جاستن صالحاني
في إبريل 2021، وُضع الأمير الأردني حمزة بن الحسين قيد الإقامة الجبرية في منزله بعد اتهام أخوه-غير الشقيق- الملك عبد الله له بالتخطيط للإنقلاب عليه بدعم خارجي. وبعد مرور عام تنازل حمزة عن لقب الأمير عبر بيان نشره على حسابه على موقع تويتر على الرغم من توارد أنباءٍ منذ فبراير الماضي عن صلح قد جرى بينهما.
وقال حمزة في بيانه: “فإنني وبعد الذي شاهدت خلال الأعوام الأخيرة قد توصلت إلى قناعة بأن قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي في نفسي… لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا”.
وكان حمزة قد قال في إبريل 2021 إنه تعرض للتضييق بسبب حديثه عن الفساد وتآكل حرية التعبير في الأردن، أما الديوان الملكي الهاشمي فاعتبره يحاول زعزعة استقرار المملكة.
ويأتي تنازل حمزة عن لقبه بعد تغيير تصنيف منظمة فريدوم هاوس الأردن من دولة “حرة” إلى دولة “غير حرة” عام 2022، بعد عام اتخذت فيه المملكة إجراءات عنيفة لقمع المظاهرات المناهضة للحكومة. كما صنف مؤشر الإيكونوميست للديموقراطية الأردن في المرتبة الـ 118 في العالم، وجاء ترتيبها بعد ملكيات أخرى في المنطقة كالكويت وقطر.
وفي إبريل من العام الماضي، أفادت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول في الاستخبارات الأردنية أن حمزة، الذي كان وليًا للعهد منذ عام 1999 إلى أن جرّده الملك عبد الله من لقبه عام 2004، وأنزلهُ قيد الإقامة الجبرية في منزله، فقُطعت عنه الإنترنت واستخدام الهاتف، كما جُرّد من حرسه الشخصي، ما منعه من التواصل بأي طريقة مع العالم الخارجي.
وعلى إثر ذلك، اُعتقل أكثر من 20 شخصًا لهم علاقة بمحاولة الانقلاب على الملك عبد الله، القائم على رأس الدولة منذ 22 عامًا. وكانت قد عبّرت دول عديدة عن دعمها الاستقرار في المملكة الأردنية. أما داخليًا، فقد حظرت الدولة النشر في القضية.
ولم يمضِ وقت حتى انتشر فيديو ومقطع صوتي مسرّب في أنحاء البلاد يظهر فيه حمزة مخاطبًا رئيس الأركان يوسف الحنيطييطلب منه أن يحدّ من ظهوره، وزياراته العائلية، وحضور المناسبات، وأن يتوقف عن نشر التغريدات، وأنه قد تعدّى الخطوط الحمراء. وعندما سأله حمزة إن كان ذلك تهديدًا، أجابه بالنفي.
وفي نهاية الحوار قال حمزة: “والمرة القادمة لا تأتِ لتهددني في بيتي، بيت الحسين. الله يعطيك العافية”.
واستطاع حمزة رغم انقطاع الانترنت والهاتف عنه أن يسّرب مقطع فيديو ينكر فيه كل الاتهامات الموجهة إليه. وأصرّ على أنه يُعاقب على التعبير عن مخاوفه التي يشاركه فيها العديد من الأردنيين من الفساد وتكميم الأفواه.
وقال في فيديو سُرب إلى بي بي سي أثناء إقامته الجبرية: “لست المسؤول عن حالة الخراب السائدة في البلاد… إنهم يحاولون اعتقال وتكميم أي شخص يحب بلده… ويتهمونه باتباع أجندة خارجية” وقد نشر حمزة كذلك مقطعًا باللّغة العربية.
وفي هذه المؤامرة المزعومة، أدانت محكمة أمن الدولة قريب الملك، الشريف حسن بن زيد، والمستشار المقرب منه، باسم عوض الله، بالتحريض على الفتنة وحُكم عليهما بالسجن 15 عامًا. بينما حضر حمزة والأمير الحسن عم الملك عبد الله للتصالح. وكان الأمير الحسن بن طلال قد ظل ولي عهد الأردن لمدة 30 عامًا لكنه جُرّد من ولاية العهد قبل ثلاثة أسابيع فقط من موت أخيه الملك الحسين عام 1999.
وقد سرت شائعات في المملكة الهاشمية بعد قرار حظر النشر. وفي فبراير أعلن الديوان الملكي ولادة ابن حمزة. كما أعلن الملك عبد الله أنه تلقى خطاب اعتذار من حمزة.
وقال في الخطاب: “لقد مرّ أردننا العزيز العام الماضي بظرف صعب، وفصل مؤسف… ووفرت الأشهر التي مرت منذ ذلك الوقت فرصة لي لمراجعة الذات، والمصارحة مع النفس… لقد أخطأت”.
كما لم يظهر حمزة إلى العلن منذ إقامته الجبرية إلا في زيارة إلى قبر والده رافق فيها الملك عبد الله. لكن يبدو أن المصالحة العامة لم تتم إلا بتنازل حمزة عن لقبه الملكي على ما يبدو.
ولم تقّدم المملكة أي دليل على زعزعة حمزة لاستقرار البلد. لكن بعض الأردنيين دعموه سرً ا خلال الأزمة في العام الماضي. وكثيرون قد خافوا من إبداء آرائهم خوفًا من الاتهام بالخيانة.
و قال مواطن أردني لمجلة نيو لاينز: “كانت هذه أول مرة يتحدث بما نفكر فيه جميعًا. كل أردني هو حمزة”.
وأضاف : “نحن نفر من بلادنا بسبب الفساد، من المستحيل أن نسيّر أعمالنا فيها”.
كانت السنوات الماضية قاسيةً على الأردنيين، فقد فاقمت جائحة كورونا الأزمة الاقتصادية التي تعصف بفقراء البلد. ولذلك أعلن البنك الدولي في مارس الماضي استجابةً طارئةً للجائحة بقيمة 350 مليون دولار تهدف إلى دعم 120 ألف أسرة أردنية. وقد تخفف هذه الاستجابة من وطأة الأوضاع على فقراء البلد، لكن التآكل البطيء للحريات في المملكة يدق ناقوس الخطر.
فلم يكن من الشائع أن تخرج خلافات الديوان الملكي الهاشمي إلى العلن، كما تظهر جهود المصالحة والتكتيم الإعلامي أن وضع هالة حول وحدة البيت الهاشمي أمر مهم للمملكة. ربما يكون الملك عبد الله قلقًا من توقف الدعم الإقليمي والدولي له بعد توقيع اتفاقات إبراهيم. وكان عليه الآن وهو يخطو خطواته في العقد الثالث من حكم المملكة أن يستغل الحدث ليستمع إلى ما يقوله أبناء شعبه في هذا الوقت العصيب، لولا أنه خلق ظروفًا تحول بينهم وبين التعبير عن آرائهم.