في خطوة شكلّت صدمة في الشارع العربي في مجتمعات عدة دول خليجية تعدّ جزءاً من دول مجلس التعاون الخليجي، قامت كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين بسحب سفرائها من قطر في مارس 2014. هذا وكان مجلس التعاون الخليجي قد أنشىء في عام 1981 ويضم الدول الأعضاء المؤسسين، المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعُمان والبحرين.
ازدهر المجلس الذي تجمع بين أعضاءه لغة ودين مشترك، بنهجه أحادي الجانب في العديد من القضايا الملحة كما تم افتتاح وكالات مشتركة بين مختلف الدول الأعضاء لتعزيز الروابط المتنامية فيما بينها. كما كان هناك حديث عن توحيد العملة، تماماً مثل اليورو في الاتحاد الأوروبي إلا أن هذا لم يتحقق بعد. أما فيما يتعلق بمجال الأمن والتجارة والتعرفة الجمركية والدفاع الاقليمي، تتعاون الدول الأعضاء فيما بينها. فضلاً عن ذلك، فقد تم إنشاء قوة عسكرية اقليمية موحدة باسم درع الجزيرة لحماية الدول الأعضاء من العدوان الخارجي. كما أنّ هناك خطط لإنشاء شبكات لسكك الحديد لربط الدول الأعضاء والحدّ من أوقات التنقل فيما بينها.
إذاً ما الذي حصل في مارس 2014 وأوشك أن يفكك هذا الاتحاد الذي يبلغ من العمر عقوداً من الزمان ويلقي به في غياهب النسيان؟ في ذلك الوقت عندما تم استدعاء المبعوثين الدبلوماسيين، صرّح قادة الدول الثلاث الذين تحركوا ضد قطر أنهم يسعون إلى “حماية أمنهم واستقرارهم”. اتهمت الدول الثلاث الدوحة بالتدخل المُغرِض في شؤونها الداخلية والمساس بالأمن الإقليمي من خلال دعم قطر غير المحدود لجماعة الإخوان المسلمين. واتهموا بشكلٍ جماعي قطر بعدم “الالتزام بمبادىء” مجلس التعاون الخليجي وأنّ عليها “اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان أمن دول مجلس التعاون الخليجي”.
وفشل اجتماع سابق لوزاء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، في وقتٍ سابق من سحب السفراء، بإقناع قطر الوصول إلى إتفاق بالرأي حول مخاوف الدول الأعضاء الثلاث الأخرى. وقال بيان رسمي صدر بعد المحادثات ان دول مجلس التعاون الخليجي “بذلت جهود ضخمة في المحادثات مع قطر على كافة المستويات من أجل الاتفاق على سياسة موحدة… لضمان عدم التدخل، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الشؤون الداخلية لأي دولة عضو”. وللأسف لم تسفر هذه الجهود عن أي اتفاق مع قطر بشأن الالتزام بهذه الإجراءات، الأمر الذي دفع الدول الثلاث لاتخاذ الإجراء المناسب من أجل حماية أمنها واستقرارها، من خلال سحب سفرائها من قطرعلى الفور. وبشكل أكثر تحديداً، طلبت الدول الأعضاء الثلاث من قطر “عدم دعم أي طرف يشكّل تهديداً لأمن واستقرار أي دولة من أعضاء مجلس التعاون الخليجي”. في حين أنّ امتناع الدول الأعضاء الأخرى مثل الكويت وسلطنة عُمان تسبب بإثارة زوبعة من التساؤلات بين المحللين السياسيين ما إذا كان هذا إذاناً بنهاية مجلس التعاون الخليجي.
على صعيد آخر، كانت قطر من أشد المؤيديين للرئيس محمد مرسي في مصر وجماعته، جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011. في حين كانت الدول الثلاث الأخرى تنظر إلى مرسى والإخوان بحذر بسبب مخاوفهم من أن تمتد ذراع الجماعة الطويلة إلى حدودها مسببةً اضطربات مدنية فضلاً عن إسقاط الأنظمة الملكية.
وسرعان ما تراجعت العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية، اللاعب المُهيمن في مجلس دول التعاون الخليجي، وقطر التي قدمت في عام 2012 دعمها الدبلوماسي إلى جانب مبلغ ثمانية مليارات دولار للرئيس المصري آنذاك محمد مرسي وحكومته الإسلامية الجديدة. السعودية، التي تدرك الدعم الكبير الذي تحظى به جماعة الإخوان المسلمين في المملكة بالإضافة إلى تخوفها من اندلاع اضطربات طائفية داخل حدودها، بذلت قصارى جهدها في مساعدة الحركة الشعبية في مصر للإطاحة بالرئيس مرسي من سِدّة الحكم مما أسفر عن صعود قائد الجيش عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في يوليو 2013. رفضت قطر بوضوح الاعتراف بالحكومة الجديدة وقطعت جميع أشكال الدعم المالي عن الحكومة الجديدة، إلا أنّ هذا لم يرِق للملك عبدالله عاهل السعودية. وبدأ خطاب الزعماء الإسلاميين في الدوحة بمهاجمة دول الخليج الثلاث علناً مما أدى إلى تحديد الولاءات في هذا الصراع.
ربما دفع شعور قطر بالعزلة والاستهداف بعد صعود أسهم “تنظيم الدولة” المتطرف، إلى تقاربها بهدوء من جيرانها التي اتسمت علاقتهم في الفترة الأخيرة بالنفور وسعيها إلى اتخاذ الاجراءات اللازمة للتهدئة.
التسوية
وفي نهاية عام 2014، بدأت على يبدو، تظهر بعض الشقوق في هذا الموقف المتصلب. ففي 16 نوفمبر عُقد إجتماع طارىء بين قادة دول الخليج في العاصمة السعودية بما وُصف بـ”اتفاق الرياض التكميلي” حيث وصلت حكومات كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى اتفاق حول بعض التفاصيل وتمت عودة سفرائها إلى قطر. البيان التصالحي المشترك الذي صدر عقب الجلسة الختامية أوصى بالإتفاق على “فتح صفحة جديدة من شأنها أن تشّكل قاعدة صلبة، خاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة” في إشارة إلى التهديد المتزايد من قِبل “تنظيم الدولة” الذي يهدد استقرار المنطقة بأكملها. استقبلت هذه الأخبار براحة كبيرة وتوقعات بإعادة العلاقات إلى عهدها السابق.
كما عمل العاهل السعودي، الملك عبدالله، على حشد الدعم القطري للنظام المصري الجديد وتم اتخاذ الخطوات لتطبيع العلاقات بين قطر ومصر، إذ كانت تلك خطوة حاسمة تهدف إلى تهدئة الأوضاع في دول الخليج. وبعد وفاة الملك عبدالله، في يناير 2015، برزت تكهنات بدفن جهوده معه وبالتالي عدم استمرار التقارب المرجو بين قطر ومصر. ولكن أكدّ محمد محمود، وهو باحث متخصص في الشؤون العربية في المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية أنه “لا أعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير في السياسات السعودية. أعتقد أن الملك سلمان سيتبع خطى شقيقه”.
وأضاف محمود أن المصالحة المصرية القطرية تسير بشكلٍ إيجابي وأضاف ” يلاحظ وجود تغيير في اللغة المستخدمة في خطابات وسائل الإعلام في كلا البلدين بالمقارنة مع التغطية التي غلب عليها طابع الانتقاد قبل بضعة أشهر. المملكة العربية السعودية تلعب دوراً إقليمياً هاماً، ولن يتغير موقفها بتغير الملك”.
ويتمتع العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان، بعلاقة طيبة وودية للغاية مع أمير قطر الذي زار الرياض في فبراير الجاري ويبدو أنّ التهديدات السابقة بإقصاء قطر من دول مجلس التعاون الخليجي باتت اليوم مجرد ذكرى سيئة. حالياً، مجلس التعاون الخليجي بأفضل حال.
ومع ذلك، لا تسير الأمور على خير ما يرام بين قطر ومصر، حيث سحبت الدوحة سفيرها من القاهرة في فبراير بعد أن اتهمت مصر قطر بدعم الإرهاب قي ليبيا بعد أن عمد “تنظيم الدولة” إلى قطع رؤوس 20 قبطي. ولكن هذه المرة، تدعم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى قطر معتبرةً أنّ هذه الإدعاءات “لا أساس لها من الصحة”.