطلوب للمشاركة في الكنيست، وربما يضطر إلى الاندماج مع أحد أحزاب أقصى اليمين الصغيرة من أجل ذلك. ويشير مراقبون إلى أن الاندماج بين الحريديم (وهو عادة مناهض للصهيونية) من جهة وبين القوميين المتدينين من جهة أخرى هو نتيجة تبلور توجه في هذا المنحى أخذ يبرز في المجتمع الإسرائيلي على مدى السنوات الأخير.

أحزاب الوسط

في صيف عام 2011، تظاهر نحو نصف مليون إسرائيلي احتجاجاً على الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، خاصة غلاء المعيشة في إسرائيل. وقد فاقت أعداد المشاركين في تلك الاحتجاجات من الإسرائيلين أعداد الفرنسيين الذين شاركوا في مسيرات الاحتجاج على مقتل تشارلي إيبدو الضخمة مؤخراً. وتمخض عن احتجاجات العام 2011 في إسرائيل تشكل أحزاب وسط ركزت على قضايا قوت الشعب والطبقة الوسطى.

حزب يش عتيد (أو ـ بالعربية ـ هناك مستقبل) (تسعة مقاعد)

يتزعمه يائير لبيد، وهو شخصية كارزمية أخرى في هذا الموسم الانتخابي، ويمثل حزبه الطبقة الوسطى التي تتمثل أولوياتها في الحكم الرشيد، وإصلاح قطاع الإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية واليد العاملة ودخول الحريديم إلى المؤسسة العسكرية. وكان حزب يش عتيد قد تألق في انتخابات العام 2013 إذ فاز بتسعة عشر مقعداً في الكنيست، وهو ما كان كافياً ليضمن ليائير لبيد تولي حقيبة المالية في الحكومة، وهي تعتبر من الحقائب الوزارية القوية. ويصحّ تشبيه لبيد بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، فهو ـ كالأخير ـ لطالما خيب آمال مؤيديه رغم اتقانه لغة الخطابات، لكن بفضل مهاراته في إدارة الحملات الانتخابية لا يزال حزبه متماسكاً في استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات.

حزب كولانو (ثمانية مقاعد)

وهو حزب جديد، يركز على قضايا الدخل والمعيشة. ينحدر زعيم الحزب موشي كحلون من عائلة مهاحزرة من ليبيا، وقد نشأ وترعرع في حي فقير للمهاجرين.
صعد كحلون سياسياً في صفوف حزب الليكود، وتمكن ـ حين كان وزيراً للاتصالات ـ من كسر احتكار سوق الاتصالات الإسرائيلي من قبل بضعة شركات، واستطاع تخفيض فواتير الهاتف المحمول في إسرائيل بنحو 90 بالمائة. وفي خضم إصلاح قطاع الاتصالات، قام كحلون بركوب موجة شعبيته والانشقاق عن حزب الليكود، الذي يصر كحلون على أنه تخلى عن فئة الطبقة الكادحة من اليهود الشرقيين. ومن أجل تخفيض التكلفة المعيشية، يناصر كحلون إصلاح سوق العقارات (التي ارتفعت أسعارها بشدة في السنوات الأخيرة) وسياسات مكافحة الاحتكار في غير ذلك من القطاعات.

حزب إسرائيل بيتنا (سبعة مقاعد)

لا يركز هذا الحزب على تكاليف المعيشة، وإنما يهدف إلى اجتذاب الناخبين من ذوي الآراء الوسطية سياسياً فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، وذلك ليضيفهم إلى قاعدته الشعبية المؤلفة من كبار السن المهاجرين من الاتحاد السوفيتي والأتباع الشخصيين لزعيم الحزب أفيغدور ليبرمان. وقد تعرض الحزب لهزة قوية إثر انتشار فضيحة فساد تورط بها فانخفضت بذلك شعبيته ودعمه. وقد أفصح ليبرمان عن قائمة جديدة شابة لانتخابات الكنيست في محاولة للوصول خارج نطاق الفاعدة الشعبية التقليدية للحزب وناخبي اليمين اللذين لطالما جذبهما ليبرمان (عادة من خلال انتقاداته للأحزاب العربية الإسرائيلية).

أحزاب اليسار

المعسكر الصهيوني (26 مقعد)

برزت القائمة المشتركة لحزب العمل بزعامة إسحق هرتسوغ وحزب هاتنوا بزعامة تسيبي ليفني بوصفها (أي القائمة) المتنافس الأبرز في اليسار والوسط الإسرائيلي، حيث تحسن موقف زعيم حزب العمل إسحق هرتسوغ مؤخراً رغم تفوق خصومه عليه كارزمياً. ويركز هرتسوغ وليفني عادة على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وعلى السياسات المحلية لليمين الإسرائيلي التي تنتهجها الحكومة المنتهية. وفي نفس الوقت فإن الناشطين من أتباع الحزب يركزون بشكل رئيسي على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وقامت هذه الفئة بانتخاب قائمة مليئة بالنشطاء الشباب وداعمي السياسات الاقتصادية القائمة على الديمقراطية الاجتماعية. وبينما يرى مراقبون أن القائمة تعتبر شديدة التطرف بالنسبة إلى الكثير من ناخبي الوسط، يبدو أن هرتسوغ وليفني سيحاولان هذه المرة توسيع قاعدتهما قدر المستطاع.

حزب ميرتس (ستة مقاعد)

مرة أخرى هذا العام، يطلق هذا الحزب حملته اعتماداً على دعمه للأجندة العلمانية اليسارية. ويشكل هذا الدعم العلني والكامل جاذباً رئيسياً لقطاع لا بأس به من الناخبين الإسرائيليين. ويرى بعض المراقبين أن انبعاثة حزب العمل تهدد الدعم الذي يتلقاه حزب ميرتس، الذي قفز من ثلاثة مقاعد إلى ستة في العام 2013. وترى زعيمة الحزب زهافا غالئون أنه بدون حزبها لا يمكن التأكيد لناخبي اليسار الإسرائيلي أنه سيكون هناك تناسق في الأيديولوجية وصمود في ممانعة اليمين الإسرائيلي.

الأحزاب العربية

قائمة مشتركة قائمة مشتركة (12 مقعد)

في العام 2014 قام الكنيست بتعديل القانون الإسرائيلي ليصبح الحد الأدنى المطلوب لحزب ما ليدخل الكنيست هو 3.25 بالمائة من مجموع الأصوات، بدلاً من 2 بالمائة. وشكلت هذه الخطوة ـ كما أريد لها ـ تهديداً للأحزاب العربية الثلاث الصغيرة في إسرائيل. وقد اضطرت هذه الأحزاب بسبب التعديل إلى الاندماج في قائمة واحدة لكي تذهب إلى الانتخابات. ويتوقع بعض المراقبين أن القانون الجديد قد ينقلب نعمةً على الأحزاب العربية، فمن خلال دخولها الانتخابات في قائمة مشتركة، تكون هذه الأحزاب قد نأت عن الخلافات والنزاعات فيما بين القطاعات السياسية المختلفة، ويصبح بإمكانها استجرار أصوات الناخبين العرب وزيادة حصيلتها من الأصوات في موعد الانتخابات. وقد أشار سياسيون عرب بارزون أن الحزب لن يكون راغباً بالمشاركة في تشكيل حكومة إسرائيلية إلى جانب المعسكر الصهيوني، لكنه قد يدعمه من خلال التصويت بعدم الثقة ضد أي كتلة يقودها الليكود ليبقيها بعيداً عن زمام السلطة.