اتسمت الإضطرابات التالية للإنتخابات البرلمانية، والتي أسفرت عن الدفع برجل الدين الشيعي المُستضعف إلى الواجهة السياسية في العراق، بالجدل ومزاعم التزوير، ليتم اليوم التخطيط لإعادة فرز الأصوات مما سيُعطل بشكلٍ كبير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. فقد أثارت الاضطرابات مخاوف من اندلاع أعمال عنفٍ جديدة في البلاد، التي أشاد المراقبون الدوليون بانتخاباتها كخطوةٍ نحو تعزيز الديمقراطية.
إلا أنه لربما انتشرت التوترات بالفعل في أعقاب إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي حل في المركز الثالث في الإنتخابات، عزم ائتلافه تشكيل تحالفٍ مع الكتلة التي تصدرت الإنتخابات.
فقد شهدت انتخابات 12 مايو 2018 إحراز الائتلاف بقيادة مقتدى الصدر، وهو قائد ميليشيا سابق قاتل ضد الاحتلال الأمريكي للعراق في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تقدماً مفاجئاً على العبادي، الذي كان من المتوقع أن يفوز بعد تنامي شعبيته في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العام الماضي. كما تخلف تحالف العبادي عن الائتلاف الذي يتزعمه هادي العامري، وهو قائد ميليشيا شيعية أخرى.
ففي حين يعتبر الصدر عراقياً قومياً والذي أعرب عن شكوكه حول التدخل الأجنبي في العراق، بمن فيهم إيران، يعدّ العامري أكثر قرباً من إيران. وعليه، تم الترحيب بفوز الصدر، إلى حدٍ ما، من قِبل الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى من قِبل أولئك الذين قاتلوا في السابق ضد قوات الصدر.
فقد كانت نسبة الإقبال على التصويت الأقل على مدى التاريخ، إذ بلغت أقل من 45%، مما يعكس انعدام الثقة في العملية السياسية. وعلاوة على ذلك، قوّضت هذه الثقة بشكلٍ أكبر بسبب الأحداث التالية للاقتراع.
فبعد انتهاء الإنتخابات، وجه سياسيون- ممن فقد العديد منهم مقاعدهم، اتهاماتٍ بحدوث خروقاتٍ أثناء عملية التصويت، بما في ذلك حالات تزوير، وطالبوا بإعادة فرز الأصوات. نفت المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات هذه المزاعم، ورفضت الدعوة لإعادة فرز الأصوات.
وأثناء التصويت على تعديل قانون الإنتخابات في 6 يونيو، قرر البرلمان وقف عمل مفوضية الإنتخابات واستبدالها بلجنة من القضاة المكلفين بالإشراف على إعادة الفرز اليدوي لـ11 مليون صوت. أيدّ العبادي عملية إعادة فرز الأصوات وادعى وجود مشاكل بأجهزة عد الأصوات الإلكترونية التي استخدمت لأول مرة في البلاد. وفي الوقت نفسه، وصف معسكر الصدر إعادة فرز الأصوات بالنهج المُعطل لتقويض انتصار الصدر ومنع تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي اليوم نفسه، قُتل 18 شخصاً في انفجارٍ في مدينة الصدر، مركز دعم الصدر، والذي قال مسؤولون عراقيون إنه كان نتيجة لتفجير مخبأ للذخيرة، ولكن في بيانٍ بدا متضارباً، وصف بأنه “عدوانٌ إرهابي” على المدنيين. وفي وقتٍ لاحق، أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق مذكرة توقيف بحق 20 شخصاً متهمين بتورطهم بالتفجير، إلا أن دوافع الهجوم ما زالت غير واضحة.
واستمرت المأساة، ففي 10 يونيو، اندلع حريقٌ في مستودعٍ في بغداد حيث توجد صناديق الاقتراع المقرر إعادة فرزها. اعتقلت الشرطة العراقية ثلاثة من ضباط الشرطة وعضو في مفوضية الانتخابات لعلاقتهم بإندلاع الحريق. واستخدم البعض هذا الحادث للدعوة إلى إعادة الانتخابات، قائلين إن النتائج مشوبة. عارض العبادي هذا، بينما وصف ائتلاف الصدر مرةً أخرى إندلاع الحريق بأنها محاولة من الخاسرين في الانتخابات لتأجيل التصديق على النتائج وتشكيل حكومةٍ جديدة.
وفي أعقاب الحريق، أعلن ائتلاف الصدر- قائمة سائرون، المؤلف من جماعة الصدر والحزب الشيوعي العراقي- عزمه تشكيل تحالفٍ مع كتلة العامري، الفتح- وهو الائتلاف الشيعي الذي حل في المرتبة الثانية في الإنتخابات- وعزمهم المضي قدماً في تشكيل الحكومة. إلا أن هذا التحالف ينقصه 64 مقعداً من أصل الـ165 مقعداً المطلوبة لإنجاز هذه المهمة.
وفي محاولةٍ لربما كانت تهدف إلى تمهيد الطريق، أعلن العبادي والصدر في 24 يونيو عزمهما تشكيل تحالفٍ “يتخطى المشاكل العرقية والطائفية” “من أجل تسريع تشكيل الحكومة الجديدة والإتفاق على المبادىء التي تخدم تطلعات شعبنا.” وقال رئيس الوزراء إن التحالف الجديد لن يتعارض مع التحالف القائم بين الصدر والعامري، لكن يبقى أن نرى كيف ستتماسك جميع هذه الائتلافات الجديدة مع بعضها البعض.
هذا ويشعر المراقبون السياسيون بالقلق من أن الجدل الدائر حول الانتخابات قد يُطيح باحتمالات التحول الديمقراطي السلمي. فقد كتب إبراهيم المرعشي، وهو أستاذ مشارك في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ولاية كاليفورنيا في سان ماركوس، في عمودٍ لصحيفة ميديل إيست أي، “يبدو أن النشوة التي تشكلت بعد 12 مايو بتشكيل حكومة قومية غير طائفية تبددت في مواجهة واقع السياسة العراقية والنخب السياسية من أصحاب المناصب المستميتون للتشبث بالسلطة.”
في حين يخشى طلحة عبد الرزاق، الباحث في معهد الإستراتيجية والأمن في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، من أن “المزيد من التدخل في نظامٍ إنتخابي غير مستقر في الأصل… قد يؤدي إلى عنفٍ مدمر من شأنه أن يستنزف العراق بعد عقودٍ من الحروب والمعاناة.”
في هذه الأثناء، تفجرت الأوضاع في كركوك على وجه الخصوص. فقد أظهرت نتائج الانتخابات في المناطق الكردية والعربية والتركمانية المختلطة أن الاتحاد الوطني الكردستاني فاز بنصف المقاعد الـ12 المخصصة، بينما انقسمت المقاعد المتبقية بالتساوي بين الجبهة التركمانية العراقية والتحالف العربي في كركوك.
وبالرغم من أن النتائج بحد ذاتها لم تشكل أي مفاجأة، نظراً إلى التركيبة العرقية في المنطقة، إلا إنه كان هناك مخالفاتٌ أدت إلى اتهاماتٍ بالتزوير. فعلى سبيل المثال، في حين كان الإقبال في المناطق الكردية منخفضاً، ربما بسبب الاستياء من الاتحاد الوطني الكردستاني لسماحه للقوات العراقية بانتزاع كركوك من سيطرة الأكراد في أكتوبر 2017، حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على دعمٍ قوي، وبشكلٍ مدهش، في المناطق العربية والتركمانية التي لم يسبق أن دعمته تقليدياً.
فقد تظاهرت جماعات عربية وتركمانية حول مزاعم بتزوير الانتخابات، وطالبت بإعادة فرز الأصوات. فالوضع في كركوك حساس بشكلٍ خاص في ظل الخلاف حول المنطقة وإمكانية أن ينتهي بها الأمر في نهاية المطاف كجزءٍ من الدولة الكردية المستقلة – وهي نتيجة يعارضها العديد من السكان العرب والتركمان.
كما أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى أن كركوك لم تجرِ انتخابات مجالس المحافظات منذ عام 2005 لعدم توافق الجماعات داخل المدينة على العملية، على الرغم من أنه قد تم اليوم تحديد موعدٍ في شهر ديسمبر 2018.
وقد أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى احتمال تعرض هذا التقدم للخطر بسبب الجدل الدائر حول الانتخابات: “إذا كان الناس في كركوك لا يثقون في العملية الانتخابية ونتائجها اليوم، فلماذا لديهم ثقة في عملية ونتائج انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر أو، في النهاية، بالإستفتاء حول وضع الإقليم؟”.