تم اعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة في مدينة مراكش المغربية يومي 10 و11 ديسمبر 2018، مما يمثل حدثاً غاية في الأهمية في الدبلوماسية متعددة الأطراف. فقد كانت الحاجة الملحة لوضع الميثاق مدفوعةً بأعداد قياسية من الهجرة غير النظامية في السنوات الأخيرة.
وحالياً، يرتحل ما يقرب من 258 مليون شخص بعد أن تم اجتثاثهم من أرضهم بالقوة. ومنذ عام 2000، لقي ما لا يقل عن 60 ألف شخصٍ حتفهم أثناء عبورهم لأماكن أخرى بشكلٍ غير قانوني، إما عن طريق البحر أو البراري غير المأهولة بالسكان أو في مراكز الاحتجاز.
وبالتالي، يهدف الميثاق إلى بناء توافقٍ في الآراء حول كيفية حماية المهاجرين إلى جانب حماية سيادة البلاد. وشملت بعض الأهداف المتفق عليها مكافحة الأسباب الهيكلية للهجرة وتشجيع الخطاب العام المتأصل في الحقائق. ولعل أكثر الأهداف طموحاً هو تشجيع الجهود الدولية لإنقاذ الأرواح والعثور على المهاجرين المفقودين.
وعلى الرغم من هذا الإنجاز، إلا أن العديد من الحكومات اليمينية رفضت التوقيع على الميثاق، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والنمسا، وإيطاليا، بحجة أنه يقوّض السيادة ويسمح بالهجرة غير الشرعية.
ويقول مؤيدو الميثاق إن هذه الانتقادات تعكس سوء فهمٍ جوهري للميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة. ويشيرون إلى أن الميثاق غير ملزم وطوعي، مما يعني أنه لا يمكن معاقبة البلدان التي تقوم بالتوقيع ثم تنتهك أهدافه.
من جهتها، أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل باعتماد الميثاق، إذ صرّحت للصحافيين “إن هذا [الميثاق] لا يعدو كونه مجرد أساسٍ لتعاوننا الدولي.”
في حين كتب ريتشارد جوين، وهو زميل أقدم في مركز أبحاث السياسات التابع لجامعة الأمم المتحدة، أن آلية الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة يمكن أن تمهد الطريق لسياسةٍ أكثر تقدمية في المستقبل. وأضاف أنه بتقييم تاريخ الدبلوماسية متعددة الأطراف، يمكن الآن للنشطاء والحكومات الإشارة إلى الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة عند الضغط من أجل رد فعلٍ أكثر إنسانية لصالح المهاجرين.
وعلى الرغم من جميع التفاهمات التي تم التوصل إليها، إلا أن الميثاق العالمي للهجرة يُحافظ على قدسية اعتبارات حقوق الإنسان الأساسية للمهاجرين الذين، على خلاف اللاجئين، غير محميين بموجب القانون الدولي. فعلى سبيل المثال، كان الفريق الأوروبي يُقنع الدول التي تنتج أكبر عددٍ من المهاجرين بإعادة إدخال مواطنيها المرحلين. وأثار هذا الطلب نقاشاً أكبر حول ما إذا كان ينبغي تطبيق قاعدة عدم الإعادة القسرية على المهاجرين.
إن عدم الإعادة القسرية هو المبدأ الأساسي في القانون الدولي للاجئين، والذي ينص على أنه لا يمكن إعادة أي شخص إلى بلده الأصلي أو أي بلدٍ آخر قد يواجهون فيه خوفاً مبرراً من التعذيب أو الاضطهاد. وكحلٍ وسط، لا يتضمن الميثاق العالمي للهجرة، بشكلٍ صريح، عبارة “عدم الإعادة القسرية،” ولكنه ينص في الهدف 21 على “حظر الطرد الجماعي وحظر إعادة المهاجرين متى وجد خطر فعلي ومتوقع يهددهم بالقتل أو يعرضهم للتعذيب.”
وبالتالي، يُشير الهدف 21 إلى نجاحٍ كبير في إعادة تعريف المعايير الدولية تجاه الهجرة، رغم أن معظم المهاجرين لا يزالون يعانون من المعاملة غير الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
ورغم ذلك، تحاول بعض البلدان النامية تنفيذ إصلاحاتٍ متواضعة على نظام الهجرة الخاص بها. ويعتبر المغرب، الذي استضاف مفاوضات الميثاق العالمي للهجرة، مثالاً بارزاً على ذلك.
ففي عام 2013، دعا الملك محمد السادس إلى إصلاح سياسة الهجرة في البلاد، بما في ذلك إنشاء مسار قانوني لتنظيم الأشخاص غير المسجلين. كما أضاف الملك أن المغرب اضطر إلى وضع قانونٍ للجوء وقانونٍ لمكافحة الاتجار بالبشر، مما يضع الدولة الشمال افريقية في مرتبةٍ متقدمة مقارنةً بجيرانها الإقليميين فيما يتعلق بسياسة الهجرة.
شكل قرار الملك انتصاراً لمنظمات المجتمع المدني والهجرة المغربية في البلاد، التي عملت غالبيتها على الضغط لسنوات لإنهاء الوحشية السياسية ضد المهاجرين واستغلال المهاجرين في سوق العمل غير الرسمي.
في حين كتبت كيلسي نورمان، وهي مرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، أنه ينبغي على وجه الخصوص الإشادة بالفضل إلى المنظمة غير الحكومية المحلية، مجموعة مناهضة العنصرية لمواكبة والدفاع عن الأجانب والمهاجرين، لدفاعها على القضية بالنيابة عن المهاجرين والأجانب منذ عام 2006.
ففي أغسطس 2013، أصدرت مجموعة مناهضة العنصرية لمواكبة والدفاع عن الأجانب والمهاجرين تقريراً نقدياً حول ممارسات الهجرة في المغرب. وعليه، قدم المجلس المغربي لحقوق الإنسان، في وقتٍ لاحق، ملخصاً للتقرير إلى المسؤولين الحكوميين. وفي الشهر التالي، أي في 9 سبتمبر، قدمت مجموعة مناهضة العنصرية لمواكبة والدفاع عن الأجانب والمهاجرين التقرير خلال منتدى دولي لحقوق الإنسان في جنيف، سويسرا. وفي اليوم التالي، أعلن الملك عن خطط ٍلتعديل نظام الهجرة في البلاد.
وفي هذا الصدد، كتبت نورمان، “خلصت مجموعة مناهضة العنصرية لمواكبة والدفاع عن الأجانب والمهاجرين وغيرها من [منظمات المجتمع المدني] إلى أن الدافع الرئيسي وراء إعلان الملك إجراء إصلاحاتٍ كان العار الدولي: المغرب يحتقر الإذلال على المسرح الدولي.”
وبحلول أوائل عام 2015، حصل أكثر من 16 ألف مهاجر على تصاريح إقامة، على الرغم من رفض طلب أكثر من 10 آلاف منهم. وبحسب ما ورد، أخبر العديد من المهاجرين منظمات المجتمع المدني أن النساء يحظون بفرصٍ أكبر في الحصول على تصريح إقامة من الرجال، مما أثار جدلاً واسعاً. ومع ذلك، كان إصدار تصاريح الإقامة تطوراً محموداً لأنه يوفر للمهاجرين التعليم المجاني والرعاية الصحية والحق في العمل.
ومع ذلك، تظل القوة المفرطة المستخدمة ضد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا مصدر قلقٍ كبير. فقبل ثلاثة أسابيع من تبني الميثاق العالمي للهجرة، انتقدت منظمة العفو الدولية المغرب لاعتقاله 5000 مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء في يوليو ونقلهم عبر حافلاتٍ إلى مناطق نائية قريبة من الحدود الجزائرية. كما قالت جماعات حقوق الإنسان المحلية إن الشرطة المغربية تستخدم بشكلٍ روتيني القوة المفرطة، والتي تسببت في وفاة اثنين من الجنسية المالية في أوائل عام 2018.
بيد أن خالد الزروالي، مدير الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية المغربية، أخبر الجزيرة أن مزاعم إساءة معاملة المهاجرين لا أساس لها من الصحة. ويصر على أن دورية الحدود تعمل في حدود القانون وأن السلطات قامت بتفكيك 130 شبكة تهريب على الأقل في عام 2018 وحده.
وقال الزروالي، “اعتدنا أن نكون بلد المنشأ، ثم أصبحنا بلد عبور. والآن، بفضل جهودنا، أصبحنا بلد مقصد.”
هناك جانبٌ من الحقيقة في دفاعه هذا، إلا أن المغرب يبقى نقطة عبورٍ رئيسية ومصدراً للمهاجرين. فقد دفع القمع ضد المتظاهرين في منطقة الريف بالعديد من المغاربة المهمشين إلى تقديم طلبات باللجوءٍ في إسبانيا. كما أن الحدود الموصدة في كلٍ من تركيا ولبنان جعلت المغرب أيضاً الخيار الأقل خطورة للأشخاص اليائسين الهاربين من أوطانهم.
ورغم إصرار المغرب على معاملته المهاجرين بإنسانية، يقول المهاجرون إنهم يعاملون مثل المجرمين. فقبل يومٍ واحد من اعتماد الميثاق العالمي للهجرة، أجرى مراسل من وكالة أسوشيتد برس مقابلاتٍ مع مهاجرين يقبعون في أحد المخيمات في الدار البيضاء، حيث ينتشر الجوع وسوء الصرف الصحي.
وبحسب ما ورد، فقد تم ضبط معظم الناس في المخيم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا. ويقول الكثير منهم إنهم يبحثون الآن عن عملٍ ما، حتى يتمكنوا من كسب ما يكفي من المال لتوظيف مهربٍ آخر.
وقال جاين جبراهيما، البالغ من العمر 22 عاماً، من السنغال لوكالة أسوشيتد برس، “الرحلة المحفوفة بالمخاطر لم تنتهي أبداً. [نحن نعيش في] خوفٍ مستمر. تمشي في الشارع، ويتم القبض عليك. تذهب إلى المسجد، ويتم القبض عليك. نحن نشعر بأننا مجرمون.”