حملت الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في 12 مايو 2018، وهي أول انتخاباتٍ تعقد منذ الإطاحة بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أواخر عام 2017، بعض المفاجآت.
وفي حين كان من المتوقع على نطاقٍ واسع فوز الإئتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، بالأصوات، بخاصة بعد النصر الذي حققه على تنظيم الدولة، إلا أن الائتلاف الذي يقوده مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي القومي وزعيم الميليشيا السابق الذي حارب ضد الولايات المتحدة، من تولى زمام القيادة، وتغلب على كلٍ من جماعة العبادي ومجموعة هادي العامري، وهو قائد ميليشيا شيعية أخرى أكثر قرباً إلى إيران.
وبشكلٍ غير متوقع، ووفقاً للنتائج الأولية، جاء تحالف النصر بقيادة العبادي في المركز الثالث، بينما حل تحالف الفتح بقيادة العامري في المركز الثاني، ليتربع تحالف سائرون، المؤلف من حزب الصدر والحزب الشيوعي، في المركز الأول ويظفر بـ54 مقعداً من أصل 329 في البرلمان. فقد سجلت نسبة الإقبال مستوى منخفض بلغ 44,5% مقارنةً بحوالي 60% في الإنتخابات السابقة قبل أربع سنوات، ويرجع ذلك في جزء منه إلى خيبة أمل الناخبين والمشاكل اللوجستية، بما في ذلك مشكلات تنفيذ نظام التصويت الإلكتروني الجديد في البلاد.
فالصدر لم يكن مرشحاً لوحده، وبالتالي فهو ليس مؤهلاً لشغل منصب رئيس الوزراء، إلا أنه قد يكون في وضعٍ يسمح له باختيار رئيس الوزراء المقبل.
وجاءت النتائج متعارضة مع استطلاعٍ وطني أجري قبل الانتخابات ووجد مستوى عالٍ من التأييد للعبادي، حيث رأى 79% من المشاركين في الاستطلاع على مستوى البلاد أنهم يفضلونه. ومع ذلك، أشار المعهد الديمقراطي الوطني في تحليلٍ سابق للانتخابات أنه في حين أن القتال ضد تنظيم الدولة زاد من الثقة في الجيش العراقي ودعمه ووحدّ البلاد إلى حدٍ ما، إلا أن الانقسامات العميقة لا زالت قائمة.
وأشار التحليل إلى أن “المكاسب العسكرية لم يقابلها إصلاحات سياسية، بما في ذلك التدابير التي تعالج الفساد المستشري والبطالة، فضلاً عن التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي أدت إلى نزوح أكثر من 3 ملايين عراقي ونقص الخدمات الأساسية للفئة الأكثر ضعفاً من المواطنين في البلاد.” وأضاف التحليل “إن جهود رئيس الوزراء حيدر العبادي لتقوية مؤسسات الحكم العراقية الهشة وإنتشال البلاد من الأزمة يتوقف على قبولٍ أوسع من جميع العراقيين، بما في ذلك السنة والأكراد وغيرهم من الجماعات العرقية والطائفية، وزيادة في الفرص للأقليات العرقية والدينية للمشاركة في الحياة المدنية.”
وبالمثل، لاحظ محللون آخرون التأثير المحتمل للمنافسة بين العبادي وسلفه، نوري المالكي، الذي أوجد انشقاقاً في حزب الدعوة الحاكم. وأشار موقع جلوبال ريسك إنسايتس، ومقره المملكة المتحدة، إلى أن الجماعات الشيعية التي كانت متحدة يوماً ما في حربها ضد صدام حسين أصبحت الآن “منقسمة بشدة” حول أفضل طريقةٍ للتعامل مع إعادة إعمار الدولة. وقد حدثت هذه الانقسامات في كلٍ من الانتخابات البرلمانية الأربعة التي أجريت منذ أن اعتمد العراق دستوره الجديد في عام 2005.
وأشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى أن “الأحزاب الإسلامية الشيعية قد فازت بثبات تماماً كما هو الحال دوماً باضطرارهم إلى التحالف في حكوماتٍ ائتلافية بسبب الانقسام السياسي؛ ولا ينتهي الأمر بأي كان من يفوز بأكبر عددٍ من الأصوات في منصب رئيس الوزراء.”
ومن المرجح أن يكون انتصار تحالف العامري قد أعطى نفوذاً أكبر لإيران لتدخلها في الشؤون العراقية. فقد أمضى العامري أكثر من عقدين في المنفى في إيران أثناء حكم صدام حسين، إذ كانت منظمة بدر في ذلك الوقت الجناح المسلح لمعارضة الشيعة العراقيين للديكتاتور السابق. وفي الآونة الأخيرة، كان لها دوراً قيادياً في محاربة داعش.
من جهةٍ أخرى، يُنظر إلى الصدر من منظورٍ قوميّ أكثر. ففي عام 1999، اغتيل والده محمد صادق، الذي قاد المقاومة ضد صدام من الطبقة الدنيا الشيعية في التسعينيات. وفي وقتٍ لاحق، تولى الصدر دور والده، حيث برز جيشه، جيش المهدي في عام 2003 عندما شن حرب عصاباتٍ ضد القوات الأمريكية المحتلة.
وعلى الرغم من أنه قضى ثلاث سنواتٍ في المنفى الاختياري في إيران، وعلى الرغم من أن جيش المهدي التابع له ساعد في تكاثر انتشار الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، إلا أن الصدر نأى بنفسه عن إيران وأعلن في بعض الأحيان تضامنه مع الجماعات السنية- أولئك الذين يحاربون الولايات المتحدة في أعقاب غزو عام 2003 وأولئك الذين احتجوا على حكومة المالكي في عام 2013.
يمكن اعتبار فوز الصدر المفاجىء في الانتخابات تصويتاً لاستقلال العراق عن القوى الأجنبية – بمعنى عن كلٍ من إيران والولايات المتحدة، ولربما يُشكل أيضاً دفعةً لمنافس إيران الإقليمي، المملكة العربية السعودية، التي كانت تحاول تعزيز علاقاتها مع العراق. ففي العام الماضي، زار الصدر المملكة العربية السعودية والتقى ولي العهد محمد بن سلمان.
إن توثيق العلاقات مع المملكة السعودية قد يعني المزيد من المساعدات من الرياض وزيادة جهود إعادة الإعمار المتعثرة في العراق في المناطق التي دمرت أثناء القتال ضد داعش. فقد أعيقت عملية إعادة الإعمار بسبب الإفتقار إلى التمويل، وغيرها من الأسباب. ففي فبراير، تعهد المانحون بتقديم مبلغ 30 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو مبلغ أقل بكثير من الـ88 مليار دولار الذي تقول الحكومة العراقية أنها بحاجته.
وفي هذه الأثناء، يبقى تأثير نتائج الانتخابات على علاقات العراق مع الولايات المتحدة وإيران غير واضح. فقد حافظ العبادي على علاقاتٍ ودية مع كليهما، على الرغم من تزايد العداوة بين الاثنين. ومن جهةٍ أخرى، لدى الصدر تاريخٌ من العداوة مع كليهما.
وعلى الرغم من ذلك، قال متحدثٌ باسم الصدر إنه سيحترم الاتفاقات بين العراق والولايات المتحدة فيما يتعلق بتدريب قوات الأمن العراقية وبيع الأسلحة إذا لم يكن هناك “تدخلٌ في سيادة العراق.”
في الواقع، قد تشكل نتائج الانتخابات نكسةً أكبر لإيران التي تتنافس مع السعودية على النفوذ في المنطقة.